بسم الله الرحمن الرحيم
كتيبة القلمالمنتدي الفكري الثالث
خليفة المهدي المفترى عليه
رئيس الجلسة :الدكتور عوض جبر الدار.
القرآن :تلاوة آدم عبدالله ترجم.
كلمة الكتيبة: زينب عبدالرحمن أزرق.
المتحدث الرئيسي: الأستاذ عبدالحميد الفضل .
معقبون: د.فدوى عبدالرحمن علي طه.
الأستاذ عبدالله آدم خاطر.
الاستاذة اخلاص مكاوي.
خليفة المهدي المفترى عليه تقديم :الأستاذ عبدالحميد الفضل
"الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون..حتى تكسبون".
منذ سنين عديدة كنت أتابع ما كتب عن خليفة الصديق وكنت لا أستغرب قدح من هم خارج الوطن ولكني شعرت بأن المعلومات المغلوطة أخذت طريقها لعقول البعض في السودان مما دفعنا الى التفكير في اجلاء الحقائق التي لا يتناطع فيها عنزان.
بسم الله الرحمن الرحيم
ولد خليفة المهدي عام 1846هـ (أصغر من الامام المهدي بسنتين) وقبل الاسترسال في سيرته أضع في الأذهان بعضا مما واجهته شخصيته موضوع الندوة من نقد وتجريح، مثلا :
- يوجد أكثر من 50 ألف وثيقة أصلية عن شجاعته واقتداره وأخلاقه ومع ذلك تعرضت سيرته للتشويه .
- أختلقت عشرات الكتب تحكي عن سطوته وقلة ادراكه وضيقه بالرأي الآخر.
- استطاعت الافتراءات أن تعلق بأذهان الكثيرين من أهل السودان فخاضوا في تنقيص دوره وفصل الامام المهدي عنه.
هل هو تعايشي ؟وما أصل الكلمة؟
ألصقت الكلمة الى اسم جد القبيلة أحمد تعيش الذي كان جده يهدهده (ات تكبر تعيش) يرجع أصل القبيلة الى بني هاشم وقد كان الخليفة سعيا وراء توحيد الدولة يقول(أنا أمكم والمهدي أبوكم) في مذكرات عبد السلام الخليفة توثيق لنسب الخليفة :علي الكرار جده لوالده وقد أتت الأسرة من جنوب تونس واستقروا في دار التعايشة في غرب السودان. التف الحيران حول جده وذاع صيته لتمكنه من العلم حتى فتن الرزيقات به.من مذكرات محمد داؤود الخليفة قبر جده في قرية عدارة في دار التعايشة.تزاوجت الأسرة مع القبيلة وبشر جده بالطريقة السمانية (مع ان معظم ناس الغرب من التيجانية) تزوج الجد من التعايشة لينجب:محمد واحمد وحامد وزهرا وحواء وخادم الله. تزوج السيد محمد (والد الخليفة) من عدة نساء من التعايشة:أولهم أم نعيم التي رزق منها عبدالله وهارون وحليمة ثم الزوجة الثانية التي رزق منها يعقوب.
ادارة خلوة محمد والد الخليفة قريبة من النمط العسكري وكانت تجمع الهبات لنفقات الخلوة. ذاع صيت الخلوة ولجأ اليه الزبير باشا وتلجأ اليه القبائل الأخرى في أوقات الشدة ولذلك لقب بتور شين. ظل والده يبشر بالمهدية (كان ابيتو المهدية هنا تمشو ليها في دار صباح).كان عبدالله أول من تلقف الفكرة وتوقدت في ذهنه وقد دخل(بها) التاريخ من أوسع أبوابه من استانبول الى فلسطين والشام ومصر الى روما،ايطاليا،النمسا وانجلترا ردحا من الزمان.شهد عام ولادته(1846م) في قرية السيل، غروب سلطنة دارفور على يد الأتراك وقد ولد في تردة أو السيل في قول آخر.كان كثير التأمل يحب الوحدة، تطور ذلك الى عصيان وتمرد .يقول عنه والده (هو راجل بخيت وبخيت البحضر زمنه).
وصف الخليفة:
كان فاتنا بالغ النحافة، متماسك العضلات،وشعره مرسل ،ذو تقاطيع عربية (كما وصفه اهرولدر). كان كثير الابتسام في وجهه آثار جدري خفيفة. (وكما وصفه شقير) هو أقصر وأقل وسامة من المهدي.
يعقوب أخيه ولد في 1855م وقد قاتل في كرري بشجاعة (بل بنوع من التهور) حيث ثار غاضبا عند علمه باستشهاد ابراهيم الخليل ومحمد ود المهدي وهجم على الأعداء بسيفه قائلا:– تبلدية وقعت في الكفار- ولاه والده أمر ادارة الخلاوي.
أقارب الخليفة: أبناء عمه محمود ود أحمد وابراهيم الخليل الذي قاد جيش الكارة وعبد الرحمن أحمد الضرير الذي اقتحم المعركة وهو ضرير ثم اسماعيل أحمد،يونس ود الدكيم،حمدان أبوعنجة...الاسهاب في التحدث عن أقارب خليفة المهدي لاثبات حنكتهم وشجاعتهم وأن تقريبهم لم يكن فقط بسبب القرابة وقد عاش ود الدكيم وحكى عن كرامات الخليفة التي أحسها التاريخ وأذكر منها الآتي:
- رؤية الامام عبدالرحمن عن جابر وسؤال الخليفة عنها(مذكرات الامام عبدالرحمن في جهاد في سبيل الاستقلال).
- كان الخليفة مواظبا على الصلاة في المسجد وعند غيابه بسبب المرض أطلقت شائعات أنه لن يعود وسيخلفه الخليفة علي ود حلو فذكر لهم عند عودته (أنا والخليفة علي سنموت في فروة واحدة! قائلا شوفو ليكو خليفة آخر!)
- قصة الامام الصادق مع جون قرنق( والتي رأى فيها الامام الصادق جون قرنق في حفرة مغطى بالرمال لا يظهر منه الا رأسه وقد طلب منه المساعدة ورأى الامام الصادق في المنام أنه عندما عاد مع آخرين لمساعدته وجده قد غطس تماما وقد كان ذلك قبل موته) وهي رؤية تشير الى صحة قول خليفة المهدي وتأكده من أن الدولة وان ماتت تبقى الدعوة والتي قيض الله لها رجال ذوو كرامات يحفظونها بعد موت الدولة.
تشرب الخليفة بأقوال والده عن المهدية وصار مشغولا بها مما قوى من عزيمته وترقبه.ذهب للزبير باشا ظانا أنه المهدي الموعود.
أصبح مسئولا عن أسرته بعد موت والده الذي أوصاه بالبحث عن المهدي شرقا-ترك الأسرته في رعاية الشيخ عساكر(شيخ الجمع) الذي كان كريما ومؤمنا بصلاح السيد محمد فقام بكفالتهم مما مكن عبد الله من أن ينطلق نحو النيل(بحثا عن المهدي) في حمار وذرة قليلة حتى وصل الى النيل الأبيض ونزل ضيفا على أبي قرجة الذي حدثه بأن الشيخ محمد احمد تنطبق عليه الأوصاف التي ذكرها، ولكنه غير موجود حاليا بالجزيرة لمغادرته أبا الى الحلاوين لدفن الشيخ القرشي ود الزين.كان الناس ينظرون لأبناء الغرب نظرة دونية ولذلك عند ما وصل الى طيبة ورأى من يشيدون الضريح أخذ يرقبهم من بعيد. بمجرد رؤيته للمهدي أصيب بهزة ولم يستطع الوقوف عندما رآه المهدي جذبه وأوقفه أمامه. ومنذ ذلك الوقت بدأت العلاقة الوطيدة التي ربطت بين الرجلين:
- (ذكر سلاطين قول الخليفة أحسست أنني احتللت مكانة في قلبه).كافة المؤرخين شهدوا بحدة بصيرة المهدي واختياره الصائب للرجال ومن عامة الناس(عثمان دقنة –تاجر، عثمان أزرق-حامل بريد الحكومة،أبو عنجة- في جيش الحكومة،الختيم موسى،يونس ود الدكيم،محمد بشارة، احمد عبد الجليل ،موسى ود حلو وغيرهم).
- استطاع التأقلم سريعا في موقعه الجديد.
- فرّغ نفسه فورا للامام المهدي واستطاع بقوة شخصيته أن يكون في مقدمة الركب حاملا الراية الخضراء التي استبدل بها حربته الطويلة.
أقام كوخا بعيدا عن الحلة،اعتراه مرض شديد وانشغل عنه الامام المهدي بالاعتكاف وفي ذات يوم اذا به بالامام المهدي بجانب حصيره وخلفه أحد الحيران يحمل له اناء به عسل ما أن شرب منه حتى شعر بالهمة .
- نقل كوخه جوار سكن المهدي الذي أسر له بالمهدية وأصبحت مكانته تزداد رسوخا.
- توج العمل الأول بزيارة كردفان لمعرفته بأحوالها ورجالها أمثال:(الفكي المنا والسيد المكي) .
- بعد ذلك لم يغب عن مجلس المهدي وكانت مقابلاته مع الامام بعد منتصف الليل.
- عند مواجهة أبو السعود انتقلت شخصية الخليفة الى شخصية فاعلة وقد أجاب الامام المهدي عندما سأل الأنصار ان كانوا مستعدين لمواجهة أبو السعود قائلا(نعم جاهزين يا سيدي).
- كان المخطط الأول في أبا (التي تطابقت مع بدر الكبرى) والمسئول عن حماية المهدي.
- كان لأداء الخليفة دورا حاسما في ترسيخ قدمه وازالة الدونية القبلية.
- الاتجاه غربا كان فيه تمكين لخليفة المهدي فكان ترسانة معلومات واستخبارات عن الغرب(موطنه).
- أمد الحركة بجنود فعّالين مثل يعقوب جراب الراي ويونس الدكيم الذين اكتسبوا خبرات قتالية وتدربوا في جيش الزبير.
- تعاظم موقعه ألب عليه أهل المهدي – مثلا سيدي محمد(أخ المهدي) وقصة الحصان(حصان سعد الشايقي الذي قتل خليفة المهدي صاحبه في المعركة- الأبيض- واستولى على حصانه ولكن السيد محمد عارض تملكه للحصان فحكم المهدي باعطائه الفرس) .
- بعد سقوط الأبيض كانت تحول اليه المراسلات والأسلحة ولم يكن يخلد الى النوم.
- رفده المهدي بمنشورات التأييد.
- ظهرت ملكته في التنظيم التجاري وقد كان دقيقا في المحاسبة.
- وفي ادارة المعارك تموينا وتمويلا.
- ادارة الشؤون اليومية للدولة.
- الاستفادة من كل وقت قضاه مع المهدي.
- تنظيم الجيوش بالاستفادة من أنظمة الجيش الحديثة.
- استفاد من بقايا الجيش التركي.
- ذو حس جغرافي شفاف حريص على العدل بين الناس وذكر محمد عبد الرحيم أن الخليفة وصفه أحد المؤرخين الذين عاصروه وقد لازم الخليفة ورأيه أنه حكيم يزن الأمور بميزان العدل،بطلا، لا يهاب المكاره.
- كان يحترم العلماء والمتفقهين ويقول(اسمع عالم تخرج سالم).
- رأي اهرولدر عنه أنه كان صائب الرأي ولكنه محاط بمستشاريين متعنتين و متعصبين .
- لم يصطدم بشخص في حياة المهدي.
- سجل له سلاطين اعجابه بكفاءة عبدالرحمن النجومي وأنه الأقدر على مواجهة الموقف في حصار الخرطوم وهذا ينفي ما يقال عن حطه لقدر الأمير عبدالرحمن النجومي.
- ظهر تقريبه لأقربائه بعد انفجار مشكلته مع الأشراف.
- كان زاهدا في المال، وكان يقول (المال لعنة ومن كان غنيا في هذه الدنيا لن ينعم بالراحة ولا الفردوس) وكان جهير الصوت غزير المادة بلهجة البقارة.
- زوجاته اثنين(زهرا ونفيسة بنت بابكر) ابنه المقرب هو عثمان شيخ الدين.
- من صفاته الصبر على الشدائد مما عكسه مشهد أم دبيكرات وعندما اشتد الكرب ودعا احمد فضيل الله لينصرهم، قال له (أسكت الله ما بشيفك!) وعندما وقع أب جكة صريعا وضعه على فخذه قائلا لأحمد فضيل الذي استنكر ذلك: (أب جكة شالني أربعتاشر سنة أنا ما اشيل راسه يوم موته؟).
- وكاذب من يقول أنه دخل المعركة دون خطة. بعد المعركة وصل الى خور شمبات خلفه أب جكة ومعه الأمير العريفي الربيع وعثمان دقنة حيث أمر العريفي الربيع بجمع بقايا الراية الزرقا ليحول دون تقدم كتشنر و كمنوا في خور شمبات تناول قصعة عسل الى ضريح المهدي وجمع أبناء المهدي في الجانب الشرقي من الضريح والعريف الربيع يصد العدو حتى استشهد ودفن في ميدان الربيع. في أبي سعد صلى ببقايا الجيش جامعا بين المغرب والعشاء ثم التفت بهدوء وقال: (انتو قايلين المهدية روحت! بتا بالله المهدية متل قش الوطة كلما شم المطر يقوم اخضر تاني).
سياسة خليفة المهدي الخارجية:
لم تكن للسودان علاقات خارجية قبل دولة المهدية.
الغضب الشعبي الذي اجتاح بريطانيا بعد مقتل غردون مما جعلهم يعدون العدة للانتقام من قتلة غردون – في الشرق ظل الأحباش والايطاليون يتحرشون بالدولة وبرزت الاستراتيجية الأنصارية والمواهب التي ردت كيد الأعداء(الطاهر ود المجذوب والعربي ود دفع الله وعبد الله ود ابراهيم وأحمد ود فضيل).
استمر في نشر الدعوة خارجيا. استقبل عبدالله بن الفيصل بن سعود أمير نجد وأصبحوا من حلفائه وعينه الخليفة أميرا على نجد باسم الدولة المهدية وخاطب 13 قبيلة من قبائل الحجاز وعين حذيفة بن زيد أميرا على قبائل الحجاز ليقود الجهاد ضد الأتراك.
أما غربا فقد وصلت رسائل الخليفة عبدالله الى سلطان وداي وحياتو بن سعيد ورابح الزبير وكتب الى سكان مصر وخاطب السلطان عبدالحميد والملكة فكتوريا.
واجهت الدعوة المهدية معارضة من موظفي الدولة والختمية وبعض زعماء الصوفية أمثال الفكي الكناني والمنا اسماعيل كما عارضت المهدية بعض القبالئل مثل الكبابيش اضافة الى معارضة الأشراف (القدال).
وقد ذكر القدال في كتابه التقرير الذي قدمه مصطفى الأمين الجعلي للمخابرات البريطانية والمصرية عن الوضع في السودان راصدا فيه تحولات النظام الاداري التي جعلت الحكم أكثر قبولا والضرائب أقل وطأة وأنه قد بدأ تدرج نحو تأييد السودانيين لحكم الخليفة.
لقد اطلعت على محررات الخليفة عبدالله التي جمعها ابو سليم وطبعت على نفقة السيد عبدالرحمن يحي المهدي للتحقق من افتراءات الداخل والخارج فلم أجد نصا يدل عليها بل على العكس، وهذا بعض من نماذج تبين سلامة نفس الرجل القوي الشجاع، وزهده في الدنيا:
- رسالته الى كافة أهالي رفاعة وجماعة ود الصلحابي وكافة الأنصار: (أيها الأحباب الصادقين المشمرين قد قبلناكم ورضينا عنكم كل الرضا ولا يخفى عليكم يا أحبابي أن هذه الدار فانية لا بقاء منها لحي وهي سجن المؤمن وجنة الكافر).
- خطابه الى محمد حامد جفون: ( لا تتركوا امرأة ولا رجل كلية، صرفوهم واكسوهم كذلك كافة الهبانية كل رجل منهم تكسوه جبة وسروال وفردة وتعطوه مصروف طيب).
- الى السني ود قودي: ( حبيبي عرف الأحباب يكونوا واقفين على الحدود متمسكين بالشرع واحذروا الميل الى الدنيا وليكن همكم اصلاح العباد من الفساد).
زعم شقير أن خليفة المهدي هرب! بينما انسحب خليفة الصديق لاعادة الكرة لينتصر لدين الله، وقد فعل، حيث رجع من قدير متجها لامدرمان ووصل جديد في يوم الخميس 23/نوفمبر/1899م وأتته أخبار قوة ونجت وجيشه فاعتلى المنصة وخاطب الأنصار ( أنا حالف بالله أن لا أضع كفي في كف كافر وباكر اما النصر أو الشهادة أنا معافي منكم لله والرسول الما عنده قدرة على القتال فليكون الليل ليه ساتر وودعناه رب العالمين واحنا عافين منه لله وللرسول) فصاح الأمير البشير عجب الفيه(يا سيدي احنا ناوين مقابلة المهدي في الآخرة حاشا يقولوا فوقي البشير بك!أنا الأمير البشير).
في صباح الجمعة 24 نوفمبر 1899م يقول شقير (عند الخامسة صباحا رأيناهم يهاجمون زمرا لا يبالون بالموت وبدأت نيراننا تصليهم بلا انقطاع)
وفي المعركة لم ينقطع أمل عثمان دقنة في النصر وظل يخطب في الأنصار حتى تبددت الصفوف . في أم دبيكرات ترجل خليفة المهدي وأمر أب جكة بفرش الفروة وفرش لعلي ود حلو يمين خليفة المهدي والى جواره الصديق ود المهدي وعن شماله احمد ود فضيل وقف الملازمون صفا وراء خليفة الصديق ووقف أبي جكة أمام خليفة الصديق ليكون له ساترا من القذائف هكذا كان اللقاء ،ووجد مضرجا بالدماء هو وبجانبه الخليفة علي ود حلو والصديق ود المهدي وأحمد فضيل واخوانه السنوسي أحمد وهارون محمد وأحمد ود علي وعبد الباقي عبد الوكيل ويعقوب أبو زينب وبشير عجب الفيه وتولى الأمير يونس الدكيم وبعض الأسرى دفنهم في نفس المواقع التي سقطوا فيها. الأسرى هم:(عثمان شيخ الدين،يونس الدكيم،الختيم موسى،فضل الحسنة،اسماعيل أحمد،الطاهر المجذوب،علي فرفار،عثمان دقنة)
هذه صورة لبعض شجاعة خليفة الصديق ومن معه والذي أنكر شجاعته المرجفون واجتهد الفاتحون لنبش سيرته وتفرقة بنيه وأحفاده – راية لن نخنها حتى الموت.
رحم الله خليفة الصديق وأصحابه وبرد ثراه ورضي عنه وأرضاه.
المعقبون
د.فدوى عبدالرحمن علي طه:
أبدأ القول بما ذكره السيد الصادق في قاعة الشارقة لدى عرض كتابه الانسان بنيان الله(أن النقد أفضل وسيلة للبناء عرفها الانسان) ومن هذا المنطلق سأتحدث:
فترة حكم الخليفة يجب أن تؤخذ بما فيها للخليفة وما عليه.هذا هو الأساس وليس هناك شك في أن الخليفة لعب دورا أساسيا في انجاح الثورة المهدية. عند وفاة المهدي كانت الثورة المهدية وصلت نقطة حرجة. كان لابد للخليفة من توطيد مكتسبات الثورة وقد وقع عليه العبء وخوض الجهاد خارج نطاق حدود السودان واجه ظروفا صعبة كان لا بد من ايجاد السبل لمواجهة تلك الظروف الصعبة.اتفق المؤرخون ومنهم الأعداء على أنه يملك موهبة ادارية فذة ولا طموحات شخصية له.موضوع الندوة كان التركيز على أخطائه دون انجازاته ساهم سلاطين في ذلك فقد بالغ في ذكر أخطاء الخليفة ولم يبرز دوره كحاكم موهوب.مواقف الخليفة لم تكن بسبب تعطش للدماء أو رغبة جامحة للظلم بقدر أنه كان يريد تأمين حكومة قوية .واجه عجزا في معاونيه لتحقيق ذلك لجأ الى الاسلوب الذي اتبعه- توطين قبائل البقارة هز بها توازن السودان القبلي. أوجد الامام المهدي النزاع بينه والأشراف بسبب ثقته المطلقة في الخليفة. كان يؤمن بالمهدية ايمانا مطلقا ولم يكن يستطع الوصول الى حل توافقي مع حاكم بعيد. عدم الادراك جعله يرسل عبدالرحمن النجومي الى توشكي ومعركة النخيلة التي خاضها محمود ود احمد وكان يزن الأمور بمنطق الشجاعة فقط.صار يعين أقاربه لضمان الولاء لم يعتمد على الكفاءة. المواجهة الأولى والثانية مع الأشراف الذين كانوا يتحينون الفرص لاثبات وجودهم وكان موقفهم أقوى لأن كل القواد كانوا من القبائل النيلية .تمكن الخليفة من ازاحتهم بمعاونة حمدان أبو عنجة وحسم الصراع على السلطة لصالح الخليفة.
تمكن من ايجاد نظام اقتصادي فعال بمقاييس ذلك الزمان ولكنه اتخذ قرارات تفتقر الى المنطق مثل ايقافه التجارة بين السودان والعالم الخارجي. بسبب الصراع بين أولاد البلد وأولاد البحر تدخل الخليفة عبدالله لضمان استقلال السلطة المالية للمحافظة على استقرارها وثباتها. أبعد ذلك عناصر ذات كفاءة مثل أحمد سليمان .من فقدوا عطف النظام عوملوا معاملة قاسية . لا نشك كمؤرخين في كفاءة الخليفة واقتداره والا لما فضله المهدي وكما وصفه بيتر هولد في كتابه (دولة المهدية في السودان) كان أسيرا لظروفه في ذلك الوقت. أما شجاعة الخليفة والأنصار فهذا ما شهد به الأعداء.
أستاذ عبدالله آدم خاطر
اللحظة متهيبة لأنها للحديث عن التاريخ وعبر شخص أثار جدلا وحقق نجاحات حقيقية مؤثرة حتى هذه اللحظة. نشكر تمكيننا من الاضطلاع على مادة المحاضرة وأتحدث في جانبين:
- المحاضر كأنصاري يدافع عن وجوده ويستعيد في أذهان الجميع المهدية في سودان اليوم من جهاد عسكري الى جهاد مدني (الصادق المرشح الأول لذلك) هذا ويستطيع أي محلل في اطار تاريخي قراءة ذلك.استطاعت المهدية افشال قاعدة تقسيم السودان واعادة السلطات والممالك والمشيخات كما كانت قبل العهد التركي استطاعت المهدية بالحس الثوري والمشاركة أن تفشل المخطط ويقوم السودان الحالي واستطاعت المهدية أن تحيل من السودان المتعدد، سودانا واحدا. لعل أهم النقاط جاذبية ما عرفوا بالرقيق ساهموا في بناء الدولة مما ساعد شخصا مثل الخليفة عبدالله في تثبيت أركان الدولة على أسس المهدية.
هذا محل نقاش مفتوح لأهل الرأي والسياسة .
المجال الثاني:
الكلام عن الخليفة عبدالله كشخصية مؤثرة صعدت بامكاناتها الشخصية الى مقام الشخص الثاني. تمكن من بناء دولة مؤسسة على تلك الدعوة مثل ستالين (رجل الصف الثاني كان له الفضل في تثبيت الدولة)ولكن على عكس ستالين الذي توترت علاقته مع لينين فان علاقة المهدي بالخليفة لم يشبها أي توتر.المجتمع لم يكن مهيأ لقبول التنوع .الأفكار حول الخليفة كثيرة على المؤرخين مسئولية اعادة قراءة شخصية الخليفة.قدم المحاضر الخليفة كشخصية تنفيذية واجه مشاكل حقيقية ولكن ليس برغبته وكان لا بد من حسم بعض المشاكل بصورة ما.كان الخليفة يقول (البلد دي فيها جن لابد)الجن اللابد- في رأي- هو ادارة التنوع. كان أحادي التفكير في أن الادارة المناسبة هي ادارة المهدية . على كلٍ، المجهود الصحيح والحميد كان وما زال نأمل أن نستطيع ادارة الجن اللابد.
ساهم الخليفة في ادارة الدولة بالنصر في المعارك والقدرة على استقطاب المجموعات المختلفة في التعامل قولته المعروفة – في ناس بخافوا من الله وفي ناس بخافوا من خليفة المهدي ومابخافوا من الله وفي ناس ما بخافوا من خليفة المهدي وما بخافوا من الله) فضلا عن استفادته من الخبرات، ووعيه بالمهددات الخارجية من جهة الشرق وأن الغرب هو أمان السودان وخطؤنا الآن عدم ادراك ذلك ووضع تشاد في المواجهة الحالية.
بالنسبة للمستقبل من الصعب محاكمة أشخاص بمقاييس بغير مقاييس زمانهم.لكن الشجاعة الشخصية لا يعّول عليها في نجاح سياسي لأنه الشجاعة الشخصية لا تغني عن المؤسسية. يؤخذ على الخليفة عدم قدرته على ادارة الدولة – قوة الدولة ليست في الرئيس بل في مؤسساتها.
كان يستحضر روح المستقبل في قوله تروح الدولة وتبقى الدعوة ويمكن استعادتها في ظروف جديدة-نتمنى أن تستعيد المهدية قدرتها على العودة بادارة جديدة لروح العصر.
أستاذة اخلاص مكاوي:
أتفق مع د.فدوى وأستاذ عبدالله في طرحهما –لا يجب الحكم على الخليفة بمعطيات اليوم.دولة المهدية وفكرها تمت محاربته بصورة منظمة ان قرأنا ما كتب خوفا من المد الاسلامي.الخطابات التي أرسلت لأوروبا مثل قول تشرشل(لو أطال الله في عمره لتغير وجه الشرق).العروة الوثقى ذكرت أن جمعية الثبات السرية اتصلت بالامام المهدي والخليفة ونشرت منشورات مضادة مفادها ان جيوش المهدية ستحرر مصر مما شجع الخليفة على ذلك.الذين كتبوا عن الخليفة مثل سلاطين-ملازم الخليفة وابراهيم فوزي- الذي أطلق سراحه بعد كرري لا يمكن أن يكتبوا كلمة حق واهرولدر أيضا وونجت رغم كتابته لتقارير مختلفة اذ كتب تقرير كرري منصفا الخليفة.
أصدر الامام منشورا الى كافة أحبابه (اعلموا الخليفة عبدالله خليفة الصديق هو مني وأنا منه )لا تعترضوا عليه فقد حكّمه الله فيكم)كان يخاطبه بعبارات توضح مكانته (الى خليله حبيبه وصفيه ويدعو له) الخليفة عبد الله استمد سلطاته من كل ذلك والأوضاع التي كانت في الدولة في تلك الفترة من حروب ومجاعات وفرقة وعنصرية. من هو القائد الذي واجه كل ذلك والبلاد واسعة بحجم قارة كان كثير اصدار القرارات .من استطاع ادارة ذلك من الحكام والقواد ؟ ليس وحده كثيرون تعرضوا الى التهم والهجمات لمواجهة الاستعمار .حكمه كان عسكري ومركزي .وقد كان اداريا محنكا ضبط النظام واعتمد على العلماء(اسمع عالم تخرج سالم).كان يطالب بما هو شبه مستحيل فقد جمع بين وظائف كثيرة.لم يكن الخليفة عبدالله جاهلا . قوله للملكة فكتوريا نبع من فرط ثقته في انتصار الدعوة . طريقة استشهاده شهد بها الأعداء قال تشرشل كانوا أشجع من مشى على وجه الأرض- كيف يرمى ذلك البطل بالجبن! ومهما كانت نظرتنا للخليفة لا نملك الا أن نعجب بصورة شجاعته- لابد من تعظيم أبطال هذا البلد اذا كان نعوم شقير يمجد محمد علي باشا لماذا نصف زعمائنا بهذه الصفات الشنيعة. لدينا شخصيات لم يكتب عنها بينما كتب أكثر من أربعون كتاب عن غردون كم كتاب كتب عن الامام المهدي وعن أبو عنجة وغيره؟ والمطلوب ليس اعادة كتابة التاريخ بل تصحيح أخطائه.
المداخلات
محمد داؤود الخليفة
الشكر لمنظمي الندوة على الدعوة والشكر للمشاركين على كريم حديثهم دفعا للافتراء على خليفة المهدي عليهما السلام.
ونعلم أن دفع الافتراء عن خليفة المهدي هو جهد تنوء بحمله الجبال لأن الأعداء كثر والظروف التي أحاطت بزمنه كانت صعبة ومعقدة للغاية.اذ أن تاريخ المهدية (عامة) وليس الخليفة عبدالله وحده قد وقع تحت رحى أكبر أجهزة اعلام عالمية حتى يومنا هذا- الاعلام البريطاني والاعلام المصري- وما زال الناس في الوطن العربي بأسره يقولون لك ان هذا الخبرصحيح لأن هنا لندن أذاعته أو لأن هنا القاهرة رددته، وقد حاول هذا الاعلام الظالم كذبا وتشويها أن يسيء للثورة المهدية وقادتها خاصة الخليفة عبدالله ليبرروا عدوانهم وغزوهم واستعمارهم للسودان كما خططوا لذلك.
ونحن نعيش اليوم ونسمع ونرى أكاذيبهم وتلفيقاتهم كما فعلوا بالأمس مع العراق وأشاعوا بأنه يمتلك أسلحة دمار شامل كذبا وبهتانا ليبرروا غزوهم له ووضع أيديهم على ثرواته وبتروله.
اذا كان هذا ما حدث منهم في القرن الواحد وعشرين فكيف بأكاذيبهم واشاعاتهم المضللة واختلاقهم لأحداث لم تحدث في القرن التاسع عشر ؟!
لقد وصف كاتب فرنسي الانجليز بأنهم يجيدون ثلاثة أشياء في حياتهم :قلي البطاطس، يجيدون أكل السمك،ويجيدون تزوير التاريخ! لأنهم زوروا تاريخ فرنسا كله ونابليون على على وجه الخصوص كما زوروا تاريخ المهدية وخليفة المهدي على وجه الخصوص ويمضون في تزويرهم للتاريخ لكل عظيم مثل غاندي ونهرو وبسمارك وجمال عبدالناصر لأن ليس لهم تاريخ مثل هؤلاء يفتخرون به.الا القرصنة والدمار والاستعمار.قابلت في عام 1992م في المؤتمر العربي/الاسلامي الذي كان الدكتور حسن الترابي يدعو له كبار المفكرين الاسلاميين في العالم العربي وغيره قابلت الدكتور محمد امام وهو أستاذ الدراسات الاسلامية بجامعة أوهايو بامريكا.أحضره الي المرحوم الدكتور ابراهيم عبيدالله في قاعة الصداقة بالخرطوم حيث يعقد المؤتمر لأنه كان يريد الاستفسار من بعض الأشياء مني كحفيد للخليفة عبدالله. وقد عرف نفسه كأستاذ للدراسات الاسلامية في جامعة أوهايو وقد كان بحثه للدكتوراة عن الحركات الاسلامية في الوطن العربي" في لندن التي قصدها لشهادة الدكتوراة وقال أنه قرأ فيها عن المهدية وقد لفت نظره تحامل الانجليز الواضح على خليفة المهدي وقد كان هذا الظلم سببا في اعجابه بالخليفة وقد وضح له أن هذا التحامل كان بسبب أن الخليفة هوجم لأنه يمثل رمزا اسلاميا كبيرا هدد الانجليز.وعند تلقيه للدعوة لحضور المؤتمر في السودان- بلد الخليفة بعد 15 سنة من رجوعه من انجلترا قرر فورا تلبية الدعوة . ويقول أنه لفت نظره تغييب كامل للخليفة (لا توجد أي اشارة له ولا صورة!)وهذا شيء غريب لا أفهمه!
شكرته على الاهتمام وأبنت له أسباب غل الانجليز من المهدية بسبب قتلها لأعظم جنرالاتهم(هكس،ستيوارت وغردون) فقاموا بعد استشهاد الخليفة الذي استمات في قتالهم دون استسلام سلطوا عملائهم لاغتيال شخصيته (سلاطين،اهرولدر ،نعوم شقير وابراهيم فوزي) وقد كانوا أسرى وأولهم ونجت باشا رئيس قلم المخابرات الذي كان من أولى مهامه تشويه صورة الثورة المهدية لاقناع الرأي العام البريطاني بضرورة انقاذ السودان من (ظلم المهدية) .وقد امتدت مجهودات تشويه تاريخ المهدية حتى طالت مناهج التعليم بالمدارس وصارت هذه الكتب (للأسف) مراجعا تاريخية! وبهذا نشأت أجيال تحت الاستعمار الانجليزي في السودان الذي استمر لمدة ستين عاما وطيلة هذه المدة تم غسيل مخ لهذه الأجيال وتم حشوها بهذه الأكاذيب والافتراءات. ورددت هذه الافتراءات حتى صدقها مختلقوها!
ظل الخليفة طيلة ثلاثة عشر عاما من عمر الدولة يواجه الأعاصير والأخطار ويحفظ للبلاد استقلالها وعلمها وعملتها رغم المشكلات التي أثارها الاشراف وبعض أقارب المهدي وبعض القبائل التي لم يكن لزعمائها حظ يذكر في المهدية فآثرت العداء وكذلك العلماء الذين سماهم المهدي علماء السوء اضافة للحساسيات بين أهل البحر والغرب وفوق كل هذا وذاك الأخطار الأجنبية التي كانت تحاصر الدولة المهدية من كل جانب(في الشرق الحبشة المتعصبة للمسيحية والطليان في اريتريا وفي الشمال مصر الخديوية التي تدعي السيادة على السودان ومعها انجلترا التي اتخذت الادعاء ستارا لغزو السودان،في الجنوب بلجيكا وأمين باشا الألماني القابع في يوغندا وفي الغرب(جهة بحر الغزال) فرنسا التي تطمع في الحزام الافريقي الذي يربط الكنغو بجبوتي شرقا مرورا بالسودان.وتلك المطامع هي دافعهم للدعاية ضد الخليفة تبريرا للسيطرة على أراضيه وثرواته.
أكرر الشكر للدفاع عن تاريخ المهدية وبالذات عن خليفة المهدي لننشيء جيلا يعرف حقيقة آبائه وأجداده وما قدموه لهذا الوطن ويرفع رأسه عاليا افتخارا بهم.وليس ذلك عن فترة المهدية وحدها بل يمتد ليشمل السلطنة الزرقاء والمك نمر والسلطان علي دينار والزبير باشا فكلهم مظلومين ومفترى عليهم وأشكر لكم جهدكم وجزاكم الله خيرا والسلام عليكم.
د.فيصل محمد موسى
بعد الاضطلاع على أكثر من مليون وثيقة عن الجانب الاداري يظهر أن هذا العهد هو مؤسسة الدولة الحديثة –العلم- الحدود- العملة- الجيش- حدود السودان الحالية حتى وادي اللاي بين نمولي (أضيفت ليوغندا) والجهد الذي عمل فيها اداري هذا يربط بالناحية المالية وسيطرته القوية على كل أنحاء السودان من جمع للزكاة ومراسم الخليفة تعطي فكرة عن المتابعة الدقيقة شبر شبر وخور خور وقد استمر هيكله الاداري أساسا للدولة وقد أشار كتشنر أيضا لذلك بأنه نظام فيه نوع من الشدة وهو النظام المتعارف وقال أنه لا يرى ضرورة لتعديله حاليا.
بالنسبة للتنوع الذي تمت الاشارة لغيابه مثلا:
- الجيش: جيش كرري كانت مشتركة فيه كل قبائل السودان مما يدل على التنوع الاداري وقد حافظ عليه الخليفة عبدالله.
- السياسة الخارجية: لم يكن الخليفة حبيس فكرة جامدة ففيما يتعلق بمصر والحبشة وشرق أفريقيا – غير سياسته وأرسل الهدايا للملك – رد الخليفة على الزبير باشا وقد كان ردا شديدا لأنه أراد التوسط – التواصل مع دان فوديو – أصلح بين رابح وحياتو بن سعيد وحفزهم على الفرنسيين .
- لنا أن نفتخر بخليفة المهدي وهو واضع أساس السودان الحديث.
رئيس الجلسة:
أضيف أن المراجعة الداخلية كانت تسند للخليفة بنفسه مما يؤكد تمتعه بالحس الاداري.
محمد المهدي حسن:
عدة نقاط:
1/ هل كان خليفة المهدي يقاتل حتى قتل أم فرش الفروة وانتظر حتى الموت؟ وهل كان يصلي الصبح وقتل؟
2/ الاتهامات التي تكال للدولة بسبب تفلت الجهادية والفرق أن الدولة لم تكن تدعمهم.وقضية الجهادية من الأشياء التي نحتاج للتكلم فيها لأن أفعالهم أضيفت للمهدية.
3/ قضية المتمة:أخبرني الشيخ المجذوب جلال الدين كان للجعليين دورا أساسيا في المهدية. عدد من الأفراد والكتاب على رأسهم قائد جيوش المهدية –عبدالرحمن النجومي وتجري محاولات لفصل الجعليين من الأنصار .يضير أي قبيلة عدم اشتراكها في المهدية ولا يضير المهدية ذلك(لأنها حقبة أساسية من تاريخ السودان) والطيب محمد الطيب أكد على ذلك وعلى دور المجاذيب واستشهاد الفكي الطاهر ودعم ذلك من وقفوا مع ود سعد الخفاف من الجعليين- والقيادات الأساسية كانوا على بيعتهم وعلى ولائهم.وقد أثارت هذه النقطة نقاشا كبيرا.
في جريدة رياضية كتب أحدهم (الغازي محمد احمد!) يجب أن يفهم الجيل الحالي التاريخ كما يجب –خاصة تاريخ خليفة المهدي الذي حكم لمدة طويلة.وقد صلى الصلوات الخمسة الا فترة المرض(خمسة أيام) في يومية يوم الخليفة عبدالله التي سجلها نعوم شقير من الصبح حتى نومه يوم مليء بالنشاط الراتب _الجلوس للدرس، تلقي التقارير، أحوال الدولة- ويرصد كل ذلك ويحاول الاحاطة به (ادارة دولة شاسعة بكفاءة بالرغم من نقص الامكانات).
رئيس الجلسة:
في مرافقتي لأبو سليم أستاذي الذي كان يطلعني على أعماله محررات خليفة المهدي وقد قال لي بعد خلوصي من محررات الخليفة يحق لكم الكتابة عن تاريخ السودان.
عبدالرحمن الطيب الأمير يعقوب:
قامت المهدية في ظروف عجيبة- في القرن التاسع عشر أوروبا اكتشفت الأسلحة الفتاكة. قبل ذلك الأسلحة كان مستواها ضعيف لم تكن قوية مثلما هو الحال في كرري وأم د
بيكرات مما أصابها بالغرور ودفعهم للاستعمار-بلجيكيا في الجنوب، فرنسا في الغرب،الانجليز في سواكن،وايطاليا في الشرق الانجليز والمصريين من جهة الشمال.كل هذه الدول تكالبت على السودان. المهدية في بداية أمرها كانت دولة محاربة . بعد ذلك انتقل المهدي بعد شهر من فتح الخرطوم تاركا عبء تأسيس الدولة القليلة الامكانات في يد الخليفة عبدالله- مع مراعاة سعة المساحة.
كيف يمكن جذب الناس؟ آمن الناس بالمهدي ونصروا المهدية وواجهوا الموت بشجاعة. كان السودان قبائل مستقلة من بعضها جمعتها المهدية تحت ادارة واحدة.كيف تدار هذه الدولة؟ المال،السلاح والخبرات كلها امكانات تلزم لادارة كل ذلك ولم تكن الفترة كافية لتجمع كل ذلك الشتات. نجح الخليفة في ادارة الدولة الممتدة من أمدرمان لأقصى الغرب في أقل مدة عن طريق محطات الجمال لايصال الخطابات. صيانة الأسلحة كانت تراقب بصورة لصيقة حيث تتم صيانتها فورا.استفادة من العهد التركي في مجال تعدين العملة والسلاح والحديد والنحاس والنجاح في ذلك، عملة المهدية كانت تقبل في كل الدول لأنها من ذهب. عمل خليفة المهدي كل ذلك الانجاز.
النزاعات حول السلطة مع الأشراف هذا موضوع هام. كان يعتقد أن الخليفة يريد الاستيلاء على السلطة وحارب الأشراف لأنهم أرادوا السيطرة على الحكم بعيدا عن الدين( تبرأ المهدي في حياته من أهله الأشراف). وحاربهم الخليفة من هذا المنطلق . يتهم الخليفة بشن الحرب على قبائل كثيرة ولكن لم يحدث ذلك دون سبب فكان لا بد يستجيبوا لدعوة الخليفة.
رئيس الجلسة:
الأجيال الحالية مغيبة تماما من التاريخ.
مقترحات:
- طبع المحاضرة وتوزيعها.
- من أستاذ عبد الله لآدم خاطر:( ضرورة اعادة كتابة تاريخ خليفة المهدي).
"الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون..حتى تكسبون".
منذ سنين عديدة كنت أتابع ما كتب عن خليفة الصديق وكنت لا أستغرب قدح من هم خارج الوطن ولكني شعرت بأن المعلومات المغلوطة أخذت طريقها لعقول البعض في السودان مما دفعنا الى التفكير في اجلاء الحقائق التي لا يتناطع فيها عنزان.
بسم الله الرحمن الرحيم
ولد خليفة المهدي عام 1846هـ (أصغر من الامام المهدي بسنتين) وقبل الاسترسال في سيرته أضع في الأذهان بعضا مما واجهته شخصيته موضوع الندوة من نقد وتجريح، مثلا :
- يوجد أكثر من 50 ألف وثيقة أصلية عن شجاعته واقتداره وأخلاقه ومع ذلك تعرضت سيرته للتشويه .
- أختلقت عشرات الكتب تحكي عن سطوته وقلة ادراكه وضيقه بالرأي الآخر.
- استطاعت الافتراءات أن تعلق بأذهان الكثيرين من أهل السودان فخاضوا في تنقيص دوره وفصل الامام المهدي عنه.
هل هو تعايشي ؟وما أصل الكلمة؟
ألصقت الكلمة الى اسم جد القبيلة أحمد تعيش الذي كان جده يهدهده (ات تكبر تعيش) يرجع أصل القبيلة الى بني هاشم وقد كان الخليفة سعيا وراء توحيد الدولة يقول(أنا أمكم والمهدي أبوكم) في مذكرات عبد السلام الخليفة توثيق لنسب الخليفة :علي الكرار جده لوالده وقد أتت الأسرة من جنوب تونس واستقروا في دار التعايشة في غرب السودان. التف الحيران حول جده وذاع صيته لتمكنه من العلم حتى فتن الرزيقات به.من مذكرات محمد داؤود الخليفة قبر جده في قرية عدارة في دار التعايشة.تزاوجت الأسرة مع القبيلة وبشر جده بالطريقة السمانية (مع ان معظم ناس الغرب من التيجانية) تزوج الجد من التعايشة لينجب:محمد واحمد وحامد وزهرا وحواء وخادم الله. تزوج السيد محمد (والد الخليفة) من عدة نساء من التعايشة:أولهم أم نعيم التي رزق منها عبدالله وهارون وحليمة ثم الزوجة الثانية التي رزق منها يعقوب.
ادارة خلوة محمد والد الخليفة قريبة من النمط العسكري وكانت تجمع الهبات لنفقات الخلوة. ذاع صيت الخلوة ولجأ اليه الزبير باشا وتلجأ اليه القبائل الأخرى في أوقات الشدة ولذلك لقب بتور شين. ظل والده يبشر بالمهدية (كان ابيتو المهدية هنا تمشو ليها في دار صباح).كان عبدالله أول من تلقف الفكرة وتوقدت في ذهنه وقد دخل(بها) التاريخ من أوسع أبوابه من استانبول الى فلسطين والشام ومصر الى روما،ايطاليا،النمسا وانجلترا ردحا من الزمان.شهد عام ولادته(1846م) في قرية السيل، غروب سلطنة دارفور على يد الأتراك وقد ولد في تردة أو السيل في قول آخر.كان كثير التأمل يحب الوحدة، تطور ذلك الى عصيان وتمرد .يقول عنه والده (هو راجل بخيت وبخيت البحضر زمنه).
وصف الخليفة:
كان فاتنا بالغ النحافة، متماسك العضلات،وشعره مرسل ،ذو تقاطيع عربية (كما وصفه اهرولدر). كان كثير الابتسام في وجهه آثار جدري خفيفة. (وكما وصفه شقير) هو أقصر وأقل وسامة من المهدي.
يعقوب أخيه ولد في 1855م وقد قاتل في كرري بشجاعة (بل بنوع من التهور) حيث ثار غاضبا عند علمه باستشهاد ابراهيم الخليل ومحمد ود المهدي وهجم على الأعداء بسيفه قائلا:– تبلدية وقعت في الكفار- ولاه والده أمر ادارة الخلاوي.
أقارب الخليفة: أبناء عمه محمود ود أحمد وابراهيم الخليل الذي قاد جيش الكارة وعبد الرحمن أحمد الضرير الذي اقتحم المعركة وهو ضرير ثم اسماعيل أحمد،يونس ود الدكيم،حمدان أبوعنجة...الاسهاب في التحدث عن أقارب خليفة المهدي لاثبات حنكتهم وشجاعتهم وأن تقريبهم لم يكن فقط بسبب القرابة وقد عاش ود الدكيم وحكى عن كرامات الخليفة التي أحسها التاريخ وأذكر منها الآتي:
- رؤية الامام عبدالرحمن عن جابر وسؤال الخليفة عنها(مذكرات الامام عبدالرحمن في جهاد في سبيل الاستقلال).
- كان الخليفة مواظبا على الصلاة في المسجد وعند غيابه بسبب المرض أطلقت شائعات أنه لن يعود وسيخلفه الخليفة علي ود حلو فذكر لهم عند عودته (أنا والخليفة علي سنموت في فروة واحدة! قائلا شوفو ليكو خليفة آخر!)
- قصة الامام الصادق مع جون قرنق( والتي رأى فيها الامام الصادق جون قرنق في حفرة مغطى بالرمال لا يظهر منه الا رأسه وقد طلب منه المساعدة ورأى الامام الصادق في المنام أنه عندما عاد مع آخرين لمساعدته وجده قد غطس تماما وقد كان ذلك قبل موته) وهي رؤية تشير الى صحة قول خليفة المهدي وتأكده من أن الدولة وان ماتت تبقى الدعوة والتي قيض الله لها رجال ذوو كرامات يحفظونها بعد موت الدولة.
تشرب الخليفة بأقوال والده عن المهدية وصار مشغولا بها مما قوى من عزيمته وترقبه.ذهب للزبير باشا ظانا أنه المهدي الموعود.
أصبح مسئولا عن أسرته بعد موت والده الذي أوصاه بالبحث عن المهدي شرقا-ترك الأسرته في رعاية الشيخ عساكر(شيخ الجمع) الذي كان كريما ومؤمنا بصلاح السيد محمد فقام بكفالتهم مما مكن عبد الله من أن ينطلق نحو النيل(بحثا عن المهدي) في حمار وذرة قليلة حتى وصل الى النيل الأبيض ونزل ضيفا على أبي قرجة الذي حدثه بأن الشيخ محمد احمد تنطبق عليه الأوصاف التي ذكرها، ولكنه غير موجود حاليا بالجزيرة لمغادرته أبا الى الحلاوين لدفن الشيخ القرشي ود الزين.كان الناس ينظرون لأبناء الغرب نظرة دونية ولذلك عند ما وصل الى طيبة ورأى من يشيدون الضريح أخذ يرقبهم من بعيد. بمجرد رؤيته للمهدي أصيب بهزة ولم يستطع الوقوف عندما رآه المهدي جذبه وأوقفه أمامه. ومنذ ذلك الوقت بدأت العلاقة الوطيدة التي ربطت بين الرجلين:
- (ذكر سلاطين قول الخليفة أحسست أنني احتللت مكانة في قلبه).كافة المؤرخين شهدوا بحدة بصيرة المهدي واختياره الصائب للرجال ومن عامة الناس(عثمان دقنة –تاجر، عثمان أزرق-حامل بريد الحكومة،أبو عنجة- في جيش الحكومة،الختيم موسى،يونس ود الدكيم،محمد بشارة، احمد عبد الجليل ،موسى ود حلو وغيرهم).
- استطاع التأقلم سريعا في موقعه الجديد.
- فرّغ نفسه فورا للامام المهدي واستطاع بقوة شخصيته أن يكون في مقدمة الركب حاملا الراية الخضراء التي استبدل بها حربته الطويلة.
أقام كوخا بعيدا عن الحلة،اعتراه مرض شديد وانشغل عنه الامام المهدي بالاعتكاف وفي ذات يوم اذا به بالامام المهدي بجانب حصيره وخلفه أحد الحيران يحمل له اناء به عسل ما أن شرب منه حتى شعر بالهمة .
- نقل كوخه جوار سكن المهدي الذي أسر له بالمهدية وأصبحت مكانته تزداد رسوخا.
- توج العمل الأول بزيارة كردفان لمعرفته بأحوالها ورجالها أمثال:(الفكي المنا والسيد المكي) .
- بعد ذلك لم يغب عن مجلس المهدي وكانت مقابلاته مع الامام بعد منتصف الليل.
- عند مواجهة أبو السعود انتقلت شخصية الخليفة الى شخصية فاعلة وقد أجاب الامام المهدي عندما سأل الأنصار ان كانوا مستعدين لمواجهة أبو السعود قائلا(نعم جاهزين يا سيدي).
- كان المخطط الأول في أبا (التي تطابقت مع بدر الكبرى) والمسئول عن حماية المهدي.
- كان لأداء الخليفة دورا حاسما في ترسيخ قدمه وازالة الدونية القبلية.
- الاتجاه غربا كان فيه تمكين لخليفة المهدي فكان ترسانة معلومات واستخبارات عن الغرب(موطنه).
- أمد الحركة بجنود فعّالين مثل يعقوب جراب الراي ويونس الدكيم الذين اكتسبوا خبرات قتالية وتدربوا في جيش الزبير.
- تعاظم موقعه ألب عليه أهل المهدي – مثلا سيدي محمد(أخ المهدي) وقصة الحصان(حصان سعد الشايقي الذي قتل خليفة المهدي صاحبه في المعركة- الأبيض- واستولى على حصانه ولكن السيد محمد عارض تملكه للحصان فحكم المهدي باعطائه الفرس) .
- بعد سقوط الأبيض كانت تحول اليه المراسلات والأسلحة ولم يكن يخلد الى النوم.
- رفده المهدي بمنشورات التأييد.
- ظهرت ملكته في التنظيم التجاري وقد كان دقيقا في المحاسبة.
- وفي ادارة المعارك تموينا وتمويلا.
- ادارة الشؤون اليومية للدولة.
- الاستفادة من كل وقت قضاه مع المهدي.
- تنظيم الجيوش بالاستفادة من أنظمة الجيش الحديثة.
- استفاد من بقايا الجيش التركي.
- ذو حس جغرافي شفاف حريص على العدل بين الناس وذكر محمد عبد الرحيم أن الخليفة وصفه أحد المؤرخين الذين عاصروه وقد لازم الخليفة ورأيه أنه حكيم يزن الأمور بميزان العدل،بطلا، لا يهاب المكاره.
- كان يحترم العلماء والمتفقهين ويقول(اسمع عالم تخرج سالم).
- رأي اهرولدر عنه أنه كان صائب الرأي ولكنه محاط بمستشاريين متعنتين و متعصبين .
- لم يصطدم بشخص في حياة المهدي.
- سجل له سلاطين اعجابه بكفاءة عبدالرحمن النجومي وأنه الأقدر على مواجهة الموقف في حصار الخرطوم وهذا ينفي ما يقال عن حطه لقدر الأمير عبدالرحمن النجومي.
- ظهر تقريبه لأقربائه بعد انفجار مشكلته مع الأشراف.
- كان زاهدا في المال، وكان يقول (المال لعنة ومن كان غنيا في هذه الدنيا لن ينعم بالراحة ولا الفردوس) وكان جهير الصوت غزير المادة بلهجة البقارة.
- زوجاته اثنين(زهرا ونفيسة بنت بابكر) ابنه المقرب هو عثمان شيخ الدين.
- من صفاته الصبر على الشدائد مما عكسه مشهد أم دبيكرات وعندما اشتد الكرب ودعا احمد فضيل الله لينصرهم، قال له (أسكت الله ما بشيفك!) وعندما وقع أب جكة صريعا وضعه على فخذه قائلا لأحمد فضيل الذي استنكر ذلك: (أب جكة شالني أربعتاشر سنة أنا ما اشيل راسه يوم موته؟).
- وكاذب من يقول أنه دخل المعركة دون خطة. بعد المعركة وصل الى خور شمبات خلفه أب جكة ومعه الأمير العريفي الربيع وعثمان دقنة حيث أمر العريفي الربيع بجمع بقايا الراية الزرقا ليحول دون تقدم كتشنر و كمنوا في خور شمبات تناول قصعة عسل الى ضريح المهدي وجمع أبناء المهدي في الجانب الشرقي من الضريح والعريف الربيع يصد العدو حتى استشهد ودفن في ميدان الربيع. في أبي سعد صلى ببقايا الجيش جامعا بين المغرب والعشاء ثم التفت بهدوء وقال: (انتو قايلين المهدية روحت! بتا بالله المهدية متل قش الوطة كلما شم المطر يقوم اخضر تاني).
سياسة خليفة المهدي الخارجية:
لم تكن للسودان علاقات خارجية قبل دولة المهدية.
الغضب الشعبي الذي اجتاح بريطانيا بعد مقتل غردون مما جعلهم يعدون العدة للانتقام من قتلة غردون – في الشرق ظل الأحباش والايطاليون يتحرشون بالدولة وبرزت الاستراتيجية الأنصارية والمواهب التي ردت كيد الأعداء(الطاهر ود المجذوب والعربي ود دفع الله وعبد الله ود ابراهيم وأحمد ود فضيل).
استمر في نشر الدعوة خارجيا. استقبل عبدالله بن الفيصل بن سعود أمير نجد وأصبحوا من حلفائه وعينه الخليفة أميرا على نجد باسم الدولة المهدية وخاطب 13 قبيلة من قبائل الحجاز وعين حذيفة بن زيد أميرا على قبائل الحجاز ليقود الجهاد ضد الأتراك.
أما غربا فقد وصلت رسائل الخليفة عبدالله الى سلطان وداي وحياتو بن سعيد ورابح الزبير وكتب الى سكان مصر وخاطب السلطان عبدالحميد والملكة فكتوريا.
واجهت الدعوة المهدية معارضة من موظفي الدولة والختمية وبعض زعماء الصوفية أمثال الفكي الكناني والمنا اسماعيل كما عارضت المهدية بعض القبالئل مثل الكبابيش اضافة الى معارضة الأشراف (القدال).
وقد ذكر القدال في كتابه التقرير الذي قدمه مصطفى الأمين الجعلي للمخابرات البريطانية والمصرية عن الوضع في السودان راصدا فيه تحولات النظام الاداري التي جعلت الحكم أكثر قبولا والضرائب أقل وطأة وأنه قد بدأ تدرج نحو تأييد السودانيين لحكم الخليفة.
لقد اطلعت على محررات الخليفة عبدالله التي جمعها ابو سليم وطبعت على نفقة السيد عبدالرحمن يحي المهدي للتحقق من افتراءات الداخل والخارج فلم أجد نصا يدل عليها بل على العكس، وهذا بعض من نماذج تبين سلامة نفس الرجل القوي الشجاع، وزهده في الدنيا:
- رسالته الى كافة أهالي رفاعة وجماعة ود الصلحابي وكافة الأنصار: (أيها الأحباب الصادقين المشمرين قد قبلناكم ورضينا عنكم كل الرضا ولا يخفى عليكم يا أحبابي أن هذه الدار فانية لا بقاء منها لحي وهي سجن المؤمن وجنة الكافر).
- خطابه الى محمد حامد جفون: ( لا تتركوا امرأة ولا رجل كلية، صرفوهم واكسوهم كذلك كافة الهبانية كل رجل منهم تكسوه جبة وسروال وفردة وتعطوه مصروف طيب).
- الى السني ود قودي: ( حبيبي عرف الأحباب يكونوا واقفين على الحدود متمسكين بالشرع واحذروا الميل الى الدنيا وليكن همكم اصلاح العباد من الفساد).
زعم شقير أن خليفة المهدي هرب! بينما انسحب خليفة الصديق لاعادة الكرة لينتصر لدين الله، وقد فعل، حيث رجع من قدير متجها لامدرمان ووصل جديد في يوم الخميس 23/نوفمبر/1899م وأتته أخبار قوة ونجت وجيشه فاعتلى المنصة وخاطب الأنصار ( أنا حالف بالله أن لا أضع كفي في كف كافر وباكر اما النصر أو الشهادة أنا معافي منكم لله والرسول الما عنده قدرة على القتال فليكون الليل ليه ساتر وودعناه رب العالمين واحنا عافين منه لله وللرسول) فصاح الأمير البشير عجب الفيه(يا سيدي احنا ناوين مقابلة المهدي في الآخرة حاشا يقولوا فوقي البشير بك!أنا الأمير البشير).
في صباح الجمعة 24 نوفمبر 1899م يقول شقير (عند الخامسة صباحا رأيناهم يهاجمون زمرا لا يبالون بالموت وبدأت نيراننا تصليهم بلا انقطاع)
وفي المعركة لم ينقطع أمل عثمان دقنة في النصر وظل يخطب في الأنصار حتى تبددت الصفوف . في أم دبيكرات ترجل خليفة المهدي وأمر أب جكة بفرش الفروة وفرش لعلي ود حلو يمين خليفة المهدي والى جواره الصديق ود المهدي وعن شماله احمد ود فضيل وقف الملازمون صفا وراء خليفة الصديق ووقف أبي جكة أمام خليفة الصديق ليكون له ساترا من القذائف هكذا كان اللقاء ،ووجد مضرجا بالدماء هو وبجانبه الخليفة علي ود حلو والصديق ود المهدي وأحمد فضيل واخوانه السنوسي أحمد وهارون محمد وأحمد ود علي وعبد الباقي عبد الوكيل ويعقوب أبو زينب وبشير عجب الفيه وتولى الأمير يونس الدكيم وبعض الأسرى دفنهم في نفس المواقع التي سقطوا فيها. الأسرى هم:(عثمان شيخ الدين،يونس الدكيم،الختيم موسى،فضل الحسنة،اسماعيل أحمد،الطاهر المجذوب،علي فرفار،عثمان دقنة)
هذه صورة لبعض شجاعة خليفة الصديق ومن معه والذي أنكر شجاعته المرجفون واجتهد الفاتحون لنبش سيرته وتفرقة بنيه وأحفاده – راية لن نخنها حتى الموت.
رحم الله خليفة الصديق وأصحابه وبرد ثراه ورضي عنه وأرضاه.
المعقبون
د.فدوى عبدالرحمن علي طه:
أبدأ القول بما ذكره السيد الصادق في قاعة الشارقة لدى عرض كتابه الانسان بنيان الله(أن النقد أفضل وسيلة للبناء عرفها الانسان) ومن هذا المنطلق سأتحدث:
فترة حكم الخليفة يجب أن تؤخذ بما فيها للخليفة وما عليه.هذا هو الأساس وليس هناك شك في أن الخليفة لعب دورا أساسيا في انجاح الثورة المهدية. عند وفاة المهدي كانت الثورة المهدية وصلت نقطة حرجة. كان لابد للخليفة من توطيد مكتسبات الثورة وقد وقع عليه العبء وخوض الجهاد خارج نطاق حدود السودان واجه ظروفا صعبة كان لا بد من ايجاد السبل لمواجهة تلك الظروف الصعبة.اتفق المؤرخون ومنهم الأعداء على أنه يملك موهبة ادارية فذة ولا طموحات شخصية له.موضوع الندوة كان التركيز على أخطائه دون انجازاته ساهم سلاطين في ذلك فقد بالغ في ذكر أخطاء الخليفة ولم يبرز دوره كحاكم موهوب.مواقف الخليفة لم تكن بسبب تعطش للدماء أو رغبة جامحة للظلم بقدر أنه كان يريد تأمين حكومة قوية .واجه عجزا في معاونيه لتحقيق ذلك لجأ الى الاسلوب الذي اتبعه- توطين قبائل البقارة هز بها توازن السودان القبلي. أوجد الامام المهدي النزاع بينه والأشراف بسبب ثقته المطلقة في الخليفة. كان يؤمن بالمهدية ايمانا مطلقا ولم يكن يستطع الوصول الى حل توافقي مع حاكم بعيد. عدم الادراك جعله يرسل عبدالرحمن النجومي الى توشكي ومعركة النخيلة التي خاضها محمود ود احمد وكان يزن الأمور بمنطق الشجاعة فقط.صار يعين أقاربه لضمان الولاء لم يعتمد على الكفاءة. المواجهة الأولى والثانية مع الأشراف الذين كانوا يتحينون الفرص لاثبات وجودهم وكان موقفهم أقوى لأن كل القواد كانوا من القبائل النيلية .تمكن الخليفة من ازاحتهم بمعاونة حمدان أبو عنجة وحسم الصراع على السلطة لصالح الخليفة.
تمكن من ايجاد نظام اقتصادي فعال بمقاييس ذلك الزمان ولكنه اتخذ قرارات تفتقر الى المنطق مثل ايقافه التجارة بين السودان والعالم الخارجي. بسبب الصراع بين أولاد البلد وأولاد البحر تدخل الخليفة عبدالله لضمان استقلال السلطة المالية للمحافظة على استقرارها وثباتها. أبعد ذلك عناصر ذات كفاءة مثل أحمد سليمان .من فقدوا عطف النظام عوملوا معاملة قاسية . لا نشك كمؤرخين في كفاءة الخليفة واقتداره والا لما فضله المهدي وكما وصفه بيتر هولد في كتابه (دولة المهدية في السودان) كان أسيرا لظروفه في ذلك الوقت. أما شجاعة الخليفة والأنصار فهذا ما شهد به الأعداء.
أستاذ عبدالله آدم خاطر
اللحظة متهيبة لأنها للحديث عن التاريخ وعبر شخص أثار جدلا وحقق نجاحات حقيقية مؤثرة حتى هذه اللحظة. نشكر تمكيننا من الاضطلاع على مادة المحاضرة وأتحدث في جانبين:
- المحاضر كأنصاري يدافع عن وجوده ويستعيد في أذهان الجميع المهدية في سودان اليوم من جهاد عسكري الى جهاد مدني (الصادق المرشح الأول لذلك) هذا ويستطيع أي محلل في اطار تاريخي قراءة ذلك.استطاعت المهدية افشال قاعدة تقسيم السودان واعادة السلطات والممالك والمشيخات كما كانت قبل العهد التركي استطاعت المهدية بالحس الثوري والمشاركة أن تفشل المخطط ويقوم السودان الحالي واستطاعت المهدية أن تحيل من السودان المتعدد، سودانا واحدا. لعل أهم النقاط جاذبية ما عرفوا بالرقيق ساهموا في بناء الدولة مما ساعد شخصا مثل الخليفة عبدالله في تثبيت أركان الدولة على أسس المهدية.
هذا محل نقاش مفتوح لأهل الرأي والسياسة .
المجال الثاني:
الكلام عن الخليفة عبدالله كشخصية مؤثرة صعدت بامكاناتها الشخصية الى مقام الشخص الثاني. تمكن من بناء دولة مؤسسة على تلك الدعوة مثل ستالين (رجل الصف الثاني كان له الفضل في تثبيت الدولة)ولكن على عكس ستالين الذي توترت علاقته مع لينين فان علاقة المهدي بالخليفة لم يشبها أي توتر.المجتمع لم يكن مهيأ لقبول التنوع .الأفكار حول الخليفة كثيرة على المؤرخين مسئولية اعادة قراءة شخصية الخليفة.قدم المحاضر الخليفة كشخصية تنفيذية واجه مشاكل حقيقية ولكن ليس برغبته وكان لا بد من حسم بعض المشاكل بصورة ما.كان الخليفة يقول (البلد دي فيها جن لابد)الجن اللابد- في رأي- هو ادارة التنوع. كان أحادي التفكير في أن الادارة المناسبة هي ادارة المهدية . على كلٍ، المجهود الصحيح والحميد كان وما زال نأمل أن نستطيع ادارة الجن اللابد.
ساهم الخليفة في ادارة الدولة بالنصر في المعارك والقدرة على استقطاب المجموعات المختلفة في التعامل قولته المعروفة – في ناس بخافوا من الله وفي ناس بخافوا من خليفة المهدي ومابخافوا من الله وفي ناس ما بخافوا من خليفة المهدي وما بخافوا من الله) فضلا عن استفادته من الخبرات، ووعيه بالمهددات الخارجية من جهة الشرق وأن الغرب هو أمان السودان وخطؤنا الآن عدم ادراك ذلك ووضع تشاد في المواجهة الحالية.
بالنسبة للمستقبل من الصعب محاكمة أشخاص بمقاييس بغير مقاييس زمانهم.لكن الشجاعة الشخصية لا يعّول عليها في نجاح سياسي لأنه الشجاعة الشخصية لا تغني عن المؤسسية. يؤخذ على الخليفة عدم قدرته على ادارة الدولة – قوة الدولة ليست في الرئيس بل في مؤسساتها.
كان يستحضر روح المستقبل في قوله تروح الدولة وتبقى الدعوة ويمكن استعادتها في ظروف جديدة-نتمنى أن تستعيد المهدية قدرتها على العودة بادارة جديدة لروح العصر.
أستاذة اخلاص مكاوي:
أتفق مع د.فدوى وأستاذ عبدالله في طرحهما –لا يجب الحكم على الخليفة بمعطيات اليوم.دولة المهدية وفكرها تمت محاربته بصورة منظمة ان قرأنا ما كتب خوفا من المد الاسلامي.الخطابات التي أرسلت لأوروبا مثل قول تشرشل(لو أطال الله في عمره لتغير وجه الشرق).العروة الوثقى ذكرت أن جمعية الثبات السرية اتصلت بالامام المهدي والخليفة ونشرت منشورات مضادة مفادها ان جيوش المهدية ستحرر مصر مما شجع الخليفة على ذلك.الذين كتبوا عن الخليفة مثل سلاطين-ملازم الخليفة وابراهيم فوزي- الذي أطلق سراحه بعد كرري لا يمكن أن يكتبوا كلمة حق واهرولدر أيضا وونجت رغم كتابته لتقارير مختلفة اذ كتب تقرير كرري منصفا الخليفة.
أصدر الامام منشورا الى كافة أحبابه (اعلموا الخليفة عبدالله خليفة الصديق هو مني وأنا منه )لا تعترضوا عليه فقد حكّمه الله فيكم)كان يخاطبه بعبارات توضح مكانته (الى خليله حبيبه وصفيه ويدعو له) الخليفة عبد الله استمد سلطاته من كل ذلك والأوضاع التي كانت في الدولة في تلك الفترة من حروب ومجاعات وفرقة وعنصرية. من هو القائد الذي واجه كل ذلك والبلاد واسعة بحجم قارة كان كثير اصدار القرارات .من استطاع ادارة ذلك من الحكام والقواد ؟ ليس وحده كثيرون تعرضوا الى التهم والهجمات لمواجهة الاستعمار .حكمه كان عسكري ومركزي .وقد كان اداريا محنكا ضبط النظام واعتمد على العلماء(اسمع عالم تخرج سالم).كان يطالب بما هو شبه مستحيل فقد جمع بين وظائف كثيرة.لم يكن الخليفة عبدالله جاهلا . قوله للملكة فكتوريا نبع من فرط ثقته في انتصار الدعوة . طريقة استشهاده شهد بها الأعداء قال تشرشل كانوا أشجع من مشى على وجه الأرض- كيف يرمى ذلك البطل بالجبن! ومهما كانت نظرتنا للخليفة لا نملك الا أن نعجب بصورة شجاعته- لابد من تعظيم أبطال هذا البلد اذا كان نعوم شقير يمجد محمد علي باشا لماذا نصف زعمائنا بهذه الصفات الشنيعة. لدينا شخصيات لم يكتب عنها بينما كتب أكثر من أربعون كتاب عن غردون كم كتاب كتب عن الامام المهدي وعن أبو عنجة وغيره؟ والمطلوب ليس اعادة كتابة التاريخ بل تصحيح أخطائه.
المداخلات
محمد داؤود الخليفة
الشكر لمنظمي الندوة على الدعوة والشكر للمشاركين على كريم حديثهم دفعا للافتراء على خليفة المهدي عليهما السلام.
ونعلم أن دفع الافتراء عن خليفة المهدي هو جهد تنوء بحمله الجبال لأن الأعداء كثر والظروف التي أحاطت بزمنه كانت صعبة ومعقدة للغاية.اذ أن تاريخ المهدية (عامة) وليس الخليفة عبدالله وحده قد وقع تحت رحى أكبر أجهزة اعلام عالمية حتى يومنا هذا- الاعلام البريطاني والاعلام المصري- وما زال الناس في الوطن العربي بأسره يقولون لك ان هذا الخبرصحيح لأن هنا لندن أذاعته أو لأن هنا القاهرة رددته، وقد حاول هذا الاعلام الظالم كذبا وتشويها أن يسيء للثورة المهدية وقادتها خاصة الخليفة عبدالله ليبرروا عدوانهم وغزوهم واستعمارهم للسودان كما خططوا لذلك.
ونحن نعيش اليوم ونسمع ونرى أكاذيبهم وتلفيقاتهم كما فعلوا بالأمس مع العراق وأشاعوا بأنه يمتلك أسلحة دمار شامل كذبا وبهتانا ليبرروا غزوهم له ووضع أيديهم على ثرواته وبتروله.
اذا كان هذا ما حدث منهم في القرن الواحد وعشرين فكيف بأكاذيبهم واشاعاتهم المضللة واختلاقهم لأحداث لم تحدث في القرن التاسع عشر ؟!
لقد وصف كاتب فرنسي الانجليز بأنهم يجيدون ثلاثة أشياء في حياتهم :قلي البطاطس، يجيدون أكل السمك،ويجيدون تزوير التاريخ! لأنهم زوروا تاريخ فرنسا كله ونابليون على على وجه الخصوص كما زوروا تاريخ المهدية وخليفة المهدي على وجه الخصوص ويمضون في تزويرهم للتاريخ لكل عظيم مثل غاندي ونهرو وبسمارك وجمال عبدالناصر لأن ليس لهم تاريخ مثل هؤلاء يفتخرون به.الا القرصنة والدمار والاستعمار.قابلت في عام 1992م في المؤتمر العربي/الاسلامي الذي كان الدكتور حسن الترابي يدعو له كبار المفكرين الاسلاميين في العالم العربي وغيره قابلت الدكتور محمد امام وهو أستاذ الدراسات الاسلامية بجامعة أوهايو بامريكا.أحضره الي المرحوم الدكتور ابراهيم عبيدالله في قاعة الصداقة بالخرطوم حيث يعقد المؤتمر لأنه كان يريد الاستفسار من بعض الأشياء مني كحفيد للخليفة عبدالله. وقد عرف نفسه كأستاذ للدراسات الاسلامية في جامعة أوهايو وقد كان بحثه للدكتوراة عن الحركات الاسلامية في الوطن العربي" في لندن التي قصدها لشهادة الدكتوراة وقال أنه قرأ فيها عن المهدية وقد لفت نظره تحامل الانجليز الواضح على خليفة المهدي وقد كان هذا الظلم سببا في اعجابه بالخليفة وقد وضح له أن هذا التحامل كان بسبب أن الخليفة هوجم لأنه يمثل رمزا اسلاميا كبيرا هدد الانجليز.وعند تلقيه للدعوة لحضور المؤتمر في السودان- بلد الخليفة بعد 15 سنة من رجوعه من انجلترا قرر فورا تلبية الدعوة . ويقول أنه لفت نظره تغييب كامل للخليفة (لا توجد أي اشارة له ولا صورة!)وهذا شيء غريب لا أفهمه!
شكرته على الاهتمام وأبنت له أسباب غل الانجليز من المهدية بسبب قتلها لأعظم جنرالاتهم(هكس،ستيوارت وغردون) فقاموا بعد استشهاد الخليفة الذي استمات في قتالهم دون استسلام سلطوا عملائهم لاغتيال شخصيته (سلاطين،اهرولدر ،نعوم شقير وابراهيم فوزي) وقد كانوا أسرى وأولهم ونجت باشا رئيس قلم المخابرات الذي كان من أولى مهامه تشويه صورة الثورة المهدية لاقناع الرأي العام البريطاني بضرورة انقاذ السودان من (ظلم المهدية) .وقد امتدت مجهودات تشويه تاريخ المهدية حتى طالت مناهج التعليم بالمدارس وصارت هذه الكتب (للأسف) مراجعا تاريخية! وبهذا نشأت أجيال تحت الاستعمار الانجليزي في السودان الذي استمر لمدة ستين عاما وطيلة هذه المدة تم غسيل مخ لهذه الأجيال وتم حشوها بهذه الأكاذيب والافتراءات. ورددت هذه الافتراءات حتى صدقها مختلقوها!
ظل الخليفة طيلة ثلاثة عشر عاما من عمر الدولة يواجه الأعاصير والأخطار ويحفظ للبلاد استقلالها وعلمها وعملتها رغم المشكلات التي أثارها الاشراف وبعض أقارب المهدي وبعض القبائل التي لم يكن لزعمائها حظ يذكر في المهدية فآثرت العداء وكذلك العلماء الذين سماهم المهدي علماء السوء اضافة للحساسيات بين أهل البحر والغرب وفوق كل هذا وذاك الأخطار الأجنبية التي كانت تحاصر الدولة المهدية من كل جانب(في الشرق الحبشة المتعصبة للمسيحية والطليان في اريتريا وفي الشمال مصر الخديوية التي تدعي السيادة على السودان ومعها انجلترا التي اتخذت الادعاء ستارا لغزو السودان،في الجنوب بلجيكا وأمين باشا الألماني القابع في يوغندا وفي الغرب(جهة بحر الغزال) فرنسا التي تطمع في الحزام الافريقي الذي يربط الكنغو بجبوتي شرقا مرورا بالسودان.وتلك المطامع هي دافعهم للدعاية ضد الخليفة تبريرا للسيطرة على أراضيه وثرواته.
أكرر الشكر للدفاع عن تاريخ المهدية وبالذات عن خليفة المهدي لننشيء جيلا يعرف حقيقة آبائه وأجداده وما قدموه لهذا الوطن ويرفع رأسه عاليا افتخارا بهم.وليس ذلك عن فترة المهدية وحدها بل يمتد ليشمل السلطنة الزرقاء والمك نمر والسلطان علي دينار والزبير باشا فكلهم مظلومين ومفترى عليهم وأشكر لكم جهدكم وجزاكم الله خيرا والسلام عليكم.
د.فيصل محمد موسى
بعد الاضطلاع على أكثر من مليون وثيقة عن الجانب الاداري يظهر أن هذا العهد هو مؤسسة الدولة الحديثة –العلم- الحدود- العملة- الجيش- حدود السودان الحالية حتى وادي اللاي بين نمولي (أضيفت ليوغندا) والجهد الذي عمل فيها اداري هذا يربط بالناحية المالية وسيطرته القوية على كل أنحاء السودان من جمع للزكاة ومراسم الخليفة تعطي فكرة عن المتابعة الدقيقة شبر شبر وخور خور وقد استمر هيكله الاداري أساسا للدولة وقد أشار كتشنر أيضا لذلك بأنه نظام فيه نوع من الشدة وهو النظام المتعارف وقال أنه لا يرى ضرورة لتعديله حاليا.
بالنسبة للتنوع الذي تمت الاشارة لغيابه مثلا:
- الجيش: جيش كرري كانت مشتركة فيه كل قبائل السودان مما يدل على التنوع الاداري وقد حافظ عليه الخليفة عبدالله.
- السياسة الخارجية: لم يكن الخليفة حبيس فكرة جامدة ففيما يتعلق بمصر والحبشة وشرق أفريقيا – غير سياسته وأرسل الهدايا للملك – رد الخليفة على الزبير باشا وقد كان ردا شديدا لأنه أراد التوسط – التواصل مع دان فوديو – أصلح بين رابح وحياتو بن سعيد وحفزهم على الفرنسيين .
- لنا أن نفتخر بخليفة المهدي وهو واضع أساس السودان الحديث.
رئيس الجلسة:
أضيف أن المراجعة الداخلية كانت تسند للخليفة بنفسه مما يؤكد تمتعه بالحس الاداري.
محمد المهدي حسن:
عدة نقاط:
1/ هل كان خليفة المهدي يقاتل حتى قتل أم فرش الفروة وانتظر حتى الموت؟ وهل كان يصلي الصبح وقتل؟
2/ الاتهامات التي تكال للدولة بسبب تفلت الجهادية والفرق أن الدولة لم تكن تدعمهم.وقضية الجهادية من الأشياء التي نحتاج للتكلم فيها لأن أفعالهم أضيفت للمهدية.
3/ قضية المتمة:أخبرني الشيخ المجذوب جلال الدين كان للجعليين دورا أساسيا في المهدية. عدد من الأفراد والكتاب على رأسهم قائد جيوش المهدية –عبدالرحمن النجومي وتجري محاولات لفصل الجعليين من الأنصار .يضير أي قبيلة عدم اشتراكها في المهدية ولا يضير المهدية ذلك(لأنها حقبة أساسية من تاريخ السودان) والطيب محمد الطيب أكد على ذلك وعلى دور المجاذيب واستشهاد الفكي الطاهر ودعم ذلك من وقفوا مع ود سعد الخفاف من الجعليين- والقيادات الأساسية كانوا على بيعتهم وعلى ولائهم.وقد أثارت هذه النقطة نقاشا كبيرا.
في جريدة رياضية كتب أحدهم (الغازي محمد احمد!) يجب أن يفهم الجيل الحالي التاريخ كما يجب –خاصة تاريخ خليفة المهدي الذي حكم لمدة طويلة.وقد صلى الصلوات الخمسة الا فترة المرض(خمسة أيام) في يومية يوم الخليفة عبدالله التي سجلها نعوم شقير من الصبح حتى نومه يوم مليء بالنشاط الراتب _الجلوس للدرس، تلقي التقارير، أحوال الدولة- ويرصد كل ذلك ويحاول الاحاطة به (ادارة دولة شاسعة بكفاءة بالرغم من نقص الامكانات).
رئيس الجلسة:
في مرافقتي لأبو سليم أستاذي الذي كان يطلعني على أعماله محررات خليفة المهدي وقد قال لي بعد خلوصي من محررات الخليفة يحق لكم الكتابة عن تاريخ السودان.
عبدالرحمن الطيب الأمير يعقوب:
قامت المهدية في ظروف عجيبة- في القرن التاسع عشر أوروبا اكتشفت الأسلحة الفتاكة. قبل ذلك الأسلحة كان مستواها ضعيف لم تكن قوية مثلما هو الحال في كرري وأم د
بيكرات مما أصابها بالغرور ودفعهم للاستعمار-بلجيكيا في الجنوب، فرنسا في الغرب،الانجليز في سواكن،وايطاليا في الشرق الانجليز والمصريين من جهة الشمال.كل هذه الدول تكالبت على السودان. المهدية في بداية أمرها كانت دولة محاربة . بعد ذلك انتقل المهدي بعد شهر من فتح الخرطوم تاركا عبء تأسيس الدولة القليلة الامكانات في يد الخليفة عبدالله- مع مراعاة سعة المساحة.
كيف يمكن جذب الناس؟ آمن الناس بالمهدي ونصروا المهدية وواجهوا الموت بشجاعة. كان السودان قبائل مستقلة من بعضها جمعتها المهدية تحت ادارة واحدة.كيف تدار هذه الدولة؟ المال،السلاح والخبرات كلها امكانات تلزم لادارة كل ذلك ولم تكن الفترة كافية لتجمع كل ذلك الشتات. نجح الخليفة في ادارة الدولة الممتدة من أمدرمان لأقصى الغرب في أقل مدة عن طريق محطات الجمال لايصال الخطابات. صيانة الأسلحة كانت تراقب بصورة لصيقة حيث تتم صيانتها فورا.استفادة من العهد التركي في مجال تعدين العملة والسلاح والحديد والنحاس والنجاح في ذلك، عملة المهدية كانت تقبل في كل الدول لأنها من ذهب. عمل خليفة المهدي كل ذلك الانجاز.
النزاعات حول السلطة مع الأشراف هذا موضوع هام. كان يعتقد أن الخليفة يريد الاستيلاء على السلطة وحارب الأشراف لأنهم أرادوا السيطرة على الحكم بعيدا عن الدين( تبرأ المهدي في حياته من أهله الأشراف). وحاربهم الخليفة من هذا المنطلق . يتهم الخليفة بشن الحرب على قبائل كثيرة ولكن لم يحدث ذلك دون سبب فكان لا بد يستجيبوا لدعوة الخليفة.
رئيس الجلسة:
الأجيال الحالية مغيبة تماما من التاريخ.
مقترحات:
- طبع المحاضرة وتوزيعها.
- من أستاذ عبد الله لآدم خاطر:( ضرورة اعادة كتابة تاريخ خليفة المهدي).