الثلاثاء، 29 سبتمبر 2009



بسم الله الرحمن الرحيم
كتيبة القلم
المنتدي الفكري الثالث

خليفة المهدي المفترى عليه
رئيس الجلسة :الدكتور عوض جبر الدار.
القرآن :تلاوة آدم عبدالله ترجم.
كلمة الكتيبة: زينب عبدالرحمن أزرق.
المتحدث الرئيسي: الأستاذ عبدالحميد الفضل .
معقبون: د.فدوى عبدالرحمن علي طه.
الأستاذ عبدالله آدم خاطر.
الاستاذة اخلاص مكاوي.
خليفة المهدي المفترى عليه تقديم :الأستاذ عبدالحميد الفضل
"الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون..حتى تكسبون".
منذ سنين عديدة كنت أتابع ما كتب عن خليفة الصديق وكنت لا أستغرب قدح من هم خارج الوطن ولكني شعرت بأن المعلومات المغلوطة أخذت طريقها لعقول البعض في السودان مما دفعنا الى التفكير في اجلاء الحقائق التي لا يتناطع فيها عنزان.
بسم الله الرحمن الرحيم
ولد خليفة المهدي عام 1846هـ (أصغر من الامام المهدي بسنتين) وقبل الاسترسال في سيرته أضع في الأذهان بعضا مما واجهته شخصيته موضوع الندوة من نقد وتجريح، مثلا :
- يوجد أكثر من 50 ألف وثيقة أصلية عن شجاعته واقتداره وأخلاقه ومع ذلك تعرضت سيرته للتشويه .
- أختلقت عشرات الكتب تحكي عن سطوته وقلة ادراكه وضيقه بالرأي الآخر.
- استطاعت الافتراءات أن تعلق بأذهان الكثيرين من أهل السودان فخاضوا في تنقيص دوره وفصل الامام المهدي عنه.
هل هو تعايشي ؟وما أصل الكلمة؟
ألصقت الكلمة الى اسم جد القبيلة أحمد تعيش الذي كان جده يهدهده (ات تكبر تعيش) يرجع أصل القبيلة الى بني هاشم وقد كان الخليفة سعيا وراء توحيد الدولة يقول(أنا أمكم والمهدي أبوكم) في مذكرات عبد السلام الخليفة توثيق لنسب الخليفة :علي الكرار جده لوالده وقد أتت الأسرة من جنوب تونس واستقروا في دار التعايشة في غرب السودان. التف الحيران حول جده وذاع صيته لتمكنه من العلم حتى فتن الرزيقات به.من مذكرات محمد داؤود الخليفة قبر جده في قرية عدارة في دار التعايشة.تزاوجت الأسرة مع القبيلة وبشر جده بالطريقة السمانية (مع ان معظم ناس الغرب من التيجانية) تزوج الجد من التعايشة لينجب:محمد واحمد وحامد وزهرا وحواء وخادم الله. تزوج السيد محمد (والد الخليفة) من عدة نساء من التعايشة:أولهم أم نعيم التي رزق منها عبدالله وهارون وحليمة ثم الزوجة الثانية التي رزق منها يعقوب.
ادارة خلوة محمد والد الخليفة قريبة من النمط العسكري وكانت تجمع الهبات لنفقات الخلوة. ذاع صيت الخلوة ولجأ اليه الزبير باشا وتلجأ اليه القبائل الأخرى في أوقات الشدة ولذلك لقب بتور شين. ظل والده يبشر بالمهدية (كان ابيتو المهدية هنا تمشو ليها في دار صباح).كان عبدالله أول من تلقف الفكرة وتوقدت في ذهنه وقد دخل(بها) التاريخ من أوسع أبوابه من استانبول الى فلسطين والشام ومصر الى روما،ايطاليا،النمسا وانجلترا ردحا من الزمان.شهد عام ولادته(1846م) في قرية السيل، غروب سلطنة دارفور على يد الأتراك وقد ولد في تردة أو السيل في قول آخر.كان كثير التأمل يحب الوحدة، تطور ذلك الى عصيان وتمرد .يقول عنه والده (هو راجل بخيت وبخيت البحضر زمنه).
وصف الخليفة:
كان فاتنا بالغ النحافة، متماسك العضلات،وشعره مرسل ،ذو تقاطيع عربية (كما وصفه اهرولدر). كان كثير الابتسام في وجهه آثار جدري خفيفة. (وكما وصفه شقير) هو أقصر وأقل وسامة من المهدي.
يعقوب أخيه ولد في 1855م وقد قاتل في كرري بشجاعة (بل بنوع من التهور) حيث ثار غاضبا عند علمه باستشهاد ابراهيم الخليل ومحمد ود المهدي وهجم على الأعداء بسيفه قائلا:– تبلدية وقعت في الكفار- ولاه والده أمر ادارة الخلاوي.
أقارب الخليفة: أبناء عمه محمود ود أحمد وابراهيم الخليل الذي قاد جيش الكارة وعبد الرحمن أحمد الضرير الذي اقتحم المعركة وهو ضرير ثم اسماعيل أحمد،يونس ود الدكيم،حمدان أبوعنجة...الاسهاب في التحدث عن أقارب خليفة المهدي لاثبات حنكتهم وشجاعتهم وأن تقريبهم لم يكن فقط بسبب القرابة وقد عاش ود الدكيم وحكى عن كرامات الخليفة التي أحسها التاريخ وأذكر منها الآتي:
- رؤية الامام عبدالرحمن عن جابر وسؤال الخليفة عنها(مذكرات الامام عبدالرحمن في جهاد في سبيل الاستقلال).
- كان الخليفة مواظبا على الصلاة في المسجد وعند غيابه بسبب المرض أطلقت شائعات أنه لن يعود وسيخلفه الخليفة علي ود حلو فذكر لهم عند عودته (أنا والخليفة علي سنموت في فروة واحدة! قائلا شوفو ليكو خليفة آخر!)
- قصة الامام الصادق مع جون قرنق( والتي رأى فيها الامام الصادق جون قرنق في حفرة مغطى بالرمال لا يظهر منه الا رأسه وقد طلب منه المساعدة ورأى الامام الصادق في المنام أنه عندما عاد مع آخرين لمساعدته وجده قد غطس تماما وقد كان ذلك قبل موته) وهي رؤية تشير الى صحة قول خليفة المهدي وتأكده من أن الدولة وان ماتت تبقى الدعوة والتي قيض الله لها رجال ذوو كرامات يحفظونها بعد موت الدولة.
تشرب الخليفة بأقوال والده عن المهدية وصار مشغولا بها مما قوى من عزيمته وترقبه.ذهب للزبير باشا ظانا أنه المهدي الموعود.
أصبح مسئولا عن أسرته بعد موت والده الذي أوصاه بالبحث عن المهدي شرقا-ترك الأسرته في رعاية الشيخ عساكر(شيخ الجمع) الذي كان كريما ومؤمنا بصلاح السيد محمد فقام بكفالتهم مما مكن عبد الله من أن ينطلق نحو النيل(بحثا عن المهدي) في حمار وذرة قليلة حتى وصل الى النيل الأبيض ونزل ضيفا على أبي قرجة الذي حدثه بأن الشيخ محمد احمد تنطبق عليه الأوصاف التي ذكرها، ولكنه غير موجود حاليا بالجزيرة لمغادرته أبا الى الحلاوين لدفن الشيخ القرشي ود الزين.كان الناس ينظرون لأبناء الغرب نظرة دونية ولذلك عند ما وصل الى طيبة ورأى من يشيدون الضريح أخذ يرقبهم من بعيد. بمجرد رؤيته للمهدي أصيب بهزة ولم يستطع الوقوف عندما رآه المهدي جذبه وأوقفه أمامه. ومنذ ذلك الوقت بدأت العلاقة الوطيدة التي ربطت بين الرجلين:
- (ذكر سلاطين قول الخليفة أحسست أنني احتللت مكانة في قلبه).كافة المؤرخين شهدوا بحدة بصيرة المهدي واختياره الصائب للرجال ومن عامة الناس(عثمان دقنة –تاجر، عثمان أزرق-حامل بريد الحكومة،أبو عنجة- في جيش الحكومة،الختيم موسى،يونس ود الدكيم،محمد بشارة، احمد عبد الجليل ،موسى ود حلو وغيرهم).
- استطاع التأقلم سريعا في موقعه الجديد.
- فرّغ نفسه فورا للامام المهدي واستطاع بقوة شخصيته أن يكون في مقدمة الركب حاملا الراية الخضراء التي استبدل بها حربته الطويلة.
أقام كوخا بعيدا عن الحلة،اعتراه مرض شديد وانشغل عنه الامام المهدي بالاعتكاف وفي ذات يوم اذا به بالامام المهدي بجانب حصيره وخلفه أحد الحيران يحمل له اناء به عسل ما أن شرب منه حتى شعر بالهمة .
- نقل كوخه جوار سكن المهدي الذي أسر له بالمهدية وأصبحت مكانته تزداد رسوخا.
- توج العمل الأول بزيارة كردفان لمعرفته بأحوالها ورجالها أمثال:(الفكي المنا والسيد المكي) .
- بعد ذلك لم يغب عن مجلس المهدي وكانت مقابلاته مع الامام بعد منتصف الليل.
- عند مواجهة أبو السعود انتقلت شخصية الخليفة الى شخصية فاعلة وقد أجاب الامام المهدي عندما سأل الأنصار ان كانوا مستعدين لمواجهة أبو السعود قائلا(نعم جاهزين يا سيدي).
- كان المخطط الأول في أبا (التي تطابقت مع بدر الكبرى) والمسئول عن حماية المهدي.
- كان لأداء الخليفة دورا حاسما في ترسيخ قدمه وازالة الدونية القبلية.
- الاتجاه غربا كان فيه تمكين لخليفة المهدي فكان ترسانة معلومات واستخبارات عن الغرب(موطنه).
- أمد الحركة بجنود فعّالين مثل يعقوب جراب الراي ويونس الدكيم الذين اكتسبوا خبرات قتالية وتدربوا في جيش الزبير.
- تعاظم موقعه ألب عليه أهل المهدي – مثلا سيدي محمد(أخ المهدي) وقصة الحصان(حصان سعد الشايقي الذي قتل خليفة المهدي صاحبه في المعركة- الأبيض- واستولى على حصانه ولكن السيد محمد عارض تملكه للحصان فحكم المهدي باعطائه الفرس) .
- بعد سقوط الأبيض كانت تحول اليه المراسلات والأسلحة ولم يكن يخلد الى النوم.
- رفده المهدي بمنشورات التأييد.
- ظهرت ملكته في التنظيم التجاري وقد كان دقيقا في المحاسبة.
- وفي ادارة المعارك تموينا وتمويلا.
- ادارة الشؤون اليومية للدولة.
- الاستفادة من كل وقت قضاه مع المهدي.
- تنظيم الجيوش بالاستفادة من أنظمة الجيش الحديثة.
- استفاد من بقايا الجيش التركي.
- ذو حس جغرافي شفاف حريص على العدل بين الناس وذكر محمد عبد الرحيم أن الخليفة وصفه أحد المؤرخين الذين عاصروه وقد لازم الخليفة ورأيه أنه حكيم يزن الأمور بميزان العدل،بطلا، لا يهاب المكاره.
- كان يحترم العلماء والمتفقهين ويقول(اسمع عالم تخرج سالم).
- رأي اهرولدر عنه أنه كان صائب الرأي ولكنه محاط بمستشاريين متعنتين و متعصبين .
- لم يصطدم بشخص في حياة المهدي.
- سجل له سلاطين اعجابه بكفاءة عبدالرحمن النجومي وأنه الأقدر على مواجهة الموقف في حصار الخرطوم وهذا ينفي ما يقال عن حطه لقدر الأمير عبدالرحمن النجومي.
- ظهر تقريبه لأقربائه بعد انفجار مشكلته مع الأشراف.
- كان زاهدا في المال، وكان يقول (المال لعنة ومن كان غنيا في هذه الدنيا لن ينعم بالراحة ولا الفردوس) وكان جهير الصوت غزير المادة بلهجة البقارة.
- زوجاته اثنين(زهرا ونفيسة بنت بابكر) ابنه المقرب هو عثمان شيخ الدين.
- من صفاته الصبر على الشدائد مما عكسه مشهد أم دبيكرات وعندما اشتد الكرب ودعا احمد فضيل الله لينصرهم، قال له (أسكت الله ما بشيفك!) وعندما وقع أب جكة صريعا وضعه على فخذه قائلا لأحمد فضيل الذي استنكر ذلك: (أب جكة شالني أربعتاشر سنة أنا ما اشيل راسه يوم موته؟).
- وكاذب من يقول أنه دخل المعركة دون خطة. بعد المعركة وصل الى خور شمبات خلفه أب جكة ومعه الأمير العريفي الربيع وعثمان دقنة حيث أمر العريفي الربيع بجمع بقايا الراية الزرقا ليحول دون تقدم كتشنر و كمنوا في خور شمبات تناول قصعة عسل الى ضريح المهدي وجمع أبناء المهدي في الجانب الشرقي من الضريح والعريف الربيع يصد العدو حتى استشهد ودفن في ميدان الربيع. في أبي سعد صلى ببقايا الجيش جامعا بين المغرب والعشاء ثم التفت بهدوء وقال: (انتو قايلين المهدية روحت! بتا بالله المهدية متل قش الوطة كلما شم المطر يقوم اخضر تاني).
سياسة خليفة المهدي الخارجية:
لم تكن للسودان علاقات خارجية قبل دولة المهدية.
الغضب الشعبي الذي اجتاح بريطانيا بعد مقتل غردون مما جعلهم يعدون العدة للانتقام من قتلة غردون – في الشرق ظل الأحباش والايطاليون يتحرشون بالدولة وبرزت الاستراتيجية الأنصارية والمواهب التي ردت كيد الأعداء(الطاهر ود المجذوب والعربي ود دفع الله وعبد الله ود ابراهيم وأحمد ود فضيل).
استمر في نشر الدعوة خارجيا. استقبل عبدالله بن الفيصل بن سعود أمير نجد وأصبحوا من حلفائه وعينه الخليفة أميرا على نجد باسم الدولة المهدية وخاطب 13 قبيلة من قبائل الحجاز وعين حذيفة بن زيد أميرا على قبائل الحجاز ليقود الجهاد ضد الأتراك.
أما غربا فقد وصلت رسائل الخليفة عبدالله الى سلطان وداي وحياتو بن سعيد ورابح الزبير وكتب الى سكان مصر وخاطب السلطان عبدالحميد والملكة فكتوريا.
واجهت الدعوة المهدية معارضة من موظفي الدولة والختمية وبعض زعماء الصوفية أمثال الفكي الكناني والمنا اسماعيل كما عارضت المهدية بعض القبالئل مثل الكبابيش اضافة الى معارضة الأشراف (القدال).
وقد ذكر القدال في كتابه التقرير الذي قدمه مصطفى الأمين الجعلي للمخابرات البريطانية والمصرية عن الوضع في السودان راصدا فيه تحولات النظام الاداري التي جعلت الحكم أكثر قبولا والضرائب أقل وطأة وأنه قد بدأ تدرج نحو تأييد السودانيين لحكم الخليفة.
لقد اطلعت على محررات الخليفة عبدالله التي جمعها ابو سليم وطبعت على نفقة السيد عبدالرحمن يحي المهدي للتحقق من افتراءات الداخل والخارج فلم أجد نصا يدل عليها بل على العكس، وهذا بعض من نماذج تبين سلامة نفس الرجل القوي الشجاع، وزهده في الدنيا:
- رسالته الى كافة أهالي رفاعة وجماعة ود الصلحابي وكافة الأنصار: (أيها الأحباب الصادقين المشمرين قد قبلناكم ورضينا عنكم كل الرضا ولا يخفى عليكم يا أحبابي أن هذه الدار فانية لا بقاء منها لحي وهي سجن المؤمن وجنة الكافر).
- خطابه الى محمد حامد جفون: ( لا تتركوا امرأة ولا رجل كلية، صرفوهم واكسوهم كذلك كافة الهبانية كل رجل منهم تكسوه جبة وسروال وفردة وتعطوه مصروف طيب).
- الى السني ود قودي: ( حبيبي عرف الأحباب يكونوا واقفين على الحدود متمسكين بالشرع واحذروا الميل الى الدنيا وليكن همكم اصلاح العباد من الفساد).
زعم شقير أن خليفة المهدي هرب! بينما انسحب خليفة الصديق لاعادة الكرة لينتصر لدين الله، وقد فعل، حيث رجع من قدير متجها لامدرمان ووصل جديد في يوم الخميس 23/نوفمبر/1899م وأتته أخبار قوة ونجت وجيشه فاعتلى المنصة وخاطب الأنصار ( أنا حالف بالله أن لا أضع كفي في كف كافر وباكر اما النصر أو الشهادة أنا معافي منكم لله والرسول الما عنده قدرة على القتال فليكون الليل ليه ساتر وودعناه رب العالمين واحنا عافين منه لله وللرسول) فصاح الأمير البشير عجب الفيه(يا سيدي احنا ناوين مقابلة المهدي في الآخرة حاشا يقولوا فوقي البشير بك!أنا الأمير البشير).
في صباح الجمعة 24 نوفمبر 1899م يقول شقير (عند الخامسة صباحا رأيناهم يهاجمون زمرا لا يبالون بالموت وبدأت نيراننا تصليهم بلا انقطاع)
وفي المعركة لم ينقطع أمل عثمان دقنة في النصر وظل يخطب في الأنصار حتى تبددت الصفوف . في أم دبيكرات ترجل خليفة المهدي وأمر أب جكة بفرش الفروة وفرش لعلي ود حلو يمين خليفة المهدي والى جواره الصديق ود المهدي وعن شماله احمد ود فضيل وقف الملازمون صفا وراء خليفة الصديق ووقف أبي جكة أمام خليفة الصديق ليكون له ساترا من القذائف هكذا كان اللقاء ،ووجد مضرجا بالدماء هو وبجانبه الخليفة علي ود حلو والصديق ود المهدي وأحمد فضيل واخوانه السنوسي أحمد وهارون محمد وأحمد ود علي وعبد الباقي عبد الوكيل ويعقوب أبو زينب وبشير عجب الفيه وتولى الأمير يونس الدكيم وبعض الأسرى دفنهم في نفس المواقع التي سقطوا فيها. الأسرى هم:(عثمان شيخ الدين،يونس الدكيم،الختيم موسى،فضل الحسنة،اسماعيل أحمد،الطاهر المجذوب،علي فرفار،عثمان دقنة)
هذه صورة لبعض شجاعة خليفة الصديق ومن معه والذي أنكر شجاعته المرجفون واجتهد الفاتحون لنبش سيرته وتفرقة بنيه وأحفاده – راية لن نخنها حتى الموت.
رحم الله خليفة الصديق وأصحابه وبرد ثراه ورضي عنه وأرضاه.

المعقبون
د.فدوى عبدالرحمن علي طه:
أبدأ القول بما ذكره السيد الصادق في قاعة الشارقة لدى عرض كتابه الانسان بنيان الله(أن النقد أفضل وسيلة للبناء عرفها الانسان) ومن هذا المنطلق سأتحدث:
فترة حكم الخليفة يجب أن تؤخذ بما فيها للخليفة وما عليه.هذا هو الأساس وليس هناك شك في أن الخليفة لعب دورا أساسيا في انجاح الثورة المهدية. عند وفاة المهدي كانت الثورة المهدية وصلت نقطة حرجة. كان لابد للخليفة من توطيد مكتسبات الثورة وقد وقع عليه العبء وخوض الجهاد خارج نطاق حدود السودان واجه ظروفا صعبة كان لا بد من ايجاد السبل لمواجهة تلك الظروف الصعبة.اتفق المؤرخون ومنهم الأعداء على أنه يملك موهبة ادارية فذة ولا طموحات شخصية له.موضوع الندوة كان التركيز على أخطائه دون انجازاته ساهم سلاطين في ذلك فقد بالغ في ذكر أخطاء الخليفة ولم يبرز دوره كحاكم موهوب.مواقف الخليفة لم تكن بسبب تعطش للدماء أو رغبة جامحة للظلم بقدر أنه كان يريد تأمين حكومة قوية .واجه عجزا في معاونيه لتحقيق ذلك لجأ الى الاسلوب الذي اتبعه- توطين قبائل البقارة هز بها توازن السودان القبلي. أوجد الامام المهدي النزاع بينه والأشراف بسبب ثقته المطلقة في الخليفة. كان يؤمن بالمهدية ايمانا مطلقا ولم يكن يستطع الوصول الى حل توافقي مع حاكم بعيد. عدم الادراك جعله يرسل عبدالرحمن النجومي الى توشكي ومعركة النخيلة التي خاضها محمود ود احمد وكان يزن الأمور بمنطق الشجاعة فقط.صار يعين أقاربه لضمان الولاء لم يعتمد على الكفاءة. المواجهة الأولى والثانية مع الأشراف الذين كانوا يتحينون الفرص لاثبات وجودهم وكان موقفهم أقوى لأن كل القواد كانوا من القبائل النيلية .تمكن الخليفة من ازاحتهم بمعاونة حمدان أبو عنجة وحسم الصراع على السلطة لصالح الخليفة.
تمكن من ايجاد نظام اقتصادي فعال بمقاييس ذلك الزمان ولكنه اتخذ قرارات تفتقر الى المنطق مثل ايقافه التجارة بين السودان والعالم الخارجي. بسبب الصراع بين أولاد البلد وأولاد البحر تدخل الخليفة عبدالله لضمان استقلال السلطة المالية للمحافظة على استقرارها وثباتها. أبعد ذلك عناصر ذات كفاءة مثل أحمد سليمان .من فقدوا عطف النظام عوملوا معاملة قاسية . لا نشك كمؤرخين في كفاءة الخليفة واقتداره والا لما فضله المهدي وكما وصفه بيتر هولد في كتابه (دولة المهدية في السودان) كان أسيرا لظروفه في ذلك الوقت. أما شجاعة الخليفة والأنصار فهذا ما شهد به الأعداء.

أستاذ عبدالله آدم خاطر
اللحظة متهيبة لأنها للحديث عن التاريخ وعبر شخص أثار جدلا وحقق نجاحات حقيقية مؤثرة حتى هذه اللحظة. نشكر تمكيننا من الاضطلاع على مادة المحاضرة وأتحدث في جانبين:
- المحاضر كأنصاري يدافع عن وجوده ويستعيد في أذهان الجميع المهدية في سودان اليوم من جهاد عسكري الى جهاد مدني (الصادق المرشح الأول لذلك) هذا ويستطيع أي محلل في اطار تاريخي قراءة ذلك.استطاعت المهدية افشال قاعدة تقسيم السودان واعادة السلطات والممالك والمشيخات كما كانت قبل العهد التركي استطاعت المهدية بالحس الثوري والمشاركة أن تفشل المخطط ويقوم السودان الحالي واستطاعت المهدية أن تحيل من السودان المتعدد، سودانا واحدا. لعل أهم النقاط جاذبية ما عرفوا بالرقيق ساهموا في بناء الدولة مما ساعد شخصا مثل الخليفة عبدالله في تثبيت أركان الدولة على أسس المهدية.
هذا محل نقاش مفتوح لأهل الرأي والسياسة .
المجال الثاني:
الكلام عن الخليفة عبدالله كشخصية مؤثرة صعدت بامكاناتها الشخصية الى مقام الشخص الثاني. تمكن من بناء دولة مؤسسة على تلك الدعوة مثل ستالين (رجل الصف الثاني كان له الفضل في تثبيت الدولة)ولكن على عكس ستالين الذي توترت علاقته مع لينين فان علاقة المهدي بالخليفة لم يشبها أي توتر.المجتمع لم يكن مهيأ لقبول التنوع .الأفكار حول الخليفة كثيرة على المؤرخين مسئولية اعادة قراءة شخصية الخليفة.قدم المحاضر الخليفة كشخصية تنفيذية واجه مشاكل حقيقية ولكن ليس برغبته وكان لا بد من حسم بعض المشاكل بصورة ما.كان الخليفة يقول (البلد دي فيها جن لابد)الجن اللابد- في رأي- هو ادارة التنوع. كان أحادي التفكير في أن الادارة المناسبة هي ادارة المهدية . على كلٍ، المجهود الصحيح والحميد كان وما زال نأمل أن نستطيع ادارة الجن اللابد.
ساهم الخليفة في ادارة الدولة بالنصر في المعارك والقدرة على استقطاب المجموعات المختلفة في التعامل قولته المعروفة – في ناس بخافوا من الله وفي ناس بخافوا من خليفة المهدي ومابخافوا من الله وفي ناس ما بخافوا من خليفة المهدي وما بخافوا من الله) فضلا عن استفادته من الخبرات، ووعيه بالمهددات الخارجية من جهة الشرق وأن الغرب هو أمان السودان وخطؤنا الآن عدم ادراك ذلك ووضع تشاد في المواجهة الحالية.
بالنسبة للمستقبل من الصعب محاكمة أشخاص بمقاييس بغير مقاييس زمانهم.لكن الشجاعة الشخصية لا يعّول عليها في نجاح سياسي لأنه الشجاعة الشخصية لا تغني عن المؤسسية. يؤخذ على الخليفة عدم قدرته على ادارة الدولة – قوة الدولة ليست في الرئيس بل في مؤسساتها.
كان يستحضر روح المستقبل في قوله تروح الدولة وتبقى الدعوة ويمكن استعادتها في ظروف جديدة-نتمنى أن تستعيد المهدية قدرتها على العودة بادارة جديدة لروح العصر.

أستاذة اخلاص مكاوي:
أتفق مع د.فدوى وأستاذ عبدالله في طرحهما –لا يجب الحكم على الخليفة بمعطيات اليوم.دولة المهدية وفكرها تمت محاربته بصورة منظمة ان قرأنا ما كتب خوفا من المد الاسلامي.الخطابات التي أرسلت لأوروبا مثل قول تشرشل(لو أطال الله في عمره لتغير وجه الشرق).العروة الوثقى ذكرت أن جمعية الثبات السرية اتصلت بالامام المهدي والخليفة ونشرت منشورات مضادة مفادها ان جيوش المهدية ستحرر مصر مما شجع الخليفة على ذلك.الذين كتبوا عن الخليفة مثل سلاطين-ملازم الخليفة وابراهيم فوزي- الذي أطلق سراحه بعد كرري لا يمكن أن يكتبوا كلمة حق واهرولدر أيضا وونجت رغم كتابته لتقارير مختلفة اذ كتب تقرير كرري منصفا الخليفة.
أصدر الامام منشورا الى كافة أحبابه (اعلموا الخليفة عبدالله خليفة الصديق هو مني وأنا منه )لا تعترضوا عليه فقد حكّمه الله فيكم)كان يخاطبه بعبارات توضح مكانته (الى خليله حبيبه وصفيه ويدعو له) الخليفة عبد الله استمد سلطاته من كل ذلك والأوضاع التي كانت في الدولة في تلك الفترة من حروب ومجاعات وفرقة وعنصرية. من هو القائد الذي واجه كل ذلك والبلاد واسعة بحجم قارة كان كثير اصدار القرارات .من استطاع ادارة ذلك من الحكام والقواد ؟ ليس وحده كثيرون تعرضوا الى التهم والهجمات لمواجهة الاستعمار .حكمه كان عسكري ومركزي .وقد كان اداريا محنكا ضبط النظام واعتمد على العلماء(اسمع عالم تخرج سالم).كان يطالب بما هو شبه مستحيل فقد جمع بين وظائف كثيرة.لم يكن الخليفة عبدالله جاهلا . قوله للملكة فكتوريا نبع من فرط ثقته في انتصار الدعوة . طريقة استشهاده شهد بها الأعداء قال تشرشل كانوا أشجع من مشى على وجه الأرض- كيف يرمى ذلك البطل بالجبن! ومهما كانت نظرتنا للخليفة لا نملك الا أن نعجب بصورة شجاعته- لابد من تعظيم أبطال هذا البلد اذا كان نعوم شقير يمجد محمد علي باشا لماذا نصف زعمائنا بهذه الصفات الشنيعة. لدينا شخصيات لم يكتب عنها بينما كتب أكثر من أربعون كتاب عن غردون كم كتاب كتب عن الامام المهدي وعن أبو عنجة وغيره؟ والمطلوب ليس اعادة كتابة التاريخ بل تصحيح أخطائه.

المداخلات
محمد داؤود الخليفة
الشكر لمنظمي الندوة على الدعوة والشكر للمشاركين على كريم حديثهم دفعا للافتراء على خليفة المهدي عليهما السلام.
ونعلم أن دفع الافتراء عن خليفة المهدي هو جهد تنوء بحمله الجبال لأن الأعداء كثر والظروف التي أحاطت بزمنه كانت صعبة ومعقدة للغاية.اذ أن تاريخ المهدية (عامة) وليس الخليفة عبدالله وحده قد وقع تحت رحى أكبر أجهزة اعلام عالمية حتى يومنا هذا- الاعلام البريطاني والاعلام المصري- وما زال الناس في الوطن العربي بأسره يقولون لك ان هذا الخبرصحيح لأن هنا لندن أذاعته أو لأن هنا القاهرة رددته، وقد حاول هذا الاعلام الظالم كذبا وتشويها أن يسيء للثورة المهدية وقادتها خاصة الخليفة عبدالله ليبرروا عدوانهم وغزوهم واستعمارهم للسودان كما خططوا لذلك.
ونحن نعيش اليوم ونسمع ونرى أكاذيبهم وتلفيقاتهم كما فعلوا بالأمس مع العراق وأشاعوا بأنه يمتلك أسلحة دمار شامل كذبا وبهتانا ليبرروا غزوهم له ووضع أيديهم على ثرواته وبتروله.
اذا كان هذا ما حدث منهم في القرن الواحد وعشرين فكيف بأكاذيبهم واشاعاتهم المضللة واختلاقهم لأحداث لم تحدث في القرن التاسع عشر ؟!
لقد وصف كاتب فرنسي الانجليز بأنهم يجيدون ثلاثة أشياء في حياتهم :قلي البطاطس، يجيدون أكل السمك،ويجيدون تزوير التاريخ! لأنهم زوروا تاريخ فرنسا كله ونابليون على على وجه الخصوص كما زوروا تاريخ المهدية وخليفة المهدي على وجه الخصوص ويمضون في تزويرهم للتاريخ لكل عظيم مثل غاندي ونهرو وبسمارك وجمال عبدالناصر لأن ليس لهم تاريخ مثل هؤلاء يفتخرون به.الا القرصنة والدمار والاستعمار.قابلت في عام 1992م في المؤتمر العربي/الاسلامي الذي كان الدكتور حسن الترابي يدعو له كبار المفكرين الاسلاميين في العالم العربي وغيره قابلت الدكتور محمد امام وهو أستاذ الدراسات الاسلامية بجامعة أوهايو بامريكا.أحضره الي المرحوم الدكتور ابراهيم عبيدالله في قاعة الصداقة بالخرطوم حيث يعقد المؤتمر لأنه كان يريد الاستفسار من بعض الأشياء مني كحفيد للخليفة عبدالله. وقد عرف نفسه كأستاذ للدراسات الاسلامية في جامعة أوهايو وقد كان بحثه للدكتوراة عن الحركات الاسلامية في الوطن العربي" في لندن التي قصدها لشهادة الدكتوراة وقال أنه قرأ فيها عن المهدية وقد لفت نظره تحامل الانجليز الواضح على خليفة المهدي وقد كان هذا الظلم سببا في اعجابه بالخليفة وقد وضح له أن هذا التحامل كان بسبب أن الخليفة هوجم لأنه يمثل رمزا اسلاميا كبيرا هدد الانجليز.وعند تلقيه للدعوة لحضور المؤتمر في السودان- بلد الخليفة بعد 15 سنة من رجوعه من انجلترا قرر فورا تلبية الدعوة . ويقول أنه لفت نظره تغييب كامل للخليفة (لا توجد أي اشارة له ولا صورة!)وهذا شيء غريب لا أفهمه!
شكرته على الاهتمام وأبنت له أسباب غل الانجليز من المهدية بسبب قتلها لأعظم جنرالاتهم(هكس،ستيوارت وغردون) فقاموا بعد استشهاد الخليفة الذي استمات في قتالهم دون استسلام سلطوا عملائهم لاغتيال شخصيته (سلاطين،اهرولدر ،نعوم شقير وابراهيم فوزي) وقد كانوا أسرى وأولهم ونجت باشا رئيس قلم المخابرات الذي كان من أولى مهامه تشويه صورة الثورة المهدية لاقناع الرأي العام البريطاني بضرورة انقاذ السودان من (ظلم المهدية) .وقد امتدت مجهودات تشويه تاريخ المهدية حتى طالت مناهج التعليم بالمدارس وصارت هذه الكتب (للأسف) مراجعا تاريخية! وبهذا نشأت أجيال تحت الاستعمار الانجليزي في السودان الذي استمر لمدة ستين عاما وطيلة هذه المدة تم غسيل مخ لهذه الأجيال وتم حشوها بهذه الأكاذيب والافتراءات. ورددت هذه الافتراءات حتى صدقها مختلقوها!
ظل الخليفة طيلة ثلاثة عشر عاما من عمر الدولة يواجه الأعاصير والأخطار ويحفظ للبلاد استقلالها وعلمها وعملتها رغم المشكلات التي أثارها الاشراف وبعض أقارب المهدي وبعض القبائل التي لم يكن لزعمائها حظ يذكر في المهدية فآثرت العداء وكذلك العلماء الذين سماهم المهدي علماء السوء اضافة للحساسيات بين أهل البحر والغرب وفوق كل هذا وذاك الأخطار الأجنبية التي كانت تحاصر الدولة المهدية من كل جانب(في الشرق الحبشة المتعصبة للمسيحية والطليان في اريتريا وفي الشمال مصر الخديوية التي تدعي السيادة على السودان ومعها انجلترا التي اتخذت الادعاء ستارا لغزو السودان،في الجنوب بلجيكا وأمين باشا الألماني القابع في يوغندا وفي الغرب(جهة بحر الغزال) فرنسا التي تطمع في الحزام الافريقي الذي يربط الكنغو بجبوتي شرقا مرورا بالسودان.وتلك المطامع هي دافعهم للدعاية ضد الخليفة تبريرا للسيطرة على أراضيه وثرواته.
أكرر الشكر للدفاع عن تاريخ المهدية وبالذات عن خليفة المهدي لننشيء جيلا يعرف حقيقة آبائه وأجداده وما قدموه لهذا الوطن ويرفع رأسه عاليا افتخارا بهم.وليس ذلك عن فترة المهدية وحدها بل يمتد ليشمل السلطنة الزرقاء والمك نمر والسلطان علي دينار والزبير باشا فكلهم مظلومين ومفترى عليهم وأشكر لكم جهدكم وجزاكم الله خيرا والسلام عليكم.

د.فيصل محمد موسى
بعد الاضطلاع على أكثر من مليون وثيقة عن الجانب الاداري يظهر أن هذا العهد هو مؤسسة الدولة الحديثة –العلم- الحدود- العملة- الجيش- حدود السودان الحالية حتى وادي اللاي بين نمولي (أضيفت ليوغندا) والجهد الذي عمل فيها اداري هذا يربط بالناحية المالية وسيطرته القوية على كل أنحاء السودان من جمع للزكاة ومراسم الخليفة تعطي فكرة عن المتابعة الدقيقة شبر شبر وخور خور وقد استمر هيكله الاداري أساسا للدولة وقد أشار كتشنر أيضا لذلك بأنه نظام فيه نوع من الشدة وهو النظام المتعارف وقال أنه لا يرى ضرورة لتعديله حاليا.
بالنسبة للتنوع الذي تمت الاشارة لغيابه مثلا:
- الجيش: جيش كرري كانت مشتركة فيه كل قبائل السودان مما يدل على التنوع الاداري وقد حافظ عليه الخليفة عبدالله.
- السياسة الخارجية: لم يكن الخليفة حبيس فكرة جامدة ففيما يتعلق بمصر والحبشة وشرق أفريقيا – غير سياسته وأرسل الهدايا للملك – رد الخليفة على الزبير باشا وقد كان ردا شديدا لأنه أراد التوسط – التواصل مع دان فوديو – أصلح بين رابح وحياتو بن سعيد وحفزهم على الفرنسيين .
- لنا أن نفتخر بخليفة المهدي وهو واضع أساس السودان الحديث.

رئيس الجلسة:
أضيف أن المراجعة الداخلية كانت تسند للخليفة بنفسه مما يؤكد تمتعه بالحس الاداري.
محمد المهدي حسن:
عدة نقاط:
1/ هل كان خليفة المهدي يقاتل حتى قتل أم فرش الفروة وانتظر حتى الموت؟ وهل كان يصلي الصبح وقتل؟
2/ الاتهامات التي تكال للدولة بسبب تفلت الجهادية والفرق أن الدولة لم تكن تدعمهم.وقضية الجهادية من الأشياء التي نحتاج للتكلم فيها لأن أفعالهم أضيفت للمهدية.
3/ قضية المتمة:أخبرني الشيخ المجذوب جلال الدين كان للجعليين دورا أساسيا في المهدية. عدد من الأفراد والكتاب على رأسهم قائد جيوش المهدية –عبدالرحمن النجومي وتجري محاولات لفصل الجعليين من الأنصار .يضير أي قبيلة عدم اشتراكها في المهدية ولا يضير المهدية ذلك(لأنها حقبة أساسية من تاريخ السودان) والطيب محمد الطيب أكد على ذلك وعلى دور المجاذيب واستشهاد الفكي الطاهر ودعم ذلك من وقفوا مع ود سعد الخفاف من الجعليين- والقيادات الأساسية كانوا على بيعتهم وعلى ولائهم.وقد أثارت هذه النقطة نقاشا كبيرا.
في جريدة رياضية كتب أحدهم (الغازي محمد احمد!) يجب أن يفهم الجيل الحالي التاريخ كما يجب –خاصة تاريخ خليفة المهدي الذي حكم لمدة طويلة.وقد صلى الصلوات الخمسة الا فترة المرض(خمسة أيام) في يومية يوم الخليفة عبدالله التي سجلها نعوم شقير من الصبح حتى نومه يوم مليء بالنشاط الراتب _الجلوس للدرس، تلقي التقارير، أحوال الدولة- ويرصد كل ذلك ويحاول الاحاطة به (ادارة دولة شاسعة بكفاءة بالرغم من نقص الامكانات).
رئيس الجلسة:
في مرافقتي لأبو سليم أستاذي الذي كان يطلعني على أعماله محررات خليفة المهدي وقد قال لي بعد خلوصي من محررات الخليفة يحق لكم الكتابة عن تاريخ السودان.
عبدالرحمن الطيب الأمير يعقوب:
قامت المهدية في ظروف عجيبة- في القرن التاسع عشر أوروبا اكتشفت الأسلحة الفتاكة. قبل ذلك الأسلحة كان مستواها ضعيف لم تكن قوية مثلما هو الحال في كرري وأم د
بيكرات مما أصابها بالغرور ودفعهم للاستعمار-بلجيكيا في الجنوب، فرنسا في الغرب،الانجليز في سواكن،وايطاليا في الشرق الانجليز والمصريين من جهة الشمال.كل هذه الدول تكالبت على السودان. المهدية في بداية أمرها كانت دولة محاربة . بعد ذلك انتقل المهدي بعد شهر من فتح الخرطوم تاركا عبء تأسيس الدولة القليلة الامكانات في يد الخليفة عبدالله- مع مراعاة سعة المساحة.
كيف يمكن جذب الناس؟ آمن الناس بالمهدي ونصروا المهدية وواجهوا الموت بشجاعة. كان السودان قبائل مستقلة من بعضها جمعتها المهدية تحت ادارة واحدة.كيف تدار هذه الدولة؟ المال،السلاح والخبرات كلها امكانات تلزم لادارة كل ذلك ولم تكن الفترة كافية لتجمع كل ذلك الشتات. نجح الخليفة في ادارة الدولة الممتدة من أمدرمان لأقصى الغرب في أقل مدة عن طريق محطات الجمال لايصال الخطابات. صيانة الأسلحة كانت تراقب بصورة لصيقة حيث تتم صيانتها فورا.استفادة من العهد التركي في مجال تعدين العملة والسلاح والحديد والنحاس والنجاح في ذلك، عملة المهدية كانت تقبل في كل الدول لأنها من ذهب. عمل خليفة المهدي كل ذلك الانجاز.
النزاعات حول السلطة مع الأشراف هذا موضوع هام. كان يعتقد أن الخليفة يريد الاستيلاء على السلطة وحارب الأشراف لأنهم أرادوا السيطرة على الحكم بعيدا عن الدين( تبرأ المهدي في حياته من أهله الأشراف). وحاربهم الخليفة من هذا المنطلق . يتهم الخليفة بشن الحرب على قبائل كثيرة ولكن لم يحدث ذلك دون سبب فكان لا بد يستجيبوا لدعوة الخليفة.
رئيس الجلسة:
الأجيال الحالية مغيبة تماما من التاريخ.
مقترحات:
- طبع المحاضرة وتوزيعها.
- من أستاذ عبد الله لآدم خاطر:( ضرورة اعادة كتابة تاريخ خليفة المهدي).

الاثنين، 28 سبتمبر 2009









جمهورية ايران الإسلامية

وزارة الثقافة والاعلام بالتعاون مع جامعة الامام الصادق ( ع )

المؤتمر العلمي العالمي في الفترة من 10 ـ11 مارس 2007 طهران

تحت شعار الجهاد العلمي

الوحدة الإسلامية التحديات والحلول
تقديم الأستاذ / عبد المحمود أبّو
الأمين العام لهيئة شئون الأنصار ـ السودان




ـ المقدمة ـ
الدعوة الإسلامية منذ أن انطلقت في مكة المكرمة واجهت تحديات كثيرة من المجتمع الجاهلى تمثلت في الصدود والإنكار والتشكيك والمواجهة ومحاولة الاستئصال ولكن الدعوة كانت تحمل عناصر القوة في داخلها فتمكنت من الصمود في وجه الإبتلاءات وحققت انتصارات تلو انتصارات على النظام الجاهلي فثبتت أقدامها وأبطلت مفعول أدوات الخصم حتى ضاق بها ذرعاً وقرر القضاء عليها فانتقلت إلى المدينة المنورة .
وفي المدينة واجهت الدعوة تحديات بناء النظام الجديد على أسس ومفاهيم غريبة على النظام القبلي الذي كانت تسيطرعليه قبيلتا الأوس والخزرج وحلفاؤهما من اليهود , فكانت التحديات تتمثل في : بناء المجتمع على مفاهيم الدين الجديد وتجاوز الصراع الأوسي الخزرجي , ومواجهة التيار السلولي ـ نسبة إلى عبدالله بن أبي بن سلول ـ والتصدي للمكراليهودي , فضلاً عن الاستعداد للمواجهة المحتملة مع أهل مكة الذين لن يسكتوا على اللطمة التي وجهها لهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالهجرة إلى المدينة وافشال مخططهم الذي اتفقوا عليه في دارالندوة .
وعلى طول المسيرة التارخية تعرضت أمة الإسلام لتحديات كثيرة داخلية وخارجية استطاعت أن تواجهها وتخرج منها منتصرة بالرغم من الخسائر التي تعرضت لها , وأخطر تلك التحديات كان الخلاف الذي فرق الأمة إلى فرق وجماعات جرت بينها حروب حصدت فيها آلاف الأرواح , ثم الإستعمارالخارجي وغير ذلك من التحديات التي لا تزال آثارها تنهش في جسد الأمة الممتلئ بالقروح والأمراض .
إن أمتنا اليوم تمر بمنعطف تاريخي خطير حيث تكالبت عليها الأمم من كل الأرجاء للقضاء عليها وأنهكتها الحروب الداخلية والخلافات الطائفية والمذهبية , وعطلت نهضتها النظم الشمولية والصراعات السياسية , إنها مطالبة بمراجعة مسيرتها وتشخيص أمراضها وتحديد الدواء حتى تنهض من جديد لمواصلة مسيرتها القاصدة بإذن الله . إنني أشارك بهذه الورقة في هذا المؤتمرالهام الذي أعتقد أنه جاء في الوقت المناسب لأن شعوبنا تتطلع لقادة الفكر والرأي أن يقدموا الحلول التي يمكن أن تنتشل الأمة من هذا الواقع المرير , وأن يبينوا الوسائل التي تؤدي إلى وحدة الأمة وورقتي تشتمل على مقدمة وثلاثة محاوروخاتمة , وهي مساهمة متواضعة لاستنهاض الأمة للقيام بواجبها الهادف إلى تحقيق الوحدة الإسلامية .




المحورالأول : الواقع الإسلامي :
المسلمون يشكلون خمس سكان العالم تقريباً , ويتوزعون في كل القارات , والعالم الإسلامي يوجد جغرافياً في قلب المعمورة وله صلاة جغرافية بمعظم قارات الدنيا , بل يسيطرعلى أهم الطرق والممرات الدولية , ويسيطرعلى معظم الطاقة البترولية في العالم , فأمة الإسلام من حيث العدد والموارد والموقع الاستراتيجي والرباط الروحي أمة فريدة لا تضاهيها أمة أخرى . ولكن مع هذه الميزات البارزة فإنها تعاني من الآتي :
أولاً : التقسيم القطري : فمنذ سقوط الخلافة العثمانية في تركيا عام 1924م فقدت الأمة الرباط السياسي وتقسمت إلى دويلات قطرية صغيرة منغلقة على نفسها وحلت المواطنة محل الرباط الديني, وفي معظم الأحيان توجد مشاكل بين الدولة وجاراتها من الدول التي تنتمي إلى نفس الدين بل دخلت في حروب استعانت فيها بالأجنبي على ابن العم فاتسعت شقة الخلاف وصار الغريب أقرب من الجار الشقيق الذي تجمعه مع جاره ديانة واحدة وثقافة واحدة وتاريخ مشترك ..
ثانياً : التفاوت الإقتصادي : بعض الدول الإسلامية تصنف من الدول الغنية وبعضها متوسطة الحال وأخرى تعيش تحت خط الفقر , فالفوارق الإقتصادية افرزت فوارق اجتماعية ونفسية قتلت الشعور بالوحدة عند كثير من المسلمين , مع أن الدعوة الإسلامية في الأصل جاءت لتصحيح العقيدة وللتقسيم العادل للثروة , وشنّت حملة كبيرة على المحتكرين والمرابين وأصحاب الكنوز والمانعين الماعون والممتنعين من الحض على طعام المسكين . هذا التفاوت لم يقتصر على الدول بل انسحب حتى على المواطنين في الدولة الواحدة فبعضهم يموتون من التخمة وآخرون يموتون من الجوع وصدق إمام المتقين علي عليه السلام عندما قال : " ما جاع فقير إلا بتخمة غني " ..
ثالثاً : الصراع السياسي : لا تكاد دولة اسلامية تخلو من صراع على السلطة , والصراع والتدافع جبلة بشرية ولكن طبيعة الصراع السياسي في البلدان الإسلامية صراع خشن إلا من رحم الله فالدول الغربية مثلاً حلت هذا الاشكال واهتدت إلى التداول السلمي للسلطة فوفّرت كثيراً من الطاقات والإمكانات والأرواح المهدرة في الصراع من أجل السلطة , ولكن عالمنا الإسلامي في الغالب يخلو من الحاكم السابق الحر الطليق فهو إما في السجن وإما في القبر , وطبيعة الصراع السياسي عندنا تخلو من التسامح فالحكومة لا ترى في المعارضة إلا متآمرة وخائنة ومخربة والمعارضة لا ترى في الحكومة إلا الوجه القبيح المتمثل في البطش والتنكيل والفساد ...الخ
رابعاً : الخلاف : أصبح الخلاف سمة غالبة فهنالك خلاف طائفي وهناك خلاف سياسي وهناك خلاف فكري وهنالك خلافات مذهبية , والخلاف سنة إلهية وضرورة اجتماعية وواقع كوني ولكن طبيعة الخلاف هي التي تفرق بين الخلاف المذموم والإختلاف المحمود , إن الواقع الإسلامي يبين أن معظم الخلافات مذمومة لأن كل صاحب مذهب أوطائفة أو فكر لا يقبل بالآخر ويسعى لاستئصاله , بل انتشرت ظاهرة التكفير التي أصبحت سمة غالبة لخوارج العصرالحديث , فالخلافات داخل الأمة واحدة من عوامل التراجع ..
خامساً : الأطماع الخارجية : تلك العوامل أظهرت الأمة بمظهرالضعف , فقد عجزت أن تحرر القدس أولى القبلتين والحرم الثالث في الإسلام , هذا الضعف أطمع العدو فصار ينفذ سياساته في بلاد المسلمين عبر بلدان وشخصيات مسلمة , وصارت ديار المسلمين ساحة للحروب الدولية بالأصالة والوكالة , وفقدت الأمة شخصيتها الإعتبارية وصار الغرب مبهراً لكثير من الشباب المسلم لأنه يجد عنده ما يفتقده في بلده كالتنمية والحرية واحترام حقوق الانسان ..الخ فهاجر كثيرمن أبناء المسلمين للغرب طلباً للرزق أو فراراً من البطش أو تلبية لحاجة نفسية .
سادساً : الشعار الإسلامي : اختطف من قبل الغلاة والمتطرفين , فالمظالم المشار إليها أصبحت بيئة صالحة لولادة التطرف , واستغل المتطرفون هذا الواقع واندفعوا ينشدون التغيير فشنوا حرباً على الجميع وأعلنوا الجهاد على الكفار فدفعوا بالأمة إلى أتون حرب لم تكن مستعدة لها , وهكذا وجد العدو فرصته ليعلن الحرب على كل المسلمين تحت شعار الحرب على الارهاب , فضاعت قضية المسلمين المركزية ـ احتلال فلسطين ـ وفقدنا أفغانستان , و تحول العراق إلى بـؤرة متفجرة , اختلطت فيها الأوراق : فالارهاب والاستهداف الطائفي والغلو عناصر أدت إلى تشويه مقاومة الاحتلال . ولبنان مهدد بالانجراف , والصومال تمزق , والسودان في طريقه إلى التمزق , هنالك تحالف بين الاستبداد والتطرف وتيارالمحافظين الجدد في أمريكا , هذا التحالف هو المسئول عن الكارثة التي تمر بها أمتنا في الوقت الراهن .
سابعاً : الشعوب الإسلامية لديها وعى كبير يتفوق على قادتها في بعض الأحيان , لأنها ما زالت تتميز بالنقاء ولم تتلوث بأمراض السلطة والثروة , فهي تتطلع إلى استعادة مجدها والإعتزاز بدينها , وقد قدمت سنداً معنوياً كبيراً لحركة المقاومة في فلسطين , ووقفت مع المقاومة اللبنانية حتى انتصرت على العدو الصهيوني انتصاراً كبيراً اعتبرته الشعوب نصراً للأمة كلها وربما خالفت في ذلك بعض نظمها الحاكمة , إن الوحدة الإسلامية تتبلور الآن في وحدة المشاعر والمواقف الشعبية ويمكن أن تتطور إلى وحدة سياسية واقتصادية إذا استصحبت الشعوب وأشركت في القضايا المصيرية ..

المحورالثاني : التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية :
التحدي المعرفي :
تميز الإنسان على المخلوقات الأخرى بالعقل والإرادة والحرية وبالمعرفة الواسعة التي خصّه الله بها قال تعالى : ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿31﴾ قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴿32﴾ قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ [البقرة :31-33] ومعجزة الرسول الخاتم تتمثل في القرآن الكريم الذي نزلت آياته الأولى مبينة قيمة العلم والمعرفة قال تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿1﴾ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿2﴾ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿3﴾ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿4﴾ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق:1-5] والحضارة الإسلامية تاريخياً قامت على صرح علمي متكامل شمل كل جوانب الحياة وتوفر في ظلها المناخ الذي ساعد في تفجير الطاقات الإنسانية فاكتشفت العلوم وتوسعت المعارف ووضعت المناهج العلمية التي اهتدى بها اللاحقون , غير أنّ هذا العطاء تراجع لعدة عوامل أهمها : أن المناهج السائدة في عالمنا الإسلامي لا تساعد على الإبداع والإبتكار والتجديد فهل من سبيل لإيجاد منهج يتعامل مع القرآن والسنة بأسلوب الإستنطاق كما سمّاه الشهيد سماحة الإمام محمد باقر الصدر , منهج يؤسس لمنظومة معرفية تنطلق من الكتاب المقروء ( القرآن الكريم ) والكتاب المنظور( الكون ) منهج يغرس في المسلم ملكة النقد والمقارنة والإستنتاج العقلي , منهج يواكب حركة التطور التي حدثت في الكون بسبب ثورة الإتصالات والمواصلات وضخ المعلومات بصورة لم يسبق لها مثيل ! إن أول تحد يواجه أمتنا هو التحدي المعرفي ..
التحدي السياسي :
الإسلام جاء ديناً خاتماً للرسالات اشتمل على أصولها وتميّز عليها بالعموم وصلاحية التطبيق عبر الزمان والمكان , وقد اهتم الإسلام بكل شئون الحياة الفردية والمجتمعية وعلى نطاق الدولة وعلاقاتها وكان العهد النبوي وعهد الراشدين يجسد الروح الإسلامية في المجال السياسي , غير أن هذا النهج انقطع بتحول الخلافة الراشدة إلى ملك عضوض , فتعطلت الشورى وغاب العدل واضطرب النظام السياسي إلى يومنا هذا , لقد توصل الغرب إلى بلورة فكر سياسي تمخض عنه النظام الديمقراطي وهو نظام يقوم على المشاركة والمساءلة والشفافية والفصل بين السلطات والتداول السلمي للسلطة وسيادة الدستور . إنه يشكل تحدياً كبيراُ لأمتنا التي تحفظ شعارات عن النظام السياسي مثل الخلافة ونظام الشورى غير أن هذا النظام لم يتبلور في شكل نموذج متفق عليه من علماء الامة وقادتها ولم يطبق في أرض الواقع لينافس النظم السائدة في الساحة العالمية , مما جعل الرأي العام الإسلامي منقسماً فبعضه يؤيد النظام الملكي وبعضه ينادي بالديمقراطية وبعضه يتطلع للخلافة .. وهكذا . فالتحدي الذي يواجهنا في هذا المجال هو كيف نبلور نظاماً سياسياً يعبر عن مبادئ الإسلام ومقاصده وتعاليمه لتلتف حوله الأمة وتدعو له ؟.
التحدي العلمي :
التطورالعلمي بلغ مبلغاً ليس له مثيل في التاريخ المعلوم , وكان للحضارة الإسلامية قصب السبق في اكتشاف العلوم ووضع مناهج البحث العلمي , غير أن هذا النجاح أصبح من التاريخ , واليوم فإن العالم الإسلامي في مؤخرة الأمم في مجال الانتاج العلمي والتكنولوجي , وإن وجد بعض النشاط العلمي فهو منقول عن الآخرين وليس أصيلاً , لقد تطورت العلوم بصورة مذهلة بعد اكتشاف الذرة والطاقة النووية , ويتحدث العلم الآن عن الجينات والاستنساخ والاحتباس الحراري ونظرية الكون المتمدد وغيرها من التطورات الهائلة في مجالات العلوم فماهو حظ المسلمين من كل ذلك ؟ إن التحدي العلمي الذي يواجه أمتنا لا يستهان به فما العمل ؟
التحدي الاقتصادي :
النشاط الإقتصادي الآن تجاوز المفاهيم التقليدية وظهرت مفاهيم الشركات العابرة للقارات وأسواق الأسهم والتجارة عبر الشبكة العنكبوتية ( الانترنت ) وهي مفاهيم تعكس حجم التطور الذي حدث في الإقتصاد العالمي , غير أن العالم الإسلامي أغلبه يصنف ضمن الدول الفقيرة فكثير من دوله لا تستطيع توفير القوت ولا المياه النقية لشعوبها , واقتصاديات كثير من الدول الإسلامية مرهونة للنظام الاقتصادي الغربي , ومما يستغرب له أن بلداننا غنية بالموارد الطبيعية كالتربة الصالحة للزراعة والمياه العذبة والثروة الحيوانية والغابية والكثافة السكانية ولكنها عاجزة عن استغلالها وتطويرها بسبب سوء الإدارة والرشوة والفساد ..الخ وحتى المصارف التي قامت على النظام الإسلامي لم تشكل بديلاً مصرفياً جاذباً بل صار كثير منها أكثر سوءً من البنوك الربوية , لقد كتب كثير من العلماء عن الإقتصاد الإسلامي والملكية في الشريعة الإسلامية والنظام النقدي وغير ذلك لكن يظل الواقع الإقتصادي عاجزاً عن المنافسة فالتحدي الذي يواجهنا هو كيف نقدم نظرية اقتصادية اسلامية عملية تبلور نظاماً اقتصادياً بديلاً يتناول علم الاقتصاد ويحدد معالم النظام الإقتصادي الإسلامي ويعالج مشكلة الإنتاج والتوزيع العادل للثروة ويحارب الربا والاستغلال والاحتكار..الخ

التحدي الدولي :
عالم اليوم لا نجد له وصفاً في التاريخ , فكتب السير عندنا تتحدث عن نظام دولي ينقسم إلى دولتين هما دولة الإسلام ودولة الكفر , ودولة الكفر إما أن تكون حربية وإما أن تكون داخلة مع المسلمين في عهد , ولكننا اليوم نعيش في عالم مختلف فالنظام العالمي اليوم يقوم على دول قطرية تقوم الحقوق فيها على أساس المواطنة , وقامت فيه منظمة دولية هي الأمم المتحدة ومنظماتها الفرعية المتخصصة وهي مؤسسة يحكمها ميثاق عالمي يهدف إلى حفظ الأمن والسلم الدوليين , وتضم الأمم المتحدة دولاً تنتمى إلى كل الأديان والثقافات والقارات , وهناك تكتلات إقليمية كالاتحاد الأوروبي ومنظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي , إضافة إلى تكتلات إقتصادية وأحلاف عسكرية ومنظمات ثقافية , وجمعيات حقوق الانسان .. وغيرها من المؤسسات الدولية التي تتدخل في سيادة الدول وحرية الأفراد بقوة القانون الدولي . إننا أمام هذا التحدي الدولي المعاصر مطالبون ببلورة منهج للتعامل مع هذا الواقع من داخل ديننا حتى نكون متصالحين مع أنفسنا ومع عقيدتنا وقادرين على التعاطي مع واقعنا بإيجابية .
التحدي الوحدوي :
الوحدة الإسلامية تمثل أشواقاً وجدانية وتطبيقاً لأمر إلهي : ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء:92] إن عوامل الوحدة متوفرة عند المسلمين , فالإله واحد والنبي متفق على سيرته منذ ميلاده وحتى وفاته والكتاب متفق عليه والقبلة واحدة والتاريخ مشترك والمستقبل واحد والمشاعر متفقة , غير أنه بالرغم من وجود هذه الموحدات إلا أن البون شاسع بين الدول الإسلامية فالمصالح متناقضة والفوارق كبيرة والحواجز النفسية سميكة , والحدود القطرية صارت مقدسة تحرِم المسلم حتى من الحقوق الإنسانية , إن التناقض بين التطلعات والقدرات , والتباين بين المثال وبين الواقع المعاش , والإختلاف بين المحفوظ وبين المنظور كل ذلك يشكل عبئاً ثقيلاً على العقل الجمعي للأمة , فالتحدي هو كيف تتحقق الوحدة في ظل هذه الأوضاع .؟
المحور الثالث : الحلول والمخارج الممكنة :
القرآن الكريم يعلمنا أن الابتلاءات والامتحانات قدر إلهي يمحص الله بها المسلم ويختبر بها الأمة , فالإنسان خلق ليكدح في الأرض ويبتلى بأمر الاستخلاف الذي عجزت السموات والأرض والجبال عن القيام به قال تعالى : ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب:92] ويخبرنا القرآن أن المسلم لا تزيدة الابتلاءات إلا منعة فهو محصن بالإيمان وبالاستعانة بالله على مصائب الدهر , وأنّ نصره سيتحقق إذا استكمل شروط النصر , وهي شروط استودعت في سنن إلهية لا تحابى ولا تتخلف فمن استوفاها نال مطلوبه ومن تخلف عنها لم يحقق نصراً وإن تمسّح بكل الشعارات والمسميات الإسلامية قال تعالى : ﴿ لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة:177] وفي عصرنا الحالي فإن الإبتلاء الذي حدث هو ابتلاء للأمة وهو أخطر من ابتلاء الأفراد , لأن الأمة إن لم تنجح في الاختبار سوف تستبدل قال تعالى : ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴿19﴾ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ﴾ [ابراهيم:19-20] فلكى نخرج من هذه الورطة فإننا مطالبون بالتفكير الجمعي انطلاقاً من الأصل الذي توحد عليه سلفنا واستطاعوا عبره أن يغيروا التاريخ ويحملوا للإنسانية حضارة دينية انسانية تحكمها الأخلاق ويقومها الدين , حضارة استطاعت أن تغير العقل البدوي الذي كان يفتخر بالأنساب ويعتز بالعصبية وتأخذه الحميّة بالحق وبالباطل مثل قول القائل :
وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد
هذه المفاهيم غيرها الإسلام إلى مفاهيم العدل عند الغضب والعفو عند المقدرة والإيثار عند الحاجة , قال تعالى : ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾[الأعراف:199] وقال تعالى : ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ ﴾ [النحل:126] وقال تعالى: ﴿... وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر:9] فالمسلمون بالرغم من ضعفهم الماثل إلا أنهم في الواقع يقفون على أرضية صلبة ويستندون إلى مرجعية أثبتت جدواها في التاريخ فالمطلوب هو مراجعة الأداء الحالي على هدى المرجعية للخروج من هذا المأزق الراهن وذلك بالآتي :
أولاً : نقد الذات : إن مراجعة الأداء وتقييم التجارب ومحاسبة النفس والإعتبار بالتاريخ مفاهيم حثّ عليها الإسلام في أكثر من آية من آيات القرآن الكريم , لأنها خطوات أساسية في تحسين الأداء , وعوامل فعّالة في إصلاح الحال , قـال تعـالى : ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [ آل عمران:135] وعاب الإسلام على أولئك الذين يرفضون المراجعة ولا يعترفون بأخطائهم تعالياً واستكباراً قال تعالى : ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ﴿204﴾ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ ﴿205﴾ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [البقرة:204-206] عليه فإن النقد الذاتي يبصرنا بمواقع الخلل ويعصمنا من الانزلاق في مهاوي الردى , وينمي فينا ملكة التمييز بين الحق والباطل , والتفريق بين الإيجابيات والسلبيات , وإذا طبقنا منهج النقد الذاتي على واقعة من وقائعنا المعاصرة لأدركنا حجم الخطأ الذي وقعنا فيه , وعلى سبيل المثال تعامُلُنا مع الحرب العراقية الإيرانية , فهي حرب وقعت بين دولتين مسلمتين فلو طبقنا المنهج الإسلامي على هذه الواقعة لوجدنا الآتي : قال تعالى : ﴿ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴿9﴾ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾[الحجرات:9-10] هذا التوجيه يفيد الآتي :
ـ نشوب قتال بين طائفتين مؤمنتين .
ـ وجوب السعي بينهما بالصلح .
ـ تقصي الحقائق لمعرفة المعتدي في حال تعذر الصلح .
ـ التضامن بين جميع المسلمين لمقاتلة الطائفة الباغية حتى ترجع إلى الحق .
ـ بعد رجوعها مطلوب السعي للصلح بينهما وذلك بإزالة المظالم وإحقاق الحق .
ـ التأكيد على أن الأخوة بين المؤمنين هي الأصل وأن الأحداث العابرة ينبغي أن لا تصرفنا عن الأصل .
وبتطبيق هذا المنهج على تلك الواقعة نجد أننا قد خالفنا المنهج الإسلامي وذلك بالآتي :
بعضنا تخوف من تأثير الثورة الإسلامية في إيران على مصالحه فوقف مسانداً لأحد الطرفين مقدماً المصلحة الذاتية على المصلحة العامة للأمة .
آخرون ساندوا هذا الطرف ضد الطرف الآخر محكومين بالعصبية .
وآخرون دعموا الحرب خدمة لأجندة خارجية تضررت مصالحها بقيام الثورة الإسلامية في إيران .
والذين دعوا إلى تطبيق المنهج الإسلامي لم يلتفت إليهم أحد .
وهكذا فإن التعامل الخاطئ مع هذه الواقعة جاء بنتائج عكسية فلا المصالح الذاتية تحققت , ولا الثورة احتويت , والأجندة الخارجية سقطت , وحامي المصالح الإقليمية والدولية انقلب على مسانديه الإقليميين والدوليين , ووقعت المنطقة كلها ضحية للعدوان والإحتلال وصدق الله سبحانه وتعالى حيث يقول : ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴿124﴾ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا ﴿125﴾ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ﴿126﴾ وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ﴾ [طه:124-127] إن اتباع الحق هو النجاح في الدنيا والفلاح في الآخرة قال الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رسالته القضائية لأبي موسى الأشعري : " ولا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس فراجعت فيه نفسك وهديت لرشدك , أن ترجع إلى الحق فإن الحق لا يبطله شئ واعلم أن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل " إننا بالنقد الذاتي نصحح أخطاءنا ونصوب مسيرتنا ونستمطر رحمة الله التي هي قريب من المحسنين .
ثانياً : بلورة منهج جديد للتفكير : لقد استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يؤسس العقلية الإسلامية في الصدر الأول على هدى القرآن الكريم والسنة المطهرة فقام عند المسلمين تصور واضح للوجود ولوظيفة الإستخلاف وللكون والحياة والمصير , فلم يحتاروا في تعاملهم مع الواقع بل استطاعوا أن ينقلوه إلى الأفضل بالسلم والإقتناع , لقد تآكل هذا التصور مع مرور الزمن وتعطل العقل الجمعي عن الإنتاج والإبتكار , وصار الفكر في الغالب جامداً في مرحلة تاريخية معينة , يجتر حوادث التاريخ ويبرر الواقع الظالم الذي لا يستطيع تغييره . نحن محتاجون لبلورة منهج جديد يوفق بين الأصالة والمعاصرة , ويجعل الفكر قادراً على التجديد والمواكبة والتحصين من الذوبان , إن عالمنا الإسلامي اليوم متنازع بين الأفكار , ففي ظل الهيمنة الغربية وتأثيرها على الواقع البشري برزت ثلاثة اتجاهات : الإتجاه الأول : يدعو إلى التحرر من الإسلام أو على الأقل حصره في الجانب الشخصي وتبنّي المنهج الغربي لأنه أثبت جدواه عندما تحرر من سلطان الكنيسة فحقق التقدم الحالي. والإتجاه الثاني : يرفض التعامل مع الحضارة الغربية في أي صورة من صورها ويدعو إلى الإنكفاء على الذات والإبتعاد عن أي عطاء انساني يأتي من الآخر. والإتجاه الثالث : يدعو إلى منهج وسط يرتكز على العقيدة ويستصحب اجتهادات السلف التي توافق ظروفنا ولا يتحرج من الإقتباس من الآخر . ومما لا شك فيه أن القرآن الكريم قد أشار إلى تلك المناهج وبين حقها من باطلها , فقال عن منهج التبعية : ﴿ وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ ﴾ [ابراهيم:26] وعن منهج التقليد دون تمييز قال : ﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ﴿23﴾ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ ﴾ [الزخرف:23- 24] وقال : ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة:141] وأما المنهج التجديدي الملتزم بالأصل مع مواكبة العصر فقال عنه : ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء ﴿24﴾ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [ابراهيم:24-25] إن المنهج الثالث هو الذي ينبغي أن نتبنّاه وهو منهج يقوم على قطعيات الورود والدلالة , والتمييز بين الثابت والمتغير في الأحكام , ويأخذ بالحكمة ولا يضيره من أي وعاء خرجت , يقول السيد محمد باقر الصدر عن هذا المنهج إنه يجرى " عملية حوار مع القرآن الكريم واستنطاق له , وليست مجرد استجابة سلبية , بل استجابة فعالة وتوظيفاً هادفاً للنص القرآني في سبيل الكشف عن حقيقة من حقائق الحياة الكبرى" وهو نفس النهج الذي سار عليه السلف فاهتدوا إلى الصراط المستقيم قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : " ذلك القرآن فاستنطقوه , ولن ينطق , ولكن أخبركم عنه , ألا ان فيه علم ما يأتي والحديث عن الماضي , ودواء دائكم , ونظم ما بينكم " إن هذا المنهج يجمع ولا يفرق ويوحد ولا يمزق إنه المنهج الذي سار عليه سلفنا فحافظوا على وحدة الكلمة مع تنوع الاجتهادات .
ثالثاً : قراءة التاريخ بمنهج تمييزي : التاريخ يلقى بظلاله على الحاضر لأن السلوك البشري ينطلق من خلفيات ثقافية وعقدية واجتماعية وهي تمثل ماضي وحاضر الإنسان , لقد وقعت في تاريخنا أحداث كثيرة أثرت على مسيرة الحياة وما يعنينا في هذا المجال هو الصراع التاريخي بين الفرق الإسلامية : السنة والشيعة والخوارج والمعتزلة والظاهرية والصوفية..الخ هذا الصراع له أسبابه ودوافعه ومبرراته التاريخية ولكنه ظل حاضراً في كل خلافاتنا المعاصرة إن " أهم جدليات الاختلافات الفكروية : جدلية الظاهر والباطن ـ والنقلي والعقلي ـ والسنة والشيعة . الجدليتان الأوليتان أدتا لنشأة فرق ومدارس كثيرة وستتكاثر اجتهاداتها مع الحرية . ولكن الثالثة مصدر تفرق اختلط بصراع السلطة والسياسة ، وببدايته أدى لأوائل المعارك التي فرقت كلمة صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ، رضي الله عنهم جميعاً ، وأورثت فتنة ما زالت قابلة للاشتعال " ومما لا ريب فيه أن الصراع السني الشيعي تطورمن خلاف سياسي إلى خلاف فكري أدّى إلى حرب بين الطرفين واضطهاد متبادل فـ" الدول التي غلب عليها السنة اضطهدت مواطنيها الشيعة ، والعكس صحيح . وكانت العلاقة بينهما قائمة على التنافر والتخوين والتكفير ، تنافر في الكيانات والدول استقر على توازن بارد حيناً وساخن أحياناً " هذه الأحداث التاريخية ذهب أبطالها وغاب مسرحها فلا يجوز اسقاطها على الواقع المعاصر , لقد حدثت تطورات كبيرة أدت إلى تقارب بين الطرفين , والذي ينبغي أن ندركه أن الشيعة اليوم ليسوا هم شيعة الأمس ولا السنة اليوم هم سنة الأمس , فقد حدثت مراجعات كبيرة عند الطرفين , إن هنالك سلوكيات ومواقف مستفزة علينا تجنبها مثل : الحديث عن الروافض , وسب الصحابة , والاساءة إلى الشيخين ( أبي بكر وعمر ) إلى غير ذلك من المواقف التي تفرق ولا تجمع . إن تجاوز صراعات الماضي وطي صفحته يفتح الطريق إلى الوحدة .
رابعاً : الوعي بالواقع : معلوم أن الفقه يتمثل في معرفة الأحكام والأشخاص والوقائع والإحاطة بالواقع الذي تطبق فيه , وواقعنا اليوم تعرض له المحور الأول من هذه الورقة إضافة إلى ذلك فإن هنالك تغيرات طرأت على سلوك كثير من المسلمين في حياتهم وعلاقاتهم بسبب التطورات التي استجدت في عالم اليوم , إن التقارب الذي حدث في دنيا البشر جعل العالم متداخلاً ومتأثراً ببعضه بعضاً , فوسائل الإعلام تنقل إلينا أنماطاً متعددة من أساليب الحياة والسلوكيات والأفكار بصورة لها تأثيرها المباشر على حياتنا , ووسائل المواصلات تنقلنا إلى كل أنحاء العالم وهكذا بفعل التأثير المتبادل تعددت المطالب وتنوعت الضروريات وتبدلت القيم , علينا ونحن نتطلع إلى الوحدة أن ندرك الآتي :
أن المصالح مقدمة على المبادئ والقيم في عالم اليوم والشواهد أكثر من أن تحصى والمسلمون تأثروا بهذا الأمر , ونخطئ إذا توقعنا موقفاً مشابهاً لموقف الأنصار عندما آثروا إخوتهم المهاجرين على أنفسهم فقاسموهم الدار والأموال والزوجات , بل إن الذين تعرضوا للنكبات من المسلمين في وقتنا الحاضر لم يجدوا من إخوتهم حق الجوار ناهيك عن حق المسلم والشواهد كثيرة في الصومال ودارفوروحتى فلسطين ولبنان والعراق فإن ما يقدم لهم لا يصنف بأنه تكافل وتضامن بين أبناء الملة الواحدة الذين يوجب دينهم بإنفاق الفضل من الظهر والمال والدار .
المجتمع الغربي بكل مساوئه صار جاذباً لكثيرمن المسلمين , فعدد الذين يطلبون الهجرة إلى الغرب من المسلمين أكثر من طالبي الهجرة إلى بلدان اسلامية , لأن الحرية والكرامة وكفالة حقوق الإنسان التي يجدها المسلم في الغرب لا يجدها في بلده بالرغم من مظاهر الكراهية التي ظهرت في بعض البلدان الغربية ضد الإسلام مثل : الإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومنع الحجاب واتهامات البابا . مع كل ذلك يظل الغرب في الجوانب الانسانية متقدماً على العالم الإسلامي .
القنوات الفضائية المتخصصة في الغناء والرقص والميوعة في عالمنا الإسلامي أكثر من تلك التي تتناول قضايا فكرية ودينية وإخبارية ! والمراقب يدرك دون أي شك أن رواد الأولى أكثر من رواد الثانية وجلهم من الشباب الذين يفترض أنهم سيكونون قادة المستقبل .
عوامل الإحباط فرخت نهجين سيطرا على الساحة الشعبية الإسلامية نهج التطرف والغلو , ونهج الإنحلال واللامبالاة واتباع الهوى , وروادهما أكثر من رواد النهج الملتزم المستقيم .
الخطاب الديني الحالي لا يمتلك أدوات التغيير لأنه منفصل عن الواقع ولا يخاطب قضاياه بصورة إيجابية فهو إما متمرد على الأوضاع يخاطبها بلغة الغلاة , وإما مدجن يبرر الواقع ويدعو للصبر عليه حتى يأتي الفرج , ولذلك انصرف كثير من الشباب عنه لارتياد مواقع يشبعون فيها حاجاتهم .
هذا الواقع يحتاج إلى تشخيص من خبراء يحددون العلل كما هي دون تلوين ويصفون العلاج الناجع, معرفة الواقع خطوة أساسية للاصلاح وبالتالي لرسم معالم الوحدة الإسلامية .
خامساً : ترسيخ فقه الأولويات والكليات والمقاصد : إن سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تؤكد أن هنالك أولويات يجب اتباعها , وإلا سيكون النشاط غيرمثمر مثله مثل نهج الذين قال الله عنهم : ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ ﴿2﴾ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ ﴿3﴾ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً ﴾ [الغاشية:2-4] فالدعوة الإسلامية من خصائصها التدرج والمرونة ورفع الحرج , ولكن مع عجز العلماء عن الأخذ بزمام المبادرة في كثير من البلدان تصدى للنشاط الدعوي من لا فقه لهم فأوقعوا الأمة في مأزق , وصار الرأي العام يوجهه أصحاب الشعارات لا العلماء , والعامة معذورون لأنهم لا يرون من علمائهم إلا عجزاً أو تبريراً للأوضاع وصدق إمام المتقين علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه حينما قال : " الناس ثلاثة : عالم رباني ؛ ومتعلم على سبيل نجاة ؛ وهمج رعاع ينعقون مع كل ناعق , يميلون حيث تميل الريح " في ظل هذه الأوضاع اختلت المفاهيم وضاع فقه الأولويات , فقدمت الجزئيات على الكليات , والفضائل على الفرائض , وجعلت الصغائر كبائر , لابد من تكاتف الجهود لتصحيح هذه الأوضاع , إن فقه الأولويات فقه أصيل في الشريعة الإسلامية يؤكده نهج التدرج الذي اتبعه الإسلام في تنزيل الأحكام , عن ابن عباس رضي الله عنهما أن معاذاً قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله , فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة , فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم , فإن هم أطاعوا لذلك , فإياك وكرائم أموالهم , واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب " إن مراعاة الأولويات في الدعوة تضيق الشقة بين المسلمين وتخرج الخطاب الإسلامي من المأزق الذي أوقعه فيه الغلاة وصغارالعقول ومن ثم تكون معالم الوحدة أوضح لأن المشترك بين المسلمين يتمثل في الكليات والمقاصد والمبادئ التي لا خلاف عليها , وتختلف الأولويات حسب الحال والبيئة لكل عصر ومصر وظرف ..
سادساً : إزالة المظالم المفرخة للآزمات : ربط الإسلام بين التوحيد والعدل , وشدد على مبدأ المساواة ، وحث على رفع المظالم وإعطاء الحقوق لأصحابها , لقد وقعت مظالم كثيرة في عالمنا الإسلامي أدت إلى تفرق الكلمة وذهاب الريح , وهي تشكل عقبة كأداء أمام وحدة الأمة فالواجب إزالتها , لأن مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب . والمظالم المعنية كثيرة أهمها :
المظالم السياسية وهي تتمثل في غياب الشورى والمشاركة والعدالة وهي مبادئ أدى غيابها إلى سيادة النظم الشمولية القائمة على التغلب والقهر , فولدت العنف والعنف المضاد مما أدى إلى تفرق كلمة الأمة وإهدار حقوقها وإسالة دمائها.
المظالم الإجتماعية وهي تتمثل في غياب التكافل والتراحم والتعاون بين أبناء الأمة واهدار حقوق المسلم التي حثّ عليها الإسلام .
المظالم الاقتصادية وتظهر في عدم توفير الضرورات الحياتية للانسان واحتكار الثروات لفئات قليلة توظفها لشهواتها ونزواتهاعلى حد قول القرآن الكريم : ﴿... وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ ﴾[الحج:45] .
مظالم فكرية : وهي تتمثل في الغاء الآخر وتكفيره وعدم الاعتراف بحقه في الاجتهاد , واستعمال العنف ضده إذا جاء برأي مخالف .
إن وجود هذه المظالم وغيرها يولد الحقد والحسد ويؤدي إلى التقاطع والتدابر ومن ثم يتطور الأمر إلى التكفير وإهدار الدماء , وبالتالي تجد الأمة نفسها في نزاع وخصام .
سابعاً : انشاء آلية أممية للإجتهاد والتنسيق وفض النزاعات : المجهودات التي بذلت في المجال الفكري النظري المتعلق بشأن الوحدة الإسلامية كبيرة , وآن الأوان لخطوات عملية في طريق هذه الوحدة والآليات التي أقترحها تتمثل في الآتي :
آلية للإجتهاد : تضم أهل الإختصاص من كل الفرق والجماعات الإسلامية لتتولى البحث في التراث الإسلامي والفكر الانساني والعلوم والمعارف الحديثة يناط بها الاجتهاد المؤسسي الذي يخرجنا من المفاهيم الفردية والنزعات الذاتية .
آلية لفض النزاعات بين الدول والجماعات الإسلامية : تتكون من حكماء وخبراء وقادة سياسيين ودينيين وعلماء تتولى التصدي لأي نزاع ينشأ بين الدول والجماعات الإسلامية .
آلية للتنسيق والمتابعة : يوكل إليها تجميع الأفكارالتي تشكل قاسماً مشتركاً بين الجماعات الإسلامية , وتقوم بالتنسيق بين الجماعات وتنظيم أنشطة مشتركة تأهيلية وتدريبية ودعوية تحقق الوحدة بالإحتكاك والممارسة .




ـ الخاتمة ـ
إن وحدة المسلمين قريبة وبعيدة في آن معاً . فإذا نظرنا إلى الواقع بتعقيداته واحباطاته وتحدياته , فإنه ينبئنا عن استحالة الوحدة , وإذ رجعنا للمصادر الأصلية للإسلام ـ القرآن والسنة وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ـ واستصحبنا تطلعات ومشاعر غالبية المسلمين , مع الأخذ في الاعتبار فشل التجارب والنظم الوافدة لأدركنا أن الوحدة أقرب إلينا من حبل الوريد , ولكن هنالك شروط ينبغي توافرها منها : الاقبال على الله سبحانه وتعالى باخلاص وخضوع والاستعانة به في كل الخطوات والتخلي عن الذنوب والآثام والتحلي بالفضائل وأخلاق الربانيين والاقتباس من هدي القرآن الكريم والسنة الشريفة , إضافة لما ورد في الورقة من تحليل ووصف ومقترحات وما يقدمه الآخرون في أوراقهم من أفكار وآراء ومقترحات , فإن الهدف سيتحقق وصدق المولى سبحانه وتعالى إذ يقول :
﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ [الأنبياء:105]
وأشكر في ختام هذه الكلمة الجهات المنظمة لهذا المؤتمر ودعوتها لنا للتفاكر حول هذا الموضوع الهام الذي يشغل بال الأمة ويثقل كاهلها , والشكر لجمهورية إيران الإسلامية على استضافتها لهذا المؤتمر فمنذ انتصار الثورة الإسلامية في ايران عرف الفكر الانساني أسلوباً جديداً في التعاطي مع قضايا المسلمين فهي حقاً ثورة المستضعفين . ولا يفوتني في هذا المقام أن أترحّم على روح مفجرها الإمام آية الله الخميني طيب الله ثراه ,
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

الاثنين، 21 سبتمبر 2009



بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة عيد الفطر المبارك
أول شوال 1430هـ الموافق 20 سبتمبر 2009م
الخطبة الأولى
الله أكبر الله أكبر الله أكبر
الحمدُ للهِ والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، أما بعدـ
أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز.
مضى شهر التوبة والغفران ونزول القرآن، نسأل الله أن يتقبل صيامنا وقيامنا وأن يغفر خطايانا ما صغر منها وما كبر. كما قال الإمام الشافعي:
يقول حبيبي انت سؤلى وبغيتي
كفـى بك للراجين سـؤلا ومغنماعسى من له الاحسان يغفر زلتي
ويستر أوزاري ومـا قـد تقــدمـا
إنه شهر ميزته درجة أعلى من الروحانيات والاجتماعيات، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
[1] وقال المصطفى (ص) في حديث قدسي:"الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ"[2]. الصيام تقوى الله وصمدية بشرية تدرب الإنسان على الصبر على شهواته الغريزية. والصبر مفتاح الفضائل الذي ما برح القرآن يمتدحه: (وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[3] ، (وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ)[4].
فالعفة، والشجاعة، والتضحية، والاجتهاد وغيرها من مكارم الأخلاق معجونة بالصبر. ومكارم الأخلاق هي بنص الحديث النبوي أكثر ما يثقل الميزان يوم الحساب.
الصيام وصلاة القيام والتهجد رياضات رمضان الروحية. ومنع الغيبة والنميمة يصنع الصلح الاجتماعي بين الناس. كما أن موائد الخلان وموائد الرحمن تزيد الوصال الاجتماعي والتكافل بين الناس. وزكاة الفطر ومقدارها اليوم أربعة جنيهات عن كل فرد ذكرا أو أنثى تجمع بين العنصرين الروحي والاجتماعي، فهي طاعة، وكفارة، وتضحية، وهي إغاثة للفقراء والمساكين والواجب الإسراع بإخراجها وتوزيعها لمستحقيها قبل صلاة العيد وإلا فهي صدقة من الصدقات.
العيد فرحة بالفطر، وبأداء واجب الصيام، وهو مناسبة دينية واجتماعية. مناسبة فيها الصلاة الجامعة في فلاة أي ساحة مفتوحة، مناسبة فيها البهجة المباحة وفيها ترميم العلاقات الاجتماعية عن طريق المعافاة، والمصافاة، والمعايدة، والزيارات المتبادلة.
المؤسف أن كثيرا من مقاصد رمضان والعيد تهدر وعلينا تجنب ذلك:
· ففي كافة البلدان الإسلامية تتفجر الرغبات الاستهلاكية في رمضان كأنه شهر شراب وطعام لا صيام. والناس بدل الحمية (أي الرجيم) في رمضان تزيد أوزانهم وينسون قول النبي (ص) "دَائِمُ الْبِطْنَةِ قَلِيلُ الْفِطْنَةِ "
[5].
· وبعض الناس يغير أسلوب حياته لينام نهارا ويسهر ليلا، إنه سلوك لا حرمة فيه ولكنه يهزم فكرة الصيام أن تعيش حياتك كالمعتاد وتتحمل مشقة الصيام. ونفس الشيء ينطبق على من يملأون نهار رمضان بالتسلية، التسلية لا حرمة فيها ولكن بسطها على كل نهار رمضان يخدش مقاصد الصيام.
· وصلاة العيد مظاهرة إيمانية في وضح الضحى يمكن أن تصلى قبل ذلك ودون صخب ولكن يستحسن أن تصلى بصورة تظاهرية لإظهار عزة الإسلام وحماسة الجماعة بعد موكب تدق فيه الطبول وتتصاهل الخيول ويحتشد في ساحة الصلاة الرجال والنساء حتى الحائضات لا يشتركن في الصلاة ولكن يسمعن الخطبة ويشهدن الدعاء.
أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز:
إن أداء العبادات واجب ديني، ومطلوب فيه إخلاص النوايا، ولكنه لا يحقق مقاصده إلا إذا انطبع أثره في سلوك الإنسان. هنالك تسعة مجالات يمتاز بها الربانيون هي:
أولا: أن يكون الإنسان واثقا بالله بحيث "يعتقد أن العند السيد أقرب من الفي الإيد"، (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)
[6].
ثانيا: أن يكون محبا للناس "الْخَلْقُ عِيَالُ اللَّهِ، وَأَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ"
[7]، وسائر خلقه "فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ"[8] وكما قال العارف بالله:
ما في محبته ضد أضيق به
هي المدام وكل الخلق ندماني
وقال نبي الرحمة "لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"
[9].
ثالثا: أن يدرك أن الارتفاع بالاتضاع كما جاء في الحديث "أَفْضَلَ الْعِبَادَةِ: التَّوَاضُعَ"
[10] كما قال العارف بالله:
قالت نساء الحي تطمع أن ترى ليلى
بعينيــك مـت بــداء المطــــامـــــــع!!
وكيــف تــرى ليلــى بعيـن ترى بهـــا
ســواها ومــا طهـرتــها المـدامـــــــع!

رابعا: أن يكون رحيما خاصة للضعفاء (أرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ*وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ)
[11]. وقال النبي (ص) "فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ"[12]
خامسا: أن يتهم نفسه فرب معصية أورثت ذلا وإنكسارا خير من طاعة أورثت عجبا واستكبارا. ويعامل الآخرين بالإيثار (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)[13].
سادسا: أن يكون باطن الإنسان خير من ظاهره وهذه مرتبة عالية في الصلاح.
سابعا: أن يكون عادلاً. (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ)
[14] (اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)[15].
ثامنا: أن يكون عالي الهمة "إذا تعلقت همة ابن آدم بالثريا لنالها". وكما قال الحكيم:
كأن نفوسهــم بها أنف
أن تسكن اللحم والعظما.
تاسعا: الصدق إذ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ)
[16]. وفي الحديث: "إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ مَنْ لَا يُؤْمِنُ"[17].
شغل بعض الناس برقية وصفوها بأنها اسم الله الأعظم ولكن هذه هي الأفعال الربانية التي تعرج بصاحبها أو صاحبتها إلى المراقي الربانية وتفتح للإنسان أبواب المستحيل كما قال أحد العارفين:

قلوب العاشقين لها عيون
ترى ما لا يراه الناظرون
وأجنحة تطير بغير خفق
إلى ملكوت رب العالمين

سأل سائل شخص يسمى قريب الله؟ ما وجه القرابة؟ هذه الصفات هي درجة القرابة.
أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز
أمتنا في كافة تجلياتها تعاني من حالة إخفاق وإحباط. فأمتنا الأفريقية تتصدر قوائم الإخفاق في كثير من المجالات، وأمتنا الإسلامية تعاني من التمزق والتفرق، تشتعل فيها الحروب الأهلية الباردة والساخنة ويهيمين عليها في أكثر الحالات أعداؤها هيمنة مباشرة بالاستيطان والاحتلال. أو غير مباشرة بالوصاية، أما أمتنا العربية فحدث ولا حرج.
قال غازي القصيبي متألما:
أيها المخترع العظيم
يا من صنعت بلسما قضى على مواجع الكهولة
وأيقظ الفحولة
هل لديك بلسم يعيد في أمتنا الرجولة؟
أو هاك أبيات أحمد مطر الباكية الضاحكة:
النملة قالت للفيل: قم دلكني
ومقابل ذلك ضحكني
ضحك الفيل!
فشاطت غضبا: تسخر مني يا برميل؟
ما المضحك فيما قد قيل؟
غيري أصغر لكن طلبت أكثر مني
غيرك أكبر لكن لبى وهو ذليل
أي دليل؟
أكبر منك بلاد العرب
وأصغر مني إسرائيل!
مأساتنا أن كل محاولات النهضة بالعلمانية، والاشتراكية، والقومية، أخفقت وسقطت التجربة وبقيت الشعارات كأنها أعجاز نخل خاوية.
ومحاولات التأصيل بالإسلام في أفغانستان، وباكستان، والسودان تراجعت. التجربة المتبقية الواعدة هي الإيرانية ولكنها تواجه تحديين هما: تحقيق معادلة معقولة لقضية الإمام الغائب، ونقل ولاية الفقيه إلى ولاية الأمة.
إن تقليدنا للحضارة الغربية عن طريق التضحية بالذات واستنساخ النظم الوافدة لم تجد وإتباعنا لأنماط ماضوية عن طريق التضحية بالعصر باءت بالفشل.
مرجعية ذاتنا إسلامية وهي أساس هويتنا ومصدر هداية روحية وأخلاقية ومبادئ وشرائع خالدة ولكنها لن تبعث إلا في أنماط جديدة لأن لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال كما قال الإمام المهدي في السودان.
زجاجة التقليد قد انكسرت ولا يمكن ترقيعها بل صهرها وصبها في قالب جديد على حد تعبير الإمام الغزالي.
الحضارة الحديثة اكتشفت سنن الكون وقوانين الطبيعة في المجالين المادي والاجتماعي وطورت العلوم وسخرتها بالتكنولوجيا. ومع إنجازاتها الرائعة فإنها معدمة في ثلاثة مجالات: الروحية والغائية، والأيكولوجية.
الحل المجدي هو بناء حضارتنا على مصاهرة منهجية بين شطرين من الوجود: الشطر الطبيعي وهو موضوع العلوم الطبيعية. والشطر الإنساني وموضوعه العلوم الإنسانية والاجتماعية والجمالية. كل المعارف يدخل فيها جانب يقوم على الغايات والقيم وجانب يقوم على البراهين والتجارب. ما يخص القيم والغايات ينبغي أن يكون مرجعه الوحي والإلهام والحكمة ومقاصد الشريعة، وما يخص الوجود الطبيعي ينبغي أن تكون مرجعيته تجريبية برهانية.
جل العلوم الطبيعية تقوم على أساس برهاني تجريبي وما تسرب فيه من قيم ذاتية غربية لا يعتد به. الوجود الإنساني والاجتماعي يحفل بجوانب قيمية وغائية وكذلك فيه جوانب برهانية وتجريبية - مثلا- في علم النفس توجد علاقة سببية بين الشعور والإرادة، وفي السياسة توجد علاقة حتمية بين المشاركة والعدالة، وفي الاقتصاد توجد علاقة عكسية بين العرض والطلب، وفي السوسيولوجيا توجد علاقة جدلية بين الفرد والجماعة، وهلم جرا.
المرجعية الإسلامية تستوجب اجتهادا صحويا إسلاميا غير مقيد باجتهادات الأقدمين. والمرجعية البرهانية التجريبية تستوجب فهما عقلانيا غيرمقيد بأنماط الحضارة الغربية. التطلع لهذه المصاهرة المنهجية يداعب خيال كثيرين ومحدثكم بصدد تناوله تفصيلا في كتاب بعنوان: القضية الإسلامية.
جدوى هذا المشروع تتوقف على ثلاثة شروط:
الأول: أن توجد قيادة مؤمنة به.
الثاني: أن تلتف حولها قوى اجتماعية فاعلة.
الثالث: أن يولد عن طريق آلية الجهاد المدني بلا عنف فالعنف يسلط عليه أجهزة قمع داخلية وأجهزة هيمنة خارجية تبيده.
إذا لم ينحج هذا المشروع فإن مصيرنا سوف تخطفه مشروعات الغلاة التي تصلح للاحتجاج وشفاء الغليل ولكنها لن تقدم بديلا مجديا بل سوف تصل إلى طريق مسدود. أو تخطفه تدابير الغزاة التي لن تجدي بل تعطي مشروعية لحركات التحرير كما كان في أفغانستان والعراق.
قال تعالى (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)
[18] (رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا )[19].
آمين.
الخطبة الثانية
الله أكبر - الله أكبر- الله أكبر
الحمد لله الوالي الكريم والصلاة على نبينا محمد وآله وصحبه مع التسليم، وبعد،
أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز،
حب الوطن من الإيمان، وتحسر النبي من ترك مكة وطنه وقال لولا أن "أهلك أخرجوني منك ما خرجت"، وأقول مع الحكيم:
تحيتي هي باقات أقدمـــــــــــــها
من نبع قلب هوى السودان أضناه
قد همت في حبه منذ الصبا وإلى
أن ينتهـــــــــي أجلي أهواه..أهواه
في السويداء من قلبي مكانتـــــه
إن مسه الضــــــــر ما يلقاه ألقــاه

في خمسينيات القرن العشرين والستينيات كان السودان يلقب في الأوساط الأفريقية ببروسيا أفريقيا قياسا على دور بروسيا الرائد في ألمانيا. وحكى لي المرحومان ميرغني حمزة ومأمون بحيري أنه في أوساط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي كان يشار للسودان برجل أفريقيا الغني. وكان السودانيون لا يسافرون للخارج إلا لبعثات تعليمٍ أو علاجٍ مستعصٍ، ولا يطلب سوداني جنسية أجنبية أو إقامة دائمة حتى إذا عرضت له كما حدث لبعضنا. وفي عهد النظام المايوي بدأ الاغتراب في دول الخليج بموجب عقود عمل. ولكن في عهد "الإنقاذ" انهمرت الهجرة للخارج بمطالب إعادة التوطين، وهاجر إلى الخارج إلى أركان العالم الأربعة ربع أهل السودان.
كان شاعرنا في الفترة الماضية ينشد قائلا:
جيل العطاء لعزمنا حتما
يذل المستحيل وننتصر
وسنبدع الدنيا الجديدة وفق ما نهوى
ونحمل عبء أن نبني الحياة ونبتكر
ولكن نفس الشاعر - محمد المكي إبراهيم- تحطمت معنوياته في وصف الحالة الراهنة فقال:
ولكن ها هي الوعول
تأوي إلى شعب الجبل
مقطوعة الأنفاس
وتحت البيرق الأبيض
تنتظر رصاصة الرحمة!
وبعيدا عن المغالطات غير المجدية تواجه البلاد تأزما في عشر ملفات:
· اتفاقية السلام نصت على حكومة الوحدة الوطنية وعلى تأسيس الوحدة الجاذبة، ولكن بعد خمسة أعوام إلا قليلا الحكومة حكومة فرقة وطنية والتجربة طاردة للوحدة.
· مشكلة دارفور تعقدت وتعددت أسباب الصدام وتداخلت مع بعض دول الجوار وخلقت مأساة إنسانية وتدولت.
· حجم الاعتماد على الخارج في الإغاثة الإنسانية، وفي الرقابة الأمنية، وفي الوساطة بين الأطراف السودانية، وفي التحكيم، بلغت درجة غير معهودة فتآكلت السيادة الوطنية.
· الحالة الأمنية في مناطق كثيرة مزعجة. والشريكان في الحكم يتبادلان الاتهامات بدعم عسكري ومالي متبادل للمنشقين.
· والحالة الاقتصادية مأزومة زادتها الأزمة العالمية حدة.
· كافة اتفاقيات السلام المبرمة لم تحقق مقاصدها وتتبادل أطرافها الاتهامات.
· المواجهة مع الأسرة الدولية تتصاعد بطرق علنية وأخرى خفية.
· الحريات العامة في حالة تراجع والإعلام الرسمي موجه لصالح الحزب الحاكم.
· الأمن الغذائي مهدد. الفجوة الغذائية تسد بالاستيراد في ظروف شح العملة الصعبة، والموسم الزراعي غير مبشر.
· تفشي الجريمة البشعة في البلاد وارتفاع عدد ضحاياها، وارتفاع معدل الانتحار خصوصا وسط النساء.
هذه العوامل كافية لتدمير أي مجتمع ولكن في أجزاء كثيرة من السودان عملت أخلاقيات أو إنسانيات سودانية كجهاز مناعة لطّف الحالة رغم كوارث السياسة، والاقتتال، والفقر. أخلاق السمتة السودانية كانت هذا الجهاز وهي: الكرم، والكرامة، والتسامح، والوفاء، والنجدة، والتضحية، والتكافل الأسري. أخلاق واسعة الانتشار يمجدها الأدب الشعبي السوداني:
أما الكرم فيشاد فيه بعوج الدرب، وبقدح ود زايد، وأن الزعامة سباتة وقدح، ولا دين بلا عجين.
أما الكرامة فآياتها: لاقيني ما تعشيني، وبليلة مباشر ولا ذبيحة مكاشر.
والتسامح خير ما وصفته الشاعرة:
الهــــوي والشــــرق بي ليـــمو عمـاهو
الزيـن والفســـل بــي طبعــــــو لمـاهو
حفـر العـــد غريـــق لامـن يجيب ماهو
لملم سعينات الرجال كباها في سقاهو
أما الوفاء فآياته كثيرة يدل عليها ما قاله "الفتوة":
أولاد الســـــواد المـا بعرفـــــو السمتة
حلف بــــي رب العبـــــــــاد وقســــمت
ما جب شمة في حللي إن بقى اتقسمت
والنجدة:
مما قام صغير ما بمشي في الفارغات
للجار والعشير هو الدخــري للحوبات
والتضحية:
إبراهيـــــم صاحبــــي المتــمم كيفــي
ثبـــات عقـلـــــي ودرقتـــي وسيـــــفي
مونة غــداي مطمورة خريفي وصيفي
سترة حالي في جاري ونساي وضيفي
أما التكافل الأسري فآياته كثيرة: الداب نفسو مقصّر، وستار العروض وغيرها.
ولكن الطبقة الطفيلية الجديدة التي أفرزتها سياسات التمكين، والعولمة الوافدة كما صورت ذلك مسرحية "نسوان برة الشبكة" بدأت تهدم تلك الإنسانيات السودانية وبالتالي تقوض جهاز المناعة السوداني النفسي والاجتماعي.
نحن أمام تحد سافر:
· نعترف بالخطر الماثل.
· ننبذ العناد والانفراد.
· نجلس إلى مائدة مستديرة لا تعزل أحدا، ولا تستثنى قضية، وتعمل على إيجاد حل قومي شامل للتراضي الوطني.
لقد حاولنا هذا الطريق بمشروع التراضي الوطني الذي اغتاله دعاة العناد والانفراد في المؤتمر الوطني. ولكن أهداف التراضي الوطني لم تمت وما زالت هي بوصلة الوطن.
إن كثيرا من مبادرات حل أزمة دارفور؛ ما دامت تنطلق من تشخيص ناقص، وتركز على عدد محدود من أطراف النزاع، وتعتمد على سقوف أبوجا، حتما فاشلة.
سلام دارفور يقف حتى الآن في طريق مسدود لذلك تحركنا مع كافة أطراف النزاع السياسية، والمدنية، والمسلحة، والقبلية، للدعوة لإعلان مبادئ يمثل استجابة لتطلعات أهل دارفور المشروعة ويمهد لملتقى دارفوري جامع يبرم اتفاق سلام عادل.
وفي هذا الصدد، نشيد بلجنة حكماء أفريقيا برئاسة ثابو امبيكي رئيس جنوب أفريقيا السابق لاتصالهم بجميع الأطراف، وقد تجاوبنا مع مجهوداتهم وينتظر أن يطرحوا توصية توفق بين العدالة والاستقرار في دارفور.
الموقف بشأن اتفاقية نيفاشا بين الشريكين مستغرق في المنافشة، والمشاكسة حول الإحصاء، والقوانين المقيدة للحريات، واستحقاقات الانتخابات، وحسابات البترول، وقانون الاستفتاء، والاتهامات المتبادلة بدعم المنشقين.
هذا كله زاد من فجوة الثقة بين الشريكين لدرجة ما عادا يتحادثان إلا في حضرة الشريك الأمريكي شريكا ثالثا.
الواجب الوطني المُلِح والعاجل الآن، مع هذه الحالة أن تتحرك القوى السياسية بمشروع وطني يتصدى لحل المشاكل العالقة، ويرسم معالم الطريق للوحدة الجاذبة، ويضع فكرة الانفصال في إطار أخوي حتى لا يكون إن اختاره أهل الجنوب بمثابة إعلان حرب.
في زيارتنا لجوبا طرحنا على الحركة الشعبية هذه الرؤية واتفقنا على بعضها، وأجّلنا بعضها للملتقى القومي، وسنبحث ما بقي منها في الآليات المشتركة المتفق عليها.
إن زيارة جوبا كانت فرصة طيبة لاستئناف وترميم علاقتنا مع الحركة الشعبية، وهي علاقة مهمة لاستقرار البلاد والوحدة الوطنية والتعايش الديني.
إن اتفاقنا مع الحركة الشعبية مع أنه ثنائي لكنه مرحلة نحو اتفاق قومي مثلما كانت شقدوم الثنائية في ديسمبر 1994م مقدمة لأسمرا القومية في يونيو 1995م.
إننا نشيد بمبادرة الحركة الشعبية للدعوة لمؤتمر جوبا ونرجو أن يكون قوميا ومحضورا، ونناشد المؤتمر الوطني والحزب الاتحادي أن يتخليا عن تحفظاتهما وأن يشاركا في المؤتمر بفعالية. وأناشد الحركة الشعبية وكافة القوى السياسية أن يسعوا لجمعهما ما وجدوا لذلك سبيلا.والحقيقة إذا أردنا أن نجنب بلادنا مخاطر التشظي والتدويل المحيطة بالبلاد، وأن نحقق الأجندة الوطنية بشقيها السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي المنشود، فالواجب الوطني يملي عقد ملتقى جامع للاتفاق على البرنامج الوطني المنشود وتكوين آلية قومية لتنفيذه.
[1] سورة البقرة الآية (183).
[2] رواه بخاري
[3] سورة الأنفال الآية (46).
[4] سورة النحل الآية (126).
[5] رواه الإمام أحمد بن حنبل
[6] سورة يوسف الآية (87).
[7]المعجم الكبير للطبراني
[8] حديث بخاري
[9] حديث بخاري
[10] حديث عائشة سنن الترمذي
[11] سورة الماعون الآيات (1-3).
[12] سنن أبو داود
[13] سورة الحشر الآية (9).
[14] سورة النحل الاية (90).
[15] سورة المائدة الآية (8).
[16] سورة التوبة الآية (119)
[17] حديث أبو الدرداء كتاب تهذيب الآثار للطبري
[18] سورة البقرة الآية (186).
[19] سورة الكهف الآية 10

الجمعة، 11 سبتمبر 2009




















صور عن موقع معركة بدر الكبري
























































بدر الكبري وأبا الاولي
كلفني الاستاذ منصور حسن بإمامة صلاة الجمعة في مسجد الحاج مردس بالكلاكلة فاستجبت، ودفعتني هذه الاستجابة الي البحث عن انسب المواضيع التي تشد المصلين نحوالخطبة؛ وتتسق في ذات الوقت مع مناسبة هذا الشهرالكريم. فهداني تفكيري الي تناول موضوع غزوة بدر الكبري باعتبارها أول معركة في الاسلام. وواقعة أبا الاولي لكونها أول معارك المهدية ضد الاستعمار الانجليزي.
وفور هذا الاختيار شرعت في جمع مادة الموضوع لإخضاعها للتحليل قبل يوم الجمعة 14 رمضان ، ولكن ما لم اكن اتوقعه هو أن لا أجد مادةًَ للبحث في هذا الموضوع بصورة مترابطة ، سوي بعض الكتابات المتناثرة رغم وجود الشبكة العنكبوتية.
وقد اسعفتني اخيراً العناية بأن وجدت المساعدة من الاستاذتين إيمان الخواض ، وإنعام الجمري من مكتب الامام الصادق المهدي ، فوجدت ضالتي نسبياً فيما أعطياني اياه من أوراق وخطابات سابقة بخصوص هذه المناسبة.
والمدهش حقاً هو ان المعركتين إتفقتا في الزمان، وفي الموازنة الحربية، وفي رقم المعركة، وفي النتيجة وإليك بيان ذلك:*وقعت معركة بدر الكبري في يوم 17 رمضان من عام 624 ه، وكانت أبا الاولي في يوم 17 رمضان من عام 1298 ه .
*كان عدد المسلمين في بدر 313 ؛وكذلك كان عدد الانصار في أبا ، وهذا الرقم يساوي عدد أصحاب جالوت الذين جاوزوا معه النهر .
*الموازنة الحربية في بدر كانت مائلة لصالح قريش من حيث العدة و العدد والعتاد ،إذ كانت نسبة المسلمين تمثل ثلث المشركين؛ وهذا هو الذي حدث في أبا ؛ حيث كان الميزان الحربي مائلاً لصالح الانجليز ايضاً ؛ إذ انهم كانوا مسلحين بالبنادق، والمدافع بعيدة المدي،فضلا عن الفارق الكبير في افراد الجيشين..
*صارت بدر مصدر إلهام للمسلمين ، لأنها كانت فتحاً ساد بعده الاسلام مشارق الارض ومغاربها.ومثلت أبا ايضاً دافع تحرك بالنسبة للأنصار حتي عمت المهدية كافة أركان السودان.
*علي الرغم من إختلال التوازن المادي للمسلمين في المعركتين ؛ فإن النتيجة كانت ولله الحمد لصالح المسلمين.
*هناك شي مثير للغاية هو أن دعوات الحق يقف دائماً بجانبها المستضعفين والارقاء والفقراء؛ وهذا ماحدث لكافة الانبياء علي نحو قال قوم نوح: ( ما نراك إلا بشراً مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الراي ) وايضاً ثمود حينما ارسل اليهم صالحاً كيف تولي عنه المستكبرون ، وآمن به المستضعفون ( قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحاً مرسل من ربه * قالوا إنا بالذي ارسل به مؤمنون، قال الذين استكبروا إنا بالذي امنتم به كافرون ) .
وليست دعوة الامام المهدي بمعزل عن هذا الاثر ، ذلك لأن المهدي كان حريصاً علي إقتفاء اثر النبي "ص"، ومتاسياً به، ويؤكد ذلك ما قاله لاصحابه " أقفوا أثر النبي "ص" بالأمر بما أمر به، والنهي عن ما نهي عنه" وايضاً ما جاء في الراتب " وادخلنا مدخله يا رب العالمين واخرجنا مخرجه " .
لذلك استوعبت المهدية من هم آرقاء وجعلتهم في مقدمة الصفوف كحمدان أبو عنجة ، ورابح الحبشي، كما أن المهدي اكمل قواته استعداداً لمعركة ابا من صبيان الخلوة وليس من زعماء القبائل.ولكن مع ما ذكر من سياق ٍتاريخي إلا أنه يجب أن لا يصرفنا ذلك عن معاني تلك المعارك ، لان التاريخ لا يقرأ من أجل التسلية فقط ؛ وإنما لاستخلاص الدروس والمعاني التي يجب أن نستفيد منها في عصرنا الحالي.
إن أولي المعاني التي يجب ان ناخذها من تلك المعارك هو أن القتال لم يشرع إلا بعد أن عاني المسلمين الواناً من العذاب والاذي ، وبعد أن فرضت عليهم قريش حصاراً اقتصادياً ، بل واكثر من ذلك بأن منعت حرية الدعوة الاسلامية ؛ ولذلك كان الخطاب القرأني واضحاً ( ‘اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله علي نصرهم لقدير * الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ) .
ان قطعيات الوحي أوضحت بشكل جلي أن القتال في الاسلام لا يكون الا في حالتين :
*اما لرد العدوان علي المسلمين.
*او منع حرية الدعوة الاسلامية.
ولكن مع ذلك فان هناك فهماً هجومياً للاسلام يصَور القتال كأنه جهاد طلب، وأن علته الشرك، وينطلق هؤلاء من اجتهاد فحواه " أن ايات السيف في القرآن ناسخة لآيات التسامح" هذا الفهم يؤيده ثلة من الفقهاء والمفسرين، وبعض الجماعات الجهادية كطالبان والقاعدة واخيراً بوكو حرام في نيجيريا.
لقد فنًد هذا الفهم عدد من المحدثين منهم د/ يوسف القرضاوي، والامام الصادق المهدي وأكدوا أن القتال في الاسلام لا يكون إلا في الحالتين المذكورتين آنفاً.
المعني الثاني الذي يجب أن ناخذه من تلك المعارك " الشوري".
إن اصحاب النبي "ص" عندما خرجوا لبدر لم يقصدوا القتال، وإنما خرجوا من أجل عير قريش التي يقودها أبا سفيان تعويضاً لهم عن الأموال التي صادرتها قريش ؛ وقد بيَن ذلك القرآن ( وإذ يعدكم الله إحدي الطائفتين انها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم * ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ).
ولما التمس أبا سفيان طريق الساحل وفلت من المسلمين ، وقف النبي "ص" يشاور اصحابه وهو يقول" أشيروا علي أيها الناس" ، فقال سعد بن معاذ: كأنك تريدنا يا رسول الله . قال : نعم . فقال سعد : لقد آمنا بك وصدقناك فامض ما أردت فنحن معك. .
إن النبي "ص" مع كونه نبياً يوحي اليه من السماء، إلا أن هذا لم يمنعه من مشاورة اصحابه ، في حين أننا نجد في عصرنا الحالي حكَام يتعاملون مع الناس بمقولة فرعون التي صورها القرآن ( ما أريكم إلا ما أري وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) !.
إنني بعد ذكر هذه المعاني أتسآل مع القارئ ، كيف حقق الصحابة هذا الانتصار مع أن كافة مؤشرات الفوز مع قريش؟ الإجابة علي هذا السؤال لخصها عدد من المهتمين بالسيرة النبوية ؛منهم د/ محمد سعيد رمضان في كتابه " فقه السيرة النبوية" وأحيل القأري الي المراجع المختصة في هذا الشأن .
أما السؤآل الذي سنجيب عليه هنا ؛ هو ما السر الذي جعل الانصار ينتصرون في معركة أبا الاولي ، في حين أن دلائل النصر المادية مائلة الي قوات إبراهيم أفندي ؟ لا شك أنها العناية الآلهية ، ولكن هناك منشوراً فيه حواراً بين الامام المهدي وعبد الرحمن النجومي ربما يساعدنا في تفسير هذه المسألة ،وفحوي المنشور الاتي: (أن عبد الرحمن النجومي وحمدان ابو عنجة ارسلا الي جبال النوبة ومعهما قوة لحسم التمرد الذي حدث آنذاك في تلك المنطقة. ولمَا وصلا منطقة يقال لها مندر حاصرتهم القبائل ، وأنقطع عنهم الماء والكلا ، وبينما هم علي الحالة وجدوا مطمورة بها قليلٌ من السمَسم والويكة والبصل. فقالوا والله لانأكل إلا بعد أن نأخذ فتوي من الامام المهدي في أمدرمان يوضح لنا فيها حرمة هذه الأصناف من اباحتها،_ وتخيَل معي أيها القارئ المسافة بين جبال النوبة وأمدرمان في وقت كانت فيه وسائل المواصلات الدواب _ وبالفعل أرسلوا رسالة الي الإمام المهدي يستفتونه في أمر السمَسم والويكة والبصل .
فآجابهم بجواز الأكل من تلك الاصناف من غير إدخار).فهل تري أيها القارئ بعد ذكر هذا الموقف إستغراباً أودهشة في فوز الانصار علي الانجليز ، رغم انحياز الميزان المادي لصالح الاعداء؟ إنني أترك تقييم هذا الموقف والإجابة علي هذا السؤال لحصافة القارئ الكريم.
ولكن هذه الرسالة يجب أن نرسلها الي الانظمة التي تدعيَ أنها إسلامية ونسبة الفساد فيها تتجاوز 40%.

الاثنين، 7 سبتمبر 2009

بسم الله الرحمن الرحيم
إعلان مبادئ عامة بين الحركة الشعبية لتحرير السودان وحزب الأمة القومي
جوبا 5 سبتمبر 2009م
في إطار مشروع الإجماع الوطني الذي يتطلع إليه الشعب السوداني وتسعى قواه السياسية لتحقيقه التقى وفد من الحركة الشعبية برئاسة السيد الفريق أول سلفا كير ميار ديت رئيس الحركة، بوفد من حزب الأمة القومي برئاسة الإمام الصادق المهدي رئيس الحزب؛ بجوبا عاصمة الجنوب، في الفترة من 3 إلى 6 سبتمبر 2009م، حيث تناول الطرفان بكل الصدق والتجرد مناقشة الأزمة الوطنية القومية وقررا الآتي:
1 . يرى الطرفان أن تقرير المصير حق اكتسبه أهل جنوب السودان، وينبغي الوفاء به في ميقاته في 2011؛ عبر تسهيل وتبسيط اجراء استفتاء عام لشعب الجنوب والالتزام بنتيجته. وهو إما أن يؤدي إلى وحدة طوعية يسعى ويعمل لها الطرفان ويحثان بقية أهل السودان للعمل من أجلها بتوفير متطلبات جاذبيتها وترجيح كفتها. أو انفصال الجنوب وتشكيل دولتين جارتين تعتمدان الاخاء وحسن الجوار القائم على العلاقات التاريخية والانسانية والاجتماعية بين الشمال والجنوب والتي تحتفظ لسكان البلدين الجارين بحقوق الارتفاق والتعايش السلمي والتعاون الأخوي. وأكد الطرفان دعمهماللمشورة الشعبية لأهل جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق عبر ممثليهم المنتخبين ديمقراطيا.
2. يعمل الطرفان على تحقيق المصالحة الوطنية لتجاوز المظالم التاريخية .
.3 اتفق الطرفان على أن التحول الديمقراطي الكامل خيار وطني استراتيجي هام يعمل الطرفان على تحقيقة عبر آلية الانتخابات الحرة النزيهة الشاملة. الأمر الذي يتطلب معالجة عاجلة وعادلة لقضية دارفور وإزالة أسباب التوتر في مناطق أخرى. واتفق الطرفان على العمل على انجاز استحقاقات الانتخابات الحرة النزيهة:
i. العمل على الغاء وتعديل كافة القوانين المقيدة للحريات والمنتهكة لحقوق الانسان المتعارضة مع الدستور، أو تجميد نصوصها المتعارضة مع الدستور بحيث تقوم الانتخابات في 2010 في حرية ونزاهة.
ii. قومية أجهزة الاعلام الرسمية وحصول الأحزاب السياسية على فرص متكافئة فيها.
.iii. عدم الاستغلال الحزبي لأجهزة وموارد الدولة.كما ويناشد الطرفان المجتمع الدولي لمساعدة المفوضية القومية للانتخابات وتمكينها من الاضطلاع بدورها لاجراء انتخابات تؤمن السلام وتعزز الديمقراطية في السودان.
4. إن الإحصاء السكاني قضية سياسية وفنية. والتعداد الذي أجري في 2008، وقد وقع في أمره اختلاف سياسي وفني. نحن نرى أنه إلى حين حل مشكلة الإحصاء تستمر افتراضات اتفاقية السلام في التقاسم. ويجب العمل لايجاد بديل مقبول قوميا له كأساس لقسمة السلطة والثروة وإجراء الانتخابات.
5. اتفق الطرفان على أن أزمة دار فور أزمة سياسية تتطلب علاجا سياسيا عاجلا قبل اجراء الانتخابات، يقوم على الاستجابة لتطلعات أهل دار فور المشروعة. ونعمل سويا على انهاء الحرب وتحقيق السلام الشامل العادل، يحقق فيه أهل دار فور المشاركة العادلة في السلطة ويحصلوا على نصيبهم العادل في الثروة. ومعالجة ازمة النازحين واللاجيئن والمتضررين بمنحهم التعويضات الفردية والجماعية وتمكينهم من العودة الاختيارية الى مناطقهم الاصلية مع كفالة امنهم في ديارهم عبر الترتيبات الامنية اللازمة ومنح الاقليم تمييزا ايجابيا في التنمية لاعادة اعماره وتحقيقالعدالة والمصالحة الوطنية.
6. أبدى الطرفان قلقهما من ظاهرة الانتشار الممنهج للسلاح وتسليح القبائل في البلاد، خاصة العاصمة القومية. ويريان ضرورة وفاء الدولة بالتزاماتها بتوفير الأمن وحماية المواطنين، ودعوة القوى السياسية والمجتمع المدني بنشر ثقافة السلام. ومن ثم؛ العمل على جمع السلاح من أيدى المواطنين والحيلولة دون حيازته خارج إطار الأجهزة الرسمية للدولة.
7. أبدى الطرفان قلقهما من التطور السلبي لعلاقات السودان مع المجتمع الدولي بصفة عامة وجيرانه في المحيط الإقليمي بصفة خاصة. مما أثر على الأمن القومي السوداني. ويرى الطرفان ضرورة عقد مؤتمر للأمن الإقليمي تشارك فيه كل دول الجوار بهدف التواضع على أسس حسن الجوار وعدم التدخل في الشأن الداخلي والتعاون والتكامل بينها وعلى إرساء دعائم الأمن والاستقرار الاقليمي. إضافة إلى التعامل مع المجتمع الدولي على أساس احترام الشرعية الدولية والاحترام المتبادل لرغبات الشعوب، والعمل على تحسين علاقات السودان في محيطه الاقليمي والدولي.
8. يعتمد الطرفان نتيجة التحكيم الدولي لأبيي، ويدعوان لتنفيذه. وسيعمل الطرفان على تطوير برامج للتعايش السلمي وتنظيم حقوق الإرتفاق التقليدية للسكان، وللاتفاق على برنامج تنموية تعم خيراتها كافة السكان.
9. العلاقة بين حزب الأمة القومي والحركة الشعبية علاقة تاريخية.اتفق الطرفان على تطويرها لعلاقة استراتيجية بالاستفادة من الارث الطويل للعمل المشترك والدراسة المشتركة للسلبيات لتفاديها والايجابيات للبناء عليها. وتبني نهج الحوار المباشر الصريح حول القضايا المختلف عليها وتطوير الرؤى الاستراتيجية في القضايا الوطنية.
10. تم الاتفاق على تكوين آليات لتتواصل العلاقة بصورة مؤسسية راتبة. ومواصلة الحوار حول مشروع نحو الوحدة الجاذبة أو الجوار الأخوي على المستويات التالية:
i. لقاء رئاسي دوري.
ii. لجنة عليا مشتركة.
iii. لجان ولائية مشتركة.
iv. لجان قطاعية مشتركة.
11. إذ يتفق الطرفان على أهمية ملتقى القوى السياسية بجوبا لمناقشة القضايا الوطنية خلال الفترة من 11- 15 سبتمبر الجاري؛ يجددان الدعوة لحزب المؤتمر الوطني لحضور هذا الملتقى. ويؤكدان أهمية مشاركته مع القوى الوطنية في هذا الملتقى الوطني المهم زمانا ومكانا لتتكامل كافة الجهود الوطنية لاخراج الوطن من ازماته الراهنة.
د.رياك مشار السيد نصر الدين الهادي نائب رئيس الحركة الشعبية نائب رئيس حزب الأمة القومي