إذا كان هذا هو الإسلام ؛ فما الذي أجهض الحقيقة ؟
لا جدال أن الإسلام جاء متفردا في طرحه دون سائر الأديان ،وهذه العبارة ليست من باب الاستعلاء، أو التعنصر ،أو نرجسية الذات ولكن حقائقه الواضحة في إقامة الدين على التوحيد والجزاء الاخروى ،ومزجه الفريد بين الإيمان والعلم، وبين المادة والروح وتوفيقه بين حرية الفرد ومصلحة الجماعة، وحثه على التمتع بزينة الحياة الدنيا والفوز بنعيم الآخرة ،كل هذا يدل على أن الإسلام هو الدين المؤهل لإشباع تطلعات الإنسانية، وحمل رايات الخلاص الكوني في هذا العصر .
لقد أقام الإسلام شبكة العلاقات الإنسانية على المساواة والأخوة بين الناس فلا مجال للتمييز البشرى ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم) ولا مجال للتمييز النوعي ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجز ينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعلمون) ولا مساحة للاضطهاد السياسي قال عمر رضي الله عنه (أمير المؤمنين أخو المؤمنين فان لم يكن أخا للمؤمنين فهو عدو للمؤمنين)
وعلى صعيد الاقتصاد فان تعاليم الإسلام أقرت بحرية الفرد في اكتساب المال بشرط انتهاج مبدأ الكسب الحلال في الرزق (وفضلنا فبعضهم على بعض) وتكره احتكار المال (كي لايكون دولة بين الأغنياء منكم) وتزجر كانزي الثروات ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم) وتحرم الاعتداء على المال العام قال عمر(لكم على إلا أجنى شيئا من خراجكم ولا ما أفاء الله عليكم إلا من وجهه)
لقد جاءت تعاليم الإسلام بتوجيهات منقذة ومخرجة للإنسانية في كافة مجالات المعرفة ( في الاقتصاد والسياسة والاجتماع والعلاقات الدولية وغيرها) وجاءت هذه الاضاءت المعرفية المشبعة بتعاليم الوحي في وقت كانت فيه هذه التعاليم غريبة على مجتمع القرن السادس الميلادي ؛ وبها حقق المسلمون أبهى أمجادهم ، وبنوا حضارة قل أن تجد لها مثيلا في ذاك التاريخ.. ومع وجود حقائق مثل هذه ؛ فان ثمة سؤال يلح على نفسه مرارا ومفاده ما هي المؤهلات والعلوم التي كانت موجودة في مجتمع ما قبل الرسالة الإسلامية حتى نشهد كل تلك الاضاءات المعرفية ؟
ويجيب طه جابر العلوانى ( رئيس المعهد العالمي للفكر الاسلامى سابقا) على السؤال بقوله (إن العرب لم يكن لهم قبل القران ٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍالعظيم من كتاب ، وما كانت لهم قبله من معارف أو علوم تذكر اللهم إلا شيئا من التاريخ ومعرفة الأنساب ، وشيئا من الفراسة والقيافة ، ومعرفة النجوم والأنواء وقص الأثر ، والشعر ديوانهم ، وسجل خبراتهم وتجاربهم ، وقد كان القران الكريم منطلقهم إلى المعرفة )
لقد أورث النبي "ص" الأمة الإسلامية نموذجا معرفيا شملت تغطيته كافة أوجه الحياة لدرجة جعلت احد المشركين يبدى عجبه واستغرابه ؛ فقال لسلمان الفارسي رضي الله عنه : (لقد علمكم نبيكم كل شي حتى الخراءة ؟ فقال سلمان : اجل نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول ، أو نسنتجى باليمين ، أو أن يستنجى احدنا بأقل من ثلاث حجار ، أو نستنجي برجيع أو عظم)
ومن نافذة اليسر ورفع الحرج ، فان النموذج المعرفي الذي ورثناه عن النبي "ص" لم يكن جامدا ؛ بل يحث على الاجتهاد والتدبر ويزجر التقليد وتعطيل العقول (والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا) ويفقد الاجتهاد والتدبر معناهما إذا دخلا في تأويل الحقائق الغيبية ( ما أشهدتم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسكم ) أما في مجالات الحياة الأخرى فان الإسلام جعل باب الاجتهاد فيها مفتوحا وفقا للضوابط القرآنية والنبوية .
ولذلك أدرك الصحابة رضوان الله عليهم هذا اليسر ونفى الضيق في الإسلام فرفض الإمام على الالتزام بسنة الشيخان ، واختلف ابن مسعود مع سيدنا عمر ، وزيد بن ثابت مع ابن عباس ، وسيدنا عمر مع على رضي الله عنهما.
إن هذه النماذج تؤكد أن الصحابة رضوان الله عليهم فهموا أن الإسلام لم يضع تقديسا للاجتهادات البشرية ، ويؤكد ما ذهبنا إليه نموذج عمر رضي الله عنه في حادثة موت النبي "ص" ، حيث يروى ابن عباس أن عمر قال له عندما تولى خلافة المسلمين : (يا ابن عباس هل تدرى ما حملني على مقالتي التي قلت عندما توفى رسول الله "ص" ؟ - " يقصد بذلك حينما قال إن القول بموت النبي "ص" إرجافا من المنافقين " – قال : قلت : لا أدرى يا أمير المؤمنين أنت اعلم . قال : فانه – والله – إن كان الذي حملني على ذلك إلا أنى كنت أقرا هذه الآية ( وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) فو الله إن كنت لا أظن أن رسول الله "ص" سيبقى في أمته حتى يشهد عليها بآخر أعمالها ، فانه الذي حملني على أن قلت ما قلت ) وما يفهم من حديث عمر انه فهم معنى الآية الكريمة بكون شهادة النبي "ص" ستكون في الدنيا ؛ وانه سيبقى حتى يشهد آخر أيام هذه الأمة . وحين اجتهد عمر هذا الاجتهاد وقف الصحابة في وجهه وعلى رأسهم ابوبكر وردوه إلى الصواب فاستجاب وهذا دليل على أن مقياس الحق لا يوزن باجتهاد الرجال ؛ بل بموافقته لقطعيات الوحي والسنة .
إذا فما الذي جعل قدسية القران تتحول إلى الاجتهادات البشرية ؟ وما الذي جعل مقولات كهذه ( كل حديث أو آية تخالف ما عليه نحن وأصحابنا إما مؤول أو منسوخ ) تقال مع وجود اختلاف بين اجتهادات الصحابة أنفسهم " والمقولة منسوبة للأحناف "؟ وما الذي أجهض حقيقة أن القدسية لا تكون إلا لقطعيات الوحي والسنة ؟. ولماذا تم قفل باب الاجتهاد في القرن الرابع الهجري ؟ هل كان قرار قفل باب الاجتهاد سياسيا ؟ الإجابة على هذه الأسئلة سنترك تناولها للمقال القادم بإذن الله لضيق المساحة وسعة الآراء في هذا المجال .
واذكر بان قفل باب الاجتهاد أدى إلى إدخال الفقه الاسلامى في غيبوبة جعلته عاجزا عن حل المشاكل التي واجهت المسلمين في الحقب السابقة، وما زلنا نعيش بعض ترسباتها ، فقبل أيام قليلة اصدر احد الزملاء معنا في الجامعة بيانا أوضح فيه أن شخصه سيقاطع اجتماعيا كل من يدعو إلى العلمانية والماركسية ، وكل من يرفض تحكيم شرع الله ، وفوجئت بان وجدت شخصي ضمن "كفار قريش"!! ومعي آخرون ينتمون إلى مدارس إسلامية لها باع طويل في مجال الدعوة. وما ادهشنى حقا هو أن بيانه تحدث عن ضرورة توطيد العلاقات بين المسلمين ، واحترام أصحاب الأديان الأخرى لاسيما الذين لا يعادون الإسلام . إذا فما موقعنا نحن ؟ أظن أننا من الذين كرر عنهم مقولة احد الكتاب " إن العلمانيين لا يجب مقاطعتهم فحسب ؛ بل مقاتلتهم أيضا " وحسبنا منهم . "حسبنا الله ونعم الوكيل من هذا الفهم".
لا جدال أن الإسلام جاء متفردا في طرحه دون سائر الأديان ،وهذه العبارة ليست من باب الاستعلاء، أو التعنصر ،أو نرجسية الذات ولكن حقائقه الواضحة في إقامة الدين على التوحيد والجزاء الاخروى ،ومزجه الفريد بين الإيمان والعلم، وبين المادة والروح وتوفيقه بين حرية الفرد ومصلحة الجماعة، وحثه على التمتع بزينة الحياة الدنيا والفوز بنعيم الآخرة ،كل هذا يدل على أن الإسلام هو الدين المؤهل لإشباع تطلعات الإنسانية، وحمل رايات الخلاص الكوني في هذا العصر .
لقد أقام الإسلام شبكة العلاقات الإنسانية على المساواة والأخوة بين الناس فلا مجال للتمييز البشرى ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم) ولا مجال للتمييز النوعي ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجز ينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعلمون) ولا مساحة للاضطهاد السياسي قال عمر رضي الله عنه (أمير المؤمنين أخو المؤمنين فان لم يكن أخا للمؤمنين فهو عدو للمؤمنين)
وعلى صعيد الاقتصاد فان تعاليم الإسلام أقرت بحرية الفرد في اكتساب المال بشرط انتهاج مبدأ الكسب الحلال في الرزق (وفضلنا فبعضهم على بعض) وتكره احتكار المال (كي لايكون دولة بين الأغنياء منكم) وتزجر كانزي الثروات ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم) وتحرم الاعتداء على المال العام قال عمر(لكم على إلا أجنى شيئا من خراجكم ولا ما أفاء الله عليكم إلا من وجهه)
لقد جاءت تعاليم الإسلام بتوجيهات منقذة ومخرجة للإنسانية في كافة مجالات المعرفة ( في الاقتصاد والسياسة والاجتماع والعلاقات الدولية وغيرها) وجاءت هذه الاضاءت المعرفية المشبعة بتعاليم الوحي في وقت كانت فيه هذه التعاليم غريبة على مجتمع القرن السادس الميلادي ؛ وبها حقق المسلمون أبهى أمجادهم ، وبنوا حضارة قل أن تجد لها مثيلا في ذاك التاريخ.. ومع وجود حقائق مثل هذه ؛ فان ثمة سؤال يلح على نفسه مرارا ومفاده ما هي المؤهلات والعلوم التي كانت موجودة في مجتمع ما قبل الرسالة الإسلامية حتى نشهد كل تلك الاضاءات المعرفية ؟
ويجيب طه جابر العلوانى ( رئيس المعهد العالمي للفكر الاسلامى سابقا) على السؤال بقوله (إن العرب لم يكن لهم قبل القران ٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍالعظيم من كتاب ، وما كانت لهم قبله من معارف أو علوم تذكر اللهم إلا شيئا من التاريخ ومعرفة الأنساب ، وشيئا من الفراسة والقيافة ، ومعرفة النجوم والأنواء وقص الأثر ، والشعر ديوانهم ، وسجل خبراتهم وتجاربهم ، وقد كان القران الكريم منطلقهم إلى المعرفة )
لقد أورث النبي "ص" الأمة الإسلامية نموذجا معرفيا شملت تغطيته كافة أوجه الحياة لدرجة جعلت احد المشركين يبدى عجبه واستغرابه ؛ فقال لسلمان الفارسي رضي الله عنه : (لقد علمكم نبيكم كل شي حتى الخراءة ؟ فقال سلمان : اجل نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول ، أو نسنتجى باليمين ، أو أن يستنجى احدنا بأقل من ثلاث حجار ، أو نستنجي برجيع أو عظم)
ومن نافذة اليسر ورفع الحرج ، فان النموذج المعرفي الذي ورثناه عن النبي "ص" لم يكن جامدا ؛ بل يحث على الاجتهاد والتدبر ويزجر التقليد وتعطيل العقول (والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا) ويفقد الاجتهاد والتدبر معناهما إذا دخلا في تأويل الحقائق الغيبية ( ما أشهدتم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسكم ) أما في مجالات الحياة الأخرى فان الإسلام جعل باب الاجتهاد فيها مفتوحا وفقا للضوابط القرآنية والنبوية .
ولذلك أدرك الصحابة رضوان الله عليهم هذا اليسر ونفى الضيق في الإسلام فرفض الإمام على الالتزام بسنة الشيخان ، واختلف ابن مسعود مع سيدنا عمر ، وزيد بن ثابت مع ابن عباس ، وسيدنا عمر مع على رضي الله عنهما.
إن هذه النماذج تؤكد أن الصحابة رضوان الله عليهم فهموا أن الإسلام لم يضع تقديسا للاجتهادات البشرية ، ويؤكد ما ذهبنا إليه نموذج عمر رضي الله عنه في حادثة موت النبي "ص" ، حيث يروى ابن عباس أن عمر قال له عندما تولى خلافة المسلمين : (يا ابن عباس هل تدرى ما حملني على مقالتي التي قلت عندما توفى رسول الله "ص" ؟ - " يقصد بذلك حينما قال إن القول بموت النبي "ص" إرجافا من المنافقين " – قال : قلت : لا أدرى يا أمير المؤمنين أنت اعلم . قال : فانه – والله – إن كان الذي حملني على ذلك إلا أنى كنت أقرا هذه الآية ( وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) فو الله إن كنت لا أظن أن رسول الله "ص" سيبقى في أمته حتى يشهد عليها بآخر أعمالها ، فانه الذي حملني على أن قلت ما قلت ) وما يفهم من حديث عمر انه فهم معنى الآية الكريمة بكون شهادة النبي "ص" ستكون في الدنيا ؛ وانه سيبقى حتى يشهد آخر أيام هذه الأمة . وحين اجتهد عمر هذا الاجتهاد وقف الصحابة في وجهه وعلى رأسهم ابوبكر وردوه إلى الصواب فاستجاب وهذا دليل على أن مقياس الحق لا يوزن باجتهاد الرجال ؛ بل بموافقته لقطعيات الوحي والسنة .
إذا فما الذي جعل قدسية القران تتحول إلى الاجتهادات البشرية ؟ وما الذي جعل مقولات كهذه ( كل حديث أو آية تخالف ما عليه نحن وأصحابنا إما مؤول أو منسوخ ) تقال مع وجود اختلاف بين اجتهادات الصحابة أنفسهم " والمقولة منسوبة للأحناف "؟ وما الذي أجهض حقيقة أن القدسية لا تكون إلا لقطعيات الوحي والسنة ؟. ولماذا تم قفل باب الاجتهاد في القرن الرابع الهجري ؟ هل كان قرار قفل باب الاجتهاد سياسيا ؟ الإجابة على هذه الأسئلة سنترك تناولها للمقال القادم بإذن الله لضيق المساحة وسعة الآراء في هذا المجال .
واذكر بان قفل باب الاجتهاد أدى إلى إدخال الفقه الاسلامى في غيبوبة جعلته عاجزا عن حل المشاكل التي واجهت المسلمين في الحقب السابقة، وما زلنا نعيش بعض ترسباتها ، فقبل أيام قليلة اصدر احد الزملاء معنا في الجامعة بيانا أوضح فيه أن شخصه سيقاطع اجتماعيا كل من يدعو إلى العلمانية والماركسية ، وكل من يرفض تحكيم شرع الله ، وفوجئت بان وجدت شخصي ضمن "كفار قريش"!! ومعي آخرون ينتمون إلى مدارس إسلامية لها باع طويل في مجال الدعوة. وما ادهشنى حقا هو أن بيانه تحدث عن ضرورة توطيد العلاقات بين المسلمين ، واحترام أصحاب الأديان الأخرى لاسيما الذين لا يعادون الإسلام . إذا فما موقعنا نحن ؟ أظن أننا من الذين كرر عنهم مقولة احد الكتاب " إن العلمانيين لا يجب مقاطعتهم فحسب ؛ بل مقاتلتهم أيضا " وحسبنا منهم . "حسبنا الله ونعم الوكيل من هذا الفهم".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق