إستقلال السودان بين الإدعاء والجحود!
بقلم / الزبير محمد علي
بقلم / الزبير محمد علي
صحيفة صوت الأمة السودانية - الخميس 31/12/2009
نتنسم هذه الأيام شذي ذكريات إستقلال السودان المجيد، إننا بحاجة إلي هذه النفحات التاريخية حفظاً وتحصيناً لسوداننا الحبيب من براثن التفكك والانهيار.
لقد إعتاد البعض أن يكتب عن الإستقلال بصورة تقليدية، فهو لا يجهد نفسه أكثر من نقل الأحداث من ثنايا الكتب والمذكرات التاريخية .
نحن لسنا بصدد تقييم كتابات الآخرين فلكل كاتب إسلوبه الخاص ، ولكننا أحوج ما نكون إلي تناول الأحداث التاريخية في قوالب جديدة لأن التكرار يات بالملل .
لقد تأملت بحثاً عن الإسلوب الأفضل تناوله لذلك الحدث فلم أجد أجمل وأوفي من حماية الإستقلال من ظاهرتين موجودتين في الوسط الإعلامي :
الأولي : ظاهرة المدَعين لذلك الإنجاز العظيم من غير حق، وإن كان لهؤلاء حق فهو لا يتعدي ضرب الكيتة !علي حد تعبير الأنصاري.
الثانية: ظاهرة الجاحدين الذين ينظرون إلي الأحداث التاريخية بنظارة أكثر سواداً، فإستقلال السودان عندهم هو إستبدال للإستعمار الإنجليزي بإستعمار آخر إسلاموعروبي .
والمؤسف أن التلفزيون القومي هذه الآيام يصَور أصحاب الظاهرة الأولي كأنهم أبطال الإستقلال بينما لا نجد أثراً للذين " قطعوا شجرتا وقتلوا دبيبتا ".
لماذا يحدث ذلك ؟ لماذا يغض الإعلام الرسمي في الحقب الشمولية الطرف عن الأبطال الحقيقيين للإستقلال ؟ أهو الجهل بهؤلاء الأبطال ؟ أم هو العمل من أجل تغيير ذاكرة الأجيال ؟
إن الذي يجب أن يُزجع الكثيرين هو أن الأجيال الجديدة لا تعرف شيئاً عن الأبطال الحقيقيين الذين حققوا الإستقلال بل المُزيَفين، وهم معذرون في ذلك إذا كانت المناهج الدراسية التي يدرسونها تصَور لهم التاريخ بعيون حولاء.
لقد تناقشنا من قبل في منابر النقاش في الجامعات فكانت لغة المدعَين دائماً أن الذي حقق الإستقلال هو الحزب الإتحادي الديمقراطي برئاسة أزهري .
قلنا : وهل أزهري هو من رفع شعار السودان للسودانيين ؟
قالوا: أزهري رفع شعار الوحدة مع مصر ولم يكن ذلك هدفاً بالنسبة له ، بل وسيلة لكسب تضامن الموقف المصري تمهيداً لإخراج المستعمر .
قلنا: هل تظنَون أن رؤوسنا بها قنابير! ؛ إذا كانت مصر هي من مهَد لبريطانيا إستعمار السودان ، فهل تستطيع أن تناضل من أجل إخراجهم ؟
قالوا: ولكن الموقف المصري تغير بعد ثورة 1919 ، فقد كان الضباط والموظفون المصريون يبثون الروح المعنوية لدي الجنود السودانيين؛ وهذا مؤشر لوقوفهم ضد الإنجليز .
قلنا: نعم لقد تغير الموقف المصري بعد ثورة 1919تغيراً جُزئيا، ولكن في المقابل أليست مصر هي من تخلت عن مسؤليتها تجاه جمعية اللواء الأبيض في عام 1924 ؟ في الوقت الذي إلتزمت فيه بدعمهم .
إن موقف مصر المتخاذل إزاء ثورة 1924 بعد مقتل السيرلي ستاك في مصر، هو الذي جعل بعض المؤمنين بالوحدة يكفرون بها في وقتٍ مبكر.
لقد كان الشاعر العبادي مؤمناً بالوحدة مع مصر حتي النخاع، فلمَا أنسحب الجيش المصري بعد تهديدات الإنجليز التي أعقبت مقتل السير لي ستاك، كفر بالوحدة المزعومة وأنشد الأبيات التالية :
حواة النيل حديثكم كان سمر وادينا
بيحيا ويعيش أحمد فؤاد نادينا
حبل الوحدة مديتوا وكت شدينا
فكيتوا لقينا الدابي في إيدينا
لقد كان هذا الموقف كافياً لإقناع تيار الوحدة مع مصر في وقتٍ مبكر بأن مصر لا تستطيع أن تُقدم شيئاً للسودانيين إلا مقابل الوحدة تحت التاج المصري.
ثم إذا كنتم صادقون في دعوتكم إلي الإستقلال كموقف مبدئي؛ فما الذي أدي إذاً إلي إنشقاق مؤتمر الخريجين ؟
أليس السبب في ذلك مذكرة المؤتمر التي طالبت بالحكم الذاتي ؟
إن موقف الإتحاديين إزاء دعم مشروع الوحدة مع مصر لا يحتاج إلي أدلة، فقد عمل هؤلاء طوال حياتهم السياسية قبل الإستقلال من أجل ذلك المشروع بكل إخلاص وعزيمة!، وليس هنالك ما يُبرر تنصل البعض منهم عن هذا الموقف .
صحيح أن تيار الوحدة مع مصر تبني مؤخراً شعار الإستقلال، ولكن لم يحدث ذلك إلا في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي عندما حدث التقارب بين الأنصار والختمية، وأتفقتا علي طرح فكرة تقرير المصير في الأمم المتحدة.
قالوا: إذا لم يكن شعارالإستقلال مبدئياً لدينا فما الذي جعلنا نوافق عليه؟
قلنا: إن تبني شعار الإستقلال من قبل تيار الوحدة مع مصر فرضته ظروف التنافس يبن الختمية والإتحاديين، وعززته تغير القيادة المصرية بعد ثورة يوليو، وعمَقته بصورة أكبر قوة وشراسة التيار الإستقلالي بقيادة حزب الأمة.
سُئل أحد الإتحاديين في ورشة فكرية عن معني الوطنية ؟ فقال : الوطنية تعني أن تحب بلدك كما يحب المصريون بلدهم!.
فيا أولاد ماما مصر! لما تقولون ما لا تفعلون، تتبنون مواقف الخصم بعدما تلعنوها وتنسبونها إليكم !.
إن إيثار الإمام عبد الرحمن والاستقلاليين ووطنيتهم الزائدة هي التي أدت إلي نمو صيحات المدعَين للإستقلال بغير وجه حق .
وفي إتجاه آخر قال البعض إن السودان لم يحقق إستقلاله إلا بعد عام 2005 ؟
قلنا: فما الذي حدث إذاً في يوم 19/12/1955 ؟ وما جدوي الإحتفال بيوم 1/1/1956 ؟
قالوا: إنه إستبدال للإستعمار الإنجليزي بإستعمار آخر إسلاموعروبي !
قلنا: فلنتفق إذاً علي منهج تحليلي للتاريخ، هل من الصواب إختياركم لمنهج تحليل يقَيم الأحداث التي حصلت في منتصف القرن العشرين بعقلية جيل القرن الواحد وعشرين ؟ ولنطرح السؤال بشكل أكثر وضوحاً، هل كان رأي نواب الجنوب في برلمان الإستقلال أن الحكم الذاتي هو إستبدال للإستعمار الإنجليزي بإستعمار آخر إسلاموعروبي ؟ نسأل هذه الأسئلة لأن التحليل يجب أن يراعي تبدل الحال، وتغير الأجيال.
لقد أدلي نواب الجنوب بآرأئهم في برلمان الأستقلال قال فيلمن مجوك النائب عن دائرة يرول (إن إقتراح الحكم الذاتي سيفتح صفحةً جديدة في تاريخ السودان الحديث) وذكر السيد بوث ديو – نائب عن دائرة وادي الزراف – قوله ( نحن السودانيين سنضرب الآن آخر مسمار في نعش السيطرة الأجنبية ) وأضاف قائلاً ( إن الأقطار المجاورة قد تطمع في إعادة ما فعلناه ).
إذا قولكم مردود بشهادة نواب الجنوب في برلمان الإستقلال.
قالوا: إن أكبر دليل علي صدق موقفنا هو التمرد الذي قامت به حامية الإستوائية في أغسطس عام 1955.
قلنا: ولكن تمرد توريت لم يكن سببه ما ذهبتم إليه من تحليل ، فحامية الإستوائية كانت مُعدة أصلاً للنقل إلي الخرطوم للمشاركة في العرض العسكري الخاص بإحتفالات جلاء القوات الأجنبية.
إن الذي روج لمقولة ( أن الإستقلال يُفضي إلي إستعمار الشمال للجنوب ) هم الأنجليز؛ حيث سخَروا طاقاتهم من أجل وضع المتاريس في طريق الوحدة بين الشمال والجنوب.
وهذا ما توصل إليه تقرير اللجنة القضائية الخاصة بالتحقيق في أحداث توريت برئاسة القاضي الفلسطيني توفيق قطران.
لقد أوضح التقرير أن هدف السياسة الإستعمارية في الجنوب هي إنشاء سلسلة من الوحدات القبلية والعرقية القائمة بذاتها،علي أن يكون قوام النظام فيها مرتكزاً علي العادات والتقاليد والمعتقدات، وقد شددت تلك السياسة علي أهمية الرقابة علي هجرة التجار الشماليين إلي الجنوب، كما وُجهت تعليمات إلي الموظفين بضرورة التخاطب باللغة الإنجليزية عندما ينعدم التفاهم باللغات المحلية.
وقد ترتب علي تنفيذ هذه السياسة عملياً - بحسب التقرير- الأتي :
1 ـ نقل جميع الموظفين الشماليين الذين كانوا يعملون بالجنوب من اداريين وفنيين وكتبة للشمال.
2 ـ حرمان التجار الشماليين الذين كانوا بالجنوب من رخص مزاولة تجارتهم.
3 ـ اجلاء المسلمين الشماليين من مواطنهم وترحيلهم للشمال.
4 ـ منع إنتشارالديانة الاسلامية.
5 ـ الغاء تدريس اللغة العربية كمادة في المدارس.
فيا دعاة السودان الجديد إقرءوا التاريخ بعقول مفتوحة دون أن يكون لديكم رأياً مسبقاً فيه، ودون صبغ قرءاتكم بلونٍ أيدلوجي، ودون النظر إلي الاحداث بنظارة أفروعلمانية.
إن إدانتنا لهذا النوع من التحليل ينبع من كون وقوفه عائقاً في طريق الوحدة بين الشمال والجنوب، مثلما يقف مشروع الإنقاذ الخفي الذي يقوده الطيب مصطفي – صاحب الغفلة في زمن الإنتباهة!- في وجه كل من يحلم بوحدة تراب هذا الوطن.
فمثلما ترددون أنكم لا تريدون الوحدة تحت شروط الصفوة الإسلاموعروبية – وهذا حقكم – فنحن بدورنا أيضاً نرفض أي محاولة لتبديل الهوية السودانية بهوية أفروعلمانية وتحليلكم هذا هو مقدمة لتلك الهوية الجديدة.
وأحسب أن هذا الطرح الذي أوردته له مؤيدون من النخبة الجنوبية وله رافضون، كما أن إستمرار الوحدة تحت شروط الصفوة الإسلاموعروبية – كما يسميها البعض – لها أيضاً مؤيدون في الشمال وهم الغافلون في زمن الإنتباهة! ولها رافضون وهم تيار السودان العريض.
إن تسليم الساحة الفكرية لتياري الهيمنة ( الإسلاموعروبية – والأفروعلمانية ) سوف يجعل وحدة السودان في خبر كان!.
ولتجنب ذلك لابد من إحداث نقلة سياسية تهمَش دور هؤلاء، وتُحدث تحالفاً بين دعاة السودان العريض والعقلاء من النخبة الجنوبية.
وهنا ياتي دور تحالف جوبا للقيام بهذه المهمة، لاجرم أن الشماليين والجنوبيين الآن أصبحوا في خندقٍ واحد.
فإذا إستطعنا القيام بهذه المهمة نكون قد أوفينا بذمتنا للأجيال القادمة، وحفظنا وصية الأجيال السابقة الذين فتئوا يؤكدون:
جدودنا زمان وصونا على الوطن
نتنسم هذه الأيام شذي ذكريات إستقلال السودان المجيد، إننا بحاجة إلي هذه النفحات التاريخية حفظاً وتحصيناً لسوداننا الحبيب من براثن التفكك والانهيار.
لقد إعتاد البعض أن يكتب عن الإستقلال بصورة تقليدية، فهو لا يجهد نفسه أكثر من نقل الأحداث من ثنايا الكتب والمذكرات التاريخية .
نحن لسنا بصدد تقييم كتابات الآخرين فلكل كاتب إسلوبه الخاص ، ولكننا أحوج ما نكون إلي تناول الأحداث التاريخية في قوالب جديدة لأن التكرار يات بالملل .
لقد تأملت بحثاً عن الإسلوب الأفضل تناوله لذلك الحدث فلم أجد أجمل وأوفي من حماية الإستقلال من ظاهرتين موجودتين في الوسط الإعلامي :
الأولي : ظاهرة المدَعين لذلك الإنجاز العظيم من غير حق، وإن كان لهؤلاء حق فهو لا يتعدي ضرب الكيتة !علي حد تعبير الأنصاري.
الثانية: ظاهرة الجاحدين الذين ينظرون إلي الأحداث التاريخية بنظارة أكثر سواداً، فإستقلال السودان عندهم هو إستبدال للإستعمار الإنجليزي بإستعمار آخر إسلاموعروبي .
والمؤسف أن التلفزيون القومي هذه الآيام يصَور أصحاب الظاهرة الأولي كأنهم أبطال الإستقلال بينما لا نجد أثراً للذين " قطعوا شجرتا وقتلوا دبيبتا ".
لماذا يحدث ذلك ؟ لماذا يغض الإعلام الرسمي في الحقب الشمولية الطرف عن الأبطال الحقيقيين للإستقلال ؟ أهو الجهل بهؤلاء الأبطال ؟ أم هو العمل من أجل تغيير ذاكرة الأجيال ؟
إن الذي يجب أن يُزجع الكثيرين هو أن الأجيال الجديدة لا تعرف شيئاً عن الأبطال الحقيقيين الذين حققوا الإستقلال بل المُزيَفين، وهم معذرون في ذلك إذا كانت المناهج الدراسية التي يدرسونها تصَور لهم التاريخ بعيون حولاء.
لقد تناقشنا من قبل في منابر النقاش في الجامعات فكانت لغة المدعَين دائماً أن الذي حقق الإستقلال هو الحزب الإتحادي الديمقراطي برئاسة أزهري .
قلنا : وهل أزهري هو من رفع شعار السودان للسودانيين ؟
قالوا: أزهري رفع شعار الوحدة مع مصر ولم يكن ذلك هدفاً بالنسبة له ، بل وسيلة لكسب تضامن الموقف المصري تمهيداً لإخراج المستعمر .
قلنا: هل تظنَون أن رؤوسنا بها قنابير! ؛ إذا كانت مصر هي من مهَد لبريطانيا إستعمار السودان ، فهل تستطيع أن تناضل من أجل إخراجهم ؟
قالوا: ولكن الموقف المصري تغير بعد ثورة 1919 ، فقد كان الضباط والموظفون المصريون يبثون الروح المعنوية لدي الجنود السودانيين؛ وهذا مؤشر لوقوفهم ضد الإنجليز .
قلنا: نعم لقد تغير الموقف المصري بعد ثورة 1919تغيراً جُزئيا، ولكن في المقابل أليست مصر هي من تخلت عن مسؤليتها تجاه جمعية اللواء الأبيض في عام 1924 ؟ في الوقت الذي إلتزمت فيه بدعمهم .
إن موقف مصر المتخاذل إزاء ثورة 1924 بعد مقتل السيرلي ستاك في مصر، هو الذي جعل بعض المؤمنين بالوحدة يكفرون بها في وقتٍ مبكر.
لقد كان الشاعر العبادي مؤمناً بالوحدة مع مصر حتي النخاع، فلمَا أنسحب الجيش المصري بعد تهديدات الإنجليز التي أعقبت مقتل السير لي ستاك، كفر بالوحدة المزعومة وأنشد الأبيات التالية :
حواة النيل حديثكم كان سمر وادينا
بيحيا ويعيش أحمد فؤاد نادينا
حبل الوحدة مديتوا وكت شدينا
فكيتوا لقينا الدابي في إيدينا
لقد كان هذا الموقف كافياً لإقناع تيار الوحدة مع مصر في وقتٍ مبكر بأن مصر لا تستطيع أن تُقدم شيئاً للسودانيين إلا مقابل الوحدة تحت التاج المصري.
ثم إذا كنتم صادقون في دعوتكم إلي الإستقلال كموقف مبدئي؛ فما الذي أدي إذاً إلي إنشقاق مؤتمر الخريجين ؟
أليس السبب في ذلك مذكرة المؤتمر التي طالبت بالحكم الذاتي ؟
إن موقف الإتحاديين إزاء دعم مشروع الوحدة مع مصر لا يحتاج إلي أدلة، فقد عمل هؤلاء طوال حياتهم السياسية قبل الإستقلال من أجل ذلك المشروع بكل إخلاص وعزيمة!، وليس هنالك ما يُبرر تنصل البعض منهم عن هذا الموقف .
صحيح أن تيار الوحدة مع مصر تبني مؤخراً شعار الإستقلال، ولكن لم يحدث ذلك إلا في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي عندما حدث التقارب بين الأنصار والختمية، وأتفقتا علي طرح فكرة تقرير المصير في الأمم المتحدة.
قالوا: إذا لم يكن شعارالإستقلال مبدئياً لدينا فما الذي جعلنا نوافق عليه؟
قلنا: إن تبني شعار الإستقلال من قبل تيار الوحدة مع مصر فرضته ظروف التنافس يبن الختمية والإتحاديين، وعززته تغير القيادة المصرية بعد ثورة يوليو، وعمَقته بصورة أكبر قوة وشراسة التيار الإستقلالي بقيادة حزب الأمة.
سُئل أحد الإتحاديين في ورشة فكرية عن معني الوطنية ؟ فقال : الوطنية تعني أن تحب بلدك كما يحب المصريون بلدهم!.
فيا أولاد ماما مصر! لما تقولون ما لا تفعلون، تتبنون مواقف الخصم بعدما تلعنوها وتنسبونها إليكم !.
إن إيثار الإمام عبد الرحمن والاستقلاليين ووطنيتهم الزائدة هي التي أدت إلي نمو صيحات المدعَين للإستقلال بغير وجه حق .
وفي إتجاه آخر قال البعض إن السودان لم يحقق إستقلاله إلا بعد عام 2005 ؟
قلنا: فما الذي حدث إذاً في يوم 19/12/1955 ؟ وما جدوي الإحتفال بيوم 1/1/1956 ؟
قالوا: إنه إستبدال للإستعمار الإنجليزي بإستعمار آخر إسلاموعروبي !
قلنا: فلنتفق إذاً علي منهج تحليلي للتاريخ، هل من الصواب إختياركم لمنهج تحليل يقَيم الأحداث التي حصلت في منتصف القرن العشرين بعقلية جيل القرن الواحد وعشرين ؟ ولنطرح السؤال بشكل أكثر وضوحاً، هل كان رأي نواب الجنوب في برلمان الإستقلال أن الحكم الذاتي هو إستبدال للإستعمار الإنجليزي بإستعمار آخر إسلاموعروبي ؟ نسأل هذه الأسئلة لأن التحليل يجب أن يراعي تبدل الحال، وتغير الأجيال.
لقد أدلي نواب الجنوب بآرأئهم في برلمان الأستقلال قال فيلمن مجوك النائب عن دائرة يرول (إن إقتراح الحكم الذاتي سيفتح صفحةً جديدة في تاريخ السودان الحديث) وذكر السيد بوث ديو – نائب عن دائرة وادي الزراف – قوله ( نحن السودانيين سنضرب الآن آخر مسمار في نعش السيطرة الأجنبية ) وأضاف قائلاً ( إن الأقطار المجاورة قد تطمع في إعادة ما فعلناه ).
إذا قولكم مردود بشهادة نواب الجنوب في برلمان الإستقلال.
قالوا: إن أكبر دليل علي صدق موقفنا هو التمرد الذي قامت به حامية الإستوائية في أغسطس عام 1955.
قلنا: ولكن تمرد توريت لم يكن سببه ما ذهبتم إليه من تحليل ، فحامية الإستوائية كانت مُعدة أصلاً للنقل إلي الخرطوم للمشاركة في العرض العسكري الخاص بإحتفالات جلاء القوات الأجنبية.
إن الذي روج لمقولة ( أن الإستقلال يُفضي إلي إستعمار الشمال للجنوب ) هم الأنجليز؛ حيث سخَروا طاقاتهم من أجل وضع المتاريس في طريق الوحدة بين الشمال والجنوب.
وهذا ما توصل إليه تقرير اللجنة القضائية الخاصة بالتحقيق في أحداث توريت برئاسة القاضي الفلسطيني توفيق قطران.
لقد أوضح التقرير أن هدف السياسة الإستعمارية في الجنوب هي إنشاء سلسلة من الوحدات القبلية والعرقية القائمة بذاتها،علي أن يكون قوام النظام فيها مرتكزاً علي العادات والتقاليد والمعتقدات، وقد شددت تلك السياسة علي أهمية الرقابة علي هجرة التجار الشماليين إلي الجنوب، كما وُجهت تعليمات إلي الموظفين بضرورة التخاطب باللغة الإنجليزية عندما ينعدم التفاهم باللغات المحلية.
وقد ترتب علي تنفيذ هذه السياسة عملياً - بحسب التقرير- الأتي :
1 ـ نقل جميع الموظفين الشماليين الذين كانوا يعملون بالجنوب من اداريين وفنيين وكتبة للشمال.
2 ـ حرمان التجار الشماليين الذين كانوا بالجنوب من رخص مزاولة تجارتهم.
3 ـ اجلاء المسلمين الشماليين من مواطنهم وترحيلهم للشمال.
4 ـ منع إنتشارالديانة الاسلامية.
5 ـ الغاء تدريس اللغة العربية كمادة في المدارس.
فيا دعاة السودان الجديد إقرءوا التاريخ بعقول مفتوحة دون أن يكون لديكم رأياً مسبقاً فيه، ودون صبغ قرءاتكم بلونٍ أيدلوجي، ودون النظر إلي الاحداث بنظارة أفروعلمانية.
إن إدانتنا لهذا النوع من التحليل ينبع من كون وقوفه عائقاً في طريق الوحدة بين الشمال والجنوب، مثلما يقف مشروع الإنقاذ الخفي الذي يقوده الطيب مصطفي – صاحب الغفلة في زمن الإنتباهة!- في وجه كل من يحلم بوحدة تراب هذا الوطن.
فمثلما ترددون أنكم لا تريدون الوحدة تحت شروط الصفوة الإسلاموعروبية – وهذا حقكم – فنحن بدورنا أيضاً نرفض أي محاولة لتبديل الهوية السودانية بهوية أفروعلمانية وتحليلكم هذا هو مقدمة لتلك الهوية الجديدة.
وأحسب أن هذا الطرح الذي أوردته له مؤيدون من النخبة الجنوبية وله رافضون، كما أن إستمرار الوحدة تحت شروط الصفوة الإسلاموعروبية – كما يسميها البعض – لها أيضاً مؤيدون في الشمال وهم الغافلون في زمن الإنتباهة! ولها رافضون وهم تيار السودان العريض.
إن تسليم الساحة الفكرية لتياري الهيمنة ( الإسلاموعروبية – والأفروعلمانية ) سوف يجعل وحدة السودان في خبر كان!.
ولتجنب ذلك لابد من إحداث نقلة سياسية تهمَش دور هؤلاء، وتُحدث تحالفاً بين دعاة السودان العريض والعقلاء من النخبة الجنوبية.
وهنا ياتي دور تحالف جوبا للقيام بهذه المهمة، لاجرم أن الشماليين والجنوبيين الآن أصبحوا في خندقٍ واحد.
فإذا إستطعنا القيام بهذه المهمة نكون قد أوفينا بذمتنا للأجيال القادمة، وحفظنا وصية الأجيال السابقة الذين فتئوا يؤكدون:
جدودنا زمان وصونا على الوطن
على التراب الغالي الما ليهو تمن
نحن حافظين للوصية
جوه في قلوبنا الوفية
ذكراهم بتلهمناوتشجينا بعزيمة قوية
وإذا فشلنا في تحقيقه فقد خُنَا وصية الأجداد وأستحقينا لعنة الأجيال القادمة.
وإذا فشلنا في تحقيقه فقد خُنَا وصية الأجداد وأستحقينا لعنة الأجيال القادمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق