الأربعاء، 30 ديسمبر 2009

إستقلال السودان بين الإدعاء والجحود!
بقلم / الزبير محمد علي
صحيفة صوت الأمة السودانية - الخميس 31/12/2009
نتنسم هذه الأيام شذي ذكريات إستقلال السودان المجيد، إننا بحاجة إلي هذه النفحات التاريخية حفظاً وتحصيناً لسوداننا الحبيب من براثن التفكك والانهيار.
لقد إعتاد البعض أن يكتب عن الإستقلال بصورة تقليدية، فهو لا يجهد نفسه أكثر من نقل الأحداث من ثنايا الكتب والمذكرات التاريخية .
نحن لسنا بصدد تقييم كتابات الآخرين فلكل كاتب إسلوبه الخاص ، ولكننا أحوج ما نكون إلي تناول الأحداث التاريخية في قوالب جديدة لأن التكرار يات بالملل .
لقد تأملت بحثاً عن الإسلوب الأفضل تناوله لذلك الحدث فلم أجد أجمل وأوفي من حماية الإستقلال من ظاهرتين موجودتين في الوسط الإعلامي :
الأولي : ظاهرة المدَعين لذلك الإنجاز العظيم من غير حق، وإن كان لهؤلاء حق فهو لا يتعدي ضرب الكيتة !علي حد تعبير الأنصاري.
الثانية: ظاهرة الجاحدين الذين ينظرون إلي الأحداث التاريخية بنظارة أكثر سواداً، فإستقلال السودان عندهم هو إستبدال للإستعمار الإنجليزي بإستعمار آخر إسلاموعروبي .
والمؤسف أن التلفزيون القومي هذه الآيام يصَور أصحاب الظاهرة الأولي كأنهم أبطال الإستقلال بينما لا نجد أثراً للذين " قطعوا شجرتا وقتلوا دبيبتا ".
لماذا يحدث ذلك ؟ لماذا يغض الإعلام الرسمي في الحقب الشمولية الطرف عن الأبطال الحقيقيين للإستقلال ؟ أهو الجهل بهؤلاء الأبطال ؟ أم هو العمل من أجل تغيير ذاكرة الأجيال ؟
إن الذي يجب أن يُزجع الكثيرين هو أن الأجيال الجديدة لا تعرف شيئاً عن الأبطال الحقيقيين الذين حققوا الإستقلال بل المُزيَفين، وهم معذرون في ذلك إذا كانت المناهج الدراسية التي يدرسونها تصَور لهم التاريخ بعيون حولاء.
لقد تناقشنا من قبل في منابر النقاش في الجامعات فكانت لغة المدعَين دائماً أن الذي حقق الإستقلال هو الحزب الإتحادي الديمقراطي برئاسة أزهري .
قلنا : وهل أزهري هو من رفع شعار السودان للسودانيين ؟
قالوا: أزهري رفع شعار الوحدة مع مصر ولم يكن ذلك هدفاً بالنسبة له ، بل وسيلة لكسب تضامن الموقف المصري تمهيداً لإخراج المستعمر .
قلنا: هل تظنَون أن رؤوسنا بها قنابير! ؛ إذا كانت مصر هي من مهَد لبريطانيا إستعمار السودان ، فهل تستطيع أن تناضل من أجل إخراجهم ؟
قالوا: ولكن الموقف المصري تغير بعد ثورة 1919 ، فقد كان الضباط والموظفون المصريون يبثون الروح المعنوية لدي الجنود السودانيين؛ وهذا مؤشر لوقوفهم ضد الإنجليز .
قلنا: نعم لقد تغير الموقف المصري بعد ثورة 1919تغيراً جُزئيا، ولكن في المقابل أليست مصر هي من تخلت عن مسؤليتها تجاه جمعية اللواء الأبيض في عام 1924 ؟ في الوقت الذي إلتزمت فيه بدعمهم .
إن موقف مصر المتخاذل إزاء ثورة 1924 بعد مقتل السيرلي ستاك في مصر، هو الذي جعل بعض المؤمنين بالوحدة يكفرون بها في وقتٍ مبكر.
لقد كان الشاعر العبادي مؤمناً بالوحدة مع مصر حتي النخاع، فلمَا أنسحب الجيش المصري بعد تهديدات الإنجليز التي أعقبت مقتل السير لي ستاك، كفر بالوحدة المزعومة وأنشد الأبيات التالية :
حواة النيل حديثكم كان سمر وادينا
بيحيا ويعيش أحمد فؤاد نادينا
حبل الوحدة مديتوا وكت شدينا
فكيتوا لقينا الدابي في إيدينا
لقد كان هذا الموقف كافياً لإقناع تيار الوحدة مع مصر في وقتٍ مبكر بأن مصر لا تستطيع أن تُقدم شيئاً للسودانيين إلا مقابل الوحدة تحت التاج المصري.
ثم إذا كنتم صادقون في دعوتكم إلي الإستقلال كموقف مبدئي؛ فما الذي أدي إذاً إلي إنشقاق مؤتمر الخريجين ؟
أليس السبب في ذلك مذكرة المؤتمر التي طالبت بالحكم الذاتي ؟
إن موقف الإتحاديين إزاء دعم مشروع الوحدة مع مصر لا يحتاج إلي أدلة، فقد عمل هؤلاء طوال حياتهم السياسية قبل الإستقلال من أجل ذلك المشروع بكل إخلاص وعزيمة!، وليس هنالك ما يُبرر تنصل البعض منهم عن هذا الموقف .
صحيح أن تيار الوحدة مع مصر تبني مؤخراً شعار الإستقلال، ولكن لم يحدث ذلك إلا في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي عندما حدث التقارب بين الأنصار والختمية، وأتفقتا علي طرح فكرة تقرير المصير في الأمم المتحدة.
قالوا: إذا لم يكن شعارالإستقلال مبدئياً لدينا فما الذي جعلنا نوافق عليه؟
قلنا: إن تبني شعار الإستقلال من قبل تيار الوحدة مع مصر فرضته ظروف التنافس يبن الختمية والإتحاديين، وعززته تغير القيادة المصرية بعد ثورة يوليو، وعمَقته بصورة أكبر قوة وشراسة التيار الإستقلالي بقيادة حزب الأمة.
سُئل أحد الإتحاديين في ورشة فكرية عن معني الوطنية ؟ فقال : الوطنية تعني أن تحب بلدك كما يحب المصريون بلدهم!.
فيا أولاد ماما مصر! لما تقولون ما لا تفعلون، تتبنون مواقف الخصم بعدما تلعنوها وتنسبونها إليكم !.
إن إيثار الإمام عبد الرحمن والاستقلاليين ووطنيتهم الزائدة هي التي أدت إلي نمو صيحات المدعَين للإستقلال بغير وجه حق .
وفي إتجاه آخر قال البعض إن السودان لم يحقق إستقلاله إلا بعد عام 2005 ؟
قلنا: فما الذي حدث إذاً في يوم 19/12/1955 ؟ وما جدوي الإحتفال بيوم 1/1/1956 ؟
قالوا: إنه إستبدال للإستعمار الإنجليزي بإستعمار آخر إسلاموعروبي !
قلنا: فلنتفق إذاً علي منهج تحليلي للتاريخ، هل من الصواب إختياركم لمنهج تحليل يقَيم الأحداث التي حصلت في منتصف القرن العشرين بعقلية جيل القرن الواحد وعشرين ؟ ولنطرح السؤال بشكل أكثر وضوحاً، هل كان رأي نواب الجنوب في برلمان الإستقلال أن الحكم الذاتي هو إستبدال للإستعمار الإنجليزي بإستعمار آخر إسلاموعروبي ؟ نسأل هذه الأسئلة لأن التحليل يجب أن يراعي تبدل الحال، وتغير الأجيال.
لقد أدلي نواب الجنوب بآرأئهم في برلمان الأستقلال قال فيلمن مجوك النائب عن دائرة يرول (إن إقتراح الحكم الذاتي سيفتح صفحةً جديدة في تاريخ السودان الحديث) وذكر السيد بوث ديو – نائب عن دائرة وادي الزراف – قوله ( نحن السودانيين سنضرب الآن آخر مسمار في نعش السيطرة الأجنبية ) وأضاف قائلاً ( إن الأقطار المجاورة قد تطمع في إعادة ما فعلناه ).
إذا قولكم مردود بشهادة نواب الجنوب في برلمان الإستقلال.
قالوا: إن أكبر دليل علي صدق موقفنا هو التمرد الذي قامت به حامية الإستوائية في أغسطس عام 1955.
قلنا: ولكن تمرد توريت لم يكن سببه ما ذهبتم إليه من تحليل ، فحامية الإستوائية كانت مُعدة أصلاً للنقل إلي الخرطوم للمشاركة في العرض العسكري الخاص بإحتفالات جلاء القوات الأجنبية.
إن الذي روج لمقولة ( أن الإستقلال يُفضي إلي إستعمار الشمال للجنوب ) هم الأنجليز؛ حيث سخَروا طاقاتهم من أجل وضع المتاريس في طريق الوحدة بين الشمال والجنوب.
وهذا ما توصل إليه تقرير اللجنة القضائية الخاصة بالتحقيق في أحداث توريت برئاسة القاضي الفلسطيني توفيق قطران.
لقد أوضح التقرير أن هدف السياسة الإستعمارية في الجنوب هي إنشاء سلسلة من الوحدات القبلية والعرقية القائمة بذاتها،علي أن يكون قوام النظام فيها مرتكزاً علي العادات والتقاليد والمعتقدات، وقد شددت تلك السياسة علي أهمية الرقابة علي هجرة التجار الشماليين إلي الجنوب، كما وُجهت تعليمات إلي الموظفين بضرورة التخاطب باللغة الإنجليزية عندما ينعدم التفاهم باللغات المحلية.
وقد ترتب علي تنفيذ هذه السياسة عملياً - بحسب التقرير- الأتي :
1 ـ نقل جميع الموظفين الشماليين الذين كانوا يعملون بالجنوب من اداريين وفنيين وكتبة للشمال.
2 ـ حرمان التجار الشماليين الذين كانوا بالجنوب من رخص مزاولة تجارتهم.
3 ـ اجلاء المسلمين الشماليين من مواطنهم وترحيلهم للشمال.
4 ـ منع إنتشارالديانة الاسلامية.
5 ـ الغاء تدريس اللغة العربية كمادة في المدارس.
فيا دعاة السودان الجديد إقرءوا التاريخ بعقول مفتوحة دون أن يكون لديكم رأياً مسبقاً فيه، ودون صبغ قرءاتكم بلونٍ أيدلوجي، ودون النظر إلي الاحداث بنظارة أفروعلمانية.
إن إدانتنا لهذا النوع من التحليل ينبع من كون وقوفه عائقاً في طريق الوحدة بين الشمال والجنوب، مثلما يقف مشروع الإنقاذ الخفي الذي يقوده الطيب مصطفي – صاحب الغفلة في زمن الإنتباهة!- في وجه كل من يحلم بوحدة تراب هذا الوطن.
فمثلما ترددون أنكم لا تريدون الوحدة تحت شروط الصفوة الإسلاموعروبية – وهذا حقكم – فنحن بدورنا أيضاً نرفض أي محاولة لتبديل الهوية السودانية بهوية أفروعلمانية وتحليلكم هذا هو مقدمة لتلك الهوية الجديدة.
وأحسب أن هذا الطرح الذي أوردته له مؤيدون من النخبة الجنوبية وله رافضون، كما أن إستمرار الوحدة تحت شروط الصفوة الإسلاموعروبية – كما يسميها البعض – لها أيضاً مؤيدون في الشمال وهم الغافلون في زمن الإنتباهة! ولها رافضون وهم تيار السودان العريض.
إن تسليم الساحة الفكرية لتياري الهيمنة ( الإسلاموعروبية – والأفروعلمانية ) سوف يجعل وحدة السودان في خبر كان!.
ولتجنب ذلك لابد من إحداث نقلة سياسية تهمَش دور هؤلاء، وتُحدث تحالفاً بين دعاة السودان العريض والعقلاء من النخبة الجنوبية.
وهنا ياتي دور تحالف جوبا للقيام بهذه المهمة، لاجرم أن الشماليين والجنوبيين الآن أصبحوا في خندقٍ واحد.
فإذا إستطعنا القيام بهذه المهمة نكون قد أوفينا بذمتنا للأجيال القادمة، وحفظنا وصية الأجيال السابقة الذين فتئوا يؤكدون:
جدودنا زمان وصونا على الوطن
على التراب الغالي الما ليهو تمن
نحن حافظين للوصية
جوه في قلوبنا الوفية
ذكراهم بتلهمناوتشجينا بعزيمة قوية
وإذا فشلنا في تحقيقه فقد خُنَا وصية الأجداد وأستحقينا لعنة الأجيال القادمة.

الجمعة، 25 ديسمبر 2009


العنف ضد المرأة ، وبعض المسكوت عنه !
بقلم / الزبير محمد علي
صحيفة صوت الأمة السودانية
دعتني الأستاذة أم سلمة الصادق إلي حضور الندوة التي حملت عنوان (العنف ضد المرأة) والتي أقيمت في قاعة اتحاد المصارف في يوم الأربعاء الموافق التاسع من ديسمبر من هذا العام.
لقد كانت أمنيتي أن أكون ضمن الحضور ؛ ذلك أن الندوة حملت عنواناً حساساً
يحتاج من الجميع المساهمة لتجفيف منابع الإعتداء علي حواء.
ولكن لظروف قاهرة لم أتمكن من الحضور ؛ لذلك رأيت أن أعوض غيابي عن الندوة بتناول هذا الموضوع في خُطبة الجمعة وقد كان.
وفي تصوري أن خُطبة الجمعة لها تاثير عميق في نفوس المصليين ؛ ذلك أنها تمثل حلقة إتصال مباشر مع الناس وبصورة دورية.
ولكن كما يعلم القارئ أن تناول قضايا المرأة في مساجد شعبية يُعد من البدع إلا إذا تحدث الخطيب عن المرأة برؤية سلفية.
وأذكر أنني قبل عامين عزمت الحديث عن ظاهرة ختان الإناث ، فسألني أحد المقربين عن موضوع الخُطبة . قلت له – وليتني لم أقل – ( أنني عزمت التحدث في موضوع ختان الإناث ) فزجرني قائلاً : " يا ولد إنت قليل أدب ولا شنو !، داير الناس يقولوا مراهق جديد! ).
والمدهش أنه أستاذ وداعية إسلامي ، ولكن مع ذلك ترأه متأثراً بالموجة العامة للمجتمع تحت شعار " هذه قضايا مسكوت عنها"!.
ولكن في قاموسنا الإسلامي لا توجد قضايا مسكوت عنها ، فتعاليم الإسلام شملت حتي أدب النكاح! ولم يستح نبي الرحمة صلي الله عليه وسلم ولا أم المؤمنين عائشة عن الخوض فيها.
ولكن لندع كل هذا جانباً حتي لا ننصرف عن موضوعنا الأساسي ؛ فإن أول مدخل للحديث عن ظاهرة العنف ضد المرأة هو أنها ظاهرة لا تخص مجتمعاً محدداً ، ولا ثقافةً بعينها ؛ وإنما هي ظاهرة عامة في كل المجتمعات المدنية والريفية ، الغنية والفقيرة وإليك بيان ذلك :
- في الشرق الأوسط 47% من النساء في الأردن يتعرضن للضرب بصورة دائمة.
- في الشرق الأقصي 8 من 10 نساء في الهند هنَ ضحايا للعنف .
- في أفريقيا تتعرض يومياً 1411 من النساء في جنوب أفريقيا للإغتصاب.
- في أوربا 95% من النساء في فرنسا هنَ ضحايا للعنف.
- في الولايات المتحدة 85% من النساء هنَ ضحايا العنف المنزلي.
إذاً العنف هو سلوك عدواني غير مرتبط بجغرافيا أو إيديولوجيا ، وقد عرَف قرار الأمم المتحدة 54/143( أن العنف ضد المرأة هو مظهر لعلاقات قوي غير متكافئة بين الرجل والمرأة عبر التاريخ أدت إلي هيمنة الرجل علي المرأة ، وممارسته التمييز ضدها والحيلولة دون نهوضها بالكامل ، وأن العنف ضد المرأة هو من الأليات الإجتماعية التي تُفرض بها علي المرأة وضعية التبعية للرجل).
إنها كارثة عصرية توجب التصدي لها بكافة الوسائل المتاحة من إعلام ، ومناهج تعليمية ، وتشريع قانوني ، وغيرها من الوسائل . ولكي نجد الروشتة العلاجية المناسبة لابد من تحديد مظاهر العنف ضد المرأة في مجتمعنا السوداني وهي كالأتي :
المظهر الأول : العنف الجنسي ويشمل الإغتصاب والتحرش ، وإكراه المرأة علي الفراش وقد تحدث تقرير الأمين العام للأمم المتحدة عن دارفور لعام 2009 صراحةً عن تلقَي البعثة لبلاغات عن أحداث عنف جنسي في دارفور.
إن الحروب تشكل مناخاً مهيئاً لحالات العنف ضد المرأة ، ودوننا جمهورية الكنغو التي شاع فيها الإغتصاب الجماعي لدرجة جعلت الأطباء يتحدثون عن ما يسمي " بالتدمير المهبلي للمرأة " .
وفي سياقٍ آخر تحدثت بعض التقارير عن نسبة قد تصل 83% من النساء في المجتمعات التقليدية يتعرضَن للإغتصاب ، ولأن التبليغ عن مثل هذه الحالات في المجتمع الريفي يُعد نوعاً من العار ؛ فإنها تُخمد في مهدها ولا تصل إلي الفضاء الإعلامي .
وظهرت لدينا مؤخراً في الجامعات السودانية حالات إعتداء وصلت إلي حد القتل - بسبب شاكوش عاطفي!- كما حدث في كلية الصحة بجامعة الخرطوم .
المظهر الثاني : الختان ، وأحسبه من أفظع أنواع العنف ضد المرأة وقد ذكرت لي بعض الأخوات أنهن يمارسن الجماع مع أزواجهن لسببين :
أولاً : لعدم سخط الله سبحانه وتعالي عليهن إذا رفضنَ الجماع .
ثانياً : لإنجاب الأبناء.
إن حديثاً مثل هذا من شأنه أن يجعل حياة الزوجين جحيماً وليست حياة الزوجة وحدها ؛ ذلك أنه سيكون نكاحاً بين إنسان له شعور ، وإنسان أشبه بالجماد! ؛ وهذا سيؤثر تأثيراً نفسياً علي مستقبل العلاقة بينهما .
كما أن الختان له مخاطر جمة علي الصحة الإنجابية للمرأة . إن الذي يقارن الصحة الإنجابية بين السودان وبلاد الشام - وهي لا تستخدم الختان - يجد بوناً شاسعاً بينهما.
المظهر الثالث : ضرب الزوجات . إن الذي يضرب زوجته ينطلق غالباً من منطقين :
الأول : أن المرأة خُلقت لإشباع رغباته الذاتية ، وراحته النفسية - من إتجاه واحد - وعليه إذا حدث أي تقصير وفقاً لرؤيته ؛ فإن المسكينة جزاها أم كف ! . وقد ذكر أحد أصحاب الأحذية أن أمرأة طلبت من زوجها أن يشتري لها حذاءاً ، فذهبا معاً إلي مكان الأحذية . فقال الزوج : إعطنا الحذاء الفلاني . فرفضت الزوجة ذلك الحذاء وبررت رفضها بأنها تُريد حذاءاً له كعب ، فلما أشتد النقاش بين الزوجين في مكان الأحذية تدخل صاحب المحل وقال للزوج : نفَذ لزوجتك رغبتها . فرد عليه الزوج قائلاً : أصمت هو إنت الحاتنضربيهوا!.
الثاني : أن البعض يلتمس تفسيراً دينياً للضرب كوسيلة للتأديب ، وعجبت لشخص في قامة د/ حسن الترابي أن يقول : ( ليس للرجل فيها – أي الحياة الزوجية – إلا قوامة الإنفاق والأمر والتأديب بالمعروف )( المرأة بين الأصول والتقاليد ص11 ) مع أنه أكد أن العلاقة الزوجية تنشأ وتنحل برضا المرأة ؛ وأنها تقوم علي الشوري والإحسان .
ولا نود أن نسي الظن في لفظ الدكتور " والتأديب بالمعروف " ؛ فإذا كان يقصد بذلك التأديب المعنوي عند حدوث الأخطاء الكبيرة فهو حق مكفول للطرفين .
أما إذا قصد التأديب بإستخدام الضرب ولو بصورة طفيفة ، إستناداً علي الأية ( والتي تخافون نشوزهن فعظوهن وأهجروهن في المضاجع وأضربوهن ) فأعتقد أنه لم يُوفق فيما ذهب إليه من إجتهاد ؛ ذلك أن الضرب قد يقفل كافة منافذ الإستمرار في الحياة ، وإذا كان لدينا فهماً راقياً كالتحكيم الذي أشارت إليه الآية ، فما الذي يجعلنا نتمسك بخيارات قد تجعل بيت الزوجية في مهب الريح؟ .
إن إستنباط الحكم الشرعي من آية واحدة في القرآن دون الرجوع إلي المقاصد الكلية ؛ سوف يجعل فهمنا لكتاب الله فهماً مبستراً وهو منحي أبعد ما يكون عن مقاصد الشريعة الإسلامية .
وقد ُروي أن النبي صلي الله عليه وسلم لمَا إختلف مع عائشة قال لها : أترضين تحكيم عمر . قالت : لا عمر غليظ . قال لها : فأبابكر . فقبلت بتحكيم أبوبكر رضي الله عنه ، وهذا المسلك هو ترجمة عملية للآية ( وإن خفتم شقاق بينهما فأبعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما ).
المظهر الرابع : الإحتقار والتقليل من شأن النساء وهو يعتبر عنفاً معنوياً ، وقد جاء في المثل ( المرة كان عاشت لزوجها - وكان ماتت للقبر ) وهو فهم يجرد المرأة من أي قيمة سوي إسعاد الرجل ؛ إنه فهم يطابق قول الشاعر :
ما للنساء وللكتابة والعمالة والخطابة
ذاك لنا ولهنَ منَا أن يبتن علي جنابة!
وقد قيل علي سبيل النكتة أن أمرأة ملَت من حياتها مع زوجها فقالت له : ليتني تزوجت الشيطان ولم أتزوجك فرد عليها متسائلاً : وهل زواج الأخ لأخته أصبح حلالاً ؟!
المظهر الخامس : قيام البنات بخدمة أخوانهن في الجوانب الشخصية ( كغسيل الملابس ، تحضير الحمام ، المكوأة ) وهذه الأشياء إذا كانت من باب التعاون فلا غبار عليها ، ولكن تكمن المشكلة في إجبار النساء علي ذلك كما في مجتمعنا الريفي .
المظهر السادس : فرض الزواج علي النساء دون إستشارة تحت شعار ( هي المرة عندها رأي ! ).
المظهر السابع : العنف السلطوي الذي تشنه الوحدات الإدارية تجاه بائعات الشاي . إن مثل هذا الأسلوب غير الإنساني من شأنه أن يعطَل حيأة الكثيرين ، لا سيما أن بعض الأسر تعتمد عليه في تسيير حياتها اليومية .
المظهر الثامن : حرمان النساء من دراسة بعض التخصصات ؛ وعلي الرغم من أن المرأة في السودان وجدت فرصاً للدراسة في مجالات شتي ، إلا أن قيود وزارة التعليم العالي حرمتها من دراسة بعض الكليات كهندسة البترول ، والتعدين ، والمساحة بحجة أن هذه المهن رجالية .
إن وضع هذه التخصصات لم يعُد يعتمد علي مقومات الرجولة والأنوثة ؛ إذ أن غالب التخصصات في عصرنا الحالي تعتمد إعتماداً كلياً علي التكنولوجيا . ولذلك يمكن أن نوظَف قدرات الأفراد وفقاً لطاقاتهم .ولا نري أي معني لمثل هذه القرارات إلا إذا كنَا نعيش بعقلية العصور الوسطي! .
المظهر التاسع : زواج الرجل بأمرأة أخري سراً ؛ إنه نمط منتشر في بلادنا ويمثل آيضاً حلقة من حلقات الإستهتار بالطرف الآخر في الحياة .
المظهر العاشر: حرمان المرأة من حقها في إنهاء العلاقة الزوجية إذا رأت أن حياتها مع زوجها تسير في طريق مسدود . إننا نشهد في مجتمعنا رجالٌ ُكثر يُعلقون المرأة في حبلٍ بين السماء والأرض ، ويتلذذون بذلك . فلا بد من قانون يحمي المرأة من حماقة هؤلاء .
المظهر الحادي عشر : نظرة المجتمع للمرأة المطلقة فيها إحتقار وإهانة لهذا الصنف من النساء .
المظهر الثاني عشر : الإعتماد في التشريع علي إجتهادات الآئمة الأعلام في شأن المرأة . إننا لا ُنقلل من شأن إجتهادات أهل المذاهب ، ولكن لا يمكن أن نسقط إجتهادات قبل أكثر من 10 قرون علي واقع اليوم ؛ وهذا ليس كلامي ؛ إنه كلام آئمتنا أنفسهم فقد قال أبا حنيفة : ( إذا ثبت الحديث فهو مذهبي ) .
هناك مظاهر أخري تحدث عنها باحثون ومفكرون . لقد ذكر الإمام الصادق المهدي في ورقته التي قدمَها لندوة إتحاد المصارف بعنوان ( نحو إطار مشترك لمناهضة العنف ضد المرأة ) العديد من المظاهر منها :
- الزواج المبكر انتهاك لحقوق الأطفال وقهر اجتماعي يقع على المرأة

- ظاهرة التشويه بماء النار كما حدث لسناء، وزينب، وعايدة، وملاك

- إعتبار المرأة كلها عورة وفرض أزياء تلقي وجودها تماماً وتجعلها مدانة بذنب لم ترتكبه .
ٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍونقول في خاتمة هذا المطاف إذا كانت هذه هي مظاهر العنف ضد المرأة ، فما السبيل إلي إزالة هذه المظالم عن دنيا المرأة ؟
هناك أحد عشر إطاراً حددها المهدي في ورقته نري أنها خطوة في طريق الحل ؛ تلك الأطر هي :
إطار أخلاقي - ثقافي - ديني - قانوني - تشريعي - تربوي - إعلامي - وقائي يحمي النساء أثناء الحروب - توثيقي يسجل الحالات المختلفة بتنسيق رسمي وغير حكومي - تشبيكي بين المنظمات الدولية بهدف تبادل الخبرات والإمكانات - أخيراً الإستفادة من النفوذ السياسي النسوي لتشكيل هذه الأطر في ميثاق نسوي تتفق عليه القوي السياسية بمبادرة قومية نسوية .
كما أننا لا ننسي دور الشعر والرواية ، الدراما والسينما في كبح جماح هذه الظاهرة ، ونتمني من الدواخل أن تحقق المرأة حقوقها التي كفلها لها خالقها في كتابه المسطور قال تعالي ( يا أيها الناس إتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبث فيهما رجالاً كثيراً ونساءا ).

الخميس، 17 ديسمبر 2009

في قلب مقولات ما يسمي هيئة علماء السودان . .
بقلم / الزبير محمد علي
صحيفة صوت الأمة
أصدرت هيئة علماء السودان في الاسبوع الفائت بياناً أوضحت فيه عدم شرعية المظاهرة التي دعت إليها أحزاب المعارضة وبعض شركاء الحكم في السودان.
وكان الهدف من المسيرة السلمية تسليم مذكرة لأعضاءالبرلمان المعيَن ! وحثهم علي الإسراع في تعديل القوانين المتعارضة مع الدستور الانتقالي لسنة 2005 تهيئةً لخلق مناخ صحي يتنافس فيه الجميع بحرية في الانتخابات العامة المزمع عقدها في أبريل (نيسان) القادم.
والغريب في الأمر أنني لم أنزعج عندي قرءاتي للبيان ؛ ذلك أن بعض العلماء يصيرون لقمةً سائقة للحكام في عصور الانحطاط والاستبداد.
وهو موقف قديم متجدد بإختلاف العصور ؛ بدأ منذ إنتهاء عهد الخلافة الراشدة إلي ملكٍ يتوارثه البنين لا المؤهلين، وتحرسه الجيوش لا الشرعية ، وفوق ذلك كله يؤصل له بعض المتمسحين بدهان العلم والدين.
وقد أفتي بعض العلماء في العهد العثماني للخليفة بقتل أخيه الذي ينافسه في الحكم ، بحجة أن بقائه علي قيد الحياة فتنة والفتنة أشد من القتل!!.
إننا لسنا بحاجة إلي تفكيك هذا البيان من منطلق تأصيلي لكوننا نعلم أن الإسلام لا علاقة له بهذه الدعاوي الانتقائية المسيسة.
ولكننا بحاجة إلي مناقشة الأمر من منطلق من يحق له التحدث بإسم الإسلام ، ذلك أن الهيئة لا تعدواعن كونها ممثلاً شرعياً لشريحة ضيقة من السودانيين.
ومن زاويا أخري فإن قضايا السياسة والحكم تقع في دائرة الإجتهاد التي مهما بلغ صواب المجتهد ؛ لا يمكن أن يعطي رأيه قدسية الوحي.
ولهذا نري أن الهيئة أخطأت خطأً فادحاً عندما قالت " لا يجوز لمسلم أن يخرج في مظاهرات ينظمها أعداء الإسلام"
إن الهيئة بهذا الحديث إنما تنصب نفسها بمنصب القدسية التي لا تكون إلا لقطعيات الوحي ، في حين أن لديها خيارات أخري كان من الممكن أن تكون أقل فداحةً مما ذهبت إليه ببيانها.
ثم إذا كانت الهيئة تري أن مظاهرة الإثنين قد تؤدي إلي فتنة ؛ وأن بيانها ياتي في إطار الحرص علي الممتلكات وأرواح المواطنين، أليس الأجدر بها أن توجه هذا البيان إلي الحكومة ؟
أليس الأحري بالهيئة أن توجه بياناً للذين يقودون العربات المدرعة ، ويضربون بالرصاصات المطاطية ، و يقذفون بالقنابل المسيلة للدموع ، والمعطلة للأعصاب بالسماح للمسيرة أن تمر إلي البرلمان؟!
ثم ما موقف الهيئة من الوسائل غير الإنسانية التي تستخدمها الأجهزة الأمنية في قمع المتظاهرين؟ أليس حفظ أرواح المتظاهرين من المقاصد الخمسة التي دعت إليها الشريعة الإسلامية والتي من بينها حفظ النفس؟
ونضيف إلي هذه الأسئلة تسأولاً آخر للأستاذ فيصل عبد الرحمن عن مدي حرمة البمبان وإستخدام العصا الكهربائية؟
وإذا كان الإمام الصادق المهدي قد دعا إلي تحقيق حول إستخدام الغاذ المسَيل للدموع ؛ فإننا نتضامن مع أستاذ فيصل في الدعوة إلي تحريم إستخدام الغاذ المسَيل للدموع بصورة فقهية ، ولنري هل توافقنا الهيئة في هذا أم لا؟
إن الهيئة بهذا البيان تؤكد لنا أمرين :
الأول : أنها كشفت عن نفسها القناع بأنها تمثل ذراعاً سياسياً للنظام ، وأن مهمتها ليس حرس مشارع الحق والدفاع عنه فقهياً ؛ وإنما تأصيل أفعال النظام المحمودة والمذمومة ، وإيجاد مبررات فقهية لها تسند وجهة نظر الحزب الحاكم.
الثاني : أن الهيئة أصابتها ظاهرة العمي الأخلاقي التي تحدث عنها د/ التجاني عبد القادر عندما صَور موقف الغربيين إزاء حقوق الإنسان ، فهم مع حقوق الإنسان إلا إذا كانت المنتهكة لحقوق الإنسان إسرائيل!.
لقد شاهدت الحلقة التي أقامتها قناة طيبة الفضائية عن هذا الموضوع ، وقد ذكر فيها الشيخان جلال الدين مراد ، وسعد أحمد سعد - وهم أعضاء في الهيئة - كلاماً نسأل الله تعالي أن يسامحهم عليه.
قيل لهم : لماذا لا توجهون نصائحكم للحكام ؟ قالوا : ننصحهم ولكن ليس في وسائل الإعلام!.
قلنا إذاً لماذا تنشرون نصائحكم للمعارضة في وسائل الإعلام ؟ لماذا لا تذهبوا إلي قادة المعارضة وتوجهوا لهم نصائحكم دون نشرها كما فعلتم مع الحكومة؟
أهي إزدواجية المعايير التي يمارسها النظام الدولي الجديد الذي ما برحتم تنتقدوه علي هذا الإسلوب؟!.
قالوا : إننا ببياننا هذا ننبه المواطنيين إلي الإبتعاد عن الأحزاب الفاسدة .
قلنا : حسناً فما الذي يمنعكم من تنبيه المواطنيين إلي الإبتعاد عن الحزب الحاكم ؟ أليس المؤتمر الوطني من الأحزاب الفاسدة سياسياً بإستخدامه للرشاوي وشراء الذمم! ؟ والفاسدة إقتصادياً أيضاً بشهادة المراجع العام عن حكومته التي يشكل فيها أغلبية؟
قالوا : لكن هناك مؤامرة من أعداء الإسلام ! لديها مصلحة في إحداث فتنة في البلاد ، وقد إختاروا لها نفس اليوم - الإثنين - الذي نكَلوا فيه بالمسلمين!.
قلنا : هل لديكم قرائن علي هذا الكلام ، فالمسلم مطالب بالدليل ليثبت صحة ما يقول قال تعالي ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) وحقائق الوحي ما برحت تؤكد : ( إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ).
قالوا في سياقٍ آخر : الأحزاب ليس لديها جماهير ؛ ولذلك تريد أن تهرب من الإنتخابات خوفاً من السقوط وهذا هو سبب المظاهرة.
قلنا: إذا كانت الأحزاب ليس لديها قواعد ؛ فما معني السيارات المفخخة ، وما جدوي القنابل المسَيلة للدموع! .
أليس هو الخوف من الشلالات المتدفقة من كوادر الأحزاب وليس جماهير الأحزاب؟
وفي إتجاهٍ أخر قال الأمين العام للهيئة محمد عثمان صالح لسودانيز أون لاين : ( إنهم يتشرفون بالدعوة لكل من يعمل لصالح الإسلام والمسلمين وإصلاح حال البلاد ولا بأس من مساندة أهل الحكم الراشد إذا كانوا علي صواب).
قلنا : وهل أهل الإنقاذ هم أهل الحكم الراشد ؟ وهل من يسبَح ويذبَح يعمل لصالح الإسلام؟ومن يأخذ الفوائد المركبة في البنوك المسماة إسلامية بواقع أكثر من 10% ؛ هل يعمل لصالح المسلمين؟ في حين أن البنوك الإسرائيلية تأخذ من القروض فائدة أقل من 3%.
بل إن إسرائيل تسمح بخروج المسيرات دون إذناً مسبقاً من الأجهزة الأمنية، وهي لا تسعي لتطبيق شرع الله مع أن من يدعَون ذلك يستخدمون من وسائل القمع ما ينافي الشرائع السماوية والقوانين الوضعية ، ما لكم كيف تحكمون!.
إن العلماء هم ورثة الأنبياء ، ولذلك فضَلهم الله تعالي علي سائر خلقه ، قال صلي الله عليه وسلم (إن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتي الحيتان في الماء ، وفضل العالم علي العابد كفضل القمر علي سائر الكواكب).
وذكر بن الجوزي في" صفة الصفوة "عن الفضيل بن عياض . قال : سئل بن المبارك من الناس؟ قال : العلماء .
قال : فمن الملوك ؟ قال الزهَاد . قال : فمن السفلة . قال : الذي يأكل بدينه.
إن في هذا لتبصرةً وذكري لمن كان له قلبٌ أو ألقي السمع وهو شهيد ، وقد كان العلماء الأجلاء في السابق يحرصون ألا تعميهم غشاوة السلطان عن قول الحق .
قال وهب بن منبه لعطاء : ( كان العلماء قبلكم قد إستغنوا بعلمهم عن دنيا غيرهم ، فكانوا لا يلتفتون إلي أهل الدنيا ، ولا إلي ما في أيديهم . فكان أهل الدنيا يبذلون إليهم دنياهم رغبةً في علمهم.
فأصبح أهل العلم فينا اليوم يبذلون لأهل الدنيا علمهم رغبةً في الدنيا . فأصبح أهل الدنيا قد زهدوا في علمهم لما رأوه من سوء موضعة عندهم. فإياك يا عطاء وأبواب السلاطين ؛ فإن في أبوابهم فتناً كمبارك الإبل لا تصيب من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينك مثله).
إننا بعد هذا التوضيح نوجه الدعوة لهيئة علماء السودان إلي قراءة إتفاقية نيفاشا ، ومشروع الدستور الإنتقالي المجاز في عام 2005.نقول ذلك لأن لغة البيان تشير إلي عدم علم هؤلاء العلماء بمحتويات بنود الإتفاقية والدستور.
ولكن إذا فرضنا أنهم علي علمٍ بهما ، فالأفضل لهؤلاء الأعلام الأجلاء أن يوجهوا نقدهم للدستور وللإتفاقية لأنهما أعطيا الحق لأعداء الإسلام - وفق تعبيرهم – أن يدخلوا البرلمان ؛ وأن يكون لهم الحق في مناقشة وإجازة القوانين ؛ وأن يكون قائدهم هو ولي أمر المسلمين في حين غياب الجنرال البشير.
إن الهيئة إن كان لها رأي فعليها أن تطعن في الفيل لا في ضله!.

الجمعة، 11 ديسمبر 2009

إذا كان هذا هو الإسلام ؛ فما الذي أجهض الحقيقة ؟
لا جدال أن الإسلام جاء متفردا في طرحه دون سائر الأديان ،وهذه العبارة ليست من باب الاستعلاء، أو التعنصر ،أو نرجسية الذات ولكن حقائقه الواضحة في إقامة الدين على التوحيد والجزاء الاخروى ،ومزجه الفريد بين الإيمان والعلم، وبين المادة والروح وتوفيقه بين حرية الفرد ومصلحة الجماعة، وحثه على التمتع بزينة الحياة الدنيا والفوز بنعيم الآخرة ،كل هذا يدل على أن الإسلام هو الدين المؤهل لإشباع تطلعات الإنسانية، وحمل رايات الخلاص الكوني في هذا العصر .
لقد أقام الإسلام شبكة العلاقات الإنسانية على المساواة والأخوة بين الناس فلا مجال للتمييز البشرى ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم) ولا مجال للتمييز النوعي ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجز ينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعلمون) ولا مساحة للاضطهاد السياسي قال عمر رضي الله عنه (أمير المؤمنين أخو المؤمنين فان لم يكن أخا للمؤمنين فهو عدو للمؤمنين)
وعلى صعيد الاقتصاد فان تعاليم الإسلام أقرت بحرية الفرد في اكتساب المال بشرط انتهاج مبدأ الكسب الحلال في الرزق (وفضلنا فبعضهم على بعض) وتكره احتكار المال (كي لايكون دولة بين الأغنياء منكم) وتزجر كانزي الثروات ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم) وتحرم الاعتداء على المال العام قال عمر(لكم على إلا أجنى شيئا من خراجكم ولا ما أفاء الله عليكم إلا من وجهه)
لقد جاءت تعاليم الإسلام بتوجيهات منقذة ومخرجة للإنسانية في كافة مجالات المعرفة ( في الاقتصاد والسياسة والاجتماع والعلاقات الدولية وغيرها) وجاءت هذه الاضاءت المعرفية المشبعة بتعاليم الوحي في وقت كانت فيه هذه التعاليم غريبة على مجتمع القرن السادس الميلادي ؛ وبها حقق المسلمون أبهى أمجادهم ، وبنوا حضارة قل أن تجد لها مثيلا في ذاك التاريخ.. ومع وجود حقائق مثل هذه ؛ فان ثمة سؤال يلح على نفسه مرارا ومفاده ما هي المؤهلات والعلوم التي كانت موجودة في مجتمع ما قبل الرسالة الإسلامية حتى نشهد كل تلك الاضاءات المعرفية ؟
ويجيب طه جابر العلوانى ( رئيس المعهد العالمي للفكر الاسلامى سابقا) على السؤال بقوله (إن العرب لم يكن لهم قبل القران ٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍالعظيم من كتاب ، وما كانت لهم قبله من معارف أو علوم تذكر اللهم إلا شيئا من التاريخ ومعرفة الأنساب ، وشيئا من الفراسة والقيافة ، ومعرفة النجوم والأنواء وقص الأثر ، والشعر ديوانهم ، وسجل خبراتهم وتجاربهم ، وقد كان القران الكريم منطلقهم إلى المعرفة )
لقد أورث النبي "ص" الأمة الإسلامية نموذجا معرفيا شملت تغطيته كافة أوجه الحياة لدرجة جعلت احد المشركين يبدى عجبه واستغرابه ؛ فقال لسلمان الفارسي رضي الله عنه : (لقد علمكم نبيكم كل شي حتى الخراءة ؟ فقال سلمان : اجل نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول ، أو نسنتجى باليمين ، أو أن يستنجى احدنا بأقل من ثلاث حجار ، أو نستنجي برجيع أو عظم)
ومن نافذة اليسر ورفع الحرج ، فان النموذج المعرفي الذي ورثناه عن النبي "ص" لم يكن جامدا ؛ بل يحث على الاجتهاد والتدبر ويزجر التقليد وتعطيل العقول (والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا) ويفقد الاجتهاد والتدبر معناهما إذا دخلا في تأويل الحقائق الغيبية ( ما أشهدتم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسكم ) أما في مجالات الحياة الأخرى فان الإسلام جعل باب الاجتهاد فيها مفتوحا وفقا للضوابط القرآنية والنبوية .
ولذلك أدرك الصحابة رضوان الله عليهم هذا اليسر ونفى الضيق في الإسلام فرفض الإمام على الالتزام بسنة الشيخان ، واختلف ابن مسعود مع سيدنا عمر ، وزيد بن ثابت مع ابن عباس ، وسيدنا عمر مع على رضي الله عنهما.
إن هذه النماذج تؤكد أن الصحابة رضوان الله عليهم فهموا أن الإسلام لم يضع تقديسا للاجتهادات البشرية ، ويؤكد ما ذهبنا إليه نموذج عمر رضي الله عنه في حادثة موت النبي "ص" ، حيث يروى ابن عباس أن عمر قال له عندما تولى خلافة المسلمين : (يا ابن عباس هل تدرى ما حملني على مقالتي التي قلت عندما توفى رسول الله "ص" ؟ - " يقصد بذلك حينما قال إن القول بموت النبي "ص" إرجافا من المنافقين " – قال : قلت : لا أدرى يا أمير المؤمنين أنت اعلم . قال : فانه – والله – إن كان الذي حملني على ذلك إلا أنى كنت أقرا هذه الآية ( وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) فو الله إن كنت لا أظن أن رسول الله "ص" سيبقى في أمته حتى يشهد عليها بآخر أعمالها ، فانه الذي حملني على أن قلت ما قلت ) وما يفهم من حديث عمر انه فهم معنى الآية الكريمة بكون شهادة النبي "ص" ستكون في الدنيا ؛ وانه سيبقى حتى يشهد آخر أيام هذه الأمة . وحين اجتهد عمر هذا الاجتهاد وقف الصحابة في وجهه وعلى رأسهم ابوبكر وردوه إلى الصواب فاستجاب وهذا دليل على أن مقياس الحق لا يوزن باجتهاد الرجال ؛ بل بموافقته لقطعيات الوحي والسنة .
إذا فما الذي جعل قدسية القران تتحول إلى الاجتهادات البشرية ؟ وما الذي جعل مقولات كهذه ( كل حديث أو آية تخالف ما عليه نحن وأصحابنا إما مؤول أو منسوخ ) تقال مع وجود اختلاف بين اجتهادات الصحابة أنفسهم " والمقولة منسوبة للأحناف "؟ وما الذي أجهض حقيقة أن القدسية لا تكون إلا لقطعيات الوحي والسنة ؟. ولماذا تم قفل باب الاجتهاد في القرن الرابع الهجري ؟ هل كان قرار قفل باب الاجتهاد سياسيا ؟ الإجابة على هذه الأسئلة سنترك تناولها للمقال القادم بإذن الله لضيق المساحة وسعة الآراء في هذا المجال .
واذكر بان قفل باب الاجتهاد أدى إلى إدخال الفقه الاسلامى في غيبوبة جعلته عاجزا عن حل المشاكل التي واجهت المسلمين في الحقب السابقة، وما زلنا نعيش بعض ترسباتها ، فقبل أيام قليلة اصدر احد الزملاء معنا في الجامعة بيانا أوضح فيه أن شخصه سيقاطع اجتماعيا كل من يدعو إلى العلمانية والماركسية ، وكل من يرفض تحكيم شرع الله ، وفوجئت بان وجدت شخصي ضمن "كفار قريش"!! ومعي آخرون ينتمون إلى مدارس إسلامية لها باع طويل في مجال الدعوة. وما ادهشنى حقا هو أن بيانه تحدث عن ضرورة توطيد العلاقات بين المسلمين ، واحترام أصحاب الأديان الأخرى لاسيما الذين لا يعادون الإسلام . إذا فما موقعنا نحن ؟ أظن أننا من الذين كرر عنهم مقولة احد الكتاب " إن العلمانيين لا يجب مقاطعتهم فحسب ؛ بل مقاتلتهم أيضا " وحسبنا منهم . "حسبنا الله ونعم الوكيل من هذا الفهم".

الأحد، 1 نوفمبر 2009

المنابر الدينية رؤية اصلاحية
خطبة الجمعة كمثال
الزبير محمد علي
المنابر الدينية هي أحد آليات تعليم وتثقيف المجتمع، وتعتبر إحدى وسائل الاتصال المباشرالتي لا يمكن للمجتمع الاسلامي الاستغناء عنها، ذلك لأنها لا يمكن أن تكون موسمية، لكونها مرتبطة بالالتزام الروحي للمسلمين الذي يوجب حضور المساجد بصورة مستمرة لأداء التكاليف والواجبات المفروضة.
من بين هذه التكاليف صلاة الجمعة الجامعة لكل المسلمين، ويكمن بيت القصيد في ذكر هذه الصلاة بالذات أن الواجب لأدائها أن تسبقها (خطبة) وهذا ما يعنينا هنا، إذ تندرج الخطبة ضمن سياق موضوع المنابر الدينية.
هذا لا يعني أننا بصدد حصر المنابر الدينية في منبر الجمعة، لكن يظل تحليل هذا المنبر أمر ضروري وهام لتعلقه بحضور حشود كبيرة من عموم الناس قد لا تتوفر في أي وقت آخر ،باستثناء صلاة العيدين.
مما يوجب تسليط الضوء على هذا المنبر بشكل مدرك وواع بمضمون الخطاب الإسلامي الذي يقدم الآن للناس.
ويجب هنا طرح تساؤل مهم فحواه ؛هل يوجد منهج محدد يرتكز على أساسه الخطاب الإسلامي الموجه في هذه المنابر؟ (ونعني بالمنهج مجموعة الأسس والقواعد والأساليب التي تضع القالب الأمثل لمضمون وأسلوب الخطابة) أم أن المسألة عمل ارتجالي فردي غير مخطط له بصورة مدرسة؟
في تقديري أن المقيِّم للخطاب المقدم في المنابر يجد غالبا أن الموضوع يسير بصورة فردية ارتجالية غير آبهة بأهمية وخطورة ما يقدم في هذه المنابر وأثره على المتلقي، وربما يوجد تصور جزئي لبعض المدارس الفكرية في موضوع منبر الجمعة كتجربة هيئة شئون الأنصار عندما كونت لجنة مختصة لصياغة الخطب المنبرية بصورة مدروسة، لكن للأسف هذه الخطة لم تعمم على كل المساجد التي تنضوي تحت ظلال الهيئة.
وهناك تجربة بعض أئمة المساجد المستقلين أو المنضوين للجماعات الحركية الحديثة الذين يهتمون بالتخطيط للخطبة، ولكن يمكن القول بصورة واضحة أنه لا يوجد تصور شامل للخطاب الإسلامي في المنابر الدينية لأية مدرسة فكرية إسلامية في السودان يمكن مشاهدته على أرض الواقع.
لأن الذي يتأمل ويقيم هذا الموضوع يجد تخبطا وعشوائية واضحة في تناول المواضيع، وأحيانا تكاسلا من قبل أئمة المساجد في البحث والإحاطة بأطراف المواضيع التي تقدم والاكتفاء أحيانا بتسميع الخطب التي سطرها علماء السلف كخطب الإمام النووي وغيرها، وللأسف هذا الأسلوب موجود في جل المنابر الموزعة على شتى بقاع العالم الإسلامي باستثناء قليل من المنابر التي تحاول ربط الخطاب الإسلامي بالمستجدات والعقبات التي تواجه المجتمع المسلم.
أيضا نجد أحيانا أن الخطاب يركز على الجانب التعبدي في الإسلام ويغفل جانب المعاملات والجانب الذي يتعلق بالتفكّر والتأمّل في الكون وكأن الإسلام عقيدة لاهوتية معزولة عن واقع المجتمع، وهذا مفهوم خطير لأن جل عوام الناس يعتقدون أن الإسلام معنيٌ بالجوانب الروحية و الخلقية فقط ولا علاقة له بالجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية والبيئية.
هذا التصور الخاطئ عن فهم الإسلام يجافي حقيقة ما أنزله الله على خير البرية سيدنا محمد (ص).
إن الإسلام يختلف عن كثير من الأديان – السماوية والوضعية- في أنها تعني بالمسائل الروحية فقط ولا علاقة لها بجوانب الحياة المختلفة، بينما الإسلام يعنى بإصلاح كافة جوانب الحياة الفردية والجماعية مما يؤهل الإسلام للقيام بدور حضاري كبير يمكن أن يساهم في سد الثغرات التي صاحبت الحضارة الحديثة كإغفال الجانب الروحي في المجتمعات الغربية، ويمكن أن يلعب دورا إيجابيا في القضايا المطروحة في الساحة المحلية والعالمية كقضايا المرأة، حوار الأديان، حوار الحضارات، المواطنة، قضايا الاقتصاد الحديث ،قضايا البيئة ، حقوق الإنسان وموقف الأديان منها، العولمة، القضايا الطبية كالموت الدماغي والاستنساخ والخلايا الجزعية، موقف الأديان من الفنون والرياضة ..الخ.
هذه القضايا وغيرها حظيت بمناقشات في عدد من المؤتمرات وشهدت جدلا واسعا بين الفقهاء وعلماء التخصصات المختلفة، لكن النصوص القطعية الإسلامية في اعتقادي لها موقف إيجابي حيال هذه القضايا مما يحتم علينا أن نتناول هذه القضايا وغيرها مما يغطي كافة المجالات الحياتية للناس في المنابر الدينية، إضافة لما يقدم فيها من وعظ وإرشاد واعتبار بقصص الأنبياء عليهم السلام.
كما أن المنابر يمكن أن تساهم في تغيير الواقع إذا تم ربط الموضوعات المقدمة بشئون المجتمع المعاصر وتلمس مشاكل الناس لأننا لسنا بحاجة إلى الدفاع النظري عن الإسلام وإنما لبرنامج يخاطب تحديات العصر التي تواجه المجتمع ،ووضع كبسولة علاجية ملائمة لها من وجهة نظر إسلامية.
وهذا يتطلب من المدارس الفكرية الإسلامية أن تدرك أن مصلحة الإسلام ليس في الهروب إلى الماضي ومحاولة الاحتماء به في مواجهة الحاضر لأن هذا الأسلوب يجعل المسلم المعاصر في تجاذب بين الثبات على التراث واللحاق بركب العصر، لذا يجب أن نعمل على استنبات أسلوب يعمل على استقراء التراث والاستبصار به ومحاولة توظيفه بصورة مستنيرة للمساهمة في استكمال بناء الحضارة الحديثة لتجنب الارتهان والاستلاب الفكري والاستنجاد بالآخر لتعويض الإبداع، وهذا يتطلب دراسات وخطط لكي تستوعب المنابر الإسلامية هذه المعاني حتى نتمكن من الابتعاد عن الخطاب المتكرر الذي اعتدنا على سماعه، والله المستعان.
* طالب بكلية الهندسة جامعة سنار
 

الخميس، 29 أكتوبر 2009

الأربعاء، 14 أكتوبر 2009

بسم الله الرحمن الرحيم
الله وأكبر ولله الحمد

حزب الأمة القومي بمنطقة الهدى
المؤتمر التداولي الأول
تحت شعار : نجو حزب فاعل لواقع افضل
الاثنين 5/ أكتوبر/ 2009م
البيان الختامي (التوصيات والقرارات)
استلهاماً للتاريخ الناصع لحزبنا ومنطقتنا وإيماناً منا ببناء حزب ديمقراطي وقومي قادر على مواصلة المسيرة وقناعة منا باللامركزية كآلية لإدارة الشأن العام وتحقيقاً لتجديد هياكل الحزب وتفعيل القطاعات الحية في المجتمع وترسيخاً لمبدأ المشاركة في صياغة برنامج سياسي وتنظيمي يحقق تطلعات الحزب وبناءً على قرار الحزب بالمنطقة في اجتماعه يوم الخميس 24/9/2009م لعقد مؤتمر تفاكري وتداولي حول قضايا الحزب والوطن برئاسة الحبيب محمد زين الدين وتكوين لجنة للإعداد برئاسة الحبيب قاسم محمد إبراهيم ولجان تنفيذية:
لجنة الخدمات والضيافة: والي الدين محمد علي
لجنة التنظيم والاستقبال: ياسر عبد القادر
لجنة السكرتارية: محمد الأمين أحمد
لجنة الإعلام والبرنامج: سراج محمد الأمين
لجنة المال والإشراف: صديق محمد أحمد
انعقد المؤتمر التداولي الأول تحت شعار: نحو حزب فاعل لواقع أفضل يوم الاثنين 5/ أكتوبر/ 2009م بمدينة الهدى والذي شرفه الأمين العام لحزب الأمة القومي الفريق م. صديق محمد إسماعيل ومساعد الرئيس لشئون المهجر كابتن عادل علي المفتي ومقرر الهيئة المركزية الأستاذة زينب علي العمدة والمشرف على الإقليم الأوسط مساعد الأمين العام خلف الله أحمد الشريف ومشرف ولاية الخرطوم مساعد الأمين العام الحبيب ياسر جلال ومساعد الأمين العام لدائرة المرأة الأستاذة إنصاف جاد الله ومساعد الأمين العام لدائرة الدراسات والبحوث د. نجاة يحيي ومساعد الأمين العام لدائرة الفئات الأستاذ عبد المعبود محمد أحمد وعضو المكتب السياسي م.عثمان ضو البيت وعضو المكتب السياسي مجذوب عمر عبد العزيز ومنسق ولاية الجزيرة بالحزب عضو المكتب السياسي محمد جبارة مصطفى ورئيس قطاع السعودية بالمهجر الحبيب الطيب حاج مكي والقيادي بالحزب وابن المنطقة الحبيب صديق النعمة حمودة وأمين الإعلام والثقافة بهيئة شئون الأنصار الحبيب زروق العوض أحمد ومن صالون الإبداع الحبيب الأمين خلف الله وعبد الوالي حامد ومن إعلام الحزب فخر الدين آدم موسى وأنس محمد فضل ومختار النعمة السكرتير العام للحزب بالولاية ومحمد يوسف سالم رئيس المكتب السياسي بالولاية ورئيس الحزب بمحلية المناقل والسكرتير العام بالحزب بالمحلية والوحدات الإدارية ( العزازي، الماطوري، الكريمت، المناقل، ود ربيعة، طابت، الحصاحيصا) وحضر المؤتمر ممثلي الأحزاب السياسية وتحالف مزارعي الجزيرة والمناقل ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية وأمه لفيف من قيادات العمل العام بالمنطقة وسجل حضور المؤتمر 650 عضو (540 عضو و110 عضوة).
وقد جاءت الجلسة الافتتاحية مفعمة بالأناشيد الحماسية من صالون الإبداع والقصائد النارية من الحبيب زروق العوض والكلمات الرصينة والقوية حول قضايا المؤتمر حيث تحدث كل من الحبيب نصر الدين علي البشرى السكرتير العام للحزب بالمنطقة والحبيب قاسم محمد إبراهيم باسم اللجنة المنظمة شارحاً أهداف المؤتمر وأهمية القضايا المطروحة وتحدث بعده الحبيب مختار النعمة سكرتير الحزب بالولاية. وعن المؤتمر الوطني الريح يوسف إبراهبم وعن الحزب الشيوعي محمد الطيب دفع الله وعن الإصلاح والتجديد الدرديري محمد أحمد سعيد كما تحدثت الأستاذة إنصاف جاد الله مساعد الأمين العام ورئيس دائرة المرأة حول الانتخابات وكوتة المرأة ودور المرأة في المجتمع وتطور قضاياها وقدم الحبيب خلف الله أحمد الشريف مساعد الأمين العام ومشرف الإقليم الأوسط مرافعة قوية لوضع المشروع قبل الإنقاذ وما وصل إليه الآن من دمار منظم واضعاً النقاط على الحروف وفي ختام الجلسة الافتتاحية قدم الحبيب صديق النعمة لحضور المؤتمر السيد الأمين العام بكلمات تعكس مدى تقدير أهل المنطقة لقيادة الحزب وقد طاف الحبيب صديق محمد إسماعيل الأمين العام حول مجمل قضايا المؤتمر الانتخابات ومشروع الجزيرة والبرنامج السياسي والبرنامج التنظيمي والإجماع الوطني وعلاقات الحزب الخارجية وأزمة دارفور.
وقد ناقش المؤتمر أربعة قضايا مصيرية (مشروع الجزيرة الانتخابات) وأساسية (البرنامج السياسي والتنظيمي) في مجموعات عمل وخرج بالتوصيات الآتية:
المحور الأول: مشروع الجزيرة:
1) ناقش المؤتمر مسيرة المشروع منذ العام 1927م وإسهاماته في الاقتصاد الوطني وما ذكره الحبيب الإمام في ندوة الهدى إنه يمثل 70% من دخل الخزينة العامة. وساهم في تنمية مواطني ولاية الجزيرة وذلك بتوفير الأمن الغذائي وخلق استقرار أمني واجتماعي واستعرض المؤتمر حجم الدمار الذي طاله وسلسلة الخراب المنظم منذ رفع الدعم والإخلال بالدورة الزراعية بحجة الاكتفاء الذاتي ومروراً بلجنة خصخصة المشروع وقانون 2005م وبيع مؤسساته وتشريد عامليه وإفقار مزارعيه وحمل المؤتمر الحكومة ذلك الخراب والدمار.
2) استعرض المؤتمر قانون مشروع الجزيرة 2005 واعتبره دس للسم في الدسم وظهر ذلك في التناقض ما بين أهداف المشروع وما هو مطبق على الواقع فالقانون استهدف حيازة المزارع وقنن تمليكها للرأسماليين ورفع يده عن التمويل وأي التزامات تجاه المزارع ليواجه مصيره مع البنك الزراعي والذي أعطى الحق في التصرف في بيع الحواشة إذا عجز عن السداد وعمل القانون على خلق البطالة والعطالة لكل المتعاملين مع الحقل والعمل الزراعي وذلك بخروج محصول القطن من المشروع وشدد المؤتمر على أن أول مراحل إعادة الحياة إلغاء هذا القانون.
3) وقف المؤتمر على وضع المشروع وبنياته التحتية والأساسية وما تعرضت له من بيع وخراب:
(أ) السكة حديد انتهت وبيع قضبانها إلى تجار الأخشاب والحديد ليفقد المشروع أهم مقوماته النقل والترحيل فقد كان ترحيل جوال القطن ب50 قرش مقارنة بآخر سعر قبل البيع 7 جنيهات أي 1: 14.
(ب) الهندسة الزراعية: شرد مهندسوها وبيعت آلياتها في مزاد علني.
(ج) المحالج وشركات الغزل والنسيج: حولت بثمن بخس لتجار النظام ورفعت عليها لافتات شركاتهم.
(د) منازل المشروع: تم تقييمها وتمليكها لساكنيها خصماً من معاشهم دون مشورتهم.
(ح) التفاتيش والأقسام: بنا عليها العنكبوت وسكنتها الحيوانات الزاحفة مع دمار لجدرانها.
(خ) قنوات الري: تدهورت بصورة مريعة بفعل تراكم الطمي وانسدادها وقلة المناسيب وغياب الاهتمام اللازم مما أثر على محاصيل العروة الصيفية. هذا بالإضافة لتحميل المسئولية لروابط المياه المختلف حولها.
4) وقف المؤتمر على حال العاملين بالمشروع فقد شرد الكادر المؤهل وتعرض العاملين للإذلال والهوان والمرتبات لا تدفع في وقتها وأصبحوا آخر اهتمامات إدارة المشروع.
5) لاحظ المؤتمر عزوف المزارعين عن الارتباط بالأرض والهجرة والنزوح للعاصمة بحثاً عن مصدر آخر للرزق وقد اجتاحت الولاية موجة كساد عارمة وأصبحت الزراعة للمستطيعين من المزارعين لأن كل تمويل العمليات الزراعية على المزارع ومع ذلك يواجه بمشكلة التسويق.
6) أكد المؤتمر على أن الاتحاد الحالي للمزارعين لا يمثل إرادة المزارعين وإنما اتحاد سلطة وقد ساهم في زيادة المعاناة والإعسار ولم يقف ضد خصخصة المشروع.
7) أعرب المؤتمر عن قلقه حيال الموسم الحالي الذي تكتنفه المخاطر منذ بداياته بقلة الأمطار وأزمة الري وزيادة التكاليف وتأخير الزراعة والتركيز على محاصيل بعينها دون النظر للمحاصيل المعيشية والنقدية هذا بالإضافة للعطش الذي ضرب معظم مساحات المشروع فالإنتاج المتوقع أقل بكثير عن الموسم السابق.
8) تخوف المؤتمر من مصير الثروة الحيوانية الضخمة في الولاية التي تأثرت سلباً بالتدهور في المشروع مع زيادة الأمراض والأوبئة والتصدير غير المرشد.
9) دعم المؤتمر تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل وتحالف العاملين بالمشروع والتصدي بكل الوسائل لإيقاف هذا الشبح المدمر والضغط على الجهات المختصة لإنقاذ المشروع الأمر الذي يحتاج لتضافر الجهود ووحدة الهدف والمصير (عاملين ومزارعين).
10) ناشد المؤتمر الجهات المسئولة بإعادة الحياة للمشروع بالآتي:
· تمويل كامل للعملية الإنتاجية.
· تدريب عالي للمزارعين والعاملين على أحدث التقنيات الزراعية.
· تأهيل كامل لقنوات الري.
· خلق سوق لمنتجات المزارعين.
· معالجة أوضاع المعسرين ودعم فقراء المزارعين.
· العمل على إبقائه كتلة إدارية واحدة تتبع للقطاع العام.
· إعادة الدور الاجتماعي والإنساني للمشروع.
المحور الثاني: الانتخابات:
1) تداول المؤتمر موضوع الانتخابات القادمة معتبرها الوسيلة الوحيدة للحزب لحكم البلاد ودعا لنزاهتها وتعديل القوانين المقيدة للحريات وتهيئة المناخ السياسي وحل أزمة دارفور وقومية مؤسسات الدولة وحيدتها وتوفير الفرص المتساوية للأحزاب في الإعلام والتمويل والتمثيل في لجان المراقبة والتشاور في العملية الانتخابية.
2) أطلع المؤتمر على حدود الدائرة الجغرافية (الانتخابية) الهدى – سرحان، ولاحظ اتساعها الأفقي وأمن المؤتمر على الطعن الذي رفع للمفوضية القومية للانتخابات وذلك حتى يتمكن المرشح من تغطيتها بالإضافة لدور الروابط الاجتماعية في الانتخابات.
3) أكد المؤتمر بأن هذه الدائرة كانت وستظل لحزب الأمة القومي الأمر الذي يتتطلب العمل والإعداد المبكر بمالها من استهداف لتغيير طبيعتها وعليه طالب المؤتمر بتكوين لجنة عليا للانتخابات للقيام بذلك.
4) دعا المؤتمر كل أعضاء الحزب بالحرص على التسجيل في السجل الانتخابي كما أوصى بوضع برنامج للتوعية بأهمية التسجيل والطواف على الأحياء والقرى.
5) أكد المؤتمر على أن يكون مرشحي الحزب بالدائرة تنطبق عليهم المعايير التي يحددها المركز العام وأن ينالوا رضى أهل المنطقة وأن يتم ترشيح الذين يحافظوا على توالي الدائرة ويخدم مصالحها ويلتزم ببرنامج الحزب.
6) طالب المؤتمر بضرورة توزيع مراكز التسجيل الانتخابية (16 مركز) في الدائرة بصورة تراعي الترحيل والكثافة السكانية كما طالب بزيادتها الى الضعف نظرا لإتساع حجم الدائرة .
7) طالب المؤتمر بتمويل الانتخابات كاملة من المركز في كل مراحلها والسعي لخلق تمويل بديل وإضافي.
8) ضرورة البداية المبكرة للحملة الانتخابية وفق برنامج مدروس ووضع كل التحسبات المحتملة.
9) أمّن المؤتمر على تدريب الشباب والمرأة حول العملية الانتخابية عبر دورات وورش عمل حتى يقوموا بدورهم في تثقيف ومراقبة الانتخابات في الدائرة.
10) طالب المؤتمر بالمتابعة والإحاطة بكل مراحل العملية الانتخابية وإصدار نشرة دورية حولها أول بأول.
المحور الثالث: البرنامج السياسي:
1) أمن المؤتمر على برنامج الحزب القائم على الإجماع الوطني حول الثوابت والتوحد ونبذ الخلاف والإنفراد فلا تبعية ولا انقطاع مع القوة السياسية السودانية.
2) طالب المؤتمر بإعادة صياغة وتكوين اللجان الشعبية والمجالس المحلية بحيث تكون ديمقراطية وشفافة وتمثيل المواطن. وأدان المؤتمر تكويناتها السرية واعتبر اللجان الموجودة غير شرعية.
3) أمن المؤتمر على أن الاتحادات والنقابات أجسام اعتبارية تعبر عن القاعدة المنتخبة لها لذا يجب إبعادها عن الانتماء الحزبي وتحديد دورتها ومراجعة سجلاتها وحساباتها وطالب المؤتمر بأن تكون منتخبة لا معينة وأكد على ضرورة إرجاع نقابة المهنة بدلاً عن نقابة المنشأة.
4) تداول المؤتمر حول أن تكون الهدى محلية قائمة بذاتها وأمن على الفكرة وطرح شروط ومطالب لا بد أن تتحقق قبل الإقبال على هذا القرار منها (استكمال مشاريع التنمية من أسفلت وكهرباء ومؤسسات، خلق بنيات تحتية، مراجعة الخدمات من صحة وتعليم وكهرباء ومياه وبيئة، وإنعاش الوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، إعادة تأهيل المؤسسات الموجودة) وإلا فإن قرار المحلية في ظل الوضع الراهن هو زيادة الخراب والفساد وأعباء جديدة على مواطن المنطقة.
5) أكد المؤتمر على دعم تحالف القوى الوطنية كافة وتفعيل دوره للنهوض بالمنطقة.
6) انتقد المؤتمر وضع الخدمة المدنية القائمة على التسييس والتخويف (الولاء مقابل الكفاءة) وطالب بإبعادها عن الاستغلال المذل لكرامة الإنسان والتحكم في خياراته وتقييد حرياته.
7) استنكر المؤتمر ما وصل إليه التعليم من تردي خاصة بالمنطقة الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في المنهج والسلم التعليمي وتبني سياسات قومية لمعالجة قضايا التعليم والدعم المجزي للعملية التعليمية وتدريب المعلمين وإدخال الأنشطة الرياضية والثقافية.
8) تناول المؤتمر قضية المياه وأشار إلى ضرورة الفحص الدوري للتأكد من نظافتها وسلامتها ومعالجتها من نقص المواد الأساسية كاليود والأملاح وغيرها وطالب المؤتمر بضرورة تسليمها لهيئة حكومية ذات إدارة نزيهة أو شركات عالية الكفاءة.
9) يأمل المؤتمر تعميم خدمة الكهرباء على كافة قرى وأحياء المنطقة وضرورة العلاج الفوري والجزري لانقطاع الكهرباء وإنشاء وحدة صيانة ومكتب طوارئ بالهدى وإنارة الشوارع.
10) وقف المؤتمر على الوضع الصحي والبيئي ودعا إلى ترميم المستشفى لتواكب التطور وإدخال الأجهزة الحديثة وإعادة مجانية الكشف والعمليات ودعم البرنامج العلاجي وتوفير الأدوية المنقذة للحياة والعمل على إصحاح البيئة والاهتمام وبالتوعية والتثقيف الصحي خاصة الأمراض المستوطنة والإيدز وبالصحة الإنجابية ومخاطر المخدرات والعادات الضارة (كالختان والعنف المنزلي).
11) تعهد المؤتمر بمحاربة الفساد وكشف المفسدين وتعزيز مبدأ الشفافية والمحاسبة والأمانة للمحافظة على مكتسبات المنطقة.
12) أمن المؤتمر على ضرورة وجود قطاع سياسي للحزب بالمنطقة لتحويل هذه التوصيات لبرامج سياسية وخدمية وذلك عبر ندوات ولقاءات ونشرات وغيرها من الوسائل.
المحور الرابع: البرنامج التنظيمي:
1) دعم المؤتمر مخرجات المؤتمر العام السابع وما انتخبه من أجهزة والتأمين على شرعيتها وناشد الجميع لتجاوز ما نتج من خلاف حول عضوية الهيئة المركزية باتفاق سياسي يستوعب الجميع في مؤسسات الحزب.
2) طالب المؤتمر بضرورة تفعيل العمل بأجهزة الحزب بالمحلية والولاية والاستجابة لمتطلبات المرحلة.
3) أعاد المؤتمر الثقة في أجهزة الحزب الحالية واعتمد توسيع دائرة المشاركة عبر مؤسسات الحزب الآتية:
الهيئة المركزية 50 عضو
المكتب السياسي 25 عضو
المكتب التنفيذي 15 عضو
وفوض لجنة تنظيمية برئاسة الحبيب محمد زين الدين وعضوية الأحباب عمر دفع الله بكري ونصر الدين علي البشري وبشرى عثمان ومحمد بلة محمد أحمد ومحمد الأمين أحمد لوضع المعالجات اللازمة وتمثيل 25% للمرأة و10% للشباب.
4) العمل على ضرورة حصر أعضاء القطاعات المختلفة (الشباب، المرأة، المعلمين، المزارعين، الطلاب، العاملين) بصورة عاجلة وتكوين لجان تحضيرية تشرف على عقد مؤتمرات لكل قطاع في أقرب فترة ممكنة.
5) شدد المؤتمر على ضرورة تفعيل اللجان القاعدية وتكوين لجان للقرى التي لم تكون فيها لجان من قبل ووضع برامج لها.
6) أمن المؤتمر على أن تكون اجتماعات الهيئة المركزية كل ستة أشهر والمكتب السياسي كل شهر والمكتب التنفيذي كل 15 يوم.
7) أشار المؤتمر لضرورة تطوير اللائحة التنظيمية وتفعيلها.
8) يأمل المؤتمر في الانتهاء من تأسيس الدار قبل نهاية العام الجاري والاستفادة من موسم الحصاد وجمع التبرعات والبحث عن وسائل لاستقطاب الدعم المالي من رجال الأعمال ومؤسسات الحزب.
9) حدد المؤتمر الاشتراك المالي الشهري (2 جنيه) مع فتح باب التبرع والبحث عن مصادر أخرى للتمويل مع اعتماد النظم المالية المتعارف عليها كأساس للتعاملات المالية.
10) ضرورة عمل قاعدة بيانات للعضوية وذلك عبر استمارات العضوية في سجل تنظيم دائم.
11) أكد المؤتمر على ضرورة التواصل بين المنطقة والمحلية والولاية والمركز من جهة والمنطقة واللجان القاعدية من جهة أخرى عبر آلية اتصال فاعلة هذا مع التنسيق مع الوحدات الإدارية الأخرى.
12) اعتمد المؤتمر لجان المكتب السياسي الآتية (السياسية، الإعلامية، الزراعية، التنموية والخدمية، الاقتصادية) كما اعتمد الأمانات الآتية للمكتب التنفيذي (الشباب والطلاب، المرأة، الإعلام والثقافة والاتصال، الزراع والرعاة، المهنيين، الدراسات والتدريب، الشئون الاجتماعية والرياضة،التنظيم وشئون الدار).
13) أعرب المؤتمر عن امتنانه وعظيم شكره للحبيب كمال موسى لتبرعه بكامل تكلفة دورة الرباط الاستراتيجي لعدد (300 شاب وشابة) بمحلية المناقل.
محمد الأمين أحمد عبد النبي
سكرتارية المؤتمر

الثلاثاء، 29 سبتمبر 2009



بسم الله الرحمن الرحيم
كتيبة القلم
المنتدي الفكري الثالث

خليفة المهدي المفترى عليه
رئيس الجلسة :الدكتور عوض جبر الدار.
القرآن :تلاوة آدم عبدالله ترجم.
كلمة الكتيبة: زينب عبدالرحمن أزرق.
المتحدث الرئيسي: الأستاذ عبدالحميد الفضل .
معقبون: د.فدوى عبدالرحمن علي طه.
الأستاذ عبدالله آدم خاطر.
الاستاذة اخلاص مكاوي.
خليفة المهدي المفترى عليه تقديم :الأستاذ عبدالحميد الفضل
"الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون..حتى تكسبون".
منذ سنين عديدة كنت أتابع ما كتب عن خليفة الصديق وكنت لا أستغرب قدح من هم خارج الوطن ولكني شعرت بأن المعلومات المغلوطة أخذت طريقها لعقول البعض في السودان مما دفعنا الى التفكير في اجلاء الحقائق التي لا يتناطع فيها عنزان.
بسم الله الرحمن الرحيم
ولد خليفة المهدي عام 1846هـ (أصغر من الامام المهدي بسنتين) وقبل الاسترسال في سيرته أضع في الأذهان بعضا مما واجهته شخصيته موضوع الندوة من نقد وتجريح، مثلا :
- يوجد أكثر من 50 ألف وثيقة أصلية عن شجاعته واقتداره وأخلاقه ومع ذلك تعرضت سيرته للتشويه .
- أختلقت عشرات الكتب تحكي عن سطوته وقلة ادراكه وضيقه بالرأي الآخر.
- استطاعت الافتراءات أن تعلق بأذهان الكثيرين من أهل السودان فخاضوا في تنقيص دوره وفصل الامام المهدي عنه.
هل هو تعايشي ؟وما أصل الكلمة؟
ألصقت الكلمة الى اسم جد القبيلة أحمد تعيش الذي كان جده يهدهده (ات تكبر تعيش) يرجع أصل القبيلة الى بني هاشم وقد كان الخليفة سعيا وراء توحيد الدولة يقول(أنا أمكم والمهدي أبوكم) في مذكرات عبد السلام الخليفة توثيق لنسب الخليفة :علي الكرار جده لوالده وقد أتت الأسرة من جنوب تونس واستقروا في دار التعايشة في غرب السودان. التف الحيران حول جده وذاع صيته لتمكنه من العلم حتى فتن الرزيقات به.من مذكرات محمد داؤود الخليفة قبر جده في قرية عدارة في دار التعايشة.تزاوجت الأسرة مع القبيلة وبشر جده بالطريقة السمانية (مع ان معظم ناس الغرب من التيجانية) تزوج الجد من التعايشة لينجب:محمد واحمد وحامد وزهرا وحواء وخادم الله. تزوج السيد محمد (والد الخليفة) من عدة نساء من التعايشة:أولهم أم نعيم التي رزق منها عبدالله وهارون وحليمة ثم الزوجة الثانية التي رزق منها يعقوب.
ادارة خلوة محمد والد الخليفة قريبة من النمط العسكري وكانت تجمع الهبات لنفقات الخلوة. ذاع صيت الخلوة ولجأ اليه الزبير باشا وتلجأ اليه القبائل الأخرى في أوقات الشدة ولذلك لقب بتور شين. ظل والده يبشر بالمهدية (كان ابيتو المهدية هنا تمشو ليها في دار صباح).كان عبدالله أول من تلقف الفكرة وتوقدت في ذهنه وقد دخل(بها) التاريخ من أوسع أبوابه من استانبول الى فلسطين والشام ومصر الى روما،ايطاليا،النمسا وانجلترا ردحا من الزمان.شهد عام ولادته(1846م) في قرية السيل، غروب سلطنة دارفور على يد الأتراك وقد ولد في تردة أو السيل في قول آخر.كان كثير التأمل يحب الوحدة، تطور ذلك الى عصيان وتمرد .يقول عنه والده (هو راجل بخيت وبخيت البحضر زمنه).
وصف الخليفة:
كان فاتنا بالغ النحافة، متماسك العضلات،وشعره مرسل ،ذو تقاطيع عربية (كما وصفه اهرولدر). كان كثير الابتسام في وجهه آثار جدري خفيفة. (وكما وصفه شقير) هو أقصر وأقل وسامة من المهدي.
يعقوب أخيه ولد في 1855م وقد قاتل في كرري بشجاعة (بل بنوع من التهور) حيث ثار غاضبا عند علمه باستشهاد ابراهيم الخليل ومحمد ود المهدي وهجم على الأعداء بسيفه قائلا:– تبلدية وقعت في الكفار- ولاه والده أمر ادارة الخلاوي.
أقارب الخليفة: أبناء عمه محمود ود أحمد وابراهيم الخليل الذي قاد جيش الكارة وعبد الرحمن أحمد الضرير الذي اقتحم المعركة وهو ضرير ثم اسماعيل أحمد،يونس ود الدكيم،حمدان أبوعنجة...الاسهاب في التحدث عن أقارب خليفة المهدي لاثبات حنكتهم وشجاعتهم وأن تقريبهم لم يكن فقط بسبب القرابة وقد عاش ود الدكيم وحكى عن كرامات الخليفة التي أحسها التاريخ وأذكر منها الآتي:
- رؤية الامام عبدالرحمن عن جابر وسؤال الخليفة عنها(مذكرات الامام عبدالرحمن في جهاد في سبيل الاستقلال).
- كان الخليفة مواظبا على الصلاة في المسجد وعند غيابه بسبب المرض أطلقت شائعات أنه لن يعود وسيخلفه الخليفة علي ود حلو فذكر لهم عند عودته (أنا والخليفة علي سنموت في فروة واحدة! قائلا شوفو ليكو خليفة آخر!)
- قصة الامام الصادق مع جون قرنق( والتي رأى فيها الامام الصادق جون قرنق في حفرة مغطى بالرمال لا يظهر منه الا رأسه وقد طلب منه المساعدة ورأى الامام الصادق في المنام أنه عندما عاد مع آخرين لمساعدته وجده قد غطس تماما وقد كان ذلك قبل موته) وهي رؤية تشير الى صحة قول خليفة المهدي وتأكده من أن الدولة وان ماتت تبقى الدعوة والتي قيض الله لها رجال ذوو كرامات يحفظونها بعد موت الدولة.
تشرب الخليفة بأقوال والده عن المهدية وصار مشغولا بها مما قوى من عزيمته وترقبه.ذهب للزبير باشا ظانا أنه المهدي الموعود.
أصبح مسئولا عن أسرته بعد موت والده الذي أوصاه بالبحث عن المهدي شرقا-ترك الأسرته في رعاية الشيخ عساكر(شيخ الجمع) الذي كان كريما ومؤمنا بصلاح السيد محمد فقام بكفالتهم مما مكن عبد الله من أن ينطلق نحو النيل(بحثا عن المهدي) في حمار وذرة قليلة حتى وصل الى النيل الأبيض ونزل ضيفا على أبي قرجة الذي حدثه بأن الشيخ محمد احمد تنطبق عليه الأوصاف التي ذكرها، ولكنه غير موجود حاليا بالجزيرة لمغادرته أبا الى الحلاوين لدفن الشيخ القرشي ود الزين.كان الناس ينظرون لأبناء الغرب نظرة دونية ولذلك عند ما وصل الى طيبة ورأى من يشيدون الضريح أخذ يرقبهم من بعيد. بمجرد رؤيته للمهدي أصيب بهزة ولم يستطع الوقوف عندما رآه المهدي جذبه وأوقفه أمامه. ومنذ ذلك الوقت بدأت العلاقة الوطيدة التي ربطت بين الرجلين:
- (ذكر سلاطين قول الخليفة أحسست أنني احتللت مكانة في قلبه).كافة المؤرخين شهدوا بحدة بصيرة المهدي واختياره الصائب للرجال ومن عامة الناس(عثمان دقنة –تاجر، عثمان أزرق-حامل بريد الحكومة،أبو عنجة- في جيش الحكومة،الختيم موسى،يونس ود الدكيم،محمد بشارة، احمد عبد الجليل ،موسى ود حلو وغيرهم).
- استطاع التأقلم سريعا في موقعه الجديد.
- فرّغ نفسه فورا للامام المهدي واستطاع بقوة شخصيته أن يكون في مقدمة الركب حاملا الراية الخضراء التي استبدل بها حربته الطويلة.
أقام كوخا بعيدا عن الحلة،اعتراه مرض شديد وانشغل عنه الامام المهدي بالاعتكاف وفي ذات يوم اذا به بالامام المهدي بجانب حصيره وخلفه أحد الحيران يحمل له اناء به عسل ما أن شرب منه حتى شعر بالهمة .
- نقل كوخه جوار سكن المهدي الذي أسر له بالمهدية وأصبحت مكانته تزداد رسوخا.
- توج العمل الأول بزيارة كردفان لمعرفته بأحوالها ورجالها أمثال:(الفكي المنا والسيد المكي) .
- بعد ذلك لم يغب عن مجلس المهدي وكانت مقابلاته مع الامام بعد منتصف الليل.
- عند مواجهة أبو السعود انتقلت شخصية الخليفة الى شخصية فاعلة وقد أجاب الامام المهدي عندما سأل الأنصار ان كانوا مستعدين لمواجهة أبو السعود قائلا(نعم جاهزين يا سيدي).
- كان المخطط الأول في أبا (التي تطابقت مع بدر الكبرى) والمسئول عن حماية المهدي.
- كان لأداء الخليفة دورا حاسما في ترسيخ قدمه وازالة الدونية القبلية.
- الاتجاه غربا كان فيه تمكين لخليفة المهدي فكان ترسانة معلومات واستخبارات عن الغرب(موطنه).
- أمد الحركة بجنود فعّالين مثل يعقوب جراب الراي ويونس الدكيم الذين اكتسبوا خبرات قتالية وتدربوا في جيش الزبير.
- تعاظم موقعه ألب عليه أهل المهدي – مثلا سيدي محمد(أخ المهدي) وقصة الحصان(حصان سعد الشايقي الذي قتل خليفة المهدي صاحبه في المعركة- الأبيض- واستولى على حصانه ولكن السيد محمد عارض تملكه للحصان فحكم المهدي باعطائه الفرس) .
- بعد سقوط الأبيض كانت تحول اليه المراسلات والأسلحة ولم يكن يخلد الى النوم.
- رفده المهدي بمنشورات التأييد.
- ظهرت ملكته في التنظيم التجاري وقد كان دقيقا في المحاسبة.
- وفي ادارة المعارك تموينا وتمويلا.
- ادارة الشؤون اليومية للدولة.
- الاستفادة من كل وقت قضاه مع المهدي.
- تنظيم الجيوش بالاستفادة من أنظمة الجيش الحديثة.
- استفاد من بقايا الجيش التركي.
- ذو حس جغرافي شفاف حريص على العدل بين الناس وذكر محمد عبد الرحيم أن الخليفة وصفه أحد المؤرخين الذين عاصروه وقد لازم الخليفة ورأيه أنه حكيم يزن الأمور بميزان العدل،بطلا، لا يهاب المكاره.
- كان يحترم العلماء والمتفقهين ويقول(اسمع عالم تخرج سالم).
- رأي اهرولدر عنه أنه كان صائب الرأي ولكنه محاط بمستشاريين متعنتين و متعصبين .
- لم يصطدم بشخص في حياة المهدي.
- سجل له سلاطين اعجابه بكفاءة عبدالرحمن النجومي وأنه الأقدر على مواجهة الموقف في حصار الخرطوم وهذا ينفي ما يقال عن حطه لقدر الأمير عبدالرحمن النجومي.
- ظهر تقريبه لأقربائه بعد انفجار مشكلته مع الأشراف.
- كان زاهدا في المال، وكان يقول (المال لعنة ومن كان غنيا في هذه الدنيا لن ينعم بالراحة ولا الفردوس) وكان جهير الصوت غزير المادة بلهجة البقارة.
- زوجاته اثنين(زهرا ونفيسة بنت بابكر) ابنه المقرب هو عثمان شيخ الدين.
- من صفاته الصبر على الشدائد مما عكسه مشهد أم دبيكرات وعندما اشتد الكرب ودعا احمد فضيل الله لينصرهم، قال له (أسكت الله ما بشيفك!) وعندما وقع أب جكة صريعا وضعه على فخذه قائلا لأحمد فضيل الذي استنكر ذلك: (أب جكة شالني أربعتاشر سنة أنا ما اشيل راسه يوم موته؟).
- وكاذب من يقول أنه دخل المعركة دون خطة. بعد المعركة وصل الى خور شمبات خلفه أب جكة ومعه الأمير العريفي الربيع وعثمان دقنة حيث أمر العريفي الربيع بجمع بقايا الراية الزرقا ليحول دون تقدم كتشنر و كمنوا في خور شمبات تناول قصعة عسل الى ضريح المهدي وجمع أبناء المهدي في الجانب الشرقي من الضريح والعريف الربيع يصد العدو حتى استشهد ودفن في ميدان الربيع. في أبي سعد صلى ببقايا الجيش جامعا بين المغرب والعشاء ثم التفت بهدوء وقال: (انتو قايلين المهدية روحت! بتا بالله المهدية متل قش الوطة كلما شم المطر يقوم اخضر تاني).
سياسة خليفة المهدي الخارجية:
لم تكن للسودان علاقات خارجية قبل دولة المهدية.
الغضب الشعبي الذي اجتاح بريطانيا بعد مقتل غردون مما جعلهم يعدون العدة للانتقام من قتلة غردون – في الشرق ظل الأحباش والايطاليون يتحرشون بالدولة وبرزت الاستراتيجية الأنصارية والمواهب التي ردت كيد الأعداء(الطاهر ود المجذوب والعربي ود دفع الله وعبد الله ود ابراهيم وأحمد ود فضيل).
استمر في نشر الدعوة خارجيا. استقبل عبدالله بن الفيصل بن سعود أمير نجد وأصبحوا من حلفائه وعينه الخليفة أميرا على نجد باسم الدولة المهدية وخاطب 13 قبيلة من قبائل الحجاز وعين حذيفة بن زيد أميرا على قبائل الحجاز ليقود الجهاد ضد الأتراك.
أما غربا فقد وصلت رسائل الخليفة عبدالله الى سلطان وداي وحياتو بن سعيد ورابح الزبير وكتب الى سكان مصر وخاطب السلطان عبدالحميد والملكة فكتوريا.
واجهت الدعوة المهدية معارضة من موظفي الدولة والختمية وبعض زعماء الصوفية أمثال الفكي الكناني والمنا اسماعيل كما عارضت المهدية بعض القبالئل مثل الكبابيش اضافة الى معارضة الأشراف (القدال).
وقد ذكر القدال في كتابه التقرير الذي قدمه مصطفى الأمين الجعلي للمخابرات البريطانية والمصرية عن الوضع في السودان راصدا فيه تحولات النظام الاداري التي جعلت الحكم أكثر قبولا والضرائب أقل وطأة وأنه قد بدأ تدرج نحو تأييد السودانيين لحكم الخليفة.
لقد اطلعت على محررات الخليفة عبدالله التي جمعها ابو سليم وطبعت على نفقة السيد عبدالرحمن يحي المهدي للتحقق من افتراءات الداخل والخارج فلم أجد نصا يدل عليها بل على العكس، وهذا بعض من نماذج تبين سلامة نفس الرجل القوي الشجاع، وزهده في الدنيا:
- رسالته الى كافة أهالي رفاعة وجماعة ود الصلحابي وكافة الأنصار: (أيها الأحباب الصادقين المشمرين قد قبلناكم ورضينا عنكم كل الرضا ولا يخفى عليكم يا أحبابي أن هذه الدار فانية لا بقاء منها لحي وهي سجن المؤمن وجنة الكافر).
- خطابه الى محمد حامد جفون: ( لا تتركوا امرأة ولا رجل كلية، صرفوهم واكسوهم كذلك كافة الهبانية كل رجل منهم تكسوه جبة وسروال وفردة وتعطوه مصروف طيب).
- الى السني ود قودي: ( حبيبي عرف الأحباب يكونوا واقفين على الحدود متمسكين بالشرع واحذروا الميل الى الدنيا وليكن همكم اصلاح العباد من الفساد).
زعم شقير أن خليفة المهدي هرب! بينما انسحب خليفة الصديق لاعادة الكرة لينتصر لدين الله، وقد فعل، حيث رجع من قدير متجها لامدرمان ووصل جديد في يوم الخميس 23/نوفمبر/1899م وأتته أخبار قوة ونجت وجيشه فاعتلى المنصة وخاطب الأنصار ( أنا حالف بالله أن لا أضع كفي في كف كافر وباكر اما النصر أو الشهادة أنا معافي منكم لله والرسول الما عنده قدرة على القتال فليكون الليل ليه ساتر وودعناه رب العالمين واحنا عافين منه لله وللرسول) فصاح الأمير البشير عجب الفيه(يا سيدي احنا ناوين مقابلة المهدي في الآخرة حاشا يقولوا فوقي البشير بك!أنا الأمير البشير).
في صباح الجمعة 24 نوفمبر 1899م يقول شقير (عند الخامسة صباحا رأيناهم يهاجمون زمرا لا يبالون بالموت وبدأت نيراننا تصليهم بلا انقطاع)
وفي المعركة لم ينقطع أمل عثمان دقنة في النصر وظل يخطب في الأنصار حتى تبددت الصفوف . في أم دبيكرات ترجل خليفة المهدي وأمر أب جكة بفرش الفروة وفرش لعلي ود حلو يمين خليفة المهدي والى جواره الصديق ود المهدي وعن شماله احمد ود فضيل وقف الملازمون صفا وراء خليفة الصديق ووقف أبي جكة أمام خليفة الصديق ليكون له ساترا من القذائف هكذا كان اللقاء ،ووجد مضرجا بالدماء هو وبجانبه الخليفة علي ود حلو والصديق ود المهدي وأحمد فضيل واخوانه السنوسي أحمد وهارون محمد وأحمد ود علي وعبد الباقي عبد الوكيل ويعقوب أبو زينب وبشير عجب الفيه وتولى الأمير يونس الدكيم وبعض الأسرى دفنهم في نفس المواقع التي سقطوا فيها. الأسرى هم:(عثمان شيخ الدين،يونس الدكيم،الختيم موسى،فضل الحسنة،اسماعيل أحمد،الطاهر المجذوب،علي فرفار،عثمان دقنة)
هذه صورة لبعض شجاعة خليفة الصديق ومن معه والذي أنكر شجاعته المرجفون واجتهد الفاتحون لنبش سيرته وتفرقة بنيه وأحفاده – راية لن نخنها حتى الموت.
رحم الله خليفة الصديق وأصحابه وبرد ثراه ورضي عنه وأرضاه.

المعقبون
د.فدوى عبدالرحمن علي طه:
أبدأ القول بما ذكره السيد الصادق في قاعة الشارقة لدى عرض كتابه الانسان بنيان الله(أن النقد أفضل وسيلة للبناء عرفها الانسان) ومن هذا المنطلق سأتحدث:
فترة حكم الخليفة يجب أن تؤخذ بما فيها للخليفة وما عليه.هذا هو الأساس وليس هناك شك في أن الخليفة لعب دورا أساسيا في انجاح الثورة المهدية. عند وفاة المهدي كانت الثورة المهدية وصلت نقطة حرجة. كان لابد للخليفة من توطيد مكتسبات الثورة وقد وقع عليه العبء وخوض الجهاد خارج نطاق حدود السودان واجه ظروفا صعبة كان لا بد من ايجاد السبل لمواجهة تلك الظروف الصعبة.اتفق المؤرخون ومنهم الأعداء على أنه يملك موهبة ادارية فذة ولا طموحات شخصية له.موضوع الندوة كان التركيز على أخطائه دون انجازاته ساهم سلاطين في ذلك فقد بالغ في ذكر أخطاء الخليفة ولم يبرز دوره كحاكم موهوب.مواقف الخليفة لم تكن بسبب تعطش للدماء أو رغبة جامحة للظلم بقدر أنه كان يريد تأمين حكومة قوية .واجه عجزا في معاونيه لتحقيق ذلك لجأ الى الاسلوب الذي اتبعه- توطين قبائل البقارة هز بها توازن السودان القبلي. أوجد الامام المهدي النزاع بينه والأشراف بسبب ثقته المطلقة في الخليفة. كان يؤمن بالمهدية ايمانا مطلقا ولم يكن يستطع الوصول الى حل توافقي مع حاكم بعيد. عدم الادراك جعله يرسل عبدالرحمن النجومي الى توشكي ومعركة النخيلة التي خاضها محمود ود احمد وكان يزن الأمور بمنطق الشجاعة فقط.صار يعين أقاربه لضمان الولاء لم يعتمد على الكفاءة. المواجهة الأولى والثانية مع الأشراف الذين كانوا يتحينون الفرص لاثبات وجودهم وكان موقفهم أقوى لأن كل القواد كانوا من القبائل النيلية .تمكن الخليفة من ازاحتهم بمعاونة حمدان أبو عنجة وحسم الصراع على السلطة لصالح الخليفة.
تمكن من ايجاد نظام اقتصادي فعال بمقاييس ذلك الزمان ولكنه اتخذ قرارات تفتقر الى المنطق مثل ايقافه التجارة بين السودان والعالم الخارجي. بسبب الصراع بين أولاد البلد وأولاد البحر تدخل الخليفة عبدالله لضمان استقلال السلطة المالية للمحافظة على استقرارها وثباتها. أبعد ذلك عناصر ذات كفاءة مثل أحمد سليمان .من فقدوا عطف النظام عوملوا معاملة قاسية . لا نشك كمؤرخين في كفاءة الخليفة واقتداره والا لما فضله المهدي وكما وصفه بيتر هولد في كتابه (دولة المهدية في السودان) كان أسيرا لظروفه في ذلك الوقت. أما شجاعة الخليفة والأنصار فهذا ما شهد به الأعداء.

أستاذ عبدالله آدم خاطر
اللحظة متهيبة لأنها للحديث عن التاريخ وعبر شخص أثار جدلا وحقق نجاحات حقيقية مؤثرة حتى هذه اللحظة. نشكر تمكيننا من الاضطلاع على مادة المحاضرة وأتحدث في جانبين:
- المحاضر كأنصاري يدافع عن وجوده ويستعيد في أذهان الجميع المهدية في سودان اليوم من جهاد عسكري الى جهاد مدني (الصادق المرشح الأول لذلك) هذا ويستطيع أي محلل في اطار تاريخي قراءة ذلك.استطاعت المهدية افشال قاعدة تقسيم السودان واعادة السلطات والممالك والمشيخات كما كانت قبل العهد التركي استطاعت المهدية بالحس الثوري والمشاركة أن تفشل المخطط ويقوم السودان الحالي واستطاعت المهدية أن تحيل من السودان المتعدد، سودانا واحدا. لعل أهم النقاط جاذبية ما عرفوا بالرقيق ساهموا في بناء الدولة مما ساعد شخصا مثل الخليفة عبدالله في تثبيت أركان الدولة على أسس المهدية.
هذا محل نقاش مفتوح لأهل الرأي والسياسة .
المجال الثاني:
الكلام عن الخليفة عبدالله كشخصية مؤثرة صعدت بامكاناتها الشخصية الى مقام الشخص الثاني. تمكن من بناء دولة مؤسسة على تلك الدعوة مثل ستالين (رجل الصف الثاني كان له الفضل في تثبيت الدولة)ولكن على عكس ستالين الذي توترت علاقته مع لينين فان علاقة المهدي بالخليفة لم يشبها أي توتر.المجتمع لم يكن مهيأ لقبول التنوع .الأفكار حول الخليفة كثيرة على المؤرخين مسئولية اعادة قراءة شخصية الخليفة.قدم المحاضر الخليفة كشخصية تنفيذية واجه مشاكل حقيقية ولكن ليس برغبته وكان لا بد من حسم بعض المشاكل بصورة ما.كان الخليفة يقول (البلد دي فيها جن لابد)الجن اللابد- في رأي- هو ادارة التنوع. كان أحادي التفكير في أن الادارة المناسبة هي ادارة المهدية . على كلٍ، المجهود الصحيح والحميد كان وما زال نأمل أن نستطيع ادارة الجن اللابد.
ساهم الخليفة في ادارة الدولة بالنصر في المعارك والقدرة على استقطاب المجموعات المختلفة في التعامل قولته المعروفة – في ناس بخافوا من الله وفي ناس بخافوا من خليفة المهدي ومابخافوا من الله وفي ناس ما بخافوا من خليفة المهدي وما بخافوا من الله) فضلا عن استفادته من الخبرات، ووعيه بالمهددات الخارجية من جهة الشرق وأن الغرب هو أمان السودان وخطؤنا الآن عدم ادراك ذلك ووضع تشاد في المواجهة الحالية.
بالنسبة للمستقبل من الصعب محاكمة أشخاص بمقاييس بغير مقاييس زمانهم.لكن الشجاعة الشخصية لا يعّول عليها في نجاح سياسي لأنه الشجاعة الشخصية لا تغني عن المؤسسية. يؤخذ على الخليفة عدم قدرته على ادارة الدولة – قوة الدولة ليست في الرئيس بل في مؤسساتها.
كان يستحضر روح المستقبل في قوله تروح الدولة وتبقى الدعوة ويمكن استعادتها في ظروف جديدة-نتمنى أن تستعيد المهدية قدرتها على العودة بادارة جديدة لروح العصر.

أستاذة اخلاص مكاوي:
أتفق مع د.فدوى وأستاذ عبدالله في طرحهما –لا يجب الحكم على الخليفة بمعطيات اليوم.دولة المهدية وفكرها تمت محاربته بصورة منظمة ان قرأنا ما كتب خوفا من المد الاسلامي.الخطابات التي أرسلت لأوروبا مثل قول تشرشل(لو أطال الله في عمره لتغير وجه الشرق).العروة الوثقى ذكرت أن جمعية الثبات السرية اتصلت بالامام المهدي والخليفة ونشرت منشورات مضادة مفادها ان جيوش المهدية ستحرر مصر مما شجع الخليفة على ذلك.الذين كتبوا عن الخليفة مثل سلاطين-ملازم الخليفة وابراهيم فوزي- الذي أطلق سراحه بعد كرري لا يمكن أن يكتبوا كلمة حق واهرولدر أيضا وونجت رغم كتابته لتقارير مختلفة اذ كتب تقرير كرري منصفا الخليفة.
أصدر الامام منشورا الى كافة أحبابه (اعلموا الخليفة عبدالله خليفة الصديق هو مني وأنا منه )لا تعترضوا عليه فقد حكّمه الله فيكم)كان يخاطبه بعبارات توضح مكانته (الى خليله حبيبه وصفيه ويدعو له) الخليفة عبد الله استمد سلطاته من كل ذلك والأوضاع التي كانت في الدولة في تلك الفترة من حروب ومجاعات وفرقة وعنصرية. من هو القائد الذي واجه كل ذلك والبلاد واسعة بحجم قارة كان كثير اصدار القرارات .من استطاع ادارة ذلك من الحكام والقواد ؟ ليس وحده كثيرون تعرضوا الى التهم والهجمات لمواجهة الاستعمار .حكمه كان عسكري ومركزي .وقد كان اداريا محنكا ضبط النظام واعتمد على العلماء(اسمع عالم تخرج سالم).كان يطالب بما هو شبه مستحيل فقد جمع بين وظائف كثيرة.لم يكن الخليفة عبدالله جاهلا . قوله للملكة فكتوريا نبع من فرط ثقته في انتصار الدعوة . طريقة استشهاده شهد بها الأعداء قال تشرشل كانوا أشجع من مشى على وجه الأرض- كيف يرمى ذلك البطل بالجبن! ومهما كانت نظرتنا للخليفة لا نملك الا أن نعجب بصورة شجاعته- لابد من تعظيم أبطال هذا البلد اذا كان نعوم شقير يمجد محمد علي باشا لماذا نصف زعمائنا بهذه الصفات الشنيعة. لدينا شخصيات لم يكتب عنها بينما كتب أكثر من أربعون كتاب عن غردون كم كتاب كتب عن الامام المهدي وعن أبو عنجة وغيره؟ والمطلوب ليس اعادة كتابة التاريخ بل تصحيح أخطائه.

المداخلات
محمد داؤود الخليفة
الشكر لمنظمي الندوة على الدعوة والشكر للمشاركين على كريم حديثهم دفعا للافتراء على خليفة المهدي عليهما السلام.
ونعلم أن دفع الافتراء عن خليفة المهدي هو جهد تنوء بحمله الجبال لأن الأعداء كثر والظروف التي أحاطت بزمنه كانت صعبة ومعقدة للغاية.اذ أن تاريخ المهدية (عامة) وليس الخليفة عبدالله وحده قد وقع تحت رحى أكبر أجهزة اعلام عالمية حتى يومنا هذا- الاعلام البريطاني والاعلام المصري- وما زال الناس في الوطن العربي بأسره يقولون لك ان هذا الخبرصحيح لأن هنا لندن أذاعته أو لأن هنا القاهرة رددته، وقد حاول هذا الاعلام الظالم كذبا وتشويها أن يسيء للثورة المهدية وقادتها خاصة الخليفة عبدالله ليبرروا عدوانهم وغزوهم واستعمارهم للسودان كما خططوا لذلك.
ونحن نعيش اليوم ونسمع ونرى أكاذيبهم وتلفيقاتهم كما فعلوا بالأمس مع العراق وأشاعوا بأنه يمتلك أسلحة دمار شامل كذبا وبهتانا ليبرروا غزوهم له ووضع أيديهم على ثرواته وبتروله.
اذا كان هذا ما حدث منهم في القرن الواحد وعشرين فكيف بأكاذيبهم واشاعاتهم المضللة واختلاقهم لأحداث لم تحدث في القرن التاسع عشر ؟!
لقد وصف كاتب فرنسي الانجليز بأنهم يجيدون ثلاثة أشياء في حياتهم :قلي البطاطس، يجيدون أكل السمك،ويجيدون تزوير التاريخ! لأنهم زوروا تاريخ فرنسا كله ونابليون على على وجه الخصوص كما زوروا تاريخ المهدية وخليفة المهدي على وجه الخصوص ويمضون في تزويرهم للتاريخ لكل عظيم مثل غاندي ونهرو وبسمارك وجمال عبدالناصر لأن ليس لهم تاريخ مثل هؤلاء يفتخرون به.الا القرصنة والدمار والاستعمار.قابلت في عام 1992م في المؤتمر العربي/الاسلامي الذي كان الدكتور حسن الترابي يدعو له كبار المفكرين الاسلاميين في العالم العربي وغيره قابلت الدكتور محمد امام وهو أستاذ الدراسات الاسلامية بجامعة أوهايو بامريكا.أحضره الي المرحوم الدكتور ابراهيم عبيدالله في قاعة الصداقة بالخرطوم حيث يعقد المؤتمر لأنه كان يريد الاستفسار من بعض الأشياء مني كحفيد للخليفة عبدالله. وقد عرف نفسه كأستاذ للدراسات الاسلامية في جامعة أوهايو وقد كان بحثه للدكتوراة عن الحركات الاسلامية في الوطن العربي" في لندن التي قصدها لشهادة الدكتوراة وقال أنه قرأ فيها عن المهدية وقد لفت نظره تحامل الانجليز الواضح على خليفة المهدي وقد كان هذا الظلم سببا في اعجابه بالخليفة وقد وضح له أن هذا التحامل كان بسبب أن الخليفة هوجم لأنه يمثل رمزا اسلاميا كبيرا هدد الانجليز.وعند تلقيه للدعوة لحضور المؤتمر في السودان- بلد الخليفة بعد 15 سنة من رجوعه من انجلترا قرر فورا تلبية الدعوة . ويقول أنه لفت نظره تغييب كامل للخليفة (لا توجد أي اشارة له ولا صورة!)وهذا شيء غريب لا أفهمه!
شكرته على الاهتمام وأبنت له أسباب غل الانجليز من المهدية بسبب قتلها لأعظم جنرالاتهم(هكس،ستيوارت وغردون) فقاموا بعد استشهاد الخليفة الذي استمات في قتالهم دون استسلام سلطوا عملائهم لاغتيال شخصيته (سلاطين،اهرولدر ،نعوم شقير وابراهيم فوزي) وقد كانوا أسرى وأولهم ونجت باشا رئيس قلم المخابرات الذي كان من أولى مهامه تشويه صورة الثورة المهدية لاقناع الرأي العام البريطاني بضرورة انقاذ السودان من (ظلم المهدية) .وقد امتدت مجهودات تشويه تاريخ المهدية حتى طالت مناهج التعليم بالمدارس وصارت هذه الكتب (للأسف) مراجعا تاريخية! وبهذا نشأت أجيال تحت الاستعمار الانجليزي في السودان الذي استمر لمدة ستين عاما وطيلة هذه المدة تم غسيل مخ لهذه الأجيال وتم حشوها بهذه الأكاذيب والافتراءات. ورددت هذه الافتراءات حتى صدقها مختلقوها!
ظل الخليفة طيلة ثلاثة عشر عاما من عمر الدولة يواجه الأعاصير والأخطار ويحفظ للبلاد استقلالها وعلمها وعملتها رغم المشكلات التي أثارها الاشراف وبعض أقارب المهدي وبعض القبائل التي لم يكن لزعمائها حظ يذكر في المهدية فآثرت العداء وكذلك العلماء الذين سماهم المهدي علماء السوء اضافة للحساسيات بين أهل البحر والغرب وفوق كل هذا وذاك الأخطار الأجنبية التي كانت تحاصر الدولة المهدية من كل جانب(في الشرق الحبشة المتعصبة للمسيحية والطليان في اريتريا وفي الشمال مصر الخديوية التي تدعي السيادة على السودان ومعها انجلترا التي اتخذت الادعاء ستارا لغزو السودان،في الجنوب بلجيكا وأمين باشا الألماني القابع في يوغندا وفي الغرب(جهة بحر الغزال) فرنسا التي تطمع في الحزام الافريقي الذي يربط الكنغو بجبوتي شرقا مرورا بالسودان.وتلك المطامع هي دافعهم للدعاية ضد الخليفة تبريرا للسيطرة على أراضيه وثرواته.
أكرر الشكر للدفاع عن تاريخ المهدية وبالذات عن خليفة المهدي لننشيء جيلا يعرف حقيقة آبائه وأجداده وما قدموه لهذا الوطن ويرفع رأسه عاليا افتخارا بهم.وليس ذلك عن فترة المهدية وحدها بل يمتد ليشمل السلطنة الزرقاء والمك نمر والسلطان علي دينار والزبير باشا فكلهم مظلومين ومفترى عليهم وأشكر لكم جهدكم وجزاكم الله خيرا والسلام عليكم.

د.فيصل محمد موسى
بعد الاضطلاع على أكثر من مليون وثيقة عن الجانب الاداري يظهر أن هذا العهد هو مؤسسة الدولة الحديثة –العلم- الحدود- العملة- الجيش- حدود السودان الحالية حتى وادي اللاي بين نمولي (أضيفت ليوغندا) والجهد الذي عمل فيها اداري هذا يربط بالناحية المالية وسيطرته القوية على كل أنحاء السودان من جمع للزكاة ومراسم الخليفة تعطي فكرة عن المتابعة الدقيقة شبر شبر وخور خور وقد استمر هيكله الاداري أساسا للدولة وقد أشار كتشنر أيضا لذلك بأنه نظام فيه نوع من الشدة وهو النظام المتعارف وقال أنه لا يرى ضرورة لتعديله حاليا.
بالنسبة للتنوع الذي تمت الاشارة لغيابه مثلا:
- الجيش: جيش كرري كانت مشتركة فيه كل قبائل السودان مما يدل على التنوع الاداري وقد حافظ عليه الخليفة عبدالله.
- السياسة الخارجية: لم يكن الخليفة حبيس فكرة جامدة ففيما يتعلق بمصر والحبشة وشرق أفريقيا – غير سياسته وأرسل الهدايا للملك – رد الخليفة على الزبير باشا وقد كان ردا شديدا لأنه أراد التوسط – التواصل مع دان فوديو – أصلح بين رابح وحياتو بن سعيد وحفزهم على الفرنسيين .
- لنا أن نفتخر بخليفة المهدي وهو واضع أساس السودان الحديث.

رئيس الجلسة:
أضيف أن المراجعة الداخلية كانت تسند للخليفة بنفسه مما يؤكد تمتعه بالحس الاداري.
محمد المهدي حسن:
عدة نقاط:
1/ هل كان خليفة المهدي يقاتل حتى قتل أم فرش الفروة وانتظر حتى الموت؟ وهل كان يصلي الصبح وقتل؟
2/ الاتهامات التي تكال للدولة بسبب تفلت الجهادية والفرق أن الدولة لم تكن تدعمهم.وقضية الجهادية من الأشياء التي نحتاج للتكلم فيها لأن أفعالهم أضيفت للمهدية.
3/ قضية المتمة:أخبرني الشيخ المجذوب جلال الدين كان للجعليين دورا أساسيا في المهدية. عدد من الأفراد والكتاب على رأسهم قائد جيوش المهدية –عبدالرحمن النجومي وتجري محاولات لفصل الجعليين من الأنصار .يضير أي قبيلة عدم اشتراكها في المهدية ولا يضير المهدية ذلك(لأنها حقبة أساسية من تاريخ السودان) والطيب محمد الطيب أكد على ذلك وعلى دور المجاذيب واستشهاد الفكي الطاهر ودعم ذلك من وقفوا مع ود سعد الخفاف من الجعليين- والقيادات الأساسية كانوا على بيعتهم وعلى ولائهم.وقد أثارت هذه النقطة نقاشا كبيرا.
في جريدة رياضية كتب أحدهم (الغازي محمد احمد!) يجب أن يفهم الجيل الحالي التاريخ كما يجب –خاصة تاريخ خليفة المهدي الذي حكم لمدة طويلة.وقد صلى الصلوات الخمسة الا فترة المرض(خمسة أيام) في يومية يوم الخليفة عبدالله التي سجلها نعوم شقير من الصبح حتى نومه يوم مليء بالنشاط الراتب _الجلوس للدرس، تلقي التقارير، أحوال الدولة- ويرصد كل ذلك ويحاول الاحاطة به (ادارة دولة شاسعة بكفاءة بالرغم من نقص الامكانات).
رئيس الجلسة:
في مرافقتي لأبو سليم أستاذي الذي كان يطلعني على أعماله محررات خليفة المهدي وقد قال لي بعد خلوصي من محررات الخليفة يحق لكم الكتابة عن تاريخ السودان.
عبدالرحمن الطيب الأمير يعقوب:
قامت المهدية في ظروف عجيبة- في القرن التاسع عشر أوروبا اكتشفت الأسلحة الفتاكة. قبل ذلك الأسلحة كان مستواها ضعيف لم تكن قوية مثلما هو الحال في كرري وأم د
بيكرات مما أصابها بالغرور ودفعهم للاستعمار-بلجيكيا في الجنوب، فرنسا في الغرب،الانجليز في سواكن،وايطاليا في الشرق الانجليز والمصريين من جهة الشمال.كل هذه الدول تكالبت على السودان. المهدية في بداية أمرها كانت دولة محاربة . بعد ذلك انتقل المهدي بعد شهر من فتح الخرطوم تاركا عبء تأسيس الدولة القليلة الامكانات في يد الخليفة عبدالله- مع مراعاة سعة المساحة.
كيف يمكن جذب الناس؟ آمن الناس بالمهدي ونصروا المهدية وواجهوا الموت بشجاعة. كان السودان قبائل مستقلة من بعضها جمعتها المهدية تحت ادارة واحدة.كيف تدار هذه الدولة؟ المال،السلاح والخبرات كلها امكانات تلزم لادارة كل ذلك ولم تكن الفترة كافية لتجمع كل ذلك الشتات. نجح الخليفة في ادارة الدولة الممتدة من أمدرمان لأقصى الغرب في أقل مدة عن طريق محطات الجمال لايصال الخطابات. صيانة الأسلحة كانت تراقب بصورة لصيقة حيث تتم صيانتها فورا.استفادة من العهد التركي في مجال تعدين العملة والسلاح والحديد والنحاس والنجاح في ذلك، عملة المهدية كانت تقبل في كل الدول لأنها من ذهب. عمل خليفة المهدي كل ذلك الانجاز.
النزاعات حول السلطة مع الأشراف هذا موضوع هام. كان يعتقد أن الخليفة يريد الاستيلاء على السلطة وحارب الأشراف لأنهم أرادوا السيطرة على الحكم بعيدا عن الدين( تبرأ المهدي في حياته من أهله الأشراف). وحاربهم الخليفة من هذا المنطلق . يتهم الخليفة بشن الحرب على قبائل كثيرة ولكن لم يحدث ذلك دون سبب فكان لا بد يستجيبوا لدعوة الخليفة.
رئيس الجلسة:
الأجيال الحالية مغيبة تماما من التاريخ.
مقترحات:
- طبع المحاضرة وتوزيعها.
- من أستاذ عبد الله لآدم خاطر:( ضرورة اعادة كتابة تاريخ خليفة المهدي).

الاثنين، 28 سبتمبر 2009









جمهورية ايران الإسلامية

وزارة الثقافة والاعلام بالتعاون مع جامعة الامام الصادق ( ع )

المؤتمر العلمي العالمي في الفترة من 10 ـ11 مارس 2007 طهران

تحت شعار الجهاد العلمي

الوحدة الإسلامية التحديات والحلول
تقديم الأستاذ / عبد المحمود أبّو
الأمين العام لهيئة شئون الأنصار ـ السودان




ـ المقدمة ـ
الدعوة الإسلامية منذ أن انطلقت في مكة المكرمة واجهت تحديات كثيرة من المجتمع الجاهلى تمثلت في الصدود والإنكار والتشكيك والمواجهة ومحاولة الاستئصال ولكن الدعوة كانت تحمل عناصر القوة في داخلها فتمكنت من الصمود في وجه الإبتلاءات وحققت انتصارات تلو انتصارات على النظام الجاهلي فثبتت أقدامها وأبطلت مفعول أدوات الخصم حتى ضاق بها ذرعاً وقرر القضاء عليها فانتقلت إلى المدينة المنورة .
وفي المدينة واجهت الدعوة تحديات بناء النظام الجديد على أسس ومفاهيم غريبة على النظام القبلي الذي كانت تسيطرعليه قبيلتا الأوس والخزرج وحلفاؤهما من اليهود , فكانت التحديات تتمثل في : بناء المجتمع على مفاهيم الدين الجديد وتجاوز الصراع الأوسي الخزرجي , ومواجهة التيار السلولي ـ نسبة إلى عبدالله بن أبي بن سلول ـ والتصدي للمكراليهودي , فضلاً عن الاستعداد للمواجهة المحتملة مع أهل مكة الذين لن يسكتوا على اللطمة التي وجهها لهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالهجرة إلى المدينة وافشال مخططهم الذي اتفقوا عليه في دارالندوة .
وعلى طول المسيرة التارخية تعرضت أمة الإسلام لتحديات كثيرة داخلية وخارجية استطاعت أن تواجهها وتخرج منها منتصرة بالرغم من الخسائر التي تعرضت لها , وأخطر تلك التحديات كان الخلاف الذي فرق الأمة إلى فرق وجماعات جرت بينها حروب حصدت فيها آلاف الأرواح , ثم الإستعمارالخارجي وغير ذلك من التحديات التي لا تزال آثارها تنهش في جسد الأمة الممتلئ بالقروح والأمراض .
إن أمتنا اليوم تمر بمنعطف تاريخي خطير حيث تكالبت عليها الأمم من كل الأرجاء للقضاء عليها وأنهكتها الحروب الداخلية والخلافات الطائفية والمذهبية , وعطلت نهضتها النظم الشمولية والصراعات السياسية , إنها مطالبة بمراجعة مسيرتها وتشخيص أمراضها وتحديد الدواء حتى تنهض من جديد لمواصلة مسيرتها القاصدة بإذن الله . إنني أشارك بهذه الورقة في هذا المؤتمرالهام الذي أعتقد أنه جاء في الوقت المناسب لأن شعوبنا تتطلع لقادة الفكر والرأي أن يقدموا الحلول التي يمكن أن تنتشل الأمة من هذا الواقع المرير , وأن يبينوا الوسائل التي تؤدي إلى وحدة الأمة وورقتي تشتمل على مقدمة وثلاثة محاوروخاتمة , وهي مساهمة متواضعة لاستنهاض الأمة للقيام بواجبها الهادف إلى تحقيق الوحدة الإسلامية .




المحورالأول : الواقع الإسلامي :
المسلمون يشكلون خمس سكان العالم تقريباً , ويتوزعون في كل القارات , والعالم الإسلامي يوجد جغرافياً في قلب المعمورة وله صلاة جغرافية بمعظم قارات الدنيا , بل يسيطرعلى أهم الطرق والممرات الدولية , ويسيطرعلى معظم الطاقة البترولية في العالم , فأمة الإسلام من حيث العدد والموارد والموقع الاستراتيجي والرباط الروحي أمة فريدة لا تضاهيها أمة أخرى . ولكن مع هذه الميزات البارزة فإنها تعاني من الآتي :
أولاً : التقسيم القطري : فمنذ سقوط الخلافة العثمانية في تركيا عام 1924م فقدت الأمة الرباط السياسي وتقسمت إلى دويلات قطرية صغيرة منغلقة على نفسها وحلت المواطنة محل الرباط الديني, وفي معظم الأحيان توجد مشاكل بين الدولة وجاراتها من الدول التي تنتمي إلى نفس الدين بل دخلت في حروب استعانت فيها بالأجنبي على ابن العم فاتسعت شقة الخلاف وصار الغريب أقرب من الجار الشقيق الذي تجمعه مع جاره ديانة واحدة وثقافة واحدة وتاريخ مشترك ..
ثانياً : التفاوت الإقتصادي : بعض الدول الإسلامية تصنف من الدول الغنية وبعضها متوسطة الحال وأخرى تعيش تحت خط الفقر , فالفوارق الإقتصادية افرزت فوارق اجتماعية ونفسية قتلت الشعور بالوحدة عند كثير من المسلمين , مع أن الدعوة الإسلامية في الأصل جاءت لتصحيح العقيدة وللتقسيم العادل للثروة , وشنّت حملة كبيرة على المحتكرين والمرابين وأصحاب الكنوز والمانعين الماعون والممتنعين من الحض على طعام المسكين . هذا التفاوت لم يقتصر على الدول بل انسحب حتى على المواطنين في الدولة الواحدة فبعضهم يموتون من التخمة وآخرون يموتون من الجوع وصدق إمام المتقين علي عليه السلام عندما قال : " ما جاع فقير إلا بتخمة غني " ..
ثالثاً : الصراع السياسي : لا تكاد دولة اسلامية تخلو من صراع على السلطة , والصراع والتدافع جبلة بشرية ولكن طبيعة الصراع السياسي في البلدان الإسلامية صراع خشن إلا من رحم الله فالدول الغربية مثلاً حلت هذا الاشكال واهتدت إلى التداول السلمي للسلطة فوفّرت كثيراً من الطاقات والإمكانات والأرواح المهدرة في الصراع من أجل السلطة , ولكن عالمنا الإسلامي في الغالب يخلو من الحاكم السابق الحر الطليق فهو إما في السجن وإما في القبر , وطبيعة الصراع السياسي عندنا تخلو من التسامح فالحكومة لا ترى في المعارضة إلا متآمرة وخائنة ومخربة والمعارضة لا ترى في الحكومة إلا الوجه القبيح المتمثل في البطش والتنكيل والفساد ...الخ
رابعاً : الخلاف : أصبح الخلاف سمة غالبة فهنالك خلاف طائفي وهناك خلاف سياسي وهناك خلاف فكري وهنالك خلافات مذهبية , والخلاف سنة إلهية وضرورة اجتماعية وواقع كوني ولكن طبيعة الخلاف هي التي تفرق بين الخلاف المذموم والإختلاف المحمود , إن الواقع الإسلامي يبين أن معظم الخلافات مذمومة لأن كل صاحب مذهب أوطائفة أو فكر لا يقبل بالآخر ويسعى لاستئصاله , بل انتشرت ظاهرة التكفير التي أصبحت سمة غالبة لخوارج العصرالحديث , فالخلافات داخل الأمة واحدة من عوامل التراجع ..
خامساً : الأطماع الخارجية : تلك العوامل أظهرت الأمة بمظهرالضعف , فقد عجزت أن تحرر القدس أولى القبلتين والحرم الثالث في الإسلام , هذا الضعف أطمع العدو فصار ينفذ سياساته في بلاد المسلمين عبر بلدان وشخصيات مسلمة , وصارت ديار المسلمين ساحة للحروب الدولية بالأصالة والوكالة , وفقدت الأمة شخصيتها الإعتبارية وصار الغرب مبهراً لكثير من الشباب المسلم لأنه يجد عنده ما يفتقده في بلده كالتنمية والحرية واحترام حقوق الانسان ..الخ فهاجر كثيرمن أبناء المسلمين للغرب طلباً للرزق أو فراراً من البطش أو تلبية لحاجة نفسية .
سادساً : الشعار الإسلامي : اختطف من قبل الغلاة والمتطرفين , فالمظالم المشار إليها أصبحت بيئة صالحة لولادة التطرف , واستغل المتطرفون هذا الواقع واندفعوا ينشدون التغيير فشنوا حرباً على الجميع وأعلنوا الجهاد على الكفار فدفعوا بالأمة إلى أتون حرب لم تكن مستعدة لها , وهكذا وجد العدو فرصته ليعلن الحرب على كل المسلمين تحت شعار الحرب على الارهاب , فضاعت قضية المسلمين المركزية ـ احتلال فلسطين ـ وفقدنا أفغانستان , و تحول العراق إلى بـؤرة متفجرة , اختلطت فيها الأوراق : فالارهاب والاستهداف الطائفي والغلو عناصر أدت إلى تشويه مقاومة الاحتلال . ولبنان مهدد بالانجراف , والصومال تمزق , والسودان في طريقه إلى التمزق , هنالك تحالف بين الاستبداد والتطرف وتيارالمحافظين الجدد في أمريكا , هذا التحالف هو المسئول عن الكارثة التي تمر بها أمتنا في الوقت الراهن .
سابعاً : الشعوب الإسلامية لديها وعى كبير يتفوق على قادتها في بعض الأحيان , لأنها ما زالت تتميز بالنقاء ولم تتلوث بأمراض السلطة والثروة , فهي تتطلع إلى استعادة مجدها والإعتزاز بدينها , وقد قدمت سنداً معنوياً كبيراً لحركة المقاومة في فلسطين , ووقفت مع المقاومة اللبنانية حتى انتصرت على العدو الصهيوني انتصاراً كبيراً اعتبرته الشعوب نصراً للأمة كلها وربما خالفت في ذلك بعض نظمها الحاكمة , إن الوحدة الإسلامية تتبلور الآن في وحدة المشاعر والمواقف الشعبية ويمكن أن تتطور إلى وحدة سياسية واقتصادية إذا استصحبت الشعوب وأشركت في القضايا المصيرية ..

المحورالثاني : التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية :
التحدي المعرفي :
تميز الإنسان على المخلوقات الأخرى بالعقل والإرادة والحرية وبالمعرفة الواسعة التي خصّه الله بها قال تعالى : ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿31﴾ قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴿32﴾ قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ [البقرة :31-33] ومعجزة الرسول الخاتم تتمثل في القرآن الكريم الذي نزلت آياته الأولى مبينة قيمة العلم والمعرفة قال تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿1﴾ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿2﴾ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿3﴾ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿4﴾ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق:1-5] والحضارة الإسلامية تاريخياً قامت على صرح علمي متكامل شمل كل جوانب الحياة وتوفر في ظلها المناخ الذي ساعد في تفجير الطاقات الإنسانية فاكتشفت العلوم وتوسعت المعارف ووضعت المناهج العلمية التي اهتدى بها اللاحقون , غير أنّ هذا العطاء تراجع لعدة عوامل أهمها : أن المناهج السائدة في عالمنا الإسلامي لا تساعد على الإبداع والإبتكار والتجديد فهل من سبيل لإيجاد منهج يتعامل مع القرآن والسنة بأسلوب الإستنطاق كما سمّاه الشهيد سماحة الإمام محمد باقر الصدر , منهج يؤسس لمنظومة معرفية تنطلق من الكتاب المقروء ( القرآن الكريم ) والكتاب المنظور( الكون ) منهج يغرس في المسلم ملكة النقد والمقارنة والإستنتاج العقلي , منهج يواكب حركة التطور التي حدثت في الكون بسبب ثورة الإتصالات والمواصلات وضخ المعلومات بصورة لم يسبق لها مثيل ! إن أول تحد يواجه أمتنا هو التحدي المعرفي ..
التحدي السياسي :
الإسلام جاء ديناً خاتماً للرسالات اشتمل على أصولها وتميّز عليها بالعموم وصلاحية التطبيق عبر الزمان والمكان , وقد اهتم الإسلام بكل شئون الحياة الفردية والمجتمعية وعلى نطاق الدولة وعلاقاتها وكان العهد النبوي وعهد الراشدين يجسد الروح الإسلامية في المجال السياسي , غير أن هذا النهج انقطع بتحول الخلافة الراشدة إلى ملك عضوض , فتعطلت الشورى وغاب العدل واضطرب النظام السياسي إلى يومنا هذا , لقد توصل الغرب إلى بلورة فكر سياسي تمخض عنه النظام الديمقراطي وهو نظام يقوم على المشاركة والمساءلة والشفافية والفصل بين السلطات والتداول السلمي للسلطة وسيادة الدستور . إنه يشكل تحدياً كبيراُ لأمتنا التي تحفظ شعارات عن النظام السياسي مثل الخلافة ونظام الشورى غير أن هذا النظام لم يتبلور في شكل نموذج متفق عليه من علماء الامة وقادتها ولم يطبق في أرض الواقع لينافس النظم السائدة في الساحة العالمية , مما جعل الرأي العام الإسلامي منقسماً فبعضه يؤيد النظام الملكي وبعضه ينادي بالديمقراطية وبعضه يتطلع للخلافة .. وهكذا . فالتحدي الذي يواجهنا في هذا المجال هو كيف نبلور نظاماً سياسياً يعبر عن مبادئ الإسلام ومقاصده وتعاليمه لتلتف حوله الأمة وتدعو له ؟.
التحدي العلمي :
التطورالعلمي بلغ مبلغاً ليس له مثيل في التاريخ المعلوم , وكان للحضارة الإسلامية قصب السبق في اكتشاف العلوم ووضع مناهج البحث العلمي , غير أن هذا النجاح أصبح من التاريخ , واليوم فإن العالم الإسلامي في مؤخرة الأمم في مجال الانتاج العلمي والتكنولوجي , وإن وجد بعض النشاط العلمي فهو منقول عن الآخرين وليس أصيلاً , لقد تطورت العلوم بصورة مذهلة بعد اكتشاف الذرة والطاقة النووية , ويتحدث العلم الآن عن الجينات والاستنساخ والاحتباس الحراري ونظرية الكون المتمدد وغيرها من التطورات الهائلة في مجالات العلوم فماهو حظ المسلمين من كل ذلك ؟ إن التحدي العلمي الذي يواجه أمتنا لا يستهان به فما العمل ؟
التحدي الاقتصادي :
النشاط الإقتصادي الآن تجاوز المفاهيم التقليدية وظهرت مفاهيم الشركات العابرة للقارات وأسواق الأسهم والتجارة عبر الشبكة العنكبوتية ( الانترنت ) وهي مفاهيم تعكس حجم التطور الذي حدث في الإقتصاد العالمي , غير أن العالم الإسلامي أغلبه يصنف ضمن الدول الفقيرة فكثير من دوله لا تستطيع توفير القوت ولا المياه النقية لشعوبها , واقتصاديات كثير من الدول الإسلامية مرهونة للنظام الاقتصادي الغربي , ومما يستغرب له أن بلداننا غنية بالموارد الطبيعية كالتربة الصالحة للزراعة والمياه العذبة والثروة الحيوانية والغابية والكثافة السكانية ولكنها عاجزة عن استغلالها وتطويرها بسبب سوء الإدارة والرشوة والفساد ..الخ وحتى المصارف التي قامت على النظام الإسلامي لم تشكل بديلاً مصرفياً جاذباً بل صار كثير منها أكثر سوءً من البنوك الربوية , لقد كتب كثير من العلماء عن الإقتصاد الإسلامي والملكية في الشريعة الإسلامية والنظام النقدي وغير ذلك لكن يظل الواقع الإقتصادي عاجزاً عن المنافسة فالتحدي الذي يواجهنا هو كيف نقدم نظرية اقتصادية اسلامية عملية تبلور نظاماً اقتصادياً بديلاً يتناول علم الاقتصاد ويحدد معالم النظام الإقتصادي الإسلامي ويعالج مشكلة الإنتاج والتوزيع العادل للثروة ويحارب الربا والاستغلال والاحتكار..الخ

التحدي الدولي :
عالم اليوم لا نجد له وصفاً في التاريخ , فكتب السير عندنا تتحدث عن نظام دولي ينقسم إلى دولتين هما دولة الإسلام ودولة الكفر , ودولة الكفر إما أن تكون حربية وإما أن تكون داخلة مع المسلمين في عهد , ولكننا اليوم نعيش في عالم مختلف فالنظام العالمي اليوم يقوم على دول قطرية تقوم الحقوق فيها على أساس المواطنة , وقامت فيه منظمة دولية هي الأمم المتحدة ومنظماتها الفرعية المتخصصة وهي مؤسسة يحكمها ميثاق عالمي يهدف إلى حفظ الأمن والسلم الدوليين , وتضم الأمم المتحدة دولاً تنتمى إلى كل الأديان والثقافات والقارات , وهناك تكتلات إقليمية كالاتحاد الأوروبي ومنظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي , إضافة إلى تكتلات إقتصادية وأحلاف عسكرية ومنظمات ثقافية , وجمعيات حقوق الانسان .. وغيرها من المؤسسات الدولية التي تتدخل في سيادة الدول وحرية الأفراد بقوة القانون الدولي . إننا أمام هذا التحدي الدولي المعاصر مطالبون ببلورة منهج للتعامل مع هذا الواقع من داخل ديننا حتى نكون متصالحين مع أنفسنا ومع عقيدتنا وقادرين على التعاطي مع واقعنا بإيجابية .
التحدي الوحدوي :
الوحدة الإسلامية تمثل أشواقاً وجدانية وتطبيقاً لأمر إلهي : ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء:92] إن عوامل الوحدة متوفرة عند المسلمين , فالإله واحد والنبي متفق على سيرته منذ ميلاده وحتى وفاته والكتاب متفق عليه والقبلة واحدة والتاريخ مشترك والمستقبل واحد والمشاعر متفقة , غير أنه بالرغم من وجود هذه الموحدات إلا أن البون شاسع بين الدول الإسلامية فالمصالح متناقضة والفوارق كبيرة والحواجز النفسية سميكة , والحدود القطرية صارت مقدسة تحرِم المسلم حتى من الحقوق الإنسانية , إن التناقض بين التطلعات والقدرات , والتباين بين المثال وبين الواقع المعاش , والإختلاف بين المحفوظ وبين المنظور كل ذلك يشكل عبئاً ثقيلاً على العقل الجمعي للأمة , فالتحدي هو كيف تتحقق الوحدة في ظل هذه الأوضاع .؟
المحور الثالث : الحلول والمخارج الممكنة :
القرآن الكريم يعلمنا أن الابتلاءات والامتحانات قدر إلهي يمحص الله بها المسلم ويختبر بها الأمة , فالإنسان خلق ليكدح في الأرض ويبتلى بأمر الاستخلاف الذي عجزت السموات والأرض والجبال عن القيام به قال تعالى : ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب:92] ويخبرنا القرآن أن المسلم لا تزيدة الابتلاءات إلا منعة فهو محصن بالإيمان وبالاستعانة بالله على مصائب الدهر , وأنّ نصره سيتحقق إذا استكمل شروط النصر , وهي شروط استودعت في سنن إلهية لا تحابى ولا تتخلف فمن استوفاها نال مطلوبه ومن تخلف عنها لم يحقق نصراً وإن تمسّح بكل الشعارات والمسميات الإسلامية قال تعالى : ﴿ لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة:177] وفي عصرنا الحالي فإن الإبتلاء الذي حدث هو ابتلاء للأمة وهو أخطر من ابتلاء الأفراد , لأن الأمة إن لم تنجح في الاختبار سوف تستبدل قال تعالى : ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴿19﴾ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ﴾ [ابراهيم:19-20] فلكى نخرج من هذه الورطة فإننا مطالبون بالتفكير الجمعي انطلاقاً من الأصل الذي توحد عليه سلفنا واستطاعوا عبره أن يغيروا التاريخ ويحملوا للإنسانية حضارة دينية انسانية تحكمها الأخلاق ويقومها الدين , حضارة استطاعت أن تغير العقل البدوي الذي كان يفتخر بالأنساب ويعتز بالعصبية وتأخذه الحميّة بالحق وبالباطل مثل قول القائل :
وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد
هذه المفاهيم غيرها الإسلام إلى مفاهيم العدل عند الغضب والعفو عند المقدرة والإيثار عند الحاجة , قال تعالى : ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾[الأعراف:199] وقال تعالى : ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ ﴾ [النحل:126] وقال تعالى: ﴿... وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر:9] فالمسلمون بالرغم من ضعفهم الماثل إلا أنهم في الواقع يقفون على أرضية صلبة ويستندون إلى مرجعية أثبتت جدواها في التاريخ فالمطلوب هو مراجعة الأداء الحالي على هدى المرجعية للخروج من هذا المأزق الراهن وذلك بالآتي :
أولاً : نقد الذات : إن مراجعة الأداء وتقييم التجارب ومحاسبة النفس والإعتبار بالتاريخ مفاهيم حثّ عليها الإسلام في أكثر من آية من آيات القرآن الكريم , لأنها خطوات أساسية في تحسين الأداء , وعوامل فعّالة في إصلاح الحال , قـال تعـالى : ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [ آل عمران:135] وعاب الإسلام على أولئك الذين يرفضون المراجعة ولا يعترفون بأخطائهم تعالياً واستكباراً قال تعالى : ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ﴿204﴾ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ ﴿205﴾ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [البقرة:204-206] عليه فإن النقد الذاتي يبصرنا بمواقع الخلل ويعصمنا من الانزلاق في مهاوي الردى , وينمي فينا ملكة التمييز بين الحق والباطل , والتفريق بين الإيجابيات والسلبيات , وإذا طبقنا منهج النقد الذاتي على واقعة من وقائعنا المعاصرة لأدركنا حجم الخطأ الذي وقعنا فيه , وعلى سبيل المثال تعامُلُنا مع الحرب العراقية الإيرانية , فهي حرب وقعت بين دولتين مسلمتين فلو طبقنا المنهج الإسلامي على هذه الواقعة لوجدنا الآتي : قال تعالى : ﴿ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴿9﴾ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾[الحجرات:9-10] هذا التوجيه يفيد الآتي :
ـ نشوب قتال بين طائفتين مؤمنتين .
ـ وجوب السعي بينهما بالصلح .
ـ تقصي الحقائق لمعرفة المعتدي في حال تعذر الصلح .
ـ التضامن بين جميع المسلمين لمقاتلة الطائفة الباغية حتى ترجع إلى الحق .
ـ بعد رجوعها مطلوب السعي للصلح بينهما وذلك بإزالة المظالم وإحقاق الحق .
ـ التأكيد على أن الأخوة بين المؤمنين هي الأصل وأن الأحداث العابرة ينبغي أن لا تصرفنا عن الأصل .
وبتطبيق هذا المنهج على تلك الواقعة نجد أننا قد خالفنا المنهج الإسلامي وذلك بالآتي :
بعضنا تخوف من تأثير الثورة الإسلامية في إيران على مصالحه فوقف مسانداً لأحد الطرفين مقدماً المصلحة الذاتية على المصلحة العامة للأمة .
آخرون ساندوا هذا الطرف ضد الطرف الآخر محكومين بالعصبية .
وآخرون دعموا الحرب خدمة لأجندة خارجية تضررت مصالحها بقيام الثورة الإسلامية في إيران .
والذين دعوا إلى تطبيق المنهج الإسلامي لم يلتفت إليهم أحد .
وهكذا فإن التعامل الخاطئ مع هذه الواقعة جاء بنتائج عكسية فلا المصالح الذاتية تحققت , ولا الثورة احتويت , والأجندة الخارجية سقطت , وحامي المصالح الإقليمية والدولية انقلب على مسانديه الإقليميين والدوليين , ووقعت المنطقة كلها ضحية للعدوان والإحتلال وصدق الله سبحانه وتعالى حيث يقول : ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴿124﴾ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا ﴿125﴾ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ﴿126﴾ وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ﴾ [طه:124-127] إن اتباع الحق هو النجاح في الدنيا والفلاح في الآخرة قال الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رسالته القضائية لأبي موسى الأشعري : " ولا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس فراجعت فيه نفسك وهديت لرشدك , أن ترجع إلى الحق فإن الحق لا يبطله شئ واعلم أن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل " إننا بالنقد الذاتي نصحح أخطاءنا ونصوب مسيرتنا ونستمطر رحمة الله التي هي قريب من المحسنين .
ثانياً : بلورة منهج جديد للتفكير : لقد استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يؤسس العقلية الإسلامية في الصدر الأول على هدى القرآن الكريم والسنة المطهرة فقام عند المسلمين تصور واضح للوجود ولوظيفة الإستخلاف وللكون والحياة والمصير , فلم يحتاروا في تعاملهم مع الواقع بل استطاعوا أن ينقلوه إلى الأفضل بالسلم والإقتناع , لقد تآكل هذا التصور مع مرور الزمن وتعطل العقل الجمعي عن الإنتاج والإبتكار , وصار الفكر في الغالب جامداً في مرحلة تاريخية معينة , يجتر حوادث التاريخ ويبرر الواقع الظالم الذي لا يستطيع تغييره . نحن محتاجون لبلورة منهج جديد يوفق بين الأصالة والمعاصرة , ويجعل الفكر قادراً على التجديد والمواكبة والتحصين من الذوبان , إن عالمنا الإسلامي اليوم متنازع بين الأفكار , ففي ظل الهيمنة الغربية وتأثيرها على الواقع البشري برزت ثلاثة اتجاهات : الإتجاه الأول : يدعو إلى التحرر من الإسلام أو على الأقل حصره في الجانب الشخصي وتبنّي المنهج الغربي لأنه أثبت جدواه عندما تحرر من سلطان الكنيسة فحقق التقدم الحالي. والإتجاه الثاني : يرفض التعامل مع الحضارة الغربية في أي صورة من صورها ويدعو إلى الإنكفاء على الذات والإبتعاد عن أي عطاء انساني يأتي من الآخر. والإتجاه الثالث : يدعو إلى منهج وسط يرتكز على العقيدة ويستصحب اجتهادات السلف التي توافق ظروفنا ولا يتحرج من الإقتباس من الآخر . ومما لا شك فيه أن القرآن الكريم قد أشار إلى تلك المناهج وبين حقها من باطلها , فقال عن منهج التبعية : ﴿ وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ ﴾ [ابراهيم:26] وعن منهج التقليد دون تمييز قال : ﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ﴿23﴾ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ ﴾ [الزخرف:23- 24] وقال : ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة:141] وأما المنهج التجديدي الملتزم بالأصل مع مواكبة العصر فقال عنه : ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء ﴿24﴾ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [ابراهيم:24-25] إن المنهج الثالث هو الذي ينبغي أن نتبنّاه وهو منهج يقوم على قطعيات الورود والدلالة , والتمييز بين الثابت والمتغير في الأحكام , ويأخذ بالحكمة ولا يضيره من أي وعاء خرجت , يقول السيد محمد باقر الصدر عن هذا المنهج إنه يجرى " عملية حوار مع القرآن الكريم واستنطاق له , وليست مجرد استجابة سلبية , بل استجابة فعالة وتوظيفاً هادفاً للنص القرآني في سبيل الكشف عن حقيقة من حقائق الحياة الكبرى" وهو نفس النهج الذي سار عليه السلف فاهتدوا إلى الصراط المستقيم قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : " ذلك القرآن فاستنطقوه , ولن ينطق , ولكن أخبركم عنه , ألا ان فيه علم ما يأتي والحديث عن الماضي , ودواء دائكم , ونظم ما بينكم " إن هذا المنهج يجمع ولا يفرق ويوحد ولا يمزق إنه المنهج الذي سار عليه سلفنا فحافظوا على وحدة الكلمة مع تنوع الاجتهادات .
ثالثاً : قراءة التاريخ بمنهج تمييزي : التاريخ يلقى بظلاله على الحاضر لأن السلوك البشري ينطلق من خلفيات ثقافية وعقدية واجتماعية وهي تمثل ماضي وحاضر الإنسان , لقد وقعت في تاريخنا أحداث كثيرة أثرت على مسيرة الحياة وما يعنينا في هذا المجال هو الصراع التاريخي بين الفرق الإسلامية : السنة والشيعة والخوارج والمعتزلة والظاهرية والصوفية..الخ هذا الصراع له أسبابه ودوافعه ومبرراته التاريخية ولكنه ظل حاضراً في كل خلافاتنا المعاصرة إن " أهم جدليات الاختلافات الفكروية : جدلية الظاهر والباطن ـ والنقلي والعقلي ـ والسنة والشيعة . الجدليتان الأوليتان أدتا لنشأة فرق ومدارس كثيرة وستتكاثر اجتهاداتها مع الحرية . ولكن الثالثة مصدر تفرق اختلط بصراع السلطة والسياسة ، وببدايته أدى لأوائل المعارك التي فرقت كلمة صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ، رضي الله عنهم جميعاً ، وأورثت فتنة ما زالت قابلة للاشتعال " ومما لا ريب فيه أن الصراع السني الشيعي تطورمن خلاف سياسي إلى خلاف فكري أدّى إلى حرب بين الطرفين واضطهاد متبادل فـ" الدول التي غلب عليها السنة اضطهدت مواطنيها الشيعة ، والعكس صحيح . وكانت العلاقة بينهما قائمة على التنافر والتخوين والتكفير ، تنافر في الكيانات والدول استقر على توازن بارد حيناً وساخن أحياناً " هذه الأحداث التاريخية ذهب أبطالها وغاب مسرحها فلا يجوز اسقاطها على الواقع المعاصر , لقد حدثت تطورات كبيرة أدت إلى تقارب بين الطرفين , والذي ينبغي أن ندركه أن الشيعة اليوم ليسوا هم شيعة الأمس ولا السنة اليوم هم سنة الأمس , فقد حدثت مراجعات كبيرة عند الطرفين , إن هنالك سلوكيات ومواقف مستفزة علينا تجنبها مثل : الحديث عن الروافض , وسب الصحابة , والاساءة إلى الشيخين ( أبي بكر وعمر ) إلى غير ذلك من المواقف التي تفرق ولا تجمع . إن تجاوز صراعات الماضي وطي صفحته يفتح الطريق إلى الوحدة .
رابعاً : الوعي بالواقع : معلوم أن الفقه يتمثل في معرفة الأحكام والأشخاص والوقائع والإحاطة بالواقع الذي تطبق فيه , وواقعنا اليوم تعرض له المحور الأول من هذه الورقة إضافة إلى ذلك فإن هنالك تغيرات طرأت على سلوك كثير من المسلمين في حياتهم وعلاقاتهم بسبب التطورات التي استجدت في عالم اليوم , إن التقارب الذي حدث في دنيا البشر جعل العالم متداخلاً ومتأثراً ببعضه بعضاً , فوسائل الإعلام تنقل إلينا أنماطاً متعددة من أساليب الحياة والسلوكيات والأفكار بصورة لها تأثيرها المباشر على حياتنا , ووسائل المواصلات تنقلنا إلى كل أنحاء العالم وهكذا بفعل التأثير المتبادل تعددت المطالب وتنوعت الضروريات وتبدلت القيم , علينا ونحن نتطلع إلى الوحدة أن ندرك الآتي :
أن المصالح مقدمة على المبادئ والقيم في عالم اليوم والشواهد أكثر من أن تحصى والمسلمون تأثروا بهذا الأمر , ونخطئ إذا توقعنا موقفاً مشابهاً لموقف الأنصار عندما آثروا إخوتهم المهاجرين على أنفسهم فقاسموهم الدار والأموال والزوجات , بل إن الذين تعرضوا للنكبات من المسلمين في وقتنا الحاضر لم يجدوا من إخوتهم حق الجوار ناهيك عن حق المسلم والشواهد كثيرة في الصومال ودارفوروحتى فلسطين ولبنان والعراق فإن ما يقدم لهم لا يصنف بأنه تكافل وتضامن بين أبناء الملة الواحدة الذين يوجب دينهم بإنفاق الفضل من الظهر والمال والدار .
المجتمع الغربي بكل مساوئه صار جاذباً لكثيرمن المسلمين , فعدد الذين يطلبون الهجرة إلى الغرب من المسلمين أكثر من طالبي الهجرة إلى بلدان اسلامية , لأن الحرية والكرامة وكفالة حقوق الإنسان التي يجدها المسلم في الغرب لا يجدها في بلده بالرغم من مظاهر الكراهية التي ظهرت في بعض البلدان الغربية ضد الإسلام مثل : الإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومنع الحجاب واتهامات البابا . مع كل ذلك يظل الغرب في الجوانب الانسانية متقدماً على العالم الإسلامي .
القنوات الفضائية المتخصصة في الغناء والرقص والميوعة في عالمنا الإسلامي أكثر من تلك التي تتناول قضايا فكرية ودينية وإخبارية ! والمراقب يدرك دون أي شك أن رواد الأولى أكثر من رواد الثانية وجلهم من الشباب الذين يفترض أنهم سيكونون قادة المستقبل .
عوامل الإحباط فرخت نهجين سيطرا على الساحة الشعبية الإسلامية نهج التطرف والغلو , ونهج الإنحلال واللامبالاة واتباع الهوى , وروادهما أكثر من رواد النهج الملتزم المستقيم .
الخطاب الديني الحالي لا يمتلك أدوات التغيير لأنه منفصل عن الواقع ولا يخاطب قضاياه بصورة إيجابية فهو إما متمرد على الأوضاع يخاطبها بلغة الغلاة , وإما مدجن يبرر الواقع ويدعو للصبر عليه حتى يأتي الفرج , ولذلك انصرف كثير من الشباب عنه لارتياد مواقع يشبعون فيها حاجاتهم .
هذا الواقع يحتاج إلى تشخيص من خبراء يحددون العلل كما هي دون تلوين ويصفون العلاج الناجع, معرفة الواقع خطوة أساسية للاصلاح وبالتالي لرسم معالم الوحدة الإسلامية .
خامساً : ترسيخ فقه الأولويات والكليات والمقاصد : إن سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تؤكد أن هنالك أولويات يجب اتباعها , وإلا سيكون النشاط غيرمثمر مثله مثل نهج الذين قال الله عنهم : ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ ﴿2﴾ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ ﴿3﴾ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً ﴾ [الغاشية:2-4] فالدعوة الإسلامية من خصائصها التدرج والمرونة ورفع الحرج , ولكن مع عجز العلماء عن الأخذ بزمام المبادرة في كثير من البلدان تصدى للنشاط الدعوي من لا فقه لهم فأوقعوا الأمة في مأزق , وصار الرأي العام يوجهه أصحاب الشعارات لا العلماء , والعامة معذورون لأنهم لا يرون من علمائهم إلا عجزاً أو تبريراً للأوضاع وصدق إمام المتقين علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه حينما قال : " الناس ثلاثة : عالم رباني ؛ ومتعلم على سبيل نجاة ؛ وهمج رعاع ينعقون مع كل ناعق , يميلون حيث تميل الريح " في ظل هذه الأوضاع اختلت المفاهيم وضاع فقه الأولويات , فقدمت الجزئيات على الكليات , والفضائل على الفرائض , وجعلت الصغائر كبائر , لابد من تكاتف الجهود لتصحيح هذه الأوضاع , إن فقه الأولويات فقه أصيل في الشريعة الإسلامية يؤكده نهج التدرج الذي اتبعه الإسلام في تنزيل الأحكام , عن ابن عباس رضي الله عنهما أن معاذاً قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله , فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة , فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم , فإن هم أطاعوا لذلك , فإياك وكرائم أموالهم , واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب " إن مراعاة الأولويات في الدعوة تضيق الشقة بين المسلمين وتخرج الخطاب الإسلامي من المأزق الذي أوقعه فيه الغلاة وصغارالعقول ومن ثم تكون معالم الوحدة أوضح لأن المشترك بين المسلمين يتمثل في الكليات والمقاصد والمبادئ التي لا خلاف عليها , وتختلف الأولويات حسب الحال والبيئة لكل عصر ومصر وظرف ..
سادساً : إزالة المظالم المفرخة للآزمات : ربط الإسلام بين التوحيد والعدل , وشدد على مبدأ المساواة ، وحث على رفع المظالم وإعطاء الحقوق لأصحابها , لقد وقعت مظالم كثيرة في عالمنا الإسلامي أدت إلى تفرق الكلمة وذهاب الريح , وهي تشكل عقبة كأداء أمام وحدة الأمة فالواجب إزالتها , لأن مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب . والمظالم المعنية كثيرة أهمها :
المظالم السياسية وهي تتمثل في غياب الشورى والمشاركة والعدالة وهي مبادئ أدى غيابها إلى سيادة النظم الشمولية القائمة على التغلب والقهر , فولدت العنف والعنف المضاد مما أدى إلى تفرق كلمة الأمة وإهدار حقوقها وإسالة دمائها.
المظالم الإجتماعية وهي تتمثل في غياب التكافل والتراحم والتعاون بين أبناء الأمة واهدار حقوق المسلم التي حثّ عليها الإسلام .
المظالم الاقتصادية وتظهر في عدم توفير الضرورات الحياتية للانسان واحتكار الثروات لفئات قليلة توظفها لشهواتها ونزواتهاعلى حد قول القرآن الكريم : ﴿... وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ ﴾[الحج:45] .
مظالم فكرية : وهي تتمثل في الغاء الآخر وتكفيره وعدم الاعتراف بحقه في الاجتهاد , واستعمال العنف ضده إذا جاء برأي مخالف .
إن وجود هذه المظالم وغيرها يولد الحقد والحسد ويؤدي إلى التقاطع والتدابر ومن ثم يتطور الأمر إلى التكفير وإهدار الدماء , وبالتالي تجد الأمة نفسها في نزاع وخصام .
سابعاً : انشاء آلية أممية للإجتهاد والتنسيق وفض النزاعات : المجهودات التي بذلت في المجال الفكري النظري المتعلق بشأن الوحدة الإسلامية كبيرة , وآن الأوان لخطوات عملية في طريق هذه الوحدة والآليات التي أقترحها تتمثل في الآتي :
آلية للإجتهاد : تضم أهل الإختصاص من كل الفرق والجماعات الإسلامية لتتولى البحث في التراث الإسلامي والفكر الانساني والعلوم والمعارف الحديثة يناط بها الاجتهاد المؤسسي الذي يخرجنا من المفاهيم الفردية والنزعات الذاتية .
آلية لفض النزاعات بين الدول والجماعات الإسلامية : تتكون من حكماء وخبراء وقادة سياسيين ودينيين وعلماء تتولى التصدي لأي نزاع ينشأ بين الدول والجماعات الإسلامية .
آلية للتنسيق والمتابعة : يوكل إليها تجميع الأفكارالتي تشكل قاسماً مشتركاً بين الجماعات الإسلامية , وتقوم بالتنسيق بين الجماعات وتنظيم أنشطة مشتركة تأهيلية وتدريبية ودعوية تحقق الوحدة بالإحتكاك والممارسة .




ـ الخاتمة ـ
إن وحدة المسلمين قريبة وبعيدة في آن معاً . فإذا نظرنا إلى الواقع بتعقيداته واحباطاته وتحدياته , فإنه ينبئنا عن استحالة الوحدة , وإذ رجعنا للمصادر الأصلية للإسلام ـ القرآن والسنة وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ـ واستصحبنا تطلعات ومشاعر غالبية المسلمين , مع الأخذ في الاعتبار فشل التجارب والنظم الوافدة لأدركنا أن الوحدة أقرب إلينا من حبل الوريد , ولكن هنالك شروط ينبغي توافرها منها : الاقبال على الله سبحانه وتعالى باخلاص وخضوع والاستعانة به في كل الخطوات والتخلي عن الذنوب والآثام والتحلي بالفضائل وأخلاق الربانيين والاقتباس من هدي القرآن الكريم والسنة الشريفة , إضافة لما ورد في الورقة من تحليل ووصف ومقترحات وما يقدمه الآخرون في أوراقهم من أفكار وآراء ومقترحات , فإن الهدف سيتحقق وصدق المولى سبحانه وتعالى إذ يقول :
﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ [الأنبياء:105]
وأشكر في ختام هذه الكلمة الجهات المنظمة لهذا المؤتمر ودعوتها لنا للتفاكر حول هذا الموضوع الهام الذي يشغل بال الأمة ويثقل كاهلها , والشكر لجمهورية إيران الإسلامية على استضافتها لهذا المؤتمر فمنذ انتصار الثورة الإسلامية في ايران عرف الفكر الانساني أسلوباً جديداً في التعاطي مع قضايا المسلمين فهي حقاً ثورة المستضعفين . ولا يفوتني في هذا المقام أن أترحّم على روح مفجرها الإمام آية الله الخميني طيب الله ثراه ,
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين