الثلاثاء، 4 أغسطس 2009








جدلية الأصل والعصر

الامام/ الصادق المهدى

السودان

مقدمة :

الإنسان جزء من الطبيعة الكيميائية، الفيزيائية، البيولوجية، ومفارق لها بتكوينه العقلى، والنفسى، والاجتماعى لذلك صار تحركه بالإضافة للعوامل الطبيعية المذكورة عوامل عقدية، وثقافية، وفكرية.

إن للانتماء الدينى والثقافى سيما اللغوى أثر شبه دائم على الإنسان وكل المحاولات بدوافع الأيديولوجية للقفز فوق تلك الانتماءات أو تهميشها باءت بالفشل بل أتت بنتائج عكسية.

هكذا صار الإنسان مشدودا للأصل.

ولكن انتماءات الإنسان الدينية والثقافية ليست جزرا معزولة بل تتأثر بغيرها وتؤثر فى غيرها فى حركة تفاعل حضارى وثقافى شبه دائم. فإن طرأت عليها العزلة تيبست.

إن تاريخ البشرية كله دليل على الدور الهام الذى يؤديه انتماء الإنسان الدينى والثقافى فى حياته ودليل على انفتاح الانتماءات الدينية والثقافية لتأثيرات متبادلة تحقق حركة مستمرة فى لقاح الحضارات والثقافات.

الإسلام عقائد دينية والتزامات عبادية وخلقية ونظام حياة، وهو كذلك تجربة تاريخية باهرة وحضارة عالمية حية، لذلك شكل الإسلام ولا زال المكون الأهم لهوية المسلم بل تعدى أثره معتنقيه إلى سواهم على نحو ما قال الأستاذ قسطنطين زريق:" الإسلام هو الدين القومى لكل العرب " وما قال رجل الدولة مكرم عبيد: "أنا مسلم وطنا وقبطى دينا".

منذ القرن التاسع عشر تعرض العالم الإسلامى لاستعمار أوروبى صحبة فكر علمائى يبشر بإبادة القديم وبناء مستقبل علمانى على أنقاضه .

ولكن عوامل عديدة أهمها إخفاق الأيديولوجيات الوضعية فى القرن العشرين .

والدور الذى أداه الدين فى يقظة الضمير الإنسانى بعثت تيارات أصولية قوية فى كل الأديان تصاعد أثرها منذ الخمس الأخير من القرن العشرين .

هنالك عوامل كثيرة تعرضنا لها فى مكان آخر دعمت التيارات الأصولية الإسلامية واستنهضتها فى كافة المجالات الفكرية والسياسية والاجتماعية والحركية .

الوسط الفكرى ، والشارع السياسى فى العالم الإسلامى اليوم مشتبكان فى حرب أهلية باردة وأحيانا ساخنة بين التيار الأصولى الدينى ، والتيار العلمانى ، إنه اشتباك فى بعض صوره قابل للحوار العقلانى بل للتوافق ولكنه فى صور أخرى مقدمة لصدام حتمى لا تحسمه إلا القوة ، كما حدث مؤخرا فى بعض البلدان كإيران والسودان وأفغانستان لصالح التيار الإسلامى ، وكما يحدث باستمرار فى هذه الأيام فى الأوساط الجامعية على طول العالم الإسلامى وعرضة ولكن التجربة فى كل هذه الحالات أثبتت أن القوة وحدها غير قادرة على حسم هذا النزاع وإن عطلته إلى حين ، لأنه ينطلق من عوامل موضوعية تبقى ما بقيت أسبابها وإن غطت على مظاهرها أجهزة القمع حينا من الدهر ، وفى الظروف الاجتماعية الحالية حيث لا يسمح لأية سلطة سياسية أن تفعل بشعبها ما تشاء ، فإن حسم هذا النزاع عن طريق القوة ، حتى من باب التعطيل المؤقت ، صار أبعد منالا .

إذا كانت الأصولية تعنى إقامة الحاضر والمستقبل طبقا لماض مكون من حقائق الوحى فى القرآن والسنة كما فسرها الأقدمون وأحكام استنبطوها بأساليب الاجتهاد فصار هذا الصرح بتفاسير السلف واستنباطاتهم هو حكم الله الذى لا يطيق الخلف إلا الالتزام به دون قيد أو شرط .. وإذا كانت العلمانية تعنى كما جاء فى كتاب " نقد العقل النظرى " لعمانويل كانط " إن العقل لا يدرك إلا مشاهدات الحواس ، وأن ما سوى ذلك فليس معرفة وإنه انطلاقا من هذا الفهم فإن معارفنا متوقفة على منقولات حواسنا .." وتأسيسا على ذلك يقال إن العلمانية هى اشتقاق على غير قياس من "عالم " أى عالم الشهادة الزمانى المكانى (الحسى) مما يعنى نفى القيمة المعرفية عن كافة المعانى غير المتاحة للحواس مثل المعانى الروحية والخلقية... إن كان هذا هو الفهم الفلسفى للعلمانية فإن بين الأصولية كما فى التعريف السابق، والعلمانية كما فى هذا التعريف بونا شاسعا ومفاصله قاطعة لا تحسمها إلا قعقعة أبى تمام.

السيف أصدق إنباء من الكتب فى حده الحد بين الجد واللعب
أما إذا كانت الأصولية تعنى الالتزام بقطعيات حقائق الوحى، وتفسيرها والاستنباط منها بالأساليب المشروعة- أى حرية الاجتهاد، واعتماد قيمة معرفية لعطاء الإنسان بالعقل والحكمة، والتجربة، والمصلحة لفهم حقائق الوحى والتعامل معها.. وإذا كانت العلمانية تعنى الاعتراف بقوانين الطبيعة، وحرية البحث العلمى، والاعتراف بأن هذا السعى مهما بلغ فإنه بطبيعة الحال لا يطول ما سوى مدركات الحواس والاختبار، فإن العلمانية بهذا الفهم تحكم على مجالها وتسكت عما سواه ولا تتناقص مع القيم الروحية والأخلاق.

هذه المفارقة تناولها عما نويل كانط فى كتابه الثانى "نقد العقل العلمى" وفيه قال: "هناك معان مهمة للإنسان كخلود الروح، والأخلاق لا تطولها الحواس ولكنها ضرورية للحياة.

العلمانية التى تقف بحكمها على المشاهدات وتترك ما عداها لعوامل أخرى لا تتنافى مع الغيبيات ولا مع القيم الخلقية فى هذه الحالة يجوز بل يجب إجراء حوار عقلانى يضع حدا للحرب الأهلية الباردة مستشفيا بدواء أبى الطيب.

الرأى قبل شجاعة الشجعان هو أول وهى المكان الثانى
النزاع الأصولى العلمانى جزء هام من جدلية الأصل والعصر و!لى جانبه مشادات أخرى.

فيما يلى خمسة محاور أخاطب عبرها هذه الجدلية الهامة:

. المحور الأول: الأصل كانكفاء.

. المحور الثانى: الحداثة كاستلاب.

. المحور الثالث: التأصيل الصحوى.

. المحور الرابع: التحديث المؤصل.

. المحور الخامس: ما العمل؟

المحور الأول

الأصل كانكفاء
المقولة التى أدت لقفل باب الاجتهاد لم تكن قرارا سياسيا أو إداريا ولكنها كانت مقولة معرفية.

المقولة هى أن حقائق الوحى فى القرآن والسنة قد تناولها المجتهدون الأوائل من مفسرين، ومحدثين، وكتاب سيرة، وفقهاء وسلطوا عليها اجتهادا صحيحا واستنبطوا معانيها ومبادئها وأحكامها فلم يبق للخلف إلا الإحاطة بهذا العلم والالتزام به لأنه هو إرادة الله لخلقه.

هذه المعانى مسلم بها لدى كثير من العلماء والفقهاء وعامة المسلمين، وهى غالبة على لغة الخطاب الإسلامى فى كثير من المنابر، وفى أثناء غيابى عن الوطن ما بين ديسمبر 1996 ونوفمبر 2000 م حضرت صلاة الجمعة فى مساجد مختلفة وفى بلدان مختلفة فكانت معانى الخطب فيها تردد هذه المقولة وكثيرا ما تصحبها الدعوة،" اللهم وفق ولاة أمورنا لتطبيق شرعك" وكثير من النصوص المرجعية تردد هذه المقولة. جاء فى الهيكل التنظيمي لجامعة الزيتونة: "لا يمكن أن نناقش المبادئ التى نقلها العلماء عبر العصور لأنها هى العلم" هذا معناه أن قفل باب الاجتهاد ضرورة معرفية.

عوامل تقديس اجتهادات الأقدمين
هنالك عوامل أخرى عززت هذا التقديس لاجتهادات الأوائل:

. منذ عهد الخليفة معاوية بن أبى سفيان مؤسس الدولة الأموية تحكمت ضرورات السلطة فى أمر الدولة وأدخلت نظم مستحدثة لحماية السلطان فنشأت ضرورة لصيانة أحكام الدين من مصالح السلاطين.

. انفتح المسلمون على حضارات وثقافات العالم المعمور كله، وتفاعلوا مع تلك الحضارات فأثروا فيها وأثرت فيهم وكان من نتائج هذا التأثير تمدد فلسفات -

عقلانية وفلسفات استشراقية ونشأت ضرورة لدى كثيرين لحماية الدين من العقلانية والاستشراق.

. كان للإسلام اليد العليا فى التعامل مع الآخرين، ثم تعرض العالم الإسلامى لتجربة مختلفة على يد التتار والصليبيين، هذه التجارب العدوانية أثارت إشفاقا على الإسلام وديار المسلمين، إشفاقا رسخ دور العقائد حصنا دفاعيا ضد ا لعدوان.

. وفى العصر الحديث أضاف الغزو الغربى للعالم الإسلامى بأدواته العسكرية والسياسية والفكرية والثقافية لتلك العوامل عاملا جديدا أكثر خطورة.

هبت كثير من الحركات متحصنة بأمجاد الماضى ورافضة للعدوان ابتداء من حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فى الجزيرة العريية إلى الحركة السنوسية فى المغرب العريى إلى الدعوة المهدية فى السودان.

تلك الحركات الجهادية ألهمت حركات فكرية سياسية منفعلة بإثبات الذات الإسلامية ومحتجة على الغزو الفكرى والثقافى الأوروبى، هذه الحركات الفكرية تدرجت من الاعتدال إلى التشدد ومن التنظير إلى التنظيم والحركية.

هذا الوصف ينطبق على التسلسل من الشيخين جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده إلى الشيخ رشيد رضا، إلى الشيخ حسن البنا إلى الشيخ أبى الأعلى المودودى، إلى الأستاذ سيد قطب- ثم حركات الجهاد المعاصرة. تسلسل الأمر فيها من الاعتدال إلى الانكفاء.

عوامل اعتقادية:
بالإضافة للعامل المعرفى، وإثبات الذات، والاحتجاج، هنالك عوامل اعتقادية تؤسس للانكفاء هى:

أولا: الإسلام معناه الامتثال لإرادة الله، هذه العبارة فهمها كثيرون بمعنى إلغاء لدور الإنسان ولكن:

(أ) قوانين الطبيعة من إرادة الله ومعرفتها وتسخيرها من إرادة الله ، قال تعالي: (قال ربنا الذى أعطى كل شىء خلقه ثم هدى ) (طه 50) .

(ب) العقل البشرى من إرادة الله، قال تعالى: ( إن فى ذلك لآيات لقوم يعقلون ) (الرعد 4).

وقال: (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ) (العنكبوت 43).

(ج) حرية اختيار الإنسان من إرادة الله، قال تعالى:( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) (الكهف 29) وقال: (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) (الإنسان 3).

(د) حقائق المعرفة التجريبية من إرادة الله، قال تعالى: (وفى الأرض آيات للموقنين. وفى أنفسكم أفلا تبصرون ) (الذاريات 20- 21)، وقد روت السير أن عمر- رضى الله عنه- قدهم بالعودة هو والصحابة بعد أن علموا أن دمشق حيث كانوا متجهين، بها وباء الطاعون، فقال له أبو عبيده أفرار من قدر الله قدهم يا عمر؟،، رد عليه عمر معاتبا: "لو قالها غيرك يا أبا عبيدة.. نفر من قدر الله إلى قدر الله،. وروى ابن خزامة عن أبيه أن النبى صلى الله - سأل: أرأيت أدوية نتداوى بها ورقى نستر قيها، وتقى نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئا؟ قال: هى من قدر الله.

هذه الحقائق كلها من إرادة الله.

الفهم الضيق لعبارة إسلام يغذى الاعتقاد المنكفىء ، ويدعمه كذلك أربعة عوامل أخرى:

- فهم قوله تعالى: (ما فرطنا فى الكتاب من شىء…) (الأنعام 38) على أن القرآن بمثابة موسوعة، السياق فى القرآن يوضح أن المقصود بالكتاب فى الآية هو اللوح المحفوظ وليس القرآن.

- شبهة الخوارج التى سماها على- رضى الله عنه- "كلمة حق أريد بها باطل" قالوا: إن الحكم إلا لله بمعنى أن القرآن يفصل فى الأمور السياسية ويمكن حسم الخلافات حولها بالرجوع لنصوصه، وهذا غير صحيح ولكنه غذى فكرا حديثا مطابقا لموقف الخوارج.

. شبهة الفهم الطائفى لقوله تعالى: ) كنتم خير أمة أخرجت للناس ( (آل عمران 110)هذا النص قرين لقوله: )تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ( (آل عمران 110) أى أنه نص مقترن بواجبات معينة، إنه نص يعزز ولا يتناقص مع قوله تعالى: )إن أكرمكم عند الله أتقاكم ( (الحجرات 13)

. شبهة أن حضارات الإنسان الأخرى لا سيما الغربية حضارات جاهلية فاسدة، الخير كله فى تجنبها.

كل حضارات الإنسان كان لها عطاء عظيم، أما الحضارة الغربية فقد حققت إنجازات رائعة وبعض فلاسفتها القدامى والمحدثين كشفوا حقائق فلسفية عظيمة، وعن طريق الشك الديكارتى نفوا أوهاما كثيرة وحققوا تقدما علميا، وتكنولوجيا غير مسبوقة، وطورت هذه الحضارة الرائعة نظاما اقتصاديا أثرى إمكانات الإنسان المادية بدرجة هائلة، وأقامت نظاما سياسيا حقق التداول السلمى للسلطة لأول مرة فى تاريخ الإنسانية بصورة مؤسسية مستقرة، كما حققت إخضاع المؤسسة العسكرية ذات الكفاءة القتالية والنارية العالية للقرار المدنى.

عيوب الحضارة الغربية:

مع هذا كله فإن الحضارة الغربية تعانى من عيوب أساسية هى:

أولا: غياب الغائية والخلو من الأهداف العليا التى ترسمها عادة المثل الروحية العليا والأخلاق. هذا العيب أفرز ثلاثة عيوب حول العلم إلى العلموية والتقنية إلى التقنوية والسياسية إلى الميكافلية.

ثانيا: الاستعلاء على الآخرين، وهذا العيب أفرز ثلاثة عيوب أخرى هى:

1- العجب الذاتى.

2- الاستخفاف بعطاء الآخرين .

3- ا لعدوا نية.

إن تعاملنا باستخفاف مع الحضارة الغربية إنكارا لمنجزاتها وتركيزا على عيوبها وهم سخيف ولكنه يغذى الانكفاء، هذا الانكفاء يكلف أصحابه ثمنا باهظا دون أن ينال من الحقيقة شيئا.


المحور الثانى
الحداثة كاستلاب
من أفضل كتب المستشرقين عن الإسلام كتاب مغامرة الإسلام The Venture of Islam لكاتبه العلامة الأمريكى مارشال هودجسون. شرح هذا الكتاب كيف اندفع الإسلام فى القرن السابع ليهيمن على الربع المعمور من العالم لمدة ألف عام من 700 م إلى 1700م.

لكن هذا التفوق الإسلامى أطاحت به عوامل تعفن داخلية وأفسده الركود الفكرى والاستبداد السياسى حتى صار فى الحالة التى وصفه بها مالك بن نبى (حالة القابلية للاستعمار قبل أن يغزوه الاستعمال). وصار من ألموا بحضارة الغرب معجبين بها قبل أن تفتح ديارهم جيوشه. لقد أبدى الطهطاوى المصرى وخير الدين التونسى إعجابهما بحضارة أوروبا قبل الاحتلال الأوروبى لوطنيهما. لقد كانت ملامسات الغرب للإسلام فى الماضى القديم كلها لصالح الإسلام لكن الغرب وبعد فترة ظلامية سماها القرون الوسطى خاض حركة الإصلاح ثم البعث ثم التنوير، ومنذ 1600 م طفر عبر ثلاث ثورات فى ثلاثة مجالات هامة حقق ثورة سياسية من منطلقات الثورة الفرنسية، وثورة اقتصادية من منطلقات الثورة الصناعية فى بريطانيا، وثورة ثقافية حققت حرية البحث العلمى، وبموجب هذه الطفرات صنع الغرب الحضارة الحديثة.

الحداثة بكل جوانبها عمت دول أوروبا الغربية وبفضلها حققت لهذه الدول تفوقا علميا وتكنولوجيا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا مكنها من إخضاع العالم لسيطرتها فاقتسمت العالم (بما فيه العالم الإسلامى) الإمبراطوريات الأوروبية " البريطانية " والفرنسية، والإيطالية، والألمانية، والهولندية، والبرتغالية. الحضارة الأوروبية الحديثة بهرت العالم بصورة سار بها الركبان ورددتها الأمثال العامية (كل فرنجى برنجى) (النصارى للبصارة).. إلخ.

وعلى صعيد المفكرين الجادين صار التغنى بحضارة الغرب واسع الانتشار وقال زيا جولب التركى " إن حضارة الغرب هى المستقبل وإن حضارتنا الماضية إلى مستقبل الثقافة فى مصر يقع فى ذات النطاق ، وكان سلامة موسى فى كتابه الإعدام " وما قاله د.طه حسين فى كتابه ( اليوم والغد ) أقوى عاطفة إذ قال :" أنا كافر بالشرق مؤمن بالغرب " لقد كان التصور الغالب هو أن الحضارة الغربية بكل ما فيها تمثل مستقبل الإنسانية وليس على الحضارات الأخرى إلا أن تجد لنفسها مقابر تدفن فيها .

وحتى عندما انطلقت من رحم الحضارة الغربية أيديولوجية تتحداها : الأيديولوجية الشيوعية فإن الافتراض الشيوعى صار أنها الوراثة للنظام الرأسمالى وبالتالى لمستقبل الإنسانية كله .

وأثناء الحرب الباردة ( 1946 – 1991م ) كان الافتراض هو أن إحداهما سوف ترث العالم لذلك عندما انتصر النظام الغربى لم يكن غريبا أن يعلن بعض مفكرية نهاية التاريخ وهيمنة النظام الغربى على العالم .والمفاهيم السائدة فى ذهن هؤلاء لا تفرق بين الحداثة والتغريب فالفهم الدارج هو على حد تعبير طه حسين : "الغرب بخيره وشره هو مستقبل الإنسانية " .

شبهات تفوق الغرب :

صحب هذا الإعجاب بالغرب شبهات عززت أحقيته بالتفوق أهمها :

أولا : الحضارة الغربية أعطت صورة لنفسها تصفها بالتفرد والعبقرية والنقاء الذاتى . قال مارتن برنال فى كتابه ( أثينا السوداء مبددا هذا الوهم ) " أنه لدى دراسته لمفردات اللغة اليونانية اكتشف أن 25% منها تعود لأصول سامية وأن 25% أخرى تعود لأصول مصرية بما فى ذلك معظم أسماء الآلهة والأماكن اليونانية ، وتعود بقية المفردات لأصول هندية أوروبية " وقال :" إنه عندما درس تاريخ اليونان القديم وجد أن اليونانيين القدامى كانوا يعتقدون أن حضارتهم .

نشأت نتيجة استيطان مصرى فينيقى، واختلاط هؤلاء مع سكان أصليين حوالى عام 1500 قبل المسيح، وأن اليونانيين استمروا يستمدون كثيرا من ثقافات الشرق الأدنى"؟

وكشف منتجمرى واط فى كتابه (أ ثر الحضارة الإسلامية العربية على أوروبا القرون الوسطى) ما استمده الغرب منها فى كل مجالات الحياة.

وفى الحالتين أثبت الكاتبان أن الشوفينية الإثنية والثقافية هى التى جعلت الأوروبيين يحجبون هذه الحقائق.

ثانيا: شبهة موضوعية المعارف الغربية وأنها خالية من العلائق الذاتية صالحة لتكون مفخرة وانتماء لكل الإنسانية.

لقد كان أول ما فتح ذهنى وأنا طالب بأكسفورد لما فى المعارف الغربية من تخليط إطلاعى على كتاب مرجعى كنا ندرسه هو كتاب (التاريخ الدستورى البريطاني) لكاتبه: دافيد انسور، تحدث الكاتب عن المهدى فى السودان قائلا "إنه كان موظفا لدى الحكومة الخديوية فى السودان ثم اشتغل بتجارة الرقيق ا". وتتبعت بعد ذلك هذه العيوب فى مجالات أخرى فوجدت مزيدا من دلائل التخليط:

1- الكتب العلمية تفترض الإلحاد مع أن العلم فى حد ذاته لا يستطيع القطع فيما وراء المشاهدات.

2- استخدام المعارف الأثرية والإنسانية والتاريخية لإثبات دونية الثقافات الأخرى ودعم دعوى رسالة الرجل الأبيض المنوط به تهذيب الإنسان.

3- بالنسبة للحضارة الإسلامية فإن كتابى د. إدوارد سعيد (المستشرقون) و (تغطية الإسلام) يكشفان مدى تحريف المعارف الغربية للحقائق الموضوعية لخدمة مصالح ذاتية.

ثالثا: شبهة علمانية الحضارة الغربية وعزلها للدين عن الدولة وعن السياسة. نعم الفكر الأوروبى فى فترات معينة رفع شعارات من هذا القبيل، فالثورة الفرنسية فى قمة حماستها قررت إلغاء الدين واضطهدت رجال الدين وحرمت العبادة، ولكن نابليون الذى انقلب على حكومة الإدارة (1799م)، خف لمصالحة الكنيسة وعقد معها عهدا.

إن مظاهر العبادة فى الكنائس قلت ولكن الكنائس كمؤسسات دينية، اجتماعية، خيرية وتعليمية فى المجتمعات الغربية قوية للغاية. ومهما نصت الدساتير الغربية على(علمانيتها فإن وجود الدين فى حياتها الدستورية والسياسية لا تخطئه العين. فرؤساء الدول، والشهود، والمتهمون، يؤدون قسما على الإنجيل قبل ممارسة أدوارهم التنفيذية والتشريعية والقضائية، قسما يفترض التزامهم بمحتواه وهو قسم لا معنى له "كما قال جورج واشنطون الرئيس الأمريكى" إذ لم يكن المقسمون معترفين بقدسية الإنجيل، وكثير من البلدان الأوروبية ترسم الصليب على العلم، والدولار أيقونة الاقتصاد الحديث مكتوب عليه (على الله توكلت).

والأحزاب السياسية فى الغرب تتخذ أسماء مسيحية وحتى إن لم تفعل فإنها تتنافس فى كسب تأييد الكنائس بحيث يمكن تحديد صلة كل حزب بهذه الكنيسية أو تلك.

ولرجال الدين دور كبير فى الحياة السياسية فى البلدان الغربية لا سيما فى الولايات المتحدة، وكان 63% من الأمريكيين المتدينين قد صوتوا لبوش فى الانتخابات الأخيرة ورجحوا كفته، بل قال سيمور مارتن " إن الولايات المتحدة هى الأكثر تدينا بين الدول الصناعية.

إن الفكر العلمانى اللادينى لم يستطع طرد الدين من الدولة ولا من السياسة ولا من الحياة العامة، بل توصلت المجتمعات الغربية لمعادلة تعايش يزيد من تأكيد أن الحضارة الغربية حضارة مسيحية. هذا الوصف لها ليس للإساءة إليها ولكن لنفى حيدتها وعقلانيتها الخالصة.

رابعا: شبهة انقراض ثقافات الماضى وأن التراث- على حد تعبير د. زكى نجيب محمود فى كتابه الفلسفى عن المنطقية الإيجابية- لا يسوى شيئا بل أولى به سلة المهملات "

هذا الموقف من ثقافات الإنسان العريقة كان شائعا ولكنه منذ الثمانينيات تراجع ليخلفه موقف سائد لدى الأوساط العلمية فى اليونسكو وغيرها يعترف بقيمة هذه الثقافات.

لقد بين تقرير المفوضية العالمية للثقافة والتنمية، وهى منظمة مكونة بالتعاون بين اليونسكو والأمم المتحدة فى نوفمبر1995م بعنوان ( التنوع البشرى الخلاق) كيف أن مشاريع التنمية الاقتصادية التى لم تأخذ الثقافة فى حسبانها باءت بالفشل، يقول التقرير: (التنمية خارج السياق الإنسانى والثقافى نمو بلا روح) وبعد تناول كافة الأمور المتعقلة بالثقافة يرى التقرير أن تضاف الثقافة بندا جديدا فى حقوق الإنسان العالمية.

خامسا: هناك تيار علمانى فى الغرب اتخذ موقفا عدائيا من الدين وحمله مسئولية التخلف والظلامية والعنف فى الحياة الغربية نفسها. هذه الإدانة للدين فى الغرب أسقطها بعض المفكرين المسلمين على دور الإسلام، وجهر هؤلاء بفكرة أن الفكر الحديث الجاد والعلم قد طردا الدين نهائيا من الحياة لتقوم الحياة على العلم، هذه هى الفكرة التى رسم معالمها الأستاذ نجيب محفوظ فى روايته (أولاد حارتنا) وهى رواية مع وضوح فكرتها من أسخف ما كتب الأستاذ نجيب محفوظ الذى أمتع الأجيال بروايات رائعة خالية من حذلقة أولاد حارتنا ورمزيتها التى تقارب رمزية رواية سلمان رشدى سيئة الصيت (الآيات الشيطانية )

هذه الشبهات مضافة لحقائق التفوق الغربى خلقت ذهنية شرقية كارهة لذاتها مفتونة بالوافد. هؤلاء يعبرون عن الحداثة كاستلاب، وموقفهم هذا يغذى موقف الأصل كانكفاء ويؤجج نيران الصدام بينهما فى الحرب الأهلية الدائرة فى المجتمعات الإسلامية، بل إنهما يقيمان انفصاما فى نفوس كثير من الأفراد بحيث صارت نفس الواحد منهم كالإله الرومانى يانوس ذى الرأسين: رأس ينظر فى اتجاه والرأس الآخر ينظر فى الاتجاه المعاكس، الإله يانوس ذو الرأسين هو الذى سمى به شهر يناير لأنه ينظر فى اتجاه السنة الماضية وفى اتجاه السنة الجد يد ة.

المحور الثالث

التأصيل الصحوى



القرآن الكريم كتاب الله قطعى الورود. ولكن كثيرا من آياته حمالة أوجه (منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات) (آل عمران 17). وأحاديث النبى- صلى الله عليه وسلم- فى غير السنن العملية أغلبها ليست قطعية الورود وفى دلالتها أقوال، وكتب الأحاديث الصحيحة (الصحاح الستة) ليست مبوبة حسب التسلسل الزمنى، ولا توجد روايات قطعية فى نسبة النطق بها لزمن نزول آيات القرآن، حدثنا إسحاق قال حدثنا خالد عن الشيبانى قال: سألت عبد الله بن أبى أوفى: هل رجم رسول الله في قبل أو بعد سورة النور؟ قال: لا أدرى. وحتى بعد حسم مسألة صحة الورود فهناك نصوص مناقضة فى ظاهرها- مثلا – قال تعالى: ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله) (التكوير 29) هذه الآية وغيرها حجة للجبر وتؤكد التسيير، وقال تعالى: ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) (الكهف 29). هذه الآية حجة للاختيار وتؤكد التخيير... فأى الآيات هى المحكمة؟.

إن خير دليل على ذلك هو تحديد أيها تطابق مقاصد الشريعة؟

إن المسئولية الخلقية عن الأعمال وما يترتب على ذلك من جزاء من أهم مقاصد الشريعة. وحرية الاختيار والجزاء المترتب عليها من مقاصد الشريعة.

مجالات الصحوة الثقافية
إن التأصيل المبصر يتوقف على صحوة ثقافية فى عدد من المجالات أهمها سبعة مجالات ألخصها فيما يلى"

(أ) مفهوم الإسلام:

قال تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام..) (آل عمران 9 ) وقال:

( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه (( آل عمران 85) كثير من المفسرين احتج بهذه النصوص على اعتبار الرسالة المحمدية هى المقصودة حصرا بالإسلام وهذا ينفى القيمة الدينية للأديان الكتابية الأخرى ولكن آية ) ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين ( (85) سبقتها آية 84 من نفس السورة وسعت فهم الإسلام ليشمل رسالات الأنبياء السابقين.

إن عددا من آيات القرآن تؤكد أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يأت بدين جديد. قال تعالى:

( قل ما كنت بدعا من الرسل ..) (الأحقاف 9)، وقال: (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله..) (الروم 30) وقال: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ..) (الشورى 13) وهنالك طائفة من الأحاديث تعزز هذا المعنى، قال النبى- صلى الله عليه وسلم - نحن معشر الرسل أولاد علات ديننا واحد وإن اختلفت الشرائع.

أى الفهمين يطابق مقاصد الشريعة؟

إنه الفهم المتسامح الذى يبسط جناحه على الأديان الأخرى، هذا التسامح اليوم من مصلحة الإسلام لأن فى مناخه صار الدين الإسلامى هو الأوسع انتشارا فى كل القارات فى العالم.

ولكن مع هذا الفهم الواسع ماذا يبقى الإسلام من خصوصية؟

يبقى له:

- أولا: إنه الدين الوحيد بين الأديان العالمية الذى يقبل التعددية الدينية من حيث المبدأ لا كأمر واقع، فالأديان الكبرى الأخرى مكبلة بقيود لا تسمح لها بالحركة إلا على حساب إسقاط بعض عقائدها: فالهندوكية هندية، وهى والبوذية تعتبران العالم شرا لا تكون النجاة إلا بالخلاص منه، واليهودية تقترن بأصل إثنى، والمسيحية تحصر خلاص الإنسانية فى التسليم بفداء السيد المسيح عليه السلام. الإنسانية محتاجة للدين ولكن الدين الذى تتطلع إليه ينبغى أن يكون مفعما بالقيم الروحية والخلقية وفى نفس الوقت يتعامل مع الحياة الدنيا بإيجابية world positive وتتطلع لدين لا يحصر القيمة الدينية حصرا طائفيا. هذان الشرطان لا يتوافران إلا فى الإسلام مما يعطيه خصوصية استيعاب لا خصوصية عزل ويؤهله أن يكون دين الإنسانية.

- ثانيا: الأديان الأخرى حققت جدوى دينية وأهملت الجانب الاجتماعي الذى غطته الشريعة الإسلامية وهذه ميزة انفردت بها الرسالة المحمدية.

- ثالثا: الأديان الأخرى تواجه مشكلة التناقض بين النقل والعقل، وبين الغيب والطبيعة، ولكن الإسلام وهو يعنى الامتثال لإرادة الله يدخل فيها حقائق الوحى، وقوانين الطبيعة، والعقل، وحرية الاختيار كما رأينا.

إن اعتراف الإسلام بقيمة دينية للأديان الأخرى يعزز خصوصيته على مستوى أعلى من الفهم ولا يجحدها.

(ب)المعرفة:

الإسلام يذكر ويقر كل وسائل المعرفة الإنسانية: الوحى، والإلهام، والعقل، والتجربة. قال تعالى (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد … ) (الكهف 110) وقال مقرا الإلهام: )اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ( (الحديد 28) وأشار القرآن لجدوى المعرفة العقلية فى نحو الخمسين آية: )إن فى ذلك لآيات لقوم يعقلون( ( الروم 24). وجاء فى القرآن ما يؤكد جدوى التجربة مثل: )وفى الأرض آيات للموقنين. وفى أنفسكم أفلا تبصرون ( (الذاريات 20- 21)، وقوله تعالى: )سنريهم آياتنا فى الآفاق..( (فصلت 53).

إن الإنسان فى تاريخه الطويل استخدم هذه الوسائل المعرفية وغيرها حقق حضاراته وثقافاته ومنجزاته وما زالت الإنسانية حتى اليوم تنعم بالمعارف والتقنيات التى تجنيها عن طريق هذه الوسائل.

هنالك اليوم من يتحدثون عن أسلمة المعرفة !! هؤلاء يضعون أنفسهم مباشرة فى خانة دفاعية إذ يكتشفون موقفهم لهجوم علمانى بأنهم يريدون وضع قيود أيديولوجية على المعرفة.

النظرة الصحيحة فى المجال المعرفى هى أن نقر وسائل المعرفة الأربع ونقول:

إن الإنسان يوفق بين نتائج معارفه المتعددة المصادر عن طريق ملكات وهبها الله للإنسان هى: الحكمة، والميزان، والقسط. وهى ملكات لا مندوحة عنها للفلاح فى الحياة.

إن الفكر الإلحادى، والفكر الغربى الذى لا يقر بقيمة معرفية لغير ما تشهده الحواس هما اللذان فرضا على المعارف الإنسانية طابعا أيديولوجيا إلحاديا لا تسمح به النظرة العلمية المنضبطة بحدود العلم.

إن علم الطبيعيات متعلق بالمشاهدات وإثبات الإلحاد مثل إثبات وجود الله كلاهما خارج نطاق المشاهدات قال تعالى: ) ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم ( ( الكهف 51).

منذ عصر التنوير اتخذت الثقافة الغالبة فى الغرب موقفا حاول طرد الدين من الشأن العام وهمش دوره فى علم التاريخ، وفى العلوم السياسية، وفى العلاقات الدولية، مما أعمى كثيرا من الدارسين، والباحثين، والمحللين عن دور الدين ومعناه للأكثرية البشرية.

ليس المطلوب أن نستبدل هذه الأيديولوجية العلمانية بأيديولوجية أخرى، بل المطلوب هو تحرير المعارف فى العلوم الطبيعية، وفى العلوم الإنسانية، وفى العلوم الاجتماعية من أيديولوجية الإلحاد المقحمة عليها لتنطلق المعرفة الإنسانية بكل وسائلها المشروعة.

هذا هو المعنى السامى للأسلمة لأنه حينئذ يعنى الإحاطة بالمعارف فى كل المجالات وهى مجالات الوحى، والإلهام، والعقل، والتجربة، وكلها من إرادة الله وبعنايته ولطفه إنه لا يكون فى ملك الله إلا ما يريد.

(جـ ) الأخلاق:

الأخلاق هى مراجع النفس الإنسانية وركائز تماسك المجتمعات، الفكر العلمانى يقيم الأخلاق على المنافع والفكر الإسلامى المنكفىء يقيمها على أوامر الشارع ونواهيه. ولكن الفهم الصحيح هو أن للأخلاق أسسا موضوعية تبدأ فى أدنى حالاتها بالمماثلة. أى أن تفعل للآخرين ما تحب أن يفعله لك الآخرون. وهذا يطابق الآية ) فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ( (البقرة 194).

وتتدرج الأخلاق سموا لتقوم على إثبات ما يتعارف الناس على حمده وإنكار ما يتعارفون على ذمه. أى تقوم على المعروف والمنكر كما نصت الآية: )يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث( (الأعراف 157).

وتسمو الأخلاق لتبلغ درجة أداء الواجب على حساب المنفعة الذاتية "الإيثار :)ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ( (الحشر 9).

هذه أسس موضوعية للأخلاق والشرع الإسلامى يقرها، وبإقرارها يسبغ عليها قيمة روحية ويرتب على إتيانها جزاء أخرويا ورضا إلهيا.

( د) الجهاد:

الجهاد هو بذل الوسع كله لإعلاء كلمة الله فى نفس الإنسان وفى كل دروب الحياة. فالإنسان ، يغالب الشر فى نفسه مجاهدا ، ويدعو إلى سبيل ريه بالحكمة والموعظة الحسنة مجاهدا، ويغالب الجهل والفقر والمرض مجاهدا، ويقاتل لكى لا يفتن فى دينه ودفاعا عن نفسه جهادا.. الجهاد بهذا الفهم الواسع ليس حصة فى الحياة، إنه كل حياة المسلم، إنه رهبانية الأمة.

هنالك فهم آخر ضيق للجهاد، هذا الفهم الضيق يجعل الجهاد قتالا هجوميا بموجب آيات السيف. قال الأستاذ سيد قطب: (إن فى كتاب الله سورة هى سورة التوبة تضمنت أحكاما نهائية بين الأمة الإسلامية وسائر الأمم فى الأرض ) ... وقبل ذلك اعتبر ابن القيم آية السيف الواردة فى سورة التوبة الآية المحكمة الناسخة لكل ما عداها.

آيات السيف هى:

* آية 5 سورة التوبة: )فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم ) .

* آية 29 التوبة: )قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون (

* آية 36 التوبة: )وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين(

* آية5 من التوبة سبقتها آية4 ونصها: ) إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين ( هذه الآية أعطت الأمان لأولئك الذين لم يكن اتصالهم بالمسلمين عدائيا.

وأعقبتها آية 6 ونصها:) وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون(.

هاتان الآيتان السابقة للآية 5واللاحقة لها تؤكدان أن الآية الخامسة إنما تقرر حكما يسرى فى ظرف معين أى أن الآية الخامسة معنية بفئة معينة بدأت المسلمين بالعدوان، وهمت بإخراجهم من ديارهم.

الآية 29 المقصود بها ليس كل أهل الكتاب بل فريق منهم له شروط ذكرتها الآية.

قال صاحب المنار الشيخ محمد رشيد رضا تفسيرا للآية: إنها تعنى قاتلوا الفريق من أهل الكتاب.. عند وجود ما يقتضى وجوب القتال كالاعتداء عليكم أو على بلادكم أو اضطهادكم وفتنتكم عن دينكم أو تهديد أمنكم وسلامتكم كما فعل الروم فكان سببا لغزوة تبوك.

أما الآية 36 فهى بنصها نفسه لا تأمر بهجوم بل تقول . )وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة) مثل الآية: (فلا عدوان إلا على الظالمين).

الفيصل فى تبرير القتال واضح فى الآية 13 من سورة التوبة (ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين) (التوبة 13).

ومما يؤكد صحة ما ذهبنا إليه أن فى القرآن مائة آية موزعة على 48 سورة تأمر بالتعامل مع الآخرين بالتى هى أحسن مثلا الآية 8 من سورة الممتحنة..

وقوله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) (النحل 125). الدعوة لله فى الإسلام بالحسنى أما القتال فهو رد العدوان: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير) (الحج 39).

إننا نلمس آثار هذا الاجتهاد فى كتب سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم .لقد تناول السيرة ما لا يقل عن ألف كتاب. ومع أن بيعة العقبة بيعة دفاعية فإن كثيرا من تلك الكتب تظهر النبى صلى الله عليه وسلم غازيا مبادرا مركزا على واجبات القتال.

والحقيقة هى أن دور المغازى فى نجاح الدعوة كان متواضعا. فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم وكان القتال ما بين عام 3هـ و 9هـ وكان عدد المقتولين فى جميع الغزوات والسرايا:

259 شهيدا من المسلمين.

759 قتيلا من غير المسلمين.

1018 جملة

وكانت الحرب بين الطرفين سجالا ولكن حكمة النبى صلى الله عليه وسلم حققت أهم ثلاثة إنجازات للدعوة دون قتال هى:

أولا: أسس الدولة فى المدينة عام الهجرة دون قتال.

ثانيا: استمال غالبية الجزيرة العربية للدعوة فى عامى صلح الحديبية.

ثالثا: فتح مكة دون قتال.

ولكن المغازى جعلت صورة النبى صلى الله عليه وسلم نبيا حربيا كملوك العهد القديم.

ومن الناحية التاريخية فإن الإسلام، وقد كان نبيه عربيا وكان دعاته الأوائل عربا فى الغالب، فإنه ألهم وحرك قوميات أخرى حتى صار أهم إنجاز القوميات الفارسية والتركية والهندية فى ظل الإسلام. كما أن الإسلام استصحب حضارات الإنسانية السابقة له بصورة نادرة فى كل تاريخ الإنسانية مما جعل المستشرق البريطانى مونتجمرى وات يقول إن فى استصحاب الإسلام لحضارات العالم القديم إنجازا معجزا.

مصلحتنا فى التعايش :
بالإضافة لهذه الحقائق فإن مصلحة الإسلام فى العصر الحديث تكمن فى التسامح والتعايش مع حضارات الإنسان الأخرى للأسباب الآتية.

أولا: مع أن المسلمين فى أضعف حالاتهم من الناحية السياسية فإن الدين الإسلامى ينتشر بسرعة فى كل قارات العالم بالقدوة، وبالتى هى أحسن.. الإسلام اليوم وفى مناخ التسامح الدينى أوسع الأديان انتشارا فى أغلب القارات.

ثانيا: علماء الاستشراق ومن لف لفهم، وقد كانوا "فى الغالب " حربا على الإسلام، بدا منهم منذ حين اتجاه جديد أكثر موضوعية فى تناول الإسلام.

ثالثا: ثلث المسلمين اليوم يعيشون أقليات مع أغلبيات مغايرة، كذلك يعيش الباقون غالبا مع أقليات مغايرة.. ولا سبيل للتعامل فى كل هذه الظروف، لا سيما فى المناخ الدولى المعاصر، إلا بالتسامح والتعايش.

(هـ) الدولة فى الإسلام :

إن فى الإسلام مبادىء سياسية وأحكاما ولكن ليس فيه شكل معين لدولة.

الدول التى حكمت المسلمين فى الغالب كانت دولا استبدادية غير آبهة بمبادىء الإسلام السياسية حتى كاد أن يطويها النسيان.

أما على الصعيد النظرى فقد نشأت نظريات حول الدولة الإسلامية أهمها نظريتان:

. النظرية السنية: هذه النظرية حددت معالم الدولة الإسلامية قياسا على تجربة عهد الخلفاء الراشدين، نظرية فصلها على اختلاف فى التفاصيل الإمام الشافعى فى كتابه (الأم)، وابن قتيبة فى كتابه (الإمامة والسياسة)، والماوردى فى كتابه (الأحكام السلطانية). الخليفة الذى يقود هذه الدولة هو خليفة النبى صلى الله عليه وسلم فى حراسة الدين وسياسة الدنيا، وينبغى أن تتوافر فيه مؤهلات أهمها أن يكون عالما مجتهدا، شجاعا، سليم البدن والحواس، قرشى النسب وأن يختاره للخلافة أهل الحل والعقد وهم خيار الأمة بمقياس الشرع من الرجال العدول.

هذه الآراء حظيت بقبول واسع لدى أهل السنة ولكنها لم تطبق ولم تقم بموجبها مؤسسات بل ظلت محض نظرية، لأن الحكام منذ الخليفة معاوية بن أبى سفيان أقاموا سلطانهم على القوة لا على الشورى وتداولوا السلطة بموجب الوراثة. هذا النهج اعترف به جمهور الفقهاء وألزموا الناس طاعته خوف الفتنة.

. النظرية الشيعية: على النقيض من هذا الرأى قرر جمهور الشيعة أن قيادة الأمة أى الإمامة ركن من أركان الدين وهى اختيار إلهى مثل النبوة لا يفرقها منها إلا الوحى. والإمام معصوم مطاع على الأمة أن تطيعه مثلما تطيع النبى- صلى الله عليه وسلم- ، والإمام هو الذى يبين للأمة دينها فلا حاجة لإجماع أو قياس بل الإمام بعلمه اللدنى هو والى الأمة فى كل شأنها. والإمامة بعد النبى- صلى الله عليه وسلم- للإمام على بن أبى طالب- رضى الله عنه- ويليه فى هذا المنصب أحد عشر إماما هم أبناؤه الحسن والحسين وتسعة بعدهما من نسل الحسين- رضى الله عنه- . وآخر هؤلاء الأئمة هو محمد الحجة بن الحسن العسكرى ، وقد غاب منذ نيف وألف سنة وسوف يعود يوما وهو المهدى المنتظر قائم آل محمد، وفى غيبة الإمام وعلى مر الأيام نشأت مؤسسة شيعية يقودها مراجع التقليد وهم فقهاء علماء يسمون آيات الله الكبرى وعلى الجمهور تقليدهم فى غيبة الإمام. وبعد نجاح الثورة الإسلامية فى إيران أصبحت المؤسسة الشيعية هى المسئولة سياسيا ودينيا عن قيادة إيران، وتبنى الدستور الإيرانى نظرية ولاية الفقيه التى دعا إليها آية الله الخمينى، الفقيه صاحب الولاية صلاحياته مثل صلاحيات الإمام الغائب تولاها آية الله الخمينى حتى وفاته ثم آية الله خامينئى المرشد الحالى.

إن نظام ولاية الفقيه له جذوره فى الفهم الشيعى للقيادة الدينية ولكنه لن يجد قبولا فى النطاق السنى وإن كانت فكرة الحاكمية التى نادى بها الشيخ أبو الأعلى المودودى تلتقى مع ولاية الفقيه فى كثير من الجوانب. ولكن حتى فى الإطار الشيعى توجد تحفظات على ولاية الفقيه.. تحفظات جهر بها آية الله شريعة مدارى وآية الله محمد منتظرى وآخرون.

أمام التصور الشيعى للإمامة توجد التحفظات الآتية:

أولا: لقد تولى أمر المسلمين بعد النبى- صلى الله عليه وسلم- الخليفة أبو بكر- رضى الله عنه- وبايعه بعد تأخير لنصف عام الإمام على بن أبى طالب- رضى الله عنه- ، ولم يتول الإمام على ابن أبى طالب الخلافة إلا بعد مقتل الخليفة الثالث.

أما أئمة الشيعة الآخرون فلم يتول أى واحد منهم ولاية عامة على المسلمين. والحسن بن على الذى بُويع بعد مقتل والده تنازل عن بيعته وبايع معاوية.

ومهما كان استحقاق هؤلاء الأئمة فإن الولاء لهم لم يتعد حدود شيعتهم، ثم غاب آخرهم ولم يعد متصلا بالأمة، والحكمة فى الإمامة أن يكون صاحبها حيا وعلى اتصال بالناس لأن عليه واجب إرشادهم مثلما عليهم واجب طاعته.

ثانيا: فى غيبة الإمام التقليد لمراجع التقليد فى كل شىء من أمور الدين والدنيا. هذه الطاعة تفترض أن علمهم بعلوم الدين والدنيا أوسع من علم الناس ولكن الحقيقة هى أن معرفتهم بالعلوم التقليدية واسعة ولكن معرفتهم بالعلوم الحديثة متواضعة، فكيف يفرض تقليدهم فى علوم يجهلونها؟

ثالثا: ولاية الفقيه تقيم وصاية على الأمة وتجعل مؤسسات البلاد الدستورية المنتخبة مقيدة. هذا الموقف يمكن احتماله عندما يكون الفقيه صاحب الولاية هو نفسه صاحب الأغلبية الشعبية دون منازع، ولكن منذ عام 1997 لدى انتخاب السيد/ محمد خاتمى اختلف الأمر وصار المرشد والمحافظون المشتغلون بولاية الفقيه أمام قيادة تمثل ولاية الجمهور. هذا الموقف أفرز استقطابا حادا داخل مؤسسات الحكم، وفى الموقف السياسى فى إيران، وهذا التوتر يضر باستقرار التجربة الدستورية الإيرانية ولا يُرجى حسمه إلا ضمن أحد ثلاثة خيارات:

- انتصار ولاية الجمهور بالسند الشعبى وتسليم الطرف الآخر بذلك وتعديل فكرة مؤسسة ولاية الفقيه على النحو الذى قال به آية الله شريعة مدارى.

- فرض ولاية الفقيه إرادتها بالشرعية الثورية أى بالقوة وقفل باب الإصلاح.

- الاتفاق على ولاية فقيه دستورية بمعنى أنها تملك ولا تحكم وتترك الحكم للمؤسسات المنتخبة.

هاتان النظريتان السنية والشيعية لا تصلحان أساسا لدولة عصرية.

الدولة فى الإسلام :
الدولة هى سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية، وشعب، وأرض. بهذا الفهم لا توجد دولة إسلامية ملزمة للمسلمين فى كل زمان ومكان:

- ففى الصدر الأول تولى النبى صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون أمر المسلمين بطرق مختلفة، ومارسوا صلاحيات مختلفة، وحكموا شعوبا مختلفة وبقاعا مختلفة.

- والدول التى حكمت المسلمين لمدة خمسمائة وألف عام دول متعددة النظم ونظمها أشبه بنظم الحكم الوضعية المعاصرة لها منها بدولة الخلفاء الراشدين.

- وضرورات العدالة اليوم لا تسمح لشخص واحد أن يجمع فى يده كل السلطات مثلما فعل الخلفاء تاريخيا.

وواقع الحال لم يعد يسمح ببسط دولة واحدة سلطانها على كل المسلمين وهى ظاهرة اختفت من دنيا المسلمين منذ سقوط الدولة الأموية فى 150هـ وبعدها تعددت الدول التى حكمت المسلمين قبل أن يتسلط عليهم الحكم الأجنبى ويرسخ تفرق دولهم.

إن مبادئ الإسلام، وحقائق التجربة التاريخية لا تقول بوجود دولة إسلامية معينة ملزمة للمسلمين، إنما توجد مبادئ سياسة إسلامية كالشورى، والعدالة، والحرية، والوفاء بالعهد وهلم جرا، كما توجد أحكام معينة ملزمة للمسلم.

إن مبادئ الإسلام السياسية تجعل المسلمين مسئولين عن اختيار الحاكم وهم المسئولون عن محاسبته أى أنه حاكم مدنى مفوض أمره للجمهور.

ومبادئ الإسلام السياسية تقبل الفصل بين سلطات الدولة، قال القاضى أبو يعلى فى كتابه (الأحكام السلطانية) "القاضى إذا ولاه الإمام صار ناظرا للمسلمين لا عن من ولاه فيكون القاضى فى حكم الإمام فى كل بلد" هذا مبدأ استقلال القضاء.

إن مبادئ استقلال القضاء، ومدنية الدولة، والفصل بين السلطات توجد متناثرة فى اجتهادات فقهاء السلف، ولكن التجربة الدستورية الغربية هى التى أجلت هذه المفاهيم وأقامت لها المؤسسات وضبطت ممارستها.

إن العدل من أهم مقاصد الشريعة وإن الفصل بين السلطات من أهم شروط العدل وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

واقع المسلمين اليوم تحكمه دول فطرية مسئولة عن الإدارة والمعيشة وحفظ الأمن. وهذا الواقع يقوم عليه ويدعمه نظام الأمم المتحدة.

إن المواطنة التى تقوم عليها الدولة الفطرية عهد، كذلك مواثيق ونظم الأمم المتحدة تقوم على عهود، وليس فى هذه العهود الملزمة ما يمنع قيام اتحادات بين الدول لتحقيق مصالح معينة أو لتحقيق مبادئ معينة، ولكنها اتحادات سوف تقوم على التراضى والمصلحة المشتركة.

التطلع لإمام واحد بالتعيين الإلهى، أو لخليفة واحد بصلاحيات الخلافة التى عددها الماوردى يجمعا فى أيديهما كل سلطات الدولة ويمارسانها على كافة الشعوب الإسلامية تطلع يناسب الظروف التاريخية الأبوية ولا يناسب النظم المؤسسية الحديثة فى إدارة الشأن العام.

إن الاتفاق على شخص واحد ليقود المسلمين حتى فى الأمور الدينية وفى الوطن الواحد غير ممكن وفرضه بالقوة مستحيل لأن الاجتهادات الدينية متعددة، كذلك الفرق والمذاهب، والمتاح فى كل هذه الأمور هو التراضى والتعاون عبر مؤسسات.

(و) الاقتصاد الإسلامى:

المشكلة الاقتصادية واحدة، إنها تتعلق بندرة السلع والخدمات وسعة حاجة الناس لهما. الإنتاج الذى تشترك فيه عوامل عديدة: الخامات، ورؤوس الأموال، والأيدى العاملة يسعى لإنتاج السلع والخدمات لكى تلبى حاجة الناس.

عملية الإنتاج تواجه مشكلتين، الأولى: اختيار الاستخدامات البديلة للموارد، والثانية: توزيع عائد الإنتاج بين العوامل المساهمة فيه.

المذاهب الاقتصادية تختلف حول اختيار الاستخدامات البديلة، وتختلف أكثر حول توزيع العائد بين عوامل الإنتاج المختلفة.

الاقتصاد كعلم له قوانينه ونظمه ولكن القيم والمذاهب تتدخل فى تحديد اختيارات الاستخدام المفضلة للموارد، وفى توزيع العائد.

هنالك مبادئ إسلامية ذات محتوى اقتصادي ، وهنالك أحكام إسلامية كالزكاة، وكتحريم الربا ذات أثر اقتصادى إذ أنهما تحولان دون تعطيل المال وتساهمان فى عدالة توزيع الثروة بين الناس.

المبادئ ذات المحتوى الاقتصادى فى الإسلام
هنالك طائفة من المبادئ الإسلامية ذات المحتوى الاقتصادى، أهمها:

التعمير : إنه الجهد المطلوب لتنمية الثروة وإزالة الحاجة. قال تعالى: (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها ) (هود 61) أى جعلكم عمارها.. وأخرج أحمد والبخارى ومسلم والترمذى عن أنس عن النبى- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما من مسلم يزرع زرعا أو يغرس غرسا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة". وقال تعالى: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله) (الجمعة 10 )... وعلى هذه النصوص وغيرها رتب الفقهاء مفاهيم واضحة عن مقاصد الشريعة فى المجال الاقتصادى... قال صاحب المنهاج: "ومن فروض الكفاية الحرف والصناعات وما يتم به المعاش " . قال شارح هذا المعنى مبينا العلة: "يتوقف قيام الدين على قيام الدنيا"، وقيامها على ذينك (الحرف والصنائع) ثم زاد: " ولا يحتاج لأمر الناس بها لكونهم جبلوا على القيام بها ولكن لو تمالأوا على تركها أثموا وقوتلوا،.

الملكية، وهى من ناحية الأصل لله أى أنه مالك كل شئ فى الوجود والثروة ملك له، ولكن هذا الأساس لا يترتب عليه معنى ثيوقراطيا لأن الإنسان- كل بنى الإنسان- مستخلف على هذه الثروة ومسلط عليها وهى مسخرة له.

إن المتصفح لأعمال فقهاء السلف لا يسعه إلا أن يقول معنا "هؤلاء الرجال الأتقياء النيرة بصائرهم، النافذة عقولهم، تصدوا للنصوص الإسلامية الثابتة وعرفوا دور العقل، والمصلحة، وامتصوا النافع من ثقافات عصورهم، وأحاطوا بظروف مجتمعاتهم، واستخدموا وسائل نافذة ذكية فاستنبطوا أحكاما دقيقة المعانى عادلة ونافعة فأرضوا ربهم وأورثونا ثروة غنية (1 ).

لقد أنزلوا- ما استطاعوا- مبادئ الإسلام فى الاقتصاد والأحكام على واقعهم التاريخى. تلك التجربة التاريخية ذات قيمة من حيث استصحاب الأساليب والمناهج التى استخدموها. ولكن اعتبار ما حققوه أنموذجا لاقتصاد إسلامى دائم وعلينا فى العصر الحديث أن نقيس عليه أو نطبقه- افتراض غير مجد ومحاولة لإحياء جسم فارقته الحياة لاختلاف كبير فى الظروف.

الاختلاف بين ظروف الماضى والعصر الحديث
أذكر من ذلك الاختلاف الآتى:

- أولا: طبيعة الأموال كانت مباشرة من أنعام وزروع وصناعات وأعراض تجارة. وملكيتها كذلك كانت مباشرة. اليوم نشأت واتسعت الشركات المحدودة المسئولية والملكية فيها غير مباشرة لأسهم قيمتها فى حركة مستمرة تحددها بورصة الأسهم حسب أداء الشركات المعنية ربحا وخسارة.

- ثانيا: مالية الدولة كانت تقوم على الزكاة، والجزية، والخراج، والكفارات ، وهى مصادر تتوقف على اختلاف ملة دافعيها. اليوم تقوم مالية الدولة على أساس ضرائب على دافعيها كمواطنين دون اعتبار لاعتقادهم الدينى، نعم وجوب دفع الزكاة قائم ولكن هنالك اختلاف واسع بين الأمس واليوم حول الزكاة كما سوف نبين لاحقا.

- ثالثا: نظام الفىء والغنائم يقوم على افتراض الحرب حالة مستمرة . واليوم عبر المواثيق الدولية ومنظمة الأمم المتحدة الافتراض هو أن يكون السلام حالة دائمة .

- رابعا :كانت المعاملات المالية بين المقرض والمقترض تقوم على علاقة مباشرة بحيث يفرض المقرض على المقترض شروطه الربوية ، اليوم هذا النوع من المعاملات يتم عبر مؤسسات ائتمان محددة يحكمها القانون الذى يحكم النظام المصرفى . والنظام المصرفى وسيلة لتنظيم الائتمان وللتحكم فى حجم الادخار ، وفى حجم كمية النقود المتداولة . وهذه الوظائف غير مسبوقة فى الماضى .

- خامسا : كان النقد عينيا وثابت القيمة مع الزمن بالذهب والفضة ، أما اليوم فالنقد إصطلاح ورقى متحرك القيمة من ساعة لساعة حسب أسعار تبادل العملات فى الأسواق المالية . هذا بدوره يجعل أى قرض اليوم شيئا مختلف القيمة عنه غدا أو بعد غد ، هذا يعنى أن قيمة المبلغ المقترض اليوم مختلفة تماما عن قيمة نفس المبلغ بعد شهر أو سنة .هذه ظاهرة جديدة .

- سادسا: إذا استعرضنا الأحكام المحددة المحرمة كالربا ، والواجبة كالزكاة لوجدنا أن الاختلاف الشامل فى ظروف اليوم والأمس يقتضيان اجتهادا جديدا يطبقها على ضوء مقاصد الشريعة لا على الصيغة القديمة لأن تطبيقها على أساس تلك الصيغة يأتى بنتائج عكسية ويهزم مقاصد الشريعة .

نظرة للأحكام الخاصة بـ : الربا – الزكاة – والمواريث

الربا:

الربا محرم شرعا لأنه يقوم على استغلال صاحب المال لصاحب الحاجة فيفرض عليه زيادة فى حجم القرض مقابل الإمهال للسداد بعد فترة زمنية معينة . هذه المعاملة تقتضى :

- أن يكون انتقال المال من غنى لفقير .

- أن يستغل الغنى حاجة الفقير .

- أن يزيد حجم المال مقابل الإمهال فى مساومة غير متكافئة بين الطرفين.

افتراض ثبات قيمة المال بحيث لا يؤثر الإمهال سلبا عليها عن طريق التضخم أو اختلاف سعر صرف النقود.

سعر الفائدة
إن فائدة البنوك اليوم آلية مختلفة لأنها:

مرتبطة بمؤسسات ائتمان قانونية ومحددة الشروط غير قابلة للمساومة بين مقرض ومقترض.

أموال المصارف اليوم مكونة من أسهم وودائع لجمهور عريض، منهم الغنى والفقير، بينما القروض تذهب فى الغالب لمستثمرين لزيادة حجم الاستثمار لا لحاجة خاصة بهم. وهؤلاء يقدمون مشروعات مجدية اقتصاديا وضمانات تؤكد أنهم من قطاعات المجتمع الأغنى لا الأفقر.

وسعر الفائدة اليوم يقوم بوظائف نقدية ومالية لا غنى عنها إلا إذا وجد بديل مناسب له فى أداء هذه الوظائف الهامة والضرورية.

. إنه يشكل حافزا للادخار.

. إنه ينظم حجم المال المتداول ومن ثم ضبط النشاط الاقتصادى تمددا وانكماشا.

. يعطى مقياسا للمفاضلة بين الاختيارات الاستثمارية المختلفة.

. يعوض عن تدهور قيمة العملة مع الزمن عن طريق التضخم وهبوط سعر تبادل العملة.

. نعم إن سعر الفائدة الزائد عن حد معين يشكل استغلالا ويضر بالنشاط الاقتصادى نفسه، إنه فى هذا الصدد يشبه معاملات أخرى كثيرة ذات طابع استغلالى، قال النبى صلى الله عليه وسلم "الربا ثلاثة وسبعون بابا" - أى نوعا- وقال: " غبن المسترسل" (الذى لا يعرف قيمة الأشياء لجهله أو لغفلته أو لأنه غريب) ربا. واشارة لهذا المعنى الواسع للربا وصف ابن عربى الفقيه لا الصوفى) كل ربح أو كسب يزيد عن المثل بأنه ربا. هذا معناه أنك إذا ربحت ربحا فاحشا من تجارة محتكرة، أو أجرت منزلا بأجرة باهظة استغلالا لحاجة المستأجر، فالمعاملة فى الحالين زائدة عن المثل- وهذا ربا.

لقد جرت محاولات مصرفية إسلامية لإيجاد بديل لسعر الفائدة فى العصر الحديث. هذه المعاملات معيبة من وجوه كثيرة أهمها.

(أ) لم تعط بديلا لسعر الفائدة فى وظائفه غير الائتمانية.

(ب) قبلت التعامل مع المؤسسات المالية والنقدية خارجها على أساس سعر الفائدة بحكم الأمر الواقع.

(ج) أحلت المرابحة محل سعر الفائدة فى المعاملات التجارية والصناعية والتعدينية وأوجبت ضمانات أكبر من ضمانات المصارف التى تقوم على سعر الفائدة وفرضت نسبأ لصالح رأس المال أكبر من نسب سعر الفائدة، وركزت على الصفقات القصيرة الأجل معرضة عن تمويل الاستثمار الصناعى والتعدينى الطويل الأجل.

(د) أحلت السلم محل سعر الفائدة فى تمويل الائتمان الزراعى وأوجبت نسبأ أعلى من سعر الفائدة لصالح رأس المال، وركزت على الائتمان القصير الأجل وتجنبت تمويل الاستثمار الطويل الأجل.

(هـ) الجانب الوحيد الذى نجحت فيه المعاملات المصرفية " الإسلامية" هو تنظيم الائتمان عن طريق الشراكة. ولكنها فى هذا المجال سلبت المستثمرين المرونة التى يحرصون عليها فى إدارة أعمالهم.

عرف مؤتمر علماء المصلين السابع المنعقد فى القاهرة فى عام 972 ام الربا بأنه فائدة الإقراض. هذا تعريف نظرى شجع على اعتبار سعر الفائدة هو الربا –

المحرم شرعا وفتح الباب أمام الممارسات البديلة المذكورة هنا وهى ممارسات كما أوضحنا مختلفة اسمأ عن سعر الفائدة ولكنها أسوأ منه فعلا إذا قيست بمقاصد الشريعة ولا تحل محله فى أداء وظائف أخرى هامة.

البدائل المحددة لسعر الفائدة فى ممارسات المصارف "الإسلامية؟ المعاصرة
لا تمثل بدائل مجدية لسعر الفائدة وهى فى الوقت نفسه لا سيما فى صيغتى المرابحة والسلم أكثر استغلالا للمستثمر وانحيازا لصاحب المال بمراحل من سعر الفائدة وأقل حرصا على تمويل الأنشطة الاستثمارية الصناعية، والزراعية، والتعدينية، والبنية التحتية.

المطلوب الكف عن الفتاوى العاطفية التى يصدرها فقهاء حسنى النية ولكنهم غير مدركين لحقيقة الاقتصاد الحديث وتوضيح الفرق بين الربا وسعر الفائدة ووضع ضوابط لسعر الفائدة ليؤدى دوره المطلوب وفق مقاصد الشريعة، فإن كان سعر الفائدة شرا فإن البدائل المقترحة له أكثر شر منه. ومن مقاصد الشريعة فى هذه الحالة ارتكاب أخف الشرين. إن فقها نافذا ملما بمقاصد الشريعة وحقائق الاقتصاد الحديثة سوف يسوق البرهان على أن سعر الفائدة المنضبط ضرورة اقتصادية. إن ما حدث فى السودان باسم تطبيق النظام المصرفي الإسلامى فى الفترة الأولى (83 9 ام- 985 ام) وفى الفترة الحالية (1989م- وحتى الآن) يساق دليلا واضحا على تهافت الصيغ المسماة إسلامية وعلى عجزها التام عن تقديم بديل مجد لسعر الفائدة. لقد قدمت تجربتا السودان البرهان التام على فشل البدائل المصرفية الإسلامية وتدمير النظام المصرفى السودانى الذى كان ناجحا بكل المقاييس.

الزكاة:

الزكاة فريضة إسلامية، وهى من حيث المبدأ تعنى تطهير المال الزائد عن الحاجة هذا معنى روحى، وهى توجب نقل المال من مستكف إلى محتاج، هذا معنى اجتماعى..-

ولكن مع تأكيد ديمومة هذين المعنيين فإن أمر الزكاة محل اختلافات واسعة من المجتهدين فى الماضى حتى قال يحيى بن معين- وهو من أئمة الحديث- مشيرا لاتساع الاختلافات: "لم يصح فى فرائض الصدقة حديث " (أى فى مقاديرها).

. اختلفوا حول المزكى بين مضيقين وموسعين. المضيقون حصروا الزكاة فى ثمانية أنواع من المال: ثلاثة أنواع من الحيوان. وثلاثة أنواع من الثمار ونوعين من النقد هما الذهب والفضة فلم يوجبوا الزكاة فيما وراء ذلك من مال. لم يوجبوها فى أى نقد آخر ولا فى عروض التجارة ولا فى الأملاك مثل العمارات والمصانع ولا فى رواتب أصحاب الديوان ولا فى الثمار الأخرى، والموسعون أوجبوا الزكاة فى كل مال مهما كان نوعه.

. واختلفوا حول قسمة الزكاة بين المواضع المختلفة: الجمهور قال بجواز صرفها على بند أو أكثر من مصارفها باجتهاد الإمام.

الإمام الشافعى: قال بوجوب قسمتها على ثمانية أجزاء تقسيما ملزما.

. واختلفوا حول جواز نقل الزكاة ولزوم صرفها فى محل المال المزكى. فالشافعية والمالكية والحنابلة يتشددون فى وجوب عدم ترحيل الزكاة، والحنفية يقولون بجواز نقلها كراهة. والقرطبى يقول: سهم الفقراء والمساكين يقسم فى موضع المال. أما السهام الأخرى فتتقل باجتهاد الإمام.

. وقال بعضهم: المصارف الثمانية باقية كما هى. وقال آخرون: بل سقط سهم المؤلفة قلوبهم.

. واختلفوا هل يصرف من الزكاة لغير المسلم؟.. قال الجمهور: لا، لأن الحديث يقول تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم- أى المسلمين وقال آخرون نعم والضمير فى الحديث عائد لأهل الجهة لا للمسلمين. هكذا قال ابن سيرين والزهرى.

. واختلفوا حول هل يخرج المزكى الزكاة للدولة؟.. وهى التى تتولى أمر صرفها لمستحقيها؟.. أم يخرجها هو نفسه لمستحقيها؟.. قال الجمهور: الأموال الظاهرة (المواشى والزروع) تتولى جباية زكاتها وتوزيعها على مستحقيها الدولة (ولى الأمر) أما الأموال الباطنة (النقود، وعروض التجارة) فلصاحب المال أن يفعل بها الواجب. قال الحنفية الأموال الباطنة مفوضة لأربابها.. وقال المالكية الأمر فى المال الظاهر والباطن واحد.. وقال الشافعية: للمالك أن يفرق أمواله بنفسه فى الأموال الباطنة. أما الحنابلة فكان رأيهم أنه لا يجب دفع الزكاة لولى الأمر.. وجاء فى المغنى لابن قدامه: يستحب للمالك أن يلى تفرقة الزكاة بنفسه ليكون على يقين من وصولها لمستحقيها سواء كانت ظاهرة أو باطنة.. وفى هذا الصدد تضاربت أقوال الفقهاء. قال الحسن البصرى للمزكى: وضعها (أى الزكاة) فى موضعها وأخفها عن الولاة. وجاء عن الكندى قوله: سألت سعيد بن جبيرعن الزكاة فقال ادفعها للولاة. فلما قام سعيد تبعته وقلت: أمرتنى بكذا ولكنهم يفعلون بها كذا وكذا، فقال لى سعيد: ضعها حيث أمرك الله.. سألتنى على رؤوس الأشهاد فلم أكن لأخبرك.

. واختلفوا هل على المال الخاص التزام سوى الزكاة؟.. قال ابن عمر: لا، فالمال كله لصاحبه إذا أدى زكاته.. وقال أبو ذر: نعم. وكل مال زاد عن حاجة صاحبه كنز مقيت يدخل فى وعيد الله ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ) (التوبة 34). فأى آراء مجتهدى السلف تناسب ظروفنا المعاصرة؟

وهنالك أمور أخرى تحتاج لاجتهاد مثل: ما هو حد الكفاية وحد الغنى والكفاف فى هذا الزمان؟

وهنالك حاجة لمراجعة النصاب ونسبة الزكاة منه فحسب النسب القديمة فإن سعر الزكاة كالآتى:

. الثروة الحيوانية حوالى5. 2% فى السنة.

. التجارة وربحها عليها2.5% فى السنة.

. الإنتاج الزراعى عليه10% إن كان ريه طبيعيا (بالمطر) وعليه 5% إن كان ريه بالآلات

. النقود عليها2.5% إذا حال عليها الحول.

. المعادن عليها 20%.

هذه النسب يجب أن تراجع على أساس مقاصد الشريعة فى إيجاب الزكاة على المستكفى وصرفها على المحتاج.

الزكاة والضرائب:

ولا يمكن معاملة الزكاة كشأن عام لا غير، مثل الضريبة لأن فى الأمر مسئولية شخصية للمزكى، ولا يمكن معاملتها كشأن خاص وحسب لأن فى الأمر وجويا، وفى المؤسسات العصرية آلية يمكن أن تحقق الأمرين معا وهى آلية تكوين شخصية اعتبارية للدولة فيها حضور كمراقب وللمزكين فيها حضور كأصحاب حق. يمكن أن تتولى الزكاة مؤسسة مختلطة بين القطاع العام والخاص، ويمكن أن تكون هذه المؤسسات المكونة بهذه الصفة جهوية بحيث تشبع طابع الربط بين المال المزكى وأهل الجهة المعنية.

وهناك أمر هام متعلق بموقف الزكاة فى حالة إلزام المواطنين بضرائب واسعة إلزاما قانونيا كما هو الحال فى زماننا هذا.

قال أبو جعفر البلخى: ما يضربه السلطان على الرعية مصلحة لهم يصير دينا واجبا وحقا مستحقا كالخراج. أى يدفع الإنسان ما عليه من ضرائب فإذا كان ما بقى له يبلغ نصابا يدفع منه الزكاة حسب شروطها. أو يدفع المسلمون الزكاة ثم يخصمون ما دفعوا للزكاة من التزامهم الضريبى ويدفعون الباقى لمصلحة الضرائب أى يعفون من الضرائب بقدر ما دفعوا من الزكاة.

هذا الباب بالذات كان سببا فى إفساد قوانين الزكاة التى طبقها النظامان السودانيان فى أمر الزكاة.

نظام جعفر نميرى الذى طبق قانونا للزكاة (983 1- 1985م) ضمن ما سماه تطبيق الشريعة- طبق الزكاة كضريبة مباشرة على كل المواطنين وسماها زكاة المسلمين، ونفس الجباية سماها ضريبة تكافل اجتماعى لغير المسلمين، وبموجب هذه الضريبة المباشرة ألغيت الضرائب المباشرة وغير المباشرة على المواطنين وخول القانون لرئيس الجمهورية صلاحيات واسعة فى أمر الزكاة جباية وصرفا خرجت من الضوابط الشرعية المعروفة. لقد كان قصد النظام فى ذلك الوقت زيادة إيرادات الدولة للقضاء على عجز الميزانية وتصور أن التوسع فى جباية الضريبة باسم الزكاة والتكافل الاجتماعى كفيل بتحقيق التوازن فى ميزانية الدولة إذ قدمت له تقديرات خيالية عن حجم الجباية باسم الزكاة فسارع فى إصدار قانون بذلك. كانت التجرية غير ملتزمة بالضوابط الشرعية وفاشلة فى تحقيق أهدافها الوضعية كوسيلة أفضل للجباية.

أما فى النظام الحالى (1989م - حتى الآن) فقد طبق القانون الزكاة على المسلمين وحدهم ولكنه توسع فى الزكاة بحيث فرضها على كل المعاملات المالية، والتجارية، والاستثمارية والتبادلية، دون استثناء كأنها دمغة على كل المعاملات الاقتصادية. هذا الإجراء غير مصحوب بأية ضوابط تتعلق بحولان الحول، ولا أية ضوابط تتعلق بالمسح الاجتماعى المطلوب ليدفعها المستكفى. إنها جباية عامة على المعاملات الاقتصادية دون إشارة لحالة المزكى، ولا لبراءته من دين ولا لحولان الحول. هذا من ناحية الجباية، أما من ناحية الصرف فقد تحكمت فيه أولويات سياسية لاحاجة المحتاجين. أوجب القانون هذه الجباية الواسعة باسم الزكاة على المسلمين ولم يفرض القانون على غير المسلمين أية جباية سوى جباية الضرائب العامة على كل المواطنين. فالعدول عن الجزية فى السودان- باعتبار أن العلاقة تقوم على عهد المواطنة لا على عهد الذمة- أدى إلى إعفاء غير المسلمين عن أية جباية سوى الضرائب العامة. هذه الظروف أدت إلى مضاعفة الضريبة.

على المسلم فصار المسلم فى السودان باسم تطبيق الشريعة يتحمل جباية مضاعفة، لذلك صار كثير من المسلمين يجرون كثيرا من المعاملات والصفقات بأسماء أصدقاء أو أعوان غير مسلمين تجنبا لثنوية الضريبة باسم الزكاة

إن الزكاة كما تمارس فى السودان تهزم مقاصد الشريعة وتشوه الزكاة ، فالسودانيون قبل هذا التقنين كانوا يؤدون زكواتهم بإخراجها مباشرة لمستحقيها أو عن طريق مشايخهم .ومع أن ذلك الوضع كان محتاجا لإصلاح وتقنين ، فإن التقنين البديل الذى أدخله النظام أسوأ مما كان عليه الحال وأبعد من مقاصد الشريعة .

المواريث :

المواريث من الأحكام المحددة فى الشريعة الإسلامية ، الإرث فى الإسلام يدور على أمرين :

الأول : درجة القرابة من المتوفى .

الثانى : حاجة الورثة .

الحاجة الأعم فى الوراثة اقتضت أن الذكر مثل حظ الأنثيين هذا الأمر متعلق بحقيقة أن الأمومة تفرض على المرأة ظروفها تعطل سعيها للرزق فهى الحامل ، والنفساء ، والمرضع ، والحاضنة المباشرة للطفل لذلك وزعت الاختصاصات وألزم الرجل بواجب الإنفاق .إن حظ الرجل المضاعف فى الإرث مرتبط بإلزامه بالصرف على الأسرة .

ولكن نصف نصيب المرأة من الإرث ليس مرتبطا بمجرد الأنوثة وليس دليلا على دونيتها بالنسبة للرجل كما توهم بعض الناس ، والدليل على ذلك هو أنه فى حالة غياب ما للرجل من إلتزام اكبر – مثلما هو حال الوالدين اللذين هلك ولهما فالنصيب فى الورثة متساو.قال تعالى : (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس ) ( النساء 11). فى منهاج المسلم لأبى بكر الجزائرى تفسير لهذه الآية كالآتى:

(أ) ترث الأم الثلث إن لم يكن للهالك ولد ولا جمع من الأخوة ( اثنان فاكثر).

(أ‌) ترث الأم السدس إن كان للهالك ولد أ و جمع من الأخوة (اثنان فاكثر).

(ج) يرث الوالد السدس مطلقا سواء كان للهالك ولد أو لم يكن له ولد.

هذا معناه أن الأم ترث أكثر من الأب إن لم يكن للهالك ولد أو جمع من الأخوة. وفى حالة الأخوة لأم يكون السدس للأخ لأم ذكرا كان أو أنثى، ويرثه إن لم يكن للوارث أب ولا جد ولا ولد ولا حفيد ذكرا كان أو أنثى بشرط أن يكون الأخ أو الأخت منفردا، فإن تعدد الأخوة ورثوا الثلث شراكة.

وفى حالة الجد والجدة: الجد عند فقد الأب يرث السدس، والجدة إن لم يكن للوارث أم ترث السدس أيضا.

هنالك ظروف جدت على بعض المجتمعات تعاظم فيها دور المرأة الإنفاقى، وفى السودان اليوم نسبة معتبرة من الأسر تقع فيها مسئولية الإنفاق على المرأة لأسباب: مثل نسبة الطلاق العالية وتخلى كثير من الأباء عن الإنفاق على أولادهم. هجرة عدد كبير من الرجال خارج البلاد ورفع يدهم عن أسرهم إهمالا لمسئولياتهم، حصول النساء على مصادر دخل عن طريق العمل الخاص أو الوظيفة مع عطالة أزواجهن عن العمل الخاص والوظيفة.

الدين والسياسة:

الفكر الغربى بعد نزاع طويل بين الدين والسياسة توصل لمعادلة تعايش تمثلها الحياة السياسية والدينية اليوم فى الغرب.

وفى مجالنا الإسلامى طرح شعار الدين لله والوطن للجميع، هذا الشعار معناه إبعاد الدين من السياسة ومن الدولة ومعناه أن للدين دورا عموديا فى العلاقة بين الإنسان وربه وليس له دور أفقى بين الإنسان وأخيه الإنسان. إن التصوير الأقرب للحقيقة هو أن يقال الدين للحياة والوطن للجميع.

ماذا يبقى للمسلم من خصوصية فى ظل مجتمع فيه الوطن للجميع؟

النظام الدستورى الحديث هو الأقرب لتحقيق العدالة، فالسلطات الرسمية موزعة بين التنفيذية والتشريعية والقضائية، والمؤسسات الرسمية لا تحتكر النفوذ بل تنشأ فيها منظمات المجتمع المدنى وهى ذات نفوذ كبير فى صنع القرار وتكوين الرأى العام.

النص على أن الحقوق الدستورية تنشأ من حق المواطنة الذى يتساوى فيه الجميع دون اعتبار لانتمائهم الدينى لا يمنع أن يكون:

. الذين يتولون السلطة التنفيذية منتمين لمبادئ سياسية إسلامية طالما وصلوا للسلطة عن طريق انتخاب حر وطالما احترموا حقوق المواطنين الآخرين السياسية.

. التشريع أن يستمد من الشريعة الإسلامية ومصادر دينية و إنسانية أخرى طالما راعى التوازنات المطلوبة للمحافظة على حقوق كل المجموعات الدينية. سوف يقوم الدين بدور سياسى هام عبر الفكر، والثقافة، والإعلام، والأخلاق، والقيم الروحية، والأحوال الشخصية، والتشريع، وقناعات القادة. وسوف يكون واقع الحال وسطا بين أحادية دينية شاملة وأحادية علمانية شاملة.

لقد نشأ تناقض حاد فى الماضى بين الذين قالوا بأن الإسلام دين ودولة ونظام اقتصادى وعلاقات دولية مستنبطة من مرحلة تاريخية معينة وقفلوا باب الاجتهاد على ذلك، وهذا معناه تعليب المجتمع الإسلامى المعاصر فى نمط تاريخى معين. مقابل هذا نشأت الأصولية العلمانية التى تطلعت لتعليب المجتمع فى نمط وافد معين.

هذه المواجهة اليوم يمثلها من الجانب الدينى أطروحتا ولاية الفقيه والحاكمية وكلاهما تضعان فى السلطة جماعات ستفرض بالقهر السياسى نمطا ماضويا مثلما أن الأحاية العلمانية ستفعل العكس تماما وتضع فى السلطة جماعات ستفرض بالقهر السياسى نمطا وافدا.

هذا الانقسام سوف يكرس الانفصام ويدعم استمرار الحرب الأهلية الفكرية والسياسية بين الحدين، وإذا نجح أحدهما فإنه من ناحية يفرز تجارب معزولة مثل سعيد بن تيمور قديما والحاج عمر حديثا، ومن الناحية الأخرى تجارب منبتة مثل الكمالية فى تركيا.

ما دام الإسلام حيا فسيكون له دوره فى الحياة عبر العقيدة، والعبادة، والشريعة، ومبادئه السياسية والاقتصادية والاجتماعية وقيمه الخلقية.

وما دام المجتمع حيا فسوف يحترم حقوق كافة مواطنيه الدينية والإنسانية والاجتماعية وسوف يطلع على منجزات وتجارب الإنسانية ويستصحبها بطريقته. وسوف يستطيع المجتمع الحى التوفيق بين هذه التطلعات والمطالب عبر اجتهاده وحكمته فالأمة منذ ختم الوحى هى مناط التكليف.

مسألة المرأة

من أقم القضايا المثارة فى أمر الإسلام موقفه من حقوق المرأة، كانت المرأة قبل الإسلام مضطهدة وحررها الإسلام بصورة تعتبر طفرة فى ذلك الزمان. وعبر الخمسمائة وألف عام الماضية خطت الإنسانية خطى واسعة فى سبيل تحرير المرأة حتى بلغت ما نصت عليه معاهدة سيداو CEDAW (2) من حقوق المرأة المعاصرة.



السؤال المشروع هو: هل يمكن للمرأة أن تكون مسلمة ملتزمة بقطعيات دينها وعصرية بالمقاييس المعاصرة؟

لقد وقع اختلاف بين فقهاء السلف أنفسهم حول حقوق المرأة ما بين مقيدين لحقوقها و مجيزين.

خلاصة آراء المقيدين:

جمهور الفقهاء يرون أن النساء ناقصات عقل ودين، ويرون أن إمامة المرأة لا تجوز فى الصلاة وأجاز الشافعى إمامتها للنساء فى الصلاة، وقالوا: إن ديتها هى نصف دية الرجل. وهم يرون أن ولاية المرأة فى الشئون العامة لا تجوز وإليك أهم آرائهم:

- جاء فى مجمع الأنهر فى الفقه الحنفى: ويجوز قضاء المرأة لكونها من أهل الشهادة و إن وليت القضاء ففى غير حد أو قصاص.

- وجاء فى تبصرة الأحكام فى الفقه المالكى: شروط القضاء التى لا يتم إلا بها عشرة والذكورة من شروطه.

- وجاء فى الأحكام السلطانية للماوردى فى الفقه الشافعى: فالشرط الأول لولاية القضاء أن يكون رجلا.

- وقال ابن قدامه فى الفقه الحنبلى: لنا فى هذا الصدد حديث: ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة.

خلاصة آراء المجيزين:

على عكس هؤلاء:

أجاز الطبرى وأبو ثور إمامة المرأة للرجال وللنساء فى الصلاة مستدلين بما رواه أبو داود من حديث أم ورقة أن النبى- صلى الله عليه وسلم- كان يزورها فى بيتها وجعل لها مؤذنا يؤذن لها وأمرها أن تؤم أهل دارها (3).

. وساوى أبو حنيفة بين دية الرجل والمرأة بقوله تعالى: (النفس بالنفس)

دون تخصيص.

- وقال الطبرى: ما دامت المرأة أهلاً للفتوى فهى أهل للقضاء، وقال يجوز أن تكون المرأة حاكما على الإطلاق فى كل شئ.

- وقال ابن حزم فى المحلى: وجائز أن تلبى المرأة الحكم. وقال رداً على من احتج بالحديث: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) إنما قيل هذا فى الأمر العام أى الخلافة.

وفى كتابى (المرأة وحقوقها فى الإسلام) استعرضت كل النصوص ووصلت لاستنتاج خلاصته:

- إن الإسلام يكفل حقوق المرأة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاستثناءات المشار إليها فى الميراث والشهادة وغيرها معللة ودائرة مع عللها، وكل محاولة للاستناد إلى الدين لنقص مكانة المرأة أو نقص حقوقها يضر بالدين لأنه يحيد عن العدل. والعدل من أهم مقاصد الدين، ويضر بأمة المسلمين لأنه يعرض النساء وهن نصف الأمة (على الأقل) لفتنة الخروج عن الدين بحثا عن الكرامة السليبة وعن الحقوق المسلوبة(4).

- كذلك استعرضت الإعلان العالمى لحقوق الإنسان من منظور إسلامى ووجدت أن الحقوق المثبتة فيه عامة وللمرأة خاصة تتفق مع مبادئ وأحكام الشريعة (5).

الإسلام والفن :

تعرف موسوعة المعارف البريطانية الفن بأنه استخدام المهارة والخيال لخلق الأشياء، والبيئات، والتجارب الجمالية التى تتأتى المشاركة فيها للآخرين(6).

توجد تصنيفات عديدة للفنون، فإذا اتخذنا التصنيف حسب وسائط الإدراك، يمكننا الحديث عن فنون مرئية (من ذلك الرسم- التلوين- النحت- التصميم الفنى- الخزفيات- والعمارة)، وفنون مسموعة ( الموسيقى بأشكالها المختلفة)، وفنون الكلمة- الأدب- (من شعر- نثر فنى- رواية- قصة)، ثم الفنون المختلطة مثل الغناء، أو فنون الأداء المختلفة كالرقص والدراما.

الاجتهاد الإسلامى التقليدى لم يجد حرجا مع الفنون الأدبية. ولكن مع استثناء بعض الأشكال الفنية التى تواطأ عليها فنانو دولة فلسطين التاريخية- فإن سائر الفنون الأخرى المرئية والمسموعة والمختلطة قد طردت من أغراض الدين. ونال نصيب الأسد من العداء نوعان من الفنون: السماع (وهو يشمل الموسيقى وآلاتها والغناء بأشكاله)، والتصوير (وهو يشمل النحت والرسم والتلوين).. فصار الفهم التقليدى السائد هو أن الفن- وبدون الإلمام بجوانبه المختلفة المذكورة أعلاه- يجافى الدين ولا يليق إلا بفكر دهرى علمانى.

هذه النظرة منكفئة ومتناقضة تماما مع الفهم الصحيح لموقف الإسلام من الفن.

لقد تناولت موقف الإسلام من الفن فى محاضرة نشرت ضمن كتابى: (على طريق الهجرة الثانية)(7) الدين الإسلامى إيجابى النظرة للعالم، قال تعالى: (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك) (القصص 77) وقال:( قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق) (الأعراف 32). والجمال من مقاصد الإسلام فى الكون:(ما ترى فى خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير ) (الملك 3، 4). وقال عن الأنعام: (ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون) (النحل 6).

لقد وظف الناس الأنعام لأغراض نفعية معينة ولكنهم أيضا التمسوا فيها قيماً جمالية وتغزلوا فى جمالها وبنوا صرحاً جمالياً.

لقد فاق القرآن الكتب المقدسة الأخرى بأن نصه واحد محفوظ ونصوصها متعددة مختلف عليها، وفاقها بمعان اشتمل عليها وخلت منها، وفاقها كذلك فى أنه إنجاز فنى رائع لا تجاريه نصوصها فى هذا المجال. لقد أعجز القرآن فصحاء العرب بسوره وآياته مستخدماً كل فنون البلاغة من بيان فيه التشبيه والمجاز والكناية، ومعان بليغة فى خبرها وإنشائها، وبديع يحوى الطباق والجناس والاقتباس والسجع والتورية والمقابلة. وكانت خطب النبى وأحاديثه نثراً فنياً ممتازاً. وفى كثير من الأحيان استخدم الشعر أسلوباً للتعبير عن موقف:

أنا النبى لاكذب أنا ابن عبد المطلب
نعم ليس النبى- صلى الله عليه وسلم- شاعراً (وما علمناه الشعر وما ينبغى له ) (يس 69) لكن هذا لا يمنع أن يستشهد بالشعر كأسلوب فنى له مواقفه التى تناسبه ، ولا يمنع أن يتذوق الشعر مثلما تذوق شعر حسان وحثه عليه.

وأنشده كعب بن زهير قصيدته الغزلية المادحة (بانت سعاد) فكافأه بأن خلع بردته عليه ولم ينكر من القصيدة إلا عبارة واحدة هى قول زهير:

مهند من سيوف الهند مسلول
فقال له: مهند من سيوف الله مسلول.

لقد تعاقب على الأمة الإسلامية- عهدان الأموى و العباسى وفيهما صار الحكم ملكاً عضودا ونشأ مجتمع دنيوى مترف فيه ما فيه من استخفاف بالدين وتمتع بالملذات، فى وجه هذه التيارات اندفعت اتجاهات فى الدين أقرب الى الانطواء والانكفاء واتخاذ موقف ناف للعالم، وبما أن الجماليات اتخذت نهج الملذات فقد ظهر تناقص أساسى بين الدين والفن وراجت تفاسير لآيات القرآن وأحاديث نبوية ترسخ التناقض التام بين الدين والفن.

تصدى ابن حزم- وهو من أعلام علماء السلف- لأهم تلك الأحاديث فجرحها (8)، مثلا حديث جاء فيه: إن الله حرم المغنية و بيعها وثمنها وتعليمها

والاستماع إليها، وحديث آخر: نهى النبى- صلى الله عليه وسلم- عن تسع، والغناء أحدها. وفسر كثير من المفسرين قوله تعالى: ( ومن الناس من يشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين) (لقمان 6 ). وقالوا: لهو الحديث هو الغناء.. قال القرطبى فى تفسيره: أن سبب نزول هذه الآية هو النضر بن الحارث بن علقمة وكان يشترى القيان ويعلمهن أساطير الأولين للتغنى بها كيدا للإسلام.

وآتوا بأحاديث فى تحريم آلات الموسيقى مثل: أمرنى ربى بنفى الطنبور والمزمار، وحديث: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضرب الدف ولعب الصنج وصوت الزمارة. الأول رواه إبراهيم بن يسع، قال عنه البخارى ، حديث منكر والثانى من رواية عبد الله بن ميمون عن مطر بن سالم، والأول "ذاهب الحديث " والثانى "شبه مجهول ".

ماذا فى هذه الآلات؟
إنها تأتى بأصوات تحاكى أصوات الطيور المغردة والحيوانات، فهى تحاكى أصواتا طبيعية وتنظمها فى أنغام لتستميل الطباع مثلما هو أثرها فى عالم الحيوانات والطير، وهى فى هذا المجال على حد التعبير القرآنى: (أمم أمثالكم) ، وفى إشارة لهذا الميل الفطرى والتشابه بين المخلوقات قال الإمام أبو حامد الغزالى: من لم يحركه العود وأوتاره، والربيع وأزهاره فهو فاسد المزاج ليس له علاج، زائد فى غلظ الطبع وكثافته، على الجمال والطيور بل على جميع البهائم، فإنها جميعاً تتأثر بالنغمات الموزونة.

هنالك أحاديث كثيرة تبيح السماع والآلات، مثلا روت عائشة أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا عائشة أتعرفين هذه؟ قلت: لا، قال: قينه بنى فلان، أتحبين أن تغنيك) ففعلت.

وفى يوم عيد كان الحبش يلعبون فى مسجد النبى فأذن النبى صلى الله عليه وسلم لعائشة بمشاهدتهم حتى ملت، وكان يقول: دونكم بنى أرفدة، أمنا بنى أرفدة.

صحيح أن الإسلام نهى عن الصور والتماثيل لأنها كانت لأوثان، أى لأنها كانت
ذات دلالة دينية شركية، ولكن إذا انتفى هذا الطابع فلا حرمة. قال تعالى: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكراً وقليل من عبادى الشكور) (سبأ 13).

فالتماثيل هنا عند اعتبارها فناً لا رمزاً دينيا تعد من نعم الله للإنسان.

الصور، التماثيل، الأقوال، الأفعال، كل هذه المسائل إذا كان القصد منها دينياً شركياً أو وضعت فى مكان بحيث تشغل المصلى عن صلاته أو العابد عن عبادته فإنها منكرة، أما إذا كان القصد منها واضحا لأغراض عملية أو جمالية فلا حرمة. لقد سك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- عملة عليها صورة الملك الفارسى ، وعائشة- رضى الله عنها- روت أنها كانت تلعب بالعرائس فلم ينهها النبى- صلى الله عليه وسلم-.

أقول:

1- الإسلام دين عمارة للدنيا وللآخرة وهو دين فطرة يقرها وينظم ممارستها.

2- الفن من فطرة الإنسان وله موقعه فى حضارة الإسلام ونظامه. وهو من ضمن حاجات الإنسان الأساسية العشرة الواجب إشباعها (9) والفن يقوم بوظائف عديدة منها الرقى الذوقى، فتح المدارك، الترويح، الاتصال بالقيم العليا، وغير ذلك.

3- لقد وظف الفن فى مجالات دينية شركية وفى مجالات الملذات الهابطة،

هذا النوع من الفن محرم لأنه ترويج للانحراف لا لأنه فن.

4- لأسباب تاريخية صار العدد الأكبر من المسلمين كما يظهر فى خطب الجمعة والصفحات الدينية فى الصحف يرون وجود تناقض بين الدين والفن. الحقيقة التى تؤكدها التجربة الإنسانية هى أن الدين والفن كلاهما يدفع الإنسان بقوة الإيمان وبروعة الفن إلى تجاوز قدراته.

لا أحد يشك فى أن الإيمان كفيل بمضاعفة قدرات صاحبه الطبيعية، أما الفن فقد صور آثاره ابن الفارض تصويرا جميلا.

فطيف خيال الظل يهدى إليك فى كرى اللهو ما عنه الستائر شقت

المحور الرابع

التحديث المؤصل :

القاعدة الإنسانية المطردة: كل من عاش تجرية باهرة النجاح فى مجال من مجالات الحياة يجد نفسه فى كثير من الأحوال مستغرقاً فى ذلك النجاح بصورة تجعل تجربته المعنية مقياساً لما يأتى بعدها. هذا من ابتلاءات النجاح، والله قد يبتلى الناس بالخير والشر. (ونبلوكم بالشر والخير فتنة) (الأنبياء: 35).

إن نجاح العطاء الإسلامى المنقطع النظير برر للكثيرين عجباً بالذات منقطع النظير حتى فسروا ) كنتم خير أمة أخرجت للناس( (آل عمران: 110) تفسيراً مطلقا من شرطه ) تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر( (آل عمران: 110).

لقد كانت المواجهة بين الإسلام والغرب معززة لهذه الذهنية فكانت للإسلام اليد العليا فى حقبة تاريخية طويلة حتى دقت سواعدهم أبواب فيينا عاصمة النمسا وبواتيه فى الطريق إلى باريس ثم انقلبت الآية.

وشهد الغرب طفرات انتقل عبرها من عصر ظلام إلى تنوير ثم إلى صنع الحضارة الحديثة. الحضارة الحديثة ضاعفت قدرات الغرب السياسية، والاقتصادية، والعسكرية أضعافاً مضاعفة ومكنته من إخضاع المعمورة والعالم الإسلامى فيها لإرادته.

والقاعدة الإنسانية المطردة كذلك: كل حضارة أو كيان سياسى تتحقق له الغلبة يتصور أن غلبته نهائية وطبيعية وينظر للآخرين باستعلاء، وكلما كانت غلبة الحضارة الغربية عامة وحاسمة فى العالم كلما كان استعلاؤها مستحكماً. عناصر الحضارة الغربية الحديثة:

حضارة الغرب الحديثة مكونة من ثلاثة عناصر هى-

الأول: عنصر ذاتى أوروبى مكون من تراث ثلاثى هو:

- المسيحية بشقيها الكاثوليكى و البروتستنتى.

- فى مجال القانون والسياسة والدولة. القانون الرومانى.

- فى مجال الفكر والفنون. التراث اليونانى.

الثانى: عنصر علموى هو من تداعيات عهد الاستنارة وما لحق بها من انبهار بالإنجازات العلمية والتقنية مما ولد توجهاً علمانياً قوياً.

الثالث: عنصر إنسانى موضوعى متجسد فى حرية البحث العلمى، والحريات العامة، وحقوق الإنسان، واقتصاد السوق الحر، ويمثل تطويراً عظيماً للعقل والمجتمع الإنسانى.

هذه الحضارة الغربية بعناصرها الثلاثة لا سيما الثانى والثالث استثارت ضدها ردود فعل أصولية فى كل الأديان.

وفى عام 1988م تبنت الأكاديمية الأمريكية للآداب والعلوم دراسة الأصوليات فى الأديان تحت عنوان: المشروع الأصولى ، استعرضت الدراسة عبر أربعة أعوام الانبعاث الأصولى البوذى ، والهندوكى ، واليهودى، والمسيحى ، والإسلامى فى العالم ووصلت لاستنتاج، أن هذه الأصوليات تحركت ضد الرؤى الكونية الجديدة التى تهدد تراثها المقدس.

هنالك علاقة جدلية بين رؤى الحضارة الحديثة، والرؤى الأصولية، وكلما كانت الرؤى الحديثة أكثر استعلاء وهيمنة كلما كان رد الفعل الأصولى أكثر احتجاجا ورفضا.

لقد حققت الحضارة الغربية إنجازات عظيمة، هذا وحده كفيل بوقوعها فيما وقعت فيه من استعلاء مصاحب للتفوق الحضارى.

كانت الحضارة الغربية عبر الاسترقاق، والاستعمار، والتفوق العسكرى، والاستغلال الاقتصادى للآخرين، وبؤر الالتهاب التى خلقتها فى جنوب أفريقيا وفى فلسطين وغيرهما مذلة للمجتمعات والحضارات، والانتماءات الدينية والقومية الأخرى إذلالا غذى الاحتجاج الأصولى الوطنى، والقومى والدينى. إن ظاهرة الاحتجاج الأصولى الإسلامى فى إحدى صورها نتيجة لهذه المقدمات.

ومما يزيد الطين بلة أن الاستعلاء الغربي يتغذى بمواجهة الآخر مثلما يتغذى بإنجازاته، لذلك حرصت بعض التيارات الاستعلائية فى الغرب على اعتبار الإسلام عدوا استراتيجيا لها خلفاً للعدو السوفيتى المباد.

قال بارى بوزان: "إن قيام حرب حضارية ضد الإسلام تدعم الهوية الأوروبية فى ظروف تكوين الاتحاد الأوروبى الحالية. وهو أمر يرحب به كثيرون فى الغرب. وهم يشجعون العوامل التى تؤجج تلك الحرب الباردة"(10).

هذا الرأى نفسه هو الذى ردده أمين عام حلف ناتو السابق قائلا: "الإسلام

هو عدو ناتو الاستراتيجى القادم " وذكر لى الرئيس أبا سانجو النيجيرى أن هلمت شميث المستشار الألمانى السابق ردد نفس هذا الرأى.

هذه نظرة غربية منكفئة وسوف تجد سنداً من عناصر كثيرة فى الغرب يهمها إعادة إنتاج الحرب الباردة، كما ستجد رفضاً واسعاً من عناصر غربية مستنيرة ترى مستقبل العالم فى حوار الأديان والحضارات لا فى مواجهات ظلامية عدمية.

كلما كان الغرب حريصاً على تفرده فخوراً بحضارته، مستعلياً ومهمشا للحضارات الأخرى، عاملا على فرض هيمنته عليها، جاعلاً حضارته مقياس الحضارة الإنسانية التى يجب على الآخرين أن يعتبروها مقياس حاضرهم وهدف مستقبلهم، كلما واجهت الأديان والحضارات الأخرى هذا الادعاء برفض أصولى. الصحوة الغربية المطلوبة لكى تخلق الحضارة الغربية مناخاً يشجع الحضارات الأخرى على حوار الحضارات، وحوار الأديان، وعلى التمييز بين العناصر الثلاثة المكونة للحضارة الغربية، العامل الأوروبى الذاتى، والعامل العلموى الأيديولوجى، والعامل العلمى الإنسانى، لتفهم العاملين الأول والثانى وتحاورهما بالحسنى ولتفهم العامل الثالث وتصحبه طوعاً، فإن على الحضارة الغربية أن تشهد صحوة ثقافية تنطلق من ثلاثة حقائق:

- الحقيقة الأولى: أن الحضارة الأوروبية حتى فى جانبها الذاتى مدينة لحضارات أخرى من حضارات الإنسان، وأنها فيما حققت من إنجازات علمية وإنسانية قد ورثت وطورت عطاء حضارات أخرى لا سيما الحضارة الإسلامية العربية.

- الحقيقة ا لثانية: إن الإنجازات العلمية والإنسانية والاجتماعية ذات القيمة الموضوعية والتى طورتها الحضارة الغربية فبلغت شأواً عظيماً سوف ستصحبها الحضارات الأخرى بطريقتها الذاتية لا عن طريق الإملاء من الخارج، فكلما يصيب الإنسان دون اختياره وصاية تستفزه وتهدر كرامته.

- الحقيقة الثالثة: أن تقبل أن للحضارات الأخرى عطاء مستمرأ، والتعامل معها عبر حوار الحضارات يحقق منافع متبادلة.

هذا المناخ وحده هو الكفيل بالتناغم مع التأصيل المبصر وهزيمة الاحتجاج والانكفاء.

لا يمكن أن ينكر الغرب بعض مسئوليته عن حالة المواجهات المفضية للإرهاب فى العالم، فالاستعلاء والظلم حتى فى داخل المجتمع الواحد يفرخان العداء والاحتجاج ويغذيان الإرهاب.

كنت لسببين حريصا على إنهاء الرهائن الأمريكيين فى سفارتهم فى طهران عام 1979م، السبب الأول: أن تتجنب الثورة الإسلامية فى إيران المز الق الدولية، والسبب الثاني: أن تحل الأزمة فى عهد كارتر مما يساهم فى إعادة انتخابه باعتبار أنه أفضل من منافسه ريجان.. وأثناء قيامى بدور الوساطة التقيت بالسيد/ سايروس فانس وزير الخارجية الأمريكى وأثناء المناقشة قلت له: إن الثورة الإسلامية فى إيران احتجاج صارخ على الشاهنشاهية بكل ما تعنى من سلخ إيران من جلدتها الإسلامية وتغريب الثورة والاستلاب الثقافى هذه كلها كانت أمريكا شريكة للشاه فى تحقيقها، بالإضافة لكونه منذ انقلاب مصدق صنيعه لأمريكا، فلا غرابة أن يوجه كل هذا الغضب ضد أمريكا، فأرجو تفهم : هذه الحقائق، والاعتذار عنها، واتخاذ إجراءات اقترحتها لامتصاص هذا الغضب.

إن الغضب العربى عامة والفلسطينى خاصة لا يمكن أن يفهم ولا تفهم حماسا ته إلا على ضوء الظلم والعدوان، والتوسع الإسرائيلى.

انك إن كلفتنى ما لم أطق ساءك ما سرك منى من خلق
مجالات مطروحة لكل الحضارات :

هنالك سبعة مجالات تمثل ثقافة العصر الإنسانية العلمية التى ينبغى أن تستصحبها الحضارات الأخرى وأن تؤصل تعاملها معها من خلال تراثها الفكرى و الثقافى لتحقيق زحف شامل من كافة حضارات وثقافات الإنسانية نحو العصر الحديث، المجالات هى:

- الحداثة.

- حقوق الإنسان.

- التعايش بين الأديان.

- التعايش بين الحضارات.

- العلاقات الدولية القائمة على السلام والتعاون.

- سلامة البيئة.

- العولمة.

الحداثة:
بالحداثة أقصد ثلاثة أشياء أساسية:

- نظام سياسى يقوم على حكم نيابى منتخب انتخاباً حراً ويكون ملائماً للبيئة الثقافية والاجتماعية المحيطة به، يقوم على أساس التداول السلمى للسلطة، وإخضاع القوات النظامية لقرار القيادة المنتخبة.

- نظام اقتصادى ينطلق من آلية السوق الحر فى الاستثمار وإنتاج السلع والخدمات ويقوم على العدالة الاجتماعية فى توزيع العائد الاقتصادى.

- تحقيق وحماية حرية البحث العلمى والتكنولوجي.

حقوق الإنسان :
تحقيق وحماية حقوق الإنسان كما نص عليها الإعلان العالمى لحقوق الإنسان بما فى ذلك الحريات العامة: حرية الضمير، وحرية التنظيم، وحرية النشر، وحرية التنقل.

التعايش بين الأديان
كثير من أصحاب الملل والأديان سلموا بالتعايش بين الأديان والحوار بينها اعترافا بواقع الحال لا انطلاقاً من مشروعية ذلك فى نصوصهم المقدسة.

الإسلام: ومن مرجعية نصوصه يعترف بالتعددية الدينية تعددية تقتضى التعايش، والتسامح،و الحوار.

- فالإنسان مجبول على فطرة دينية إيمانية: )فطرة الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ( (الروم 30).

- والإسلام يعترف بقيمة إيجابية للأديان الأخرى:( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى و الصابئين من آمن بالله و اليوم الآخر و عمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)، البقرة الآية 62 اختلف المفسرون فى عبارة الصابئين، وعندى إن العبارة تشير للذين اهتدوا للإيمان من تلقاء أنفسهم أى دون رسالة مثل أمية بن أبى الصلت- وهذا المعنى يمكن أن يعمم ليشمل الذين سعوا إلى الله بذاتهم.

- وقال تعالى (لا إكراه فى الدين) (البقرة 256)، وهى تؤسس للتعايش الدينى.

- وقال تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة.. الآية ) (النحل 125) إجازة للحوار.

وبالإضافة لهذه النصوص الناصعة فإن من مصلحة الإسلام أن يعم التسامح والتعايش بين الأديان للأسباب الآتية: -

- الإسلام هو أوسع وأسرع الأديان انتشاراً فى مناخ التسامح الحالى.

- ثلث المسلمين يعيشون أقليات دينية وسط أغلبيات دينية أخرى، والتسامح يكفل لهم حقوقهم.

- أكثرية المسلمين يعيشون فى دول هم فيها أغلبية، ولكن تعيش معهم مجموعات وطنية تنتمى لأديان أخرى ولا سبيل لتحقيق السلام معهم إلا عن طريق الاعتراف المتبادل والتعايش السلمى بين الأديان والثقافات.

تعايش وحوار الحضارات :
أحصى الدارسون ثمان حضارات حية وعشر آلاف ثقافة مميزة، كل الحضارات والثقافات تشتمل على عناصر مميزة لها ولكنها جميعا تحتوى على عناصر وافدة إليها من غيرها.

كل الحضارات التى هيمنت فى ظروف تاريخية معينة تطلعت لتكريس الهيمنة ولإيجاد مبررات فلسفية للبرهان على تفوقها. ما قاله فرانسيس فوكو ياما عن نهاية التاريخ هو عبارة عن تصوره أن الإنسانية كلها سوف تمتثل للأنموذج الغربي الذى بلغ بالإنسانية محطتها الأخيرة. نعم فى الأنموذج الغربي آليات ومناهج سوف تبقى وتعم مثل حرية البحث العلمى، وآليات الحكم الديمقراطى ، وآلية السوق الحر، ولكن هذه وسائل وليست غايات. الإنسانية سوف تستمر تختلف وتتنافس حول الغايات ولن يقف التاريخ عند محطة معينة ما دامت الحياة !!.

فيما يتعلق بالحضارات والأديان، هنالك ثلاثة خيارات هى:

( أ )أن تهيمن على البشرية حضارة واحدة ودين واحد.

(ب) أن تطرد الموروثات الحضارية والثقافية والدينية من الحياة لتحل محلها قيم عالمية وثقافة عالمية.

(ج) الاعتراف بالتنوع الحضارى والثقافى والدينى كجزء لا يتجزأ من الحالة الإنسانية، على أن تقبل الحضارات والأديان والثقافات التعايش والتسامح والحوار بينها.

التجربة الإنسانية عبر القرون أثبتت دون نزاع حقيقتين:

- الأولى: إن محاولة القضاء على الهوية الثقافية والحضارية ومحاولة طرد الدين محاولات محكوم عليها بالفشل، بل ستؤدى لمزيد من التمسك بالقيم المراد إعدامها.

- الثانية: إن محاولات إخضاع الحياة فى أى مجتمع لالتزام دينى معين، ولتراث حضارى وثقافى ماضوى لم تنجح بل عزلت المحاولات من بيئتها الاجتماعية المحيطة بها ومن وسطها الدولى وأخفقت.

بالإضافة لهذه الحقائق، هنالك عوامل جديدة توجب تجنب صدام الحضارات والعمل على التعايش بينها هى:

أولا: فى عالم اليوم الحرب- مع شيوع أسلحة الدمار الشامل- تعنى إفناء البشرية بحيث لا يوجد فى النهاية منتصر، وحتى الذين لا يملكون أسلحة الدمار الشامل يملكون ما سميته أسلحة الضرار الشامل وهى:

- الإرهاب.

- الانفجار السكانى.

- الهجرة غير القانونية.

- الضرر الأيكولوجى.

- استغلال المخدرات.

- التفريط الصحى.

هذه الأسلحة كفيلة بتخريب الحياة المدنية فى البلدان المتقدمة ولا يمكن منعها بالإجراءات القمعية وحدها، ولا يمكن احتواؤها إلا بالقضاء على أسبابها.

ثانيا: تكنولوجيا المواصلات والاتصالات كفكفت أطراف العالم حتى جعلت سكان العالم كالجيران، هذا الجوار لا يناسبه إلا إيجاد أسس للتعايش بين سكانه لا سيما وثمة أمور مشتركة لا يصلح معها إلا التعاون مثل: السكان، والبيئة، والفضاء، والمحيطات وهلم جرا.

ثالثا: البشر يعرفون ثلاثة أنواع من الاختلافات: اختلافات فكرية أيديولوجية، اختلافات على المصالح، واختلافات حول القيم والموروثات.

لقد كانت الاختلافات حول الأيديولوجيات والمصالح سبباً فى حروب طاحنة بلغت ذروتها فى القرن العشرين فى أفظع مجزرتين هما الحرب العالمية الأولى والثانية. ثم أعقبتهما الحرب الباردة التى استقطبت العالم بين معسكرين استمرا متواجهين حتى عام 1991م أما اليوم:

- اكتسبت الأيديولوجية- التوظيف الحزبي للفكر- صيتاً سيئاً لدورها فى إشقاء الإنسانية على يد النازية والشيوعية.

- اتجه العالم لتنظيم التعامل مع الاختلافات المصلحية عبر مؤسسات دولية لحسمها سلمياً.

- ولكن بقيت الاختلافات الثقافية، والدينية. هذه فى الغالب انتماءات موروثة وتفرض على أصحابها ولاء شبه دائم.. لم يعد ممكنا حسم هذه الخلافات عن طريق القهر ولم يبق إلا الاعتراف المتبادل والحوار، هذا أو الطوفان.

العلاقات الدولية
العلاقات الدولية اليوم تفترض أن الدول وحدات وطنية ذات سيادة، وأنها تلتزم بميثاق الأمم المتحدة وبالمنظمة الدولية ( الأمم المتحدة) كمؤسسة عالمية جامعة. إن الوحدات التى تلتزم بهذا الميثاق وتضمها الأمم المتحدة هى الدول الوطنية. الدولة الوطنية شكل سياسى جديد اتخذته الكيانات الأوروبية بعد أن تخلصت من وحدة أكبر هى الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وتخلصت من وحدات أصغر هى المقاطعات الإقطاعية، هذا التطور فى أوروبا تم بعد حروب كثيرة انتهت إلى (صلح وستفاليا) فى عام 1648م الاعتراف المتبادل بين الدول الأوروبية.

لقد عرف الإسلام رابطة الأسرة والقبيلة ويمكن اعتبار صحيفة المدينة مؤسسة لدولة مدنية يقوم الولاء فيها على التناصر والأمن المتبادل لا على الانتماء الدينى أو القبلى، ولكن عبر دولة الخلفاء الراشدين تأسس خضوع المسلمين لدولة واحدة. هذا الشكل استمر لمدة 150هـ عاماً فقط ومنذ نهاية العهد الأموى فى عام 150هـ عاش المسلمون تحت سلطات سياسية متعددة، أى أن هذا التعدد فى الكيانات السياسية سبق الاستعمار ولم يكن نتيجة له، ولكن الاستعمار عزز هذا التوجه وقننه.

الوطنية الحديثة التى تشكل الأساس للدولة الوطنية تقوم على أساس ثقافة مشتركة، وتاريخ مشترك، ومصالح مشتركة لشعب معين مرتبط بأرض معينة. المواطنة هى الرابطة التى تجمع بين شرائح هذا الوطن فى ظل سلطة سياسية موحدة هى الدولة الوطنية.

لقد قام مفهوم الدولة الوطنية على أساس صارم للسيادة الوطنية. ولكن عوامل كثيرة جعلت هذا المفهوم يتراجع بحيث نمت وحدات جبهية داخل الدولة على أساس جمهورى أو فدرالى أو كنفدرالى، كما نمت روابط أوسع بين الدول على أساس اتحادات تضم عدداً من الدول.

إن الدولة الوطنية تكوين اكتسب وجوداً ودوراً مفيداً فى تحقيق الأمن وكفالة سبل المعيشة والتنمية والنظرة إليه من منطلقات طوباوية لا تجدى. والنظرة الأسلم هى اعتبار الرابطة الوطنية تطويراً أوسع لرابطة الأسرة والقبيلة صالحاً لأداء وظائف أمنية وتنموية معينة وقابلاً لاستيعاب وحدات جهوية أصغر وقابلاً للتطوير إلى وحدات تضم أكثر من دولة لأغراض ترضاها الدول الأعضاء.

مبادئ الوحدة للدولة الوطنية :

ما هى المبادئ المطلوبة للوحدة الوطنية فى إطار الدولة الوطنية؟ إنها:

1- المساواة فى المواطنة.

2- المواطنة أساس الحقوق الدستورية.

3- حرية الانتماء الدينى والهوية الثقافية، ولهذه ثلاثة شروط:

- لا تنال أى مجموعة امتيازا بسبب انتمائها.

- لا تجور على حقوق غيرها.

- تحقق تطلعاتها بآلية ديمقراطية لا تحكما.

4- التكوينات السياسية التى تسعى لتداول السلطة تكون بحكم دستورها والدستور القومى مفتوح لكل مواطن.

5- أساس العلاقة: عهد المواطنة مكتوب أو غير مكتوب.

الصحيح عدم النظر للرابطة الوطنية بريبة وعدم وضعها فى مقابل الولاء للأمة الأكبر ، بل تعتبر الرابطة الوطنية صالحة فى حدودها المختارة قابلة للتوسع. إن فى رحاب الأمة الإسلامية قوميات عديدة، الإسلام لم ينف الانتماء القومى بل استصحبه بصورة جعلت العرب يحققون بالإسلام أمجد أيامهم، كذلك حققت القوميات الأخرى الطورانية، والفارسية والهندية والأفريقية، بالإسلام أمجد أيامها وأفضل عطائها.

إن علينا الاعتراف بأهمية الانتماء القومى لا سيما على أساس ثقافى ولغوى وأثنى، وهذا بالفهم المرن لا يتعارض مع انتماءات أوسع للأمة، ولا أضيق للوطن، اللهم إلا إذا ارتبطت القومية بالعصبية، العصبية هى الشعور الذى يمقته ويرفضه الإسلام.

الفهم الحصرى أى الذى ينفى غيره وهو الذى يؤدى للتناقص فى الانتماء الوطنى والقومى والإسلامى، ولكن الفهم الوسطى يسمح بتكامل هذه الروابط. الأمم المتحدة :

إن ميثاق الأمم المتحدة وثيقة جليلة، ومنظمة الأمم المتحدة منظومة جامعة كما أن منظمات الأمم المتحدة المتخصصة منظمات ضرورية وبالغة الفائدة فى مجالاتها.

هنالك إصلاحات ضرورية لمواثيق ونظام الأمم المتحدة أهمها:

- أولا: ضرورة مراجعة المواثيق لإدخال القيم الروحية، والخلقية، والثقافية، والأيكولوجية فيها لأنها كتبت فى ظروف أغفلت تلك الجوانب الهامة فى حياة البشرية.

- ثانيا: ضرورة تكوين منظمات متخصصة للأمم المتحدة فى مجالى حوار ووئام الحضارات، وحوار ووفاق للأديان.

- ثالثاً: منظمة الأمم المتحدة لاسيما فى مستوى مجلس الأمن مثقلة بامتيازات احتكرها الحلفاء المنتصرون فى الحرب العالمية الثانية لأنفسهم. ينبغى أن تراجع كل النظم المقترنة بظرف تاريخى معين لإجراء إصلاح ديمقراطى فى نظام الأمم المتحدة.

سلامة البيئة :
كوكب الأرض هو موروث الإنسانية المشترك وهو يواجه مخاطر كثيرة جلها من صنع الإنسان، ففى الحاضر خطر على الموارد الطبيعية، وفيه خطر على البيئة الطبيعية، وخطر على أنواع النباتات والحيوانات. وخطر على الحياة البشرية نفسها.

هذا الخطر يدل عليه انحصار الغطاء النباتى ، وزحف الصحراء، وقلة المياه العذبة، وانتشار الجفاف، وأخيراً ظاهرة ارتفاع الحرارة.

منذ مؤتمر ريودى جانيرو العالمى فى عام 1990م بدأ وعى عالمى مشترك بمسألة البيئة ثم تتالت المؤتمرات التى حددت المطلوب للمحافظة على البيئة. لقد استيقظ العالم لمسألة البيئة ودرس المشاكل وحدد السياسات المطلوب تنفيذها، ولكن لم يكون آلية لمتابعة التنفيذ على الصعيد الدولى. هذه ثغرة ينبغى سدها أعجل ما يكون.

العــــــــولمة

تكنولوجيا المواصلات نسفت المكان، وتكنولوجيا الاتصالات نسفت الزمان، فصارت أطراف العالم المفرقة بالمكان والزمان كالحاضرة الواحدة.

إن حرية النشاط الاقتصادى ، والمالى، والنقدى، والتجارى، والاستثمارى، وما صحب ذلك من ثورة المعلومات التى جعلت كل المعطيات الاقتصادية فى المتناول، وآنية الاتصالات بحيث تنتقل المعلومة أو الخبر من و إلى كل أطراف العالم بسرعة البرق وتكون فى متناول الجميع.. هذه العوامل خلقت سوقاً عالمياً واحداً. هذه الظاهرة أى العولمة التى صنعتها الظروف الموضوعية المذكورة هنا تمثل حلقة من حلقات التطور الاقتصادي العالمى وينبغى الإلمام والتعامل الإيجابى معها، ولكن:

- أولا: العولمة تتم فى عالم فيه توزيع غير عادل للسلطة والثروة والقوة العسكرية، لذلك فإن القوى المهيمنة عالميا إنما تلون العولمة بلونها وتدفع بها نحو مصالحها الذاتية. هذا جانب ذاتى للعولمة ينبغي إدراكه والاحتياط من آثاره السلبية.

- ثانيا: صحبت العولمة سرعة حركة انتقال الأموال من بلد إلى بلد ومن نشاط إلى نشاط بصورة وصفت بالرأسمالية النفاثة. هذه الظاهرة عرضت وتعرض كثيراً من البلدان لتحركات مالية ونقدية انفعالية يمكن أن تطيح بقيمة الأسهم وبأسعار العملة الوطنية فى لمح البصر. هذا ما حدث فى أزمة دول جنوب شرق آسيا واضطرت ماليزيا للتصدى له بوسائل حماية غريبة على منطق العولمة ولكنها نجحت فى احتواء أضرارها.

- ثالثا: الهيمنة العالمية على أدوات الإعلام والوسائل التى أتاحتها العولمة توشك أن تجعل من ثقافة التسلية الأمريكية- وهى ثقافة ضحلة وضارة تربوياً- ثقافة عالمية، بل توهم كثيرون أنها ثقافة العولمة، هذه الظاهرة ينبغى احتواؤها.

- رابعا: إن العولمة تزيد من حدة التنافس والحرص على الربحية وقلة دخل الدولة والمدفوعات لها. هذا كله يتم على حساب الرعاية الاجتماعية. الرعاية. الاجتماعية هى التى كسرت حدة الصراع الطبقى وحققت درجة عالية من السلام الاجتماعى من السلام الاجتماعى .العولمة إذا تركت لتعمل بمنطقها سوف تقوض الرعاية الاجتماعية ، لذلك ظهرت الدعوة إلى الطريق الثالث أى بين الرأسمالية الحرة والاشتراكية الموجهة .

خامسا : العولمة إذ تتعامل معى العالم كسوق واحد لا تأبه بالخصوصيات الحضارية والدينية والثقافية هذه الخصوصيات مهمة وقد بحثها توماس فريدمان فى كتابه (اللكسس وشجرة الزيتون ) والكتاب يرمز للعولمة باللكسس لأن إنتاجها يتم بآخر الإنجازات التقنية بينما يرمز للخصوصية الثقافية والدينية بشجرة الزيتون لما يعهد فيها من عمر طويل.. إن الخصوصيات الدينية والثقافية سوف تهب لمقاومة العولمة ما لم تؤخذ فى الحسبان .

بعد هذا الطواف الفكرى حول قضايا التحديث المؤصل أقول :

أولا : علينا إدراك أن الحضارة الحديثة تشتمل على عنصر ذاتى أوروبى أمريكى واجبنا أن ندركه وأن ندرسه وأن نحاوره كآخر حضارى نعايشة .

ثانيا :- إن فى الحضارة الحديثة عنصرا أيديولوجيا علمويا يتبع علمانية تنطلق من حقائق العلم ولكنها تتجاوز حدود المعرفة العلمية الخالصة للحكم باسم العلم على أشياء تقع خارج نطاقه هذا الاتجاه الفكرى العلموى العلمانى ينبغى أن نحيط به وأن نحاوره كآخر ثقافى نتعايش معه .

ثالثا : إن فى الحضارة الحديثة النقاط السبع التى استعرضناها وهى الحداثة وحقوق الإنسان والتعايش بين الأديان والتعيش بين الحضارات والعلاقات الدولية وسلامة البيئة والعولمة هذه النقاط السبع تمثل تراكما لإنجازات الإنسانية عبر العصور ولكن تطويرها وتكوين مؤسساتها تم على يد الحضارة الغربية من منطلقات ساهمت فيها كل الإنسانية .

هذه النقاط علينا أن نستصحبها وأن نؤصلها ثقافيا باكتشاف مرابطها فى النصوص والتفاسير الإسلامية وأن نؤقلمها اجتماعيا بتحديد أثر ظروفنا الاجتماعية فى تطبيقها .

المحور الخامس

ما العمــــــل؟

هنالك جهد كبير فى مناقشة هذه القضايا على الصعيد الفردى ، فقد تناول عدد من الكتاب والمفكرين هذه القضايا ورسموا رؤاهم حولها ونشروا توجهات مختلفة.

والصحف الناشرة بالعربية تنسمت درجة من الحرية وحررت مقالات ودراسات بدرجات متفاوتة من الكفاءة والصراحة وعقدت ندوات كثيرة فى بلدان عديدة تناولت هذه الموضوعات بدرجة من الحرية ونشرت دراساتها وتوصياتها. ومنذ حين أفسحت الفضائيات مجالاً واسعاً للرأى والرأى الآخر حتى أن الرأى الآخر الذى كان حتى عهد قريب مخوناً صار مقنناً أو كاد.

وفى عدد من البلدان عقدت مؤتمرات فى مصر والجزائر والمغرب والأردن وغيرها تناولت كثيراً من هذه الموضوعات.

ولكن آن الأوان للدعوة لمؤتمر جامع يدعى إليه علماء، ومثقفون، ومفكرون غير مقيدين بحبال تمنع الرأى الحر لكى يجتمعوا فى منطقة تحترم الرأى والرأى الآخر وتسمح بالتداول الحر ليتداول هذا المؤتمر ثلاث قضايا حيوية للأمة، ويصدر بشأنها توصيات اجتهادية، هى:

· القضية الأولى: تحديد موقف منهجى واضح للتعامل مع التراث ومع العصر.

· القضية الثانية: تحديد أساليب الدعوة المشروعة وهى (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة (، (النحل 125 ) وضبط مسألة الجهاد وهو مدنى يستخدم الوسائل المختلفة من مال وكلمة، ولا يصبح قتالاً إلا دفاعاً عن النفس أو منعاً للاضطهاد الدينى أو مقاومة للاحتلال.

· القضية الثالثة: دراسة ملف تطبيق الشريعة وتقييم التجارب الحديثة

فى هذا المجال ووضع أساس منهجى لهذا المطلب.

المراجع

(1) ( العقوبات الشرعية ) العبادة المهدى ص 131 .

(2) وهى معاهدة القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة

THE CONVENTION ON THE ELEMINATION OF ALL FORMS OF DISCRIMINATION AGAINST WOMEN

والتى تبنتها الجمعية العمومية للأمم المتحدة فى 1979 م . وتتكون من ديباجة و30 مادة

(3) بداية المجتهد- ابن رشد- ج1 ص 46.

(4) بداية المجتهد- ابن رشد- ج 2 ص 459.

(5) المر ة وحقوقها فى الإسلام- الصادق المهدى. 1985م.

(6) الإعلان العالمى لحقوق الإنسان من منظور إسلامى- الصادق المهدى- مؤتمر: الإعلان العالمى لحقوق الإنسان والإسلام- الأمم المتحدة- جنيف- نوفمبر 998 ام.

Www.britannica.com”الموقع فى الإنترنت: arts

(7) على طريق الهجرة الثانية- الصادق المهدى- ص 37.

(8) كتب ابن حزم رسالة فى الغناء المنهى امباح هو أم محظور- تعرض فيها ل 12 من الأحاديث المانعة

للغناء وجرحها وقال: وكل هذا لا يصح منه شئ. وهى موضوعة. ثم أورد 6 من الأحاديث المبيحة. انظر للتوسع كتاب د. محمد عمارة الإسلام والفنون الجميلة- دار الشروق- القاهرة. حيث أورد نصوصا لابن حزم وللإمام الغزالى تؤيد السماع. ونصوصا لابن تيمية تمنعه. وقد قرأها ضمن الحال المتردى للمسلمين آنذاك.

(9) وقد تعرضت كثيرا لتثبت الحاجات وهى الحاجات: الروحية- العقلية- العاطفية- المادية- الأخلاقية- الجمالية- البيئية- الرياضية- الاجتماعية- والترفيهية. انظر مثلا: الصادق المهدى:- نداء الإيمانيين- يوليو 1999م.

(10) صدام الحضارات- بقلم هننتجتون ص

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق