الأربعاء، 5 أغسطس 2009

الوسطية الاسلامية الي اين
بقلم د/ حيدر ابراهيم
ظل الفكر الإسلامي في العصر الحديث يبحث عن إجابة لأسئلة النهضة والتحديث والحداثة والمعاصرة. ووجد نفسه في موقع ردود الفعل والمفعول به وليس الفاعل، فالآخر هو من يحدد له كيف يكون؟ لأن المسلمين رأوا أنفسهم في مرآة الآخر حين استعمرهم فقاموا بمقارنة أحوالهم مع أحوال الغرب والنصارى الذين تفوَّقوا على مسلمين عرف تاريخهم القديم المجد والريادة. لذلك تساءل بعضهم في هلع: لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدَّم غيرهم ؟ (الامير شكيب ارسلان) وتساءل آخرون في شفقة: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين (ابوالحسن علي الحسني الندوي) وغيرها من التساؤلات غير المباشرة. ومنذ ذلك الحين انطلقت حركات البحث الإسلامي عن مخرج وتعددت الأفكار والمفاهيم التي تصف محاولات تجاوز التخلف واللحاق بالغرب والتفوق عليه، خاصة وأن الإسلام عقيدة استعلاء، كما يقول سيد قطب. فهي عقيدة حسب قوله «إنها تشعر المسلمين بالتبعة الإنسانية الملقاة على كواهلهم، تبعة الوصاية على هذه البشرية في مشارق الأرض ومغاربها، وتبعة القيادة في هذه الأرض للقطعان الفعالة، وهدايتها إلى الدين القيم والطريق السوي وإخراجها من الظلمات إلى النور» (مقدمة كتاب الندوي، ص5).وجدت هذه الأمة العظيمة: كنتم خير أمة أخرجت للناس، نفسها في مؤخّرة سلم التقدّم بين الأمم. ومن هنا اندفع المفكرون المسلمون والحركات السياسية الإسلامية في البحث عن سبيل للتقدّم والنهضة من جديد. ومن نهاية القرن التاسع عشر امتلأت الساحة بنظريات وشعارات عن: الإصلاح، التجديد، الصحوة وأخيراً جاءت الوسطية والتي أصبحت فكرة الخلاص للكثيرين من المفكرين والكتاب والناشطين الإسلاميين. وامتلأت المكتبات بعناوين تؤكّد الوسطية في كل ما هو إسلامي، بل هناك (الوسطية) (قناة إسلامية بغير مذهبية) سوف تنطلق قريباً (الاهرام 23/1/2009). وكان لا بد أن تتعدد مدارس وتيارات (الوسطية) نفسها خاصة وأن المفهوم لم يتم تحديده بدقة. ويمكن اعتبار الشيخ يوسف القرضاوي هو أول من طرح الفكرة بعمومية في كتابه (الصحوة الإسلامية بين الجمود والتطرف) (1982) وكتاب (الحلال والحرام) وراقت فكرة الوسطية للكثيرين، فسعوا إلى مأسسة المفهوم. يقول القرضاوي: «لهذا كان لزاماً على ورثة الأنبياء من العلماء الذين يحملون علم النبّوة، وميراث الرسالة، ينفون عن تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين: إن يتبنوا منهج الوسطية، ويبينوه للناس، ويدافعوا عنه، ويجلوا مزاياه، وهو ما تبناه (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) فقد وزّعت على أعضائه: المعالم العشرين، التي كنت كتبتها للدلالة على منهج الوسطية في انعقاد الجمعية العامة الأولى التي عقدت في لندن في صيف 2004». (القرضاوي: كلمات في الوسطية الإسلامية ومعالمها، القاهرة، دار الشروق، 2008، ص7-38). وطلب منه في المكتب التنفيذي للاتحاد كتابه (الميثاق الإسلامي) للاتحاد، ورأى القرضاوي إن يكون مجسراً للفكر الوسطي والمنهج الوسطي الذي يدعو إليه. وتم إقرار ميثاق القرضاوي من المجلس التنفيذي ومجلس الأمناء. ويقول «وأمست فكرة الوسطية العادلة المتوازنة من المبادئ المتبناة من قبل علماء الأمة» (نفس المرجع السابق، ص38).لم تكن الساحة خالية للقرضاوي واتحاد علماء المسلمين، فقد دعا الرئيس الباكستاني برويز مشرف في مؤتمر القمة الإسلامية في ماليزيا عام 2004 إلى ما اسماها (وسطية مستنيرة) هدفها: تجنّب استخدام سياسة المواجهة أو الاستسلام في التعامل مع الغرب، وتركز على سياسة التحديث والتعاون في تبادل المنافع من خلال الحوار وبناءً على دعوته ودعوة الرئيس الإيراني خاتمي إلى (حوار الحضارات) فقد تم تشكيل لجنة من شخصيات إسلامية بارزة لإعداد استراتيجية وخطة عمل لتمكين الأمة الإسلامية في مواجهة التحديات التي تواجهها في القرن الحادي والعشرين. وفي إطار ما اطلعت عليه القمة والوسطية المستنيرة، تم إعلان ذلك في مؤتمر القمة الإستثنائي في مكة المكرمة أواخر 2005.يرى أحد الباحثين أن الوسطية لغوياً هي وسط بين أمرين، وهي لم تغادر كثيراً فضاء الدلالة اللغوية، لذلك حدد كل شخص مسافة وسطه حسب مقاييسه الخاصة وأسقط عليها مفهومه عن المصطلح. كانت النتيجة انقسام الوسطية لي وسطيات، مثل وسطية مستنيرة (وأخرى بضرورة التلازم أو المفهوم- بحسب مصطلح أصول الفقه) (وسطية مظلمة) وثالثة ربما تكون (وسطية علمانية!) (عبدالرحمن الحاج، صحيفة الحياة، سبتمبر 2007). وفي السودان خضعت الوسطية لمثل هذه التجاذبات على الأقل على المستوى العملي، لو قصر الجانب النظري. فقد قام الشيخ يوسف الكودة بتأسيس حزب الوسط الإسلامي. وحين سئل: ما معنى حزب وسطي؟ كان رده (الوسطية كما يقول ابن كثير هي الخيار والأجود، وقريش أوسط العرب، أي أفضلهم نسباً، والرسول (صلى الله عليه وسلم) وسط في قومه أي أشرفهم. ومن ذلك الصلاة الوسطى أفضل الصلوات ونحن وسط في المنهج، وسط في القول، وسط في الفعل (صحيفة السوداني، 6 ديسمبر 2006)، ومن ناحية أخرى، يرى بعض المشائخ في تجربة الإنقاذ الحالية نجاحاً للوسط الإسلامي المعتدل. يقول الشيخ سليمان عثمان محمد رئيس جامعة القرآن الكريم: «نجح الوسط الإسلامي المعتدل في تقديم قيادات وقدرات بشرية أنموذج، والذين يشهدون بانصاف يشهدون بنماذج متعددة، انا لا أريد ان أسمي مسميات لكن معرفتي الشخصية بمثل الدكتور عوض الجاز تجعلني أقدمه أنموذجا للعالم الإسلامي قاطبة دلالة على نجاح التجربة الإسلامية في السودان في بناء قدرات بشرية وفكرية ومهنية (صحيفة الحياة السودانية، 21 يونيو 2004).يقدّم السيد الصادق المهدي نفسه كداعية وزعيم للوسطية في السودان. وفي خطابه الأخير أمام مؤتمر حزب الأمة السابع، يبشّر بتعديل الدستور في عدد من الوجوه أهمها: (تحرير النصوص الإسلامية من اجتهاد المؤتمر الوطني إلى اجتهاد الوسطية الإسلامية) (26 يناير 2009). والمهدي من الحضور الدائمين لمؤتمرات ولقاءات الوسطية الإسلامية. وفي 3 ديسمبر 2008 نظّمت هيئة شؤون الأنصار حلقة نقاش حول الوسطية ودورها في نهضة الأمة. وكان حضور الحلقة وفد المنتدى العالمي للوسطية الزائر ولفيف من المفكرين والعلماء والأكاديميين. وطرح المهدي بعض النقاط التي تشكّل في رأيي -فهمه للوسطية الإسلامية- أولها أن شعار الإسلام قد عبأ الساحة العربية والإسلامية وغلب الشعارات الوضعية لأسباب منها: العناية الإلهية -التشوق للماضي المجيد- اخفاق البدائل الوضعية، وكملجأ ضد الظلم. ولكنه يرى أن الشعار الإسلامي لم يعد كافياً في حدّ ذاته. النقطة الثانية الموقف ضد الارهاب، وأخيراً نقص الديمقراطية (صحيفة أجراس الحرية 19 ديسمبر 2008).يصب هذا الموقف الجديد للمهدي في خانة قلقه المعرفي. فقد لاحظت في كتابه: مستقبل الإسلام في السودان (اكتوبر 1983) أنه لم يرد أي ذكر للوسطية الإسلامية. ولكنه في عام 2001 تحدّث عن منهج وسط، ولكنه استشهد بخيرالدين التونسي والطهطاوي، حيث دعوا للتوفيق بين التقدّم الخلقي والروحي الإسلامي والتقدّم المادي الأوروبي. واعتبر هذا التطلع العام جسّده نهج الإمام عبدالرحمن الصادق في السودان (راجع خطبة الجزيرة أبا، عيد الأضحى، مارس 2001). ورغم أن القلق المعرفي ضروري لتطوّر العقل والمعرفة، ولكن لا بد أن يصل القلق إلى موقف أو (يقين) وقد يتجاوزه بعد مدة كافية للتأمل مجدداً وقد تظهر (حقيقة) جديدة. ولكن قلق السيد المهدي المعرفي والسياسي يكاد يكون مستداماً ومستمراً. ففي خطابه الأخير يظهر القلق السياسي والمعرفي جيداً في برنامجه الموعود بأنه: لن يعدم المرتد، ولن تقطع يد السارق ومحاربة الختان، والنقاب إهانة للمرأة... إلخ هذه، ليست وسطية ولا أشواق السودانيين بعد عقود من الشمولية والتخلف بكل اشكاله والفقر والمهانة المتعددة الوجوه. هذه الآراء مجرّد مباراة مع المتعصبين والظلاميين ببرنامج أقل ظلامية. أظن طموحات سودان القرن الحادي والعشرين أكبر من هذا بكثير وإلا فليبشّر مربع التخلّف والقهر بطول سلامه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق