الخميس، 30 يوليو 2009

بسم الله الرحمن الرحيم
نحو تعزيز لمكا نة الاخلاق فى المجتمع الإسلامى
بقلم: الزبير محمد على
الاخلاق هى شعور فطرى لدى الإنسان جبله عليه الخالق عز وجل ، هذا الشعور يحمل الانسان على حب الصفات الحميدة كالصدق والعدل والامانة والوفاء بالعهد ، كما يحمله على ذم الصفات القبيحة كالغش والظلم والخيانة والقدر. فاينما وجد الانسان لايمكن ان يستحسن الصفات الذميمة ويبغض الحميدة ، إلا إذا كان هذا الانسان يستخدم الصفات الذميمة كوسيلة فى ظنه لتسهيل الحياة، ومع ذلك فانه لايقبلها على نفسه ، فالظالم لايطيق الظلم على ذاته ، والسارق لايقبل ان يسرق ، والزانى لايرضى ان ٌيزنى بعرضه ،وهكذا تستمر المتوالية مع الصفات الذميمة .
يقول ابوالأعلى المودودى فى كتابه (نظام الحياة فى الإسلام ) (وهكذا امر المواساة والتراحم والسخاء وسعة الصدر والتسامح ، فان كل ذلك ممالم تنظر اليه الإنسانية إلابنظر التقدير والاجلال ، بخلاف الاثرة وقساوة القلب والبخل وضيق النظر فان الانسانية ماعدتها قط فى شئ مما يستحق التوقير والاكرام ، ثم مازالت تكرم الانسانية الصبر والاناة والثبات والحلم وعلو الهمة وضبط النفس ،والمؤانسة ، كم لم تزل تحتقر وتزدرى الجزع وقلة الأناة والتلون وخور العزيمة والجبن)إنتهى.
يتضح مماسبق ان هذه المعانى تنطبق على صعيد الافراد ،أما على صعيد المجتمعات فان الثناء والمدح والتوقير يكون للمجتمع الذى يتساوى فيه الجميع بلاتمييز ، ويتعاون ويتكافل فيه افراد المجتمع فيما بينهم ، فلاتقدير للمجتمع الذى تسوده روح النزاع والبغض والتفرقة والشتات والتزوير والرشاوى ،كما يظل التقديرالمجتمع المعافى من هذه الرزائل .
فى هذه المساحة وباختصار نود أن نتفقد مكانة الاخلاق فى مجتمعنا الأسلامى على المستوى العملى على صعيد الافراد- والدول. ولاظن اننا بحاجة للحديث باستفاضة عن الاخلاق فى الاسلام على المستوى النظرى ، لان تعاليم الاسلام افادتنا بكل صغيرة وكبيرة فى هذا الموضوع .
فغاية الرسالة الاسلامية إكمال مكارم الاخلاق وفقاً للحديث النبوى الشريف (إنما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق) والسيرة النبوية مليئة باشراقات العدل والرفق واللين فى المعاملة (قصة الاعرابى الذى بال فى المسجد) ، والتسامى فوق الصغائر (إذهبوا فانتم الطلقاء ) ، والإيثار (لم يبيت النبى (ص) فى بيته ديناراً ) والوفاء بالعهد (قصة الحديبية المشهورة ) .
إلاان المجتمع الإسلامى أتى عليه حين من الدهر فقد فيه هذه المعانى نسبياً فعلى صعيد الدول الحقائق تقول :
أن بلداننا هى التى تنفى المعارضين ، وتقمع المخالفين ، وتسحق المواطنين بغلاء الاسعار ، وتطبق بقسوة سياسات التحرير الاقتصادى دون أدنى حماية للشرائح الضعيفة ، مع ان مبادى الاسلام الاقتصادية تحرم ان يكون المال دولة بين الاغنياء !!!
وسلطاتنا هى التى تنشئ بيوت الأشباح والمعتقلات السرية لكل من خالفها فى الرآى مع أن تعاليم الإسلام واضحة فى إبداء الحرية لكل ناصح يرى أى خطأ فى موقف أو سياسة طالما أنها فعل بشرى فقد روى عن خير البرية (ص) قوله (أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر ) وايضاً رحم الله سيدنا عمر فقد قال ( أخطا عمر واصابت أمراة ) فى القصة المشهورة ، وهذا سمو فى الخلق وتجرد فى نكران الذات .
ونحن بلدان التسعات الخمس المعروفة (99,999%) حيث أضحت ا ظاهرة تزوير الأنتخابات سمة ملازمة لنا من دون دول العالم مع ان النبى (ص) قال (من غشنا فليس منا ) .
حتى بعض علمائنا وفقهائنا أمل امتنا منهم من يسكت عن المذابح والإبادات والجرائم التى ترتكب أحياناً فى حق بعض المسلمين ، ويوم أن اصيب السلطان باذى، ملاؤا إذاعات الدنيا ضجيجاً منادين بحماية بيضة الإسلام !!! مع أنهم يسمعون دوى المدافع بصورة دائمة تصيب المسلمين !!!
هذه العلل الاخلاقية تتحمل الشعوب الأسلامية منها الكثير ، لأنها أحياناً ترفض الحديث عنها حتى فى المناسبات الدينية ، أو فى المنابر، والتجارب الذاتية والعامة كثيرة لاتسعها هذه المسأحة ، وصدق الدكتور القرضاوى عندما أورد فى إحدى رسائله (وقد إعتاد المسلمين فى عصور التراجع والإنحطاط والإنحراف وإلى اليوم أن يسألوا الفقه فى مسائل الحيض والنفاس والطهارة والرضاعة ولايسألونه فى الأمور الكبيرة التى تتعلق بمصير الأمة وكيانها ورسالتها ،لايسألونه عن تسلط الحكام الجبابرة المستبدين على شعوبهم المقهورة ! لأيسالونه عن الظلم الأجتماعى : ظلم الأغنياء للفقراء، والأقوياء للضعفاء وأرباب العمل للعمال ، وأصحاب النفوذ للمستضعفين ،و يوم سأل بعضهم الفقه الإسلامى فى قضية حساسة هى حكم المرتد فى شريعة الله وأجاب الفقه بصراحة على لسان فقهائه ودعاته ، قامت الدنيا ولم تقعد ))أنتهى .
فنحن بحاجة إلى منظومة أخلاقية تشمل معاملة الأفراد مع بعضهم البعض، ومعاملة الانظمة لهم، نحتاجها فى المناهج التربوية والتعليمية ، فى علاقة الأستاذ بطلابه، والأب بأبناءه ، والأخ باخوته ،و المدير بموظفيه، والحاكم بمواطنيه ، والعالم مع عامة الناس الذين ياخذون عنه العلم .
يقول الامام الغزالى فى الاحياء (على المعلم ان يشفق على المتعلمين وان يجريهم مجرى بنيه والا يدع من نصح المتعلم شيئا، ثم ينبهه ان الغرض من طلبه للعلم الثقافه والقرب من الله – دون الرياسه والمباهاة ، وأن يتهم باخلاق التلاميذ أهتمامه بعقولهم ، وأن يزجرهم بطريق التعريض ماأمكن ... إلى أن يصل إلى قوله على المدرس ان يربى فى تلميذه ملكة الإجتهاد والنظر – لامجرد التقليد والتسليم – حتى ينشأ مستقلاً لانسخة من معلمه )
فالاخلاق هى أساس بناء المجتمع القويم والناجح فى ذات الوقت ، سئل أحد المسؤلين اليابانيين ذات مرة عن التطور الصناعى والتكنولوجى والإقتصادى عموماً الذى تشهده بلاده للدرجة التى وضعت اليابان ضمن قائمة الدول الثمانية الكبار فاجاب قائلاً ( هذا التطور ثمرة لشيئين الاخلاق- والتواصل بين الأجيال) .
نحن أولى بغرس هذه الأخلاق الفاضلة والقيم الحميدة التى أمتلات بها صفحات تراثنا الأسلإمى ولم تجد سبيلها إلى المجتمع المسلم إلافى قرونه الأولى ، ولتحقيق هذا نحتاج لوقفة مع الذات لتقييم أخلاقنا على كافة المستويات (الأفراد – الدول ) حتى لانقع نسبياً فى فخ قول الشاعر:
إذا اصيب القوم فى أخلاقهم فاقم عليهم ماتماً وعويلا
على أن يكون تقيمنا للأخلاق كما يقول بعض المحدثين على أسس موضوعية أدناها المماثلة أى ان تفعل بالأخرين ماتحب أن يفعل بك،
وأوسطها اثبات المعروف ونفى المنكر ، واعلاها الإيثار الذى قال الله تعالى فيه ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) .

المنتدى الفكري الأول لكتيبة القلم يوم السبت 30 مايو/ 2009م
دار هيئة شؤون الأنصار
راتب الامام المهدي ودوره في الحياة العامة والخاصة
متحدث رئيس: بروفسور عبد الله حامد
معقبون: د.عبدالله حمدنالله
مولانا عبد المحمود أبو
شيخ يوسف حسن
البرنامج: القرآن تلاوة الشيخ عبد الحكم آدم عبد الكريم
تقديم للندوة والمتحدث من رئيس الجلسة(مولانا محمد المهدي)
قراءة نموذج من الراتب:شيخ بابكر الياس.
رئيس الجلسة:مولانا محمد المهدي: الذي تحدث قائلا:
أن الروح لغز وقف الكل حيال تفسيرها ودلالاتها فهي تحتاج الى الغذاء كما الجسم، وعندما سأل الناس رسول الله (ص) رد الله عليه بأنها من أمره ولأنها كذلك فغذاؤها ذكر الله. ولذلك الفلاسفة والعلماء وقفوا كثيرا عند الروح وكتبوا فيها كتبا. حار الناس حول حقيقتها فهي من أمر الله وقد خاطب بن عربي فؤاده:
حبيبي ..........بعدكم قد خربا
...... قلب فتى قد فارقكم وابكيا وانتحبا
رحل العيس ولم أظفر بهم ألسهو كان أم لقلب قد نبا؟
لم يكن هذا ولا ذاك ولم يكن الا وله قد غلبا
وان تحدث الناس في حقيقة الروح فان في راتب الامام المهدي الغذاء الذي يجعل الجسد متصالحا مع الروح.
راتب الامام المهدي زبدة الأفكار . نقف اليوم معه ونقدم بأن محدثنا رجل ضليع في هذا المعنى وقد كتب عن الراتب سفرا عارفا متذوقا لهذا الراتب نسبقه بتقديم نموذج من قراءة الراتب يقدمه شيخ بابكر الياس وحبذا لو قرأ علينا عند استيداع الشهادة.
تقديم قراءة من الراتب.
كلمة كتيبة القلم: تقديم السيد عبد الحميد الفضل:
ترحيب بالحضور من الكتيبة في منتداها الأول. تفاكر مجموعة من أبناء وبنات الوطن للتصدي لما يواجهه التراث المهدوي وتاريخنا من مساس وليس ذلك فقط بل البناء الاجتماعي لكل أهل السودان والمحافظة على الأهداف المثلى للمجتمع السوداني للتصدي للأقلام التي بدأت في تشويه ذلك التراث الخالد وتشجيع قادة الفكر للقيام بهذا الواجب . الكتيبة حريصة على التصدي والمحافظة على المثل والتصدي لمن يشوه تاريخنا . وفي المنتدى الأول تقدم السفر الذي قامت على هداه الدعوة المهدية والوثيقة الأولى التي فاخر بها أهل السودان رصفاءهم من الأمة الاسلامية لقد استجاب لنا في ذلك بروفسور موسى عبد الله حامد الذي تصدى بصبر وعميق رؤية للبحث في راتب الامام المهدي الذي يتمتع بقرائته كل من به روح وطني .بروفسور موسى عبد الله حامد أحد من أبناء الدوحة المهدية المتميزة استشهد جده في موقعة الشلالي29/ مايو/ 1882م. حدث له أثره،ساهم بقلمه في اثراء المكتبة السودانية: صدى السنين،ذكريات الأميرية، خور طقت(3 أجزاء)، أيام الجامعة، تبصرة وذكرى، ترجمة لعدد من الكتب،وختم ذلك بسفره استقلال السودان بين الواقعية والرومانسية ونسأل الله أن يمد في عمره ليثري المكتبة.
بروفسور موسى
الشكر لعبد الحميد، توجد ضرورة خاصة بالنسبة للشباب من أولاد الأنصار والأسرة للاهتمام بثقافة المهدية وراتب الامام المهدي وكافة العبادات التي سنها المهدي سيرا على خطى الرسول (ص) .
أستغرب ما أجد هى في السودان من تجاهل لأمر الامام المهدي وأشرككم في تجربة مرت بي فقد صليت في مسجد هنا في السودان أخذ أمامه في تسمية أربعة أشخاص ختموا القرآن في ركعة ولم يذكر المهدي من بينهم! وهذا شيء ذكره حتى من هجاه بقصيدة!
لذلك هذا التراث يحتاج لكثير من كتابة وضرورة دراسة التاريخ. أذكر في أبا ونحن صغار شخص اسمه علي السنوسي دائم الترديد لمدحة تشكل أعلى نوع من النقد الذاتي عصايتها تقول:عيبي أنا الرقد ما عبد مولاي نشقلب جاي وجاي
وهذا عن قيام الليل المذكور في الراتب مما يحتم على شباب الأنصار الاهتمام بهذا لتثبيت الحقائق التاريخية وليس فقط الرد على المهاجمين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل "الذين جاهدوا..." والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى نحيكم ونسأل الله أن يبارك لكم في هذه الأمسية الطيبة وشكري لمن تكرموا بالحضور ، وهذا الكتاب: سياحة أرجو أن تجد القبول والتسمية ليست بزعم التبصرة والذكرى من قبلي بل مسنودة للراتب بما يشتمل عليه من باب للتبرك.
في الباب الأول: بيان للراتب(تاريخ صدوره، طباعته، منع الاستعمار للراتب ،سعي الامام عبد الرحمن لرفع المنع وهو ما تم على اثر فتوى الشيخ المراغي، تعديد لما ورد عن الراتب : الأحيمر ،القاضي حسين الزهرا الذي عدد وظائف العبادة وشرح نص الراتب لتبيين الغايات والفضائل.
ومليحة شهدت لها ضراتها والفضل ما شهدت به الأعداء
العبادي الذي رافق الامام المهدي لطلب العلم وبايعه وعدد مناقبه الباهرة وقال:
وما علي اذا ما قلت معتقدي دع الجهول يظن الحق عدوانا
والله والله والله العظيم ومن أقامه حجة للدين برهانا
ما قلته فهو بعض من فضائله ما زدت الا لعلي زدت نفصانا
الكردفاني: صاحب سعادة المستهدي والطراز المنقوش وقال بثه الذي عم المشرقين والموصل لمن اهتدى بصاحبه..).
الباب الثاني:
واحات من ظلالها أدب الدعاء في الراتب ،وظيفة الراتب ،دليل للراتب لما يرد بشأنه من تساؤلات . هو دوحة تأخذ بمجامع القلوب (من يعشو عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا ..). الذكر تذكر وتركه حسرة ومن أعرض عن ذكري.. وفيه أنشدوا :
فيالك من آيات حق لو اهتدى بها بهن مريد الحق كن هواديا
ولكن على بعض القلوب أكنة فليست وان أصغت تجيب المناديا
ان الراتب يبشر بالمعاني وبلوغ الذرى ولكن قليل يحتملون ذلك وكما قال الرسول الكريم ان هذا الدين متين ولابد من الايغال فيه برفق وقديما أنشد بعض العارفين:
على قدرك الصهباء تعطيك نشوة ولست على قدر السلاف تصاب
ولو أنها تعطيك يوما بقدرها لضاقت بك الأكوان وهي رحاب
الباب الثالث:
فيه(اللهم يا مذكورا بكل لسان..) (واللهم اجعل ذكرك قمري في الليالي وشمسي في ظلمة الأهوال..) والوقوف بتدبر أمام هذا الدعاء وما فيه من معاني التقصير ويعبق بالتفكر والشكر والذكر والنور الذي يفضي الى الشهود وهو مشهد مقام الاحسان.الفناء المحمود هو :تحقيق مقام الاحسان.المعرفة على ثلاثة أوجه:
معرفة اقرار- اسلام.
معرفة ايقان – ايمان.
معرفة مشاهدة –الاحسان.
(واملأ بواطننا من نورك حتى نقوى على شهودك والنور المراد هو نور الايمان والشهود بنور البصيرة وفي هذا تاس بقول الرسول (ص)..... صاحب الراتب وذوقنا.. وصف سرائرنا..) بتقديم الفاقة والاضطرار فالشوق عند العارفين ثمرة الحب مما يرث العبد مقامات. قال أحد العارفين :سلوني من قرين السماء اني أعرف به من قرين الأرض.
وفي المشاهدة أنشدوا:
اذا رام عاشقها نظرة ولم يستطعها لعلا وصفها
أعالرته طرفا رآها به فكان البصير بها طرفها
قال سلطان العاشقين بن الفارض:
فان قيل لي صفها فأنت بوصفها خبير..أجل عندي بأوصافها علم
صفاء ولا ماء،ولطف ولا هوى ونور ولا نار، وروح ولا جسم
تقدم كل الكائنات حديثها قديما، ولا شكل هناك ولا رسم
وفي سكرة منها ولو عمر ساعة ترى الدهر عبدا طائعا ولك الحكم
وعلى نفسه فليبك من ضاع عمره وليس له فيها نصيب ولا سهم
الباب الرابع: الادخالات التي كتبها الامام المهدي وهي أربعة وما يضربه من أمثال حيث تأملناها بما رزقنا به من فهم .
الباب الخامس: الدعاء الذي يسبق المسبعات (أسألك بحق المصطفى أن تلقي في قلبي..)
الباب السادس:نصوص المسبعات كلها.
الباب السابع: أذكار متتالية – دعاء الشأن والتثبيت والاشهاد وسيد الاستغفار والصلاة على النبي ودعاء اللطف ثم صلاة تنجينا- وكلها أذكار مأثورة استقصينا في شواهدها .الى هنا ينتهي الراتب الصغير.
الباب الثامن: ثم يبدأ لراتب الكبير دعاء الحمد وتأملاتها ..... ومعاني التجلي الرباني واظهار الفاقة والتجافي عن دار الغرور.أطروحة كاملة في الايمان والتعليم، في أدب السؤال والمحبة والوفا(يا من أضطرت الخلائق كلها اليه...) قول أحد العارفين الذي أتى كل البواب فوجدها مزدحمة فيما عدا باب الذل والافتقار خال لا زحام فيه. لذلك أنشد أحد الفقراء الى الله تعالى يقول:
والفقر لي وصف ذات لازم كما الغنى أبدا وصف له ذاتي
وهو قول يدور حول معنى الآية: (يا أيها الناس أنتم الفقراء الى الله وهو الغني..). بلغت أدعية الراتب الأقاصي في ادراك الافتقار وما يسمى بالفناء وما يتلقاه العبد من العلوم وهو ما يسمى بالبقاء بعد الفناء لكن البحث يستوجب شقاء التقصي.
الباب التاسع: مجموعة من الآيات وشرحها وما ورد في فضلها في الأثر والادخال الرابع والصلاة على النبي بصيغة محيطة بليغة . ثم آية آل عمران(شهد الله أنه لا اله الا هو....) ثم دعاء اللهم أنت الشاهد الذي بيدك الغائب والشاهد.....).
الباب العاشر: (اللهم اني أشهدك...) وهو مناجاة صرفة وقد أتى بعبارات رقيقة مؤثرة وبه الالحاح والالحاف للاكتفاء به تعالى (وعظم نورنا حتى نقوى على شهودك ....يا نور النور....الى قوله فنحن مشتاقون اليك...)لفت النظر الى جواهر:
فالدر يزداد حسنا وهو منتظم وليس ينقص حسنا وهو غير منتظم
ويستمر في الدعاء( اجعلني عبدا لك ..) ودقة هذا مع تواضع ....اللفظ) اللهم اني تبرأت اليك من نفسي تأمل هذا الوله المرير..
ان كان منزلتي في الحب عندكم ما قد رأيت فقد ضيعت أيامي!
يضرع المهدي(قربنا اليك في كل حال..) وامنحنا القرب منك
قال بعض أهل المحبة:
فهمت بكم والحب فيكم مصاحبي فغبت عن الأكوان اذ أنت وجهتي
الى أن قال:
فما يصنع العاني أسير جمالكم وشرط الهوى فيكم فناء الارادة؟!
دعاء المهدي أن تهب لنا ...وايثارك في كل حال)- انظر كيف استوفى جميع شروط الدعاء للاستجابة.
الباب الحادي عشر: الآيات التي تتلى أحيانا بدل الراتب ودعاء حزب القرآن وما قرنه بالمعرفة الكاملة وعند أهل البصائر هي النور الهادي. بعد دعوة قساوة القلب دعوة الانشراح وهي ليست من أصل الراتب بل اضافة الامام عبدالرحمن وهو دعاء متناغم مع الراتب قليل الكلمات موسوعي الدلالات لا يدانيه الا قرب صاحبه من صاحبه .
الخاتمة: أهم اللوافت في السياحة :
ليس فيه طلب لدنيا هو تشيع للسيرة المحمدية (قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله..) وحب الله لا يكن الا باتباع المصطفى ومحبته.
قول الامام البوصيري عن حب الرسول(ص).
وقال في مدح الرسول :
يا خير من يمم العافون ساحته سعيا وفوق متون الأينق الرسم
هذا صاحب الراتب الذي قال انه مأمور باحياء الكتاب والسنة حتى يستقيما. وهو أمر يجب أن يكون الجميع حوله مجموعون هو طاقة تعبوية تؤججه المداومة على القراءة الجماعية من الفجر والعصر وهي لنا كمال معرفتك .... وهي صبابة لا ترتوي الا بالأنس بالمحبوب والله أكرم أن يرد صاحبها خائبا. شراب صاف ..... لها معاني الراتب. لا أزعم أني شرحته فان بدوت مقصرا فحسبي نية الخير وأسميت محاولتي لاجتلاء المعاني سياحة فيه فليتكاثر السباحون في رحابه المترامية لعل الله يقيض لمن يشاء من بينهم من يطلع على الناس بما خفي عنهم.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تعقيب الدكتور عبد الله حمدنا الله:
يبرني دكتور موسى دائما بمؤلفاته التي أجد فيها متعة وفائدة وهذا السفر الذي هو ورد تعبوي كتبه لنفسه ولأحبابه ومثلما قال دكتور موسى عرفت الراتب أيضا قبل الكتابة والقراءة بخط جميل هو خط جدي وسمعته في مسجد في قريتنا بعد صلاة الصبح لسنوات طوال حتى وقر في ذهني أن حفظ الراتب من شروط امامة الصلاة!ثم عرفت أن الراتب يقرأ في الصباح والمساء(عند الغروب) من خلال عشرتي وسكني مع خالي أحمد عبد الرحمن التكينة وكيل الامام عبد الرحمن في بورتسودان ثم اقتنيت الراتب وأقرأه من حين لآخر .لي به علاقة وهو شأنه شأن منشورات المهدي الأخرى لم تجد حظها من الدراسة ونستطيع قول أن المهدية كتبت بأقلام أعدائها وقد حوربت من خلال روايات عديدة مثل رواية جورجي زيدان(أسير المتمهدي) . من جراء هذا السبيل لا بد من قراءة راتب ومنشورات المهدي بصورة جديدة ليقدمها الأنصار لغيرهم .... الآثار.
الراتب ليس وردا (صوفيا). هو ورد انساني كما يقول عبد القادر محمود يخطو من الانعزال الصوفي المعهود الى احيائه. هي دعوة ايجابية لكي يسير الراتب في طريقها لا بد من اثارة الأسئلة الملحة . لا شك الدكتور موسى من خلال 500 صفحة (لأن في الكتاب مقدمات) بذل جهدا مقدرا لدراسة هذا السفر العظيم من خلال 11 بابا وأثار أسئلة مهمة لا بد من اثارتها لكي لا يكون الراتب وردا روحيا فحسب بل وردا احيائيا.الأسئلة هي:
1/ (وقد تعرض الدكتور موسى الى شيء منه) الراتب هو الصورة الأخرى للمشروع العملي للثورة المهدية :وهي اصلاح شؤون الدنيا وفقا للشرع ولكن الراتب ليس فيه شيئا من الدنيا . ربما كان الراتب صورة أخرى(للمشروع) فكيف نفسر غياب أي شيء عن الدنيا؟! - انسان يحمل السيف يجاهد لتغيير النظام القائم وأنصاره في المعارك والحروب ومع ذلك يضع لنفسه وردا ولا يدعو له ولا لأصحابه شيئا من ذلك! تأملت في الراتب وفي تاريخ المهدية ووقر في ذهني أن الراتب كتب لمرحلة الجهاد الأكبر وليس الأصغر وهو الجهاد بالسيف واقامة شؤون الدنيا وفقا للشرع. وجهاد النفس هو المرحلة المهمة .
2/ هل كتب الامام المهدي الراتب الهاما ووحيا أم أن مصدره الامام المهدي نفسه؟ سواء هذا أم ذاك فان آفة الخلافات الاسلامية المتعاقبة منذ انقضاء الخلافة الأولى وفي أثنائها وحتى اليوم هي الفتنة بالدنيا لأن الناس حين يجاهدون وينتصرون .....الدول فان الفتن كثيرة والصوارف كثيرة ولذلك وضع الراتب تحصينا من الدنيا والفتن.
3/ المهدية في صورتها الجهادية والدولة مرحلة تنصرم فما الذي يحفظ هذه الطاقة الروحية أن تنصرم أيضا لأن المجتمعات والدول والشعوب والجماعات اذا كانت عريقة لا تذوب بل تتحصن بارثها لمواجهة المحن لذلك الراتب هو الصورة الباقية في حال ذهاب الصورة (الماثلة) وقد حفظ الراتب جماعة الأنصار 124 سنة من وفاة المهدي و111 سنة من انصرام دولة المهدية ومع ذلك الجماعة التي تعتقد بها معبأة بطاقة روحية هائلة باقية معها ما زالت لأن الامام المهدي وضع الراتب لهذا؟
4/ الأمر الآخر، هل دعا المهدي في الراتب الى الانصراف عن الدنيا كليا ؟ أم الى الزهد فيها ؟ وهنالك فرق لأن في الثانية الدعوة لأن تكون الدنيا في يدك وليس في قلبك.
لا تجعل في قلوبنا ركونا لشيئ من الدنيا لا تعني عدم اعمار الدنيا والنزوح الايجابي منها انما يعني: أن اكتسابها لا ينبغي أن تكون في القلب وان كانت في اليد وأمثل تجسيد لذلك الامام عبد الرحمن الذي امتلك من الدنيا ولكنها لم تكن في قلبه :
كنت الفقير غني في مرؤته .....
د.عبد الحليم محمد يقول لي كأن سورة الضحى نزلت في السيد عبد الرحمن ولذلك فالسيد عبد الرحمن لأنه فهم الراتب لم ينصرف عن الدنيا ولكنه لم يجعلها في قلبه(الزهد ليس أن لا تجد شيئا وتقول انني زاهد بل أن تجد كل شيء ومع ذلك تقول لا رغبة لي فيها) دكتور موسى هو كذلك وأيضا خالي كان كذلك لارتباطهم بالراتب وقدوتهم الامام عبد الرحمن.
5/ الأمر الآخر وهو حساس:وقد تطرق اليه الدكتور موسى والأنصار يعتقدون أكثر مما كتب دكتور موسى لكن هل الآخر يمكنه تقبل ذلك؟ هل الراتب وحي؟ هل هو وحي في صورة الهام؟وهذا موجود في الأثر (عمر) ولكن هل الالهام وحي؟أم هو حدس؟دكتور موسى لا يذهب مذهب بعض الأنصار من أن الراتب وحي . أنا أتفق مع قول د.موسى لكن ما مصادر المهدي نفسه ؟ في فترة ما حاولت دراسة أسلوب المهدي ،اختلفت في مرحلة باكرة مع حسين مؤنس الذي يضع المهدي في الصف الأول من كتاب العربية في عصره ولم اقتنع بذلك لأن في عصر المهدي وجد عبدالرحمن الكواكبي وجمال الدين الأفغاني وآخرين وهم من كتاب المقالات التي تحتاج لتأن لكتابتها ويخاطبون جمهورا متحضرا خلافا عن المهدي الذي يخاطب جمهورا معظمه أميون . أجد منشور الشلالي أقوى منشور أعطى العلماء ليكتبوا ولكنه لم يقتنع بما كتبوه فكتب هو وقد كتبه في وقت قصير بحيث عندما وضع القلم كانت بسم الله الرحمن الرحيم لينة لم يجف حبرها!
انتهيت الى أن المهدي حين يكتب بتفوق يفوق كتاب عصره ولكنه في أحيان أخرى ينزل الى مستوى النثر العثماني السائد في تلك الفترة.
مولانا عبد المحمود أبو:
الموضوع يحتاج الى عدة محاضرات لأن تجليات الراتب لا يمكن أن تتم في محاضرة واحدة. مما دار يتبادر الى أذهاننا تساؤلات كثيرة: اذا كان الراتب بهذه الدرجة من القيمة،لماذا أهمله الكتاب والعلماء؟ كثير من الذين تدربوا على يد المدرسة الحديثة التي جاءت مع الاستعمار صنفوا الحركة المهدية كحركة دراويش تضصديقا للدعاية لذلك لم يكلفوا أنفسهم عناء الكتابة عنها أو قراءة آثارها. وكتبت كتب عن أوراد لطوائف ثلاث: الأنصارية،الهندية والختمية على أساس تعظيمها لقادتها وهذا صحيح فيما يختص بالطوائف الأخرى لكن في الراتب لم يذكر المهدي شيئا عن نفسه بل وصف شخصه بالعبد الحقير! وهذا المدخل يقودني الى الحديث عن المرحوم سيدنا عبدالله اسحق أن المراغي عند تعيينه عرضت عليه الحكومة الراتب ليرى ان كان مناسبا السماح بتداوله وذلك عندما تقدم الامام عبدالرحمن بهذا الطلب من الحكومة.
كان الانجليز يعيبون على الامام عبد الرحمن عدم الاستجابة لطلبهم بتغيير اسمه الى عبد الرحمن محمد احمد وتحويل اسم الأنصار الى الطائفة الرحمانية فما كان من شيخ الاسلام شيخ البدوي الذي قام قائلا(الامام عبد الرحمن ما سمى أباه المهدي بل سماه الله) فسأله المراغي كيف يقول كلاما دون دليل! فرد عليه محمد عمر البنا (أنا أعطيك الدليل، درست في الأزهر وكان والدي يريدني أن أكون مخشوشنا وأرسلني لقطع الحطب ففعلت وقد وجدت مكتوبا في لحا الشجر لا اله الا الله محمد المهدي رسول الله وكلما قطعت شجرة وجدت نفس الكلام مكتوبا وكذلك فعل أبي فتوجهنا من تونا الى مبايعة المهدي . وهذا القول يبين أهمية الروايات الشفاهية كمصدر للتاريخ وقد تحدثت مع أبو سليم رحمه الله معاتبا في عدم الأخذ بالروايات الشفاهية وهي من المصادر المعروفة حتى في الاصحاح.
بالعودة لموضوع الندوة فالراتب ليس وردا ودعاء حسب استعراض دكتور موسى وتعقيب دكتور عبد الله : هو رؤية متكاملة للحياة ومجسد لفلسفة المهدية للتعامل مع الحياة ولذلك نجد طبيعي عند رجل لا تسوى الدنيا عنده شيء يتعامل معها بصورة صارمة لكن ..... في عبارات متكررة ثم القرآن والعمل به وهو حاضر في كل خطوات المهدية وقد أبدى أبو سليم استغرابه كيف أن المهدي كان يستدل بالقرآن بصورة تناسب المقام تماما.أيضا لو قرأت قوله (لو قرآن أنزلت آياته على الصم الراسيات..) أذكر الشيخ ابراهيم منوفي من غرب السودان معه الشنقيطي قال أحد الأنصار في حضرته المهدي عليه السلام وبخه قائلا له كيف تقول المهدي عليه السلام يا جاهل- روى لي الشيخ ابراهيم كيف أن الشنقيطي أخذ يتزحزحزح عند الراتب الأول وعندما وصلت القراءة الى قوله (لو نزلت آياته..) ما كان منه الا أن انكب علي باكيا قائلا(والله أنا الجاهل ) ويذكرنا كلام الامام المهدي في الراتب عن الصبر على المكاره موقف أيوب أيضا للباحث في الراتب عن الأدعية المأثورة والتي جمعها الامام المهدي وهي أدعية أمرها عظيم. كذلك افتتح الراتب بسورة الأنعام وهي السورة التي نزلت كاملة يحملها 80 ألف ملك .
رواية سمعتها من السيد أحمد الذي قال أن شخصا زار الامام عبد الرحمن فأكرمه وأحسن وفادته فأراد اكرام الامام واعطاؤه هدية عندما أراد الانصراف ، على أن تكون بمعزل من الناس وعندما اختلى به تلى عليه (اللهم كما لطفت...) وعندها نادى الامام عبد الرحمن على أحد الأنصار طالبا منه أن يقرأ عليه اللهم كما لطفت فأسرع بتلاوتها مما أدهش الضيف!
شيخ يوسف حسن:
عندما قررت ضرورة كتابة شيء عن الراتب لحاجة بعض الناس له في دول أخرى،بدأت عنوان ذلك بكلمة دراسة ثم احترت أن اقول دراسة في، أم عن الراتب فوجدت أن مدلولات استخدام الحرفان أعمق من قدرتي فاخترت أن يكون العنوان دراسة حول الراتب .ورغم الصعوبة فهذا النوع من الدراسة مطلوب وأذكر أن أبو سليم كان قد أشار الى ضرورة أن يعمد العلماء والمثقفون الى دراسة الراتب ثم يبحروا في أعماقه.هذا الأمر جد عظيم وفي دواخله الدرر واللاليء مثلا اللهم الواردة في الراتب (حيثما وجدتها هي عين اشرب فيها وادعو وأكثر ) وقد ذهبنا لزيارة شيخ من حفظة الراتب فاكتفى (باللهم أحسن حالنا فيما يرضيك ) وهذا ضمن معان كثيرة يتطرق لها الراتب .هو ذكر خالص لله ولكن ما أثره الشخصي على قارئه؟ وبالتالي على الجماعة؟
الراتب يحقق وظائف الدعوة المهدية: تلاوة القرآن- الاقتداء بالرسول الكريم- تقوية الايمان بعمق في الانسان – فيه ما يحتاجه من صبر وجهاد- وهو مناسبة يلتقي فيها كل من ذاق لذة الراتب (لأن هناك من يتذوقونه وهم ليسو بأنصار، كنت أسجل الراتب في السعودية وقد استمع الي من سمع وأخذ مني نسخة من الراتب محتفظا بها لا تبارحه)
ومن تجاربي الشخصية لمن يستمعون للراتب – فقد اعتدت في كل جلسة الدعاء من الراتب وفي احداها بينما كنت في القاهرة وقد دعوت كذلك من الراتب فأخذ مني من استمع نسخة احتفظ بها.
متى بدأ الامام المهدي كتابة الراتب؟ سمعت من المرحوم عبد الرحمن اسحق(الحجير) وهو رجل عاصر الامام المهدي وكان وقتها بالغا وقد صحب المهدي الى بناء قبة الشيخ القرشي ود الزين حيث كتب الامام المهدي الراتب في هذا الوقت.
استصحاب المهدي للصوفية (ان المهدية أخذت بستة الصوفية وأضافت لها ستة) وهذا التوافق والاعتراف الضمني بالصوفية جعل عددا من شيوخها ينخرطون في سلك الدعوة منهم: ود البصير، محمد الأمين الهندي،المكاشفي..الخ.
التذلل لله في الراتب هو الباب الوحيد الذي وجده مفتوحا من يبحث عن باب للدخول للمولى (اللهم أغثني من خبث نفسي...) .
الراتب والدنيا:
لم يقفل الراتب الدنيا بل أزيد أن ضعف الانسان يجعله يتضرع.
نهاية الراتب هي (كما لطفت..).
وهو ليس وحيا ولكن الهاما .
علاقة الراتب بالحياة العامة:
ما أثر الذكر على التربية والتعليم والتوجيه؟ يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون وما فيها من الرقابة الذاتية على السلوك الشخصي. الاستعاذة في الراتب مطلوبة من ثمانية أشياء:
بعضها مجموعات: من سخطك ومن الشيطان الرجيم ومن بعدك ومن الجهل. اني تبرأت اليك من نفسي ومن شر جميع الناس ومن شر الوسواس.
أحصيت 4: عدم المبالاة بوعدك ووعيدك، واجعلنا بفضلك فيما يرضيك.
أشياء راج استخدامها في معاني مادية استخدمها المهدي في معاني روحية:
الهبة- الوديعة- المنحة- التمكين- ملأ البطن.
الأسئلة والمداخلات:
استاذة اخلاص مكاوي من دار الوثائق:
أتحفنا بما قدم وهو حديث كامل متكامل عن الراتب تناول جوانبا كثيرة. سأتكلم بلغة الوثائق: وثائق الامام المهدي في مرشد الامام المهدي .....وثيقة. نتحدث عن الراتب الوثيقة رقم 23 مع حسين الزهراء في شرح الراتب ،أهمية الراتب من خلال الراتب لوجوب قراءته وقراءة حزب القرآن والعمل بموضوع رسائل الامام المهدي الى بعض القبائل والشخصيات وخطابه لأحمد سليمان لنقل الراتب واهتمام الأنصار بقراءة الراتب .المهدي أجاز نسخة المدثر ابراهيم الحجاز وصحح نسخة ابراهيم الدليل الذي خاطبه الامام المهدي أيضا المجذوب . قراءة الأنصار كانت بفهم بدليل السؤال عن بعض النصوص .سئل عن الفرد والجمع أجاب المهدي أن الأصل هو الافراد.د.عبدالله حمدنالله استشهد بلجوء معظم المؤرخين الى مراجع من الجانب الآخر وقد تأكدت بنفسي أنها أخطاء.وأعطيت كل القصد وسبحان الله وبحمده وشرح (اللهم اني أصبحت أو أمسيت أشهدك..) واضافة رؤية مكين آدم التي طلب الامام المهدي اضافتها ودعوة قساوة القلب والرسائل التي أرسلها المهدي وهناك تعاليم وتوجيهات بترك بعض المعاصي ,,,,, لما هو في القرآن والتربية به .يا حبيبي ....أجزتك يا حبيبي اجازة تامة مع التفكر والتضرع أدام الله رشدك ...الخ.
سؤال هل يقرأ الراتب جهرا فردا أو جماعة؟ عند تحريمه في الاستعمار لأن القراءة الجماعية تزكي الجانب الروحي وهذا ما أراده المستعمرون .أعجبت بشرح الزهراء وحزنت لفقد كثير منه.ما ورد في الراتب من الآيات المنتقاة انتقاء دقيقا مثلا سورة ا؟لأنعام .هذا الراتب لا يخص الأنصار فقط لكنه لكل من يحس بتوجه روحي وصوفي مما يجعل الراتب في مكانة تخرج عن النطاق الضيق.
بروف فيصل محمد موسى:
هل وحي أم الهام أشير الى مسألة الخلاف بين محمد شريف نور الدائم التي أورد في أبيات الشعر عالم الذر ومرحلة التجليات ولم ينكر ذلك محمد شريف نفسه.والراتب يعكس ثقافة اسلامية واسعة.مثلا السابق للعالمين نوره (الرسول أول الخلق )المهدية منبثقة من النور المحمدي .رسالة المهدي للخديوي توفيق والشيخ عليش وقد قال هذا الراتب والرسالة لا تصدر الا من شخص يوحى له فدس له السم (الخديوي توفيق) أشيد بالسياحة الروحية .
يحي التكينة:
الانجليز عندما حاولوا توقيف البعث المهدي ،طلب سلاطين جمع الأعيان في بيت الخليفة تحدث كتشنر عن السياسة الجديدة – لا راتب لا جبة مرقعة..الخ .طلب الاستماع لرأي أهل أمدرمان فتكلم قدح الدم (انك أتيت من دولة تحترم الأديان كيف هدمت بناء يصلي فيه 70 ألف مصلي؟ مشكلتنا في السودان كما قال معاوية محمد نور نريد أن نكون أمة كاتبة وقارئة .يجب أن نلحق بمن لم يمت من أجل التوثيق.
الراتب مأخوذ من الرسول أخذا لا تسأل كيف!
موسى احمد موسى قرأ منشور عن الامام الصديق عن الراتب .
احمد الصافي محمد حكى تجربته في المناقل ،وقد أحيل للصالح العام وهو يسأل الله ليصرف عنه همومه في المنام رأى أنه أحيط به ومعهم نفر من أهل الصافي وقد وجدت نفسي في جلسة راتب وأشهدته على شهادتي واستيقظت في فزع وقد طمأنته بأن الراتب هو منقذ وهو ليس لزمان معين.
محمد علي مخاوي :
أتحدث في جانب آخر في الراتب ليس عن دراسة ولكن جانب تطبيقي لعمل الراتب.في اجازة لي في كردفان أخبرني الوالد أنه زار الشيخ محمد ود الريح حيث يؤتى بالشخص مكتف (في حالة من عدم السيطرة على النفس)وبعدها يصبح طبيعيا يعمل في خدمة الآخرين ويتم ذلك بالراتب!
في منى أقمنا حلقة عن الراتب قدمها د.الصادق أبو نفيسة وقلت لهم وصية من الوالد بما نصحني به من المداومة على الراتب ونقلت لهم ذلك وبأني أصدقه ولكني لم أرى شيئا.في ذات مرة اتصل شخص حدد لي مكان قابلنا أمريكي مسلم ولكنه مختل العقل قرأ عليه الشيخ النور بعض الآيات والأدعية وهي من الراتب فاذا به يعود طبيعيا! وهو أيضا هبة من رب العالمين .دون خوض في مصدره ولكن وان كتبه بيده فهو في لحظة وجدانيات.
تعقيب بروفسور موسى:
لم تترك لي اضافة أؤمن على أحاديث المعقبين خاصة د.عبدالله حمدنالله ومولانا عبدالمحمود. الراتب وثيقة دينية تستحق الدراسة . وقد قال أنه كتب لمرحلة الجهاد الأكبر وعبدالمحمود ذكر أنه رؤية متكاملة.كما قلت توجد ضرورة للكتابة عن المهدي وأغلب ما كتب بلأقلام الأعداء.هذه الحياة القصيرة حافلة بمعاني لا حدود لها .شباب الأنصار لا بد يبحثوا فيما كتب من أكاذيب صرفة عن المهدية ولا بد من ايراد وقائع ودراسات تناقضها ،تترجم الى لغات أخرى وقد قمت بترجمة الراتب للغة الأنجليزية. كذلك الكتابة عن المهدي شخصيا مثلا في رده على غردون وهو مظلوم في تاريخ السودان.
ام سلمة الصادق المهدي
تلخيص كتاب "تبصرة وذكرى:سياحة في راتب الامام المهدي"
الكاتب:الدكتور موسى عبدالله حامد.
الدار السودانية للكتب 1997م.
يقع الكتاب في 519 صفحة من القطع المتوسط. ويحتوي على مقدمة وخاتمة واحدى عشر بابا وقد قدم له حسب الترتيب الوارد في الكتاب بروفسور عبدالله الطيب، الدكتور محمد ابراهيم أبوسليم، السيد أحمد المهدي والسيد الصادق المهدي وقد قدموا للكتاب بما يستحقه من تقريظ واحتفاء .
المقدمة:
تناول الكاتب في مقدمته نسب الامام المهدي من جهة أبيه وأمه ومولده وتاريخ أسرته متتبعا لها منذ هجرتها من الجزيرة العربية بعد تعرض العلويين لبطش الحجاج بن يوسف حتى استقرارها بلبب ثم الى كرري ثم أبا بحثا عن مواطن الأخشاب تبعا لمجال اشتغال الأسرة في صناعة المراكب. وتتبع في المقدمة سيرة المهدي منذ الطفولة المبكرة حتى وفاته في 1885م.
ثم دلف الكاتب الى توضيح صلته بالراتب وما دفعه للكتابة عنه ثم تحدث الكاتب عن والده وعن صلته الرحمية والروحية بالامام المهدي و ما تعرض له بعد كرري وحتى السماح له من قبل الحكومة الاستعمارية بالاستقرار بأبا وعن الجو الروحي الذي كان سائدا في أبا(مكان نشأة المؤلف) ثم ذكر الكاتب الفترة التي ابتعد فيها عن قديمه تمسكا كشأن الشباب بكل جديد وكيف أن النفحات التي تعرض لها في طفولته وصباه والجذوة التي لم تخب تماما قد أعادته مرة أخرى لما ابتعد عنه.وكرر الكاتب أن صلته بالراتب ليست نتاج دراسة وتقصٍّ فقط بل صلة متجذرة في الطفولة ومكان النشأة. وقد لفت نظره للراتب أنه ذكر خالص لله ليس فيه سياسة ولا مدعاة لصراع ولا اختلاف وهو لا يشتغل بأحد لا يذم ولا يمدح ولا يذكر الا حقا خالصا. فيه بساطة آسرة ناعمة الملمس وسلاسة سائلة عذبة الطعم وفصاحة جلية موضونة.هو شراب سائغ خالص لذة للشاربين. كله قرآن وتسبيح وصلوات الرسول. ويقرر الكاتب أن ما يكتبه ليس تزكية للراتب ولا لصاحبه انما هي مشاهدات سائح في رحاب الراتب عبر متونه وبين شعابه، سائح تملكه احساس غامر بروعة الراتب وطغت على نفسه محبة له جاوزت حدود المدى.
الباب الأول:
تاريخ الراتب :
نعوم شقير أول من أشار لذلك ذاكرا أن الراتب أنشيء منذ اشهار الدعوة(أي في الجزيرة أبا).ويرى أبو سليم أن المهدي وضع الراتب ونظم الشؤون المالية وأمور الجيش والعبادة بعد أن شعر بشيء من الاستقرار بعد انتصاره على الشلالي في 1299هـ. ويرجح الكاتب أن الراتب اكتمل قبل جمادي الأولى 1301هـ بكثير. والسائد بين أصحاب الامام المهدي أن الراتب ألقي في روع الامام المهدي الهاما.
طباعة الراتب:
في المهدية:
-حتى وفاة الامام المهدي كانت النسخ المتداولة نسخ خطية بتكليف منه لابراهيم الدليل لنقل الراتب.ثم كانت الطبعة الأولى بعد وفاة الامام المهدي بأيام في رمضان 1302 هـ بمطبعة الحجر .وصدرت عشر طبعات آخرها الطبعة العاشرة 1315 هـ (آخر طبعة للراتب في المهدية).
بعد المهدية:
تم حظر الراتب نهائيا من قبل الحكومة الاستعمارية ادراكا لدوره في التعبئة الروحية. وتم تداول الراتب علنا على اثر فتوى الشيخ المراغي عام 1917م مع اندلاع الحرب العالمية الأولى. وكانت أول طبعة في القاهرة على نفقة داؤود منديل عام 1920م ثم توالت طبعات الراتب.
ما كتب عنه:
كتب عنه وعن الامام المهدي: اسماعيل الكردفاني، الحسين الزهرا والحسن العبادي من علماء المهدية. وقد بين حسين الزهرا فضل الراتب الذي يكمن في جمعه لوظائف العبادة من الذكر والفكر والأدعية والتلاوة. وتناول نص الراتب بالشرح لبيان المعاني والغايات والفضائل.
الكردفاني تناول الراتب مقرظا ولكنه لم يتناوله بالشرح. ثم كتاب "عقود الدرر في شرح راتب الامام المهدي المنتظر" لمؤلفه الشيخ محمد علي البشير الأحيمر بتوجيه من الامام عبدالرحمن. وهو يفسر الراتب شارحا له كلمة كلمة ويعاب عليه أنه نحى بشرحه منحى صوفيا يكاد يجرد الراتب من حيويته اذ أن الراتب استصحب التصوف الاسلامي استصحابا معافى متجاوزا له الى مشارف أعلى. وأبرز ما يميز الراتب أنه خلا تماما من طلب النصرة على الأعداء برغم التضرع والانكسار الذي فيه وكون حياة صاحبه منذ اعلانه المهدية وحتى وفاته كانت جهادا متصلا!وكذلك جاء الراتب خلوا من أي دعاء يجلب دنيا أو أعراضا مادية أو يقي من مرض أو بلاء أو يحفظ الأهل والولد.
الذكر والراتب:
الذكر عند الامام المهدي أقدم من الراتب. فهو ثمرة صوفيته المبكرة وهو عنده عماد الأمر. فالراتب مجموعة من الأذكار التي تقرأ صباحا وعشيا.
ملحقات الراتب:
دعاء افتتاح حزب القرآن (اللهم اني أحمدك....)
حزب القرآن.
دعاء اختتام الحزب. (اللهم اجعل القرآن العظيم نور هدايتنا من الضلال...)
دعاء قساوة القلب والغفلة عن الله وعن تعظيمه(آخر ما يقرأ مع الراتب)
رؤية مكين آدم الحمري وهي غير مضمنة في الراتب ولكنها تبين أهمية الراتب لدى أصحاب الامام المهدي. خلاصتها أن المذكور رأى في المنام هاتفا يحثه على قراءة الراتب ويبين فضله.
الادخالات (ليست طرفا من أطراف الراتب) وهي تعليقات محددة كتبها الامام المهدي موضحا فيها بعض المسائل ومعاني بعض الدعوات الواردة في الراتب .أولها عند قوله اني أصبحت أو أمسيت أشهدك.. ثانيها: لشرح معنى (سبحان الله وبحمده) ثالثها:عند قوله (وأعطيت كل القصد)، رابعها:عند قوله (رب أدخلني مدخل صدق)
هيكل الراتب وبناؤه وأجزاؤه:
يتكون الراتب حسب أبو سليم من ثلاثة أجزاء:
1- الافتتاح: فيه المطلع الذي يبدأ بالبسملة ثم آيات الأنعام الثلاث الأولى والآية 61 من يونس، ثم الأدعية وتبدأ بدعاء اللهم يا مذكورا بكل لسان، ثم التوسل الى حضرة الربوبية بحرمة الرسول(ص).
2 – الأساس: لب الراتب وجماع الهدف منه ويبدأ بقوله (بسم الله ما شاء الله) ويشتمل على طائفة من الأذكار. ثم يأتي دعاء(الحمد لك يا الله حمدا يوافي نعمك ويكافي مزيدك)، ثم تأتي المسبعات وهي عشر عبارات تعبدية تقرأ سبعا.
3- الخاتمة:وهي دعاء (اللهم كما لطفت في عظمتك...) ويرى أبو سليم أن بها ينتهي الراتب، و يرى أيضا أن الحزب الملحق بالراتب يتكون من ثلاثة أدعية هي دعاء قبل آيات القرآن(اللهم يا رب العالمين لك الحمد لذاتك..) يليه دعاء افتتاح حزب القرآن (اللهم اني أحمدك وأثني لك الحمد يا جليل الذات ويا عظيم الكرم) ثم دعاء اختتام حزب القرآن (اللهم اجعل القرآن العظيم نور هدايتنا من الضلال).
ويذكر الكاتب اختلافه في وجهة النظر مع أبو سليم (دون تطاول ) اذ أن أبو سليم فهم أن حزب القرآن المعني الذي يسبقه دعاء افتتاح الحزب هو الآيات الواردة في الراتب. ولكن الكاتب يرى رأي الصادق المهدي والأحيمر من أن الحزب المذكور يقصد به قراءة حزب من القرآن صباحا ومساء ليختم القرآن في شهر، وان الآيات التي فهم منها أبو سليم أنها الحزب المعني انما هي جزء من الراتب (وهذا الفهم عليه عموم الأنصار).
تقييم الراتب:
عرف أبو سليم الر اتب بقوله) لفظ الراتب يطلق أساسا على الراتب بالتخصيص كما يطلق على الراتب والحزب معا) و ينتقد الكاتب أبو سليم لتعامله(غالبا) مع الراتب كوثيقة تاريخية وكذلك خالفه رأيه لقوله أن الأنصار تعاملوا مع الراتب كنص عبادي حيث يرى الكاتب عدم صحة هذا الرأي اذ أن الراتب يلعب دورا تعبويا جهاديا، فهمه الأنصار واستلهموا معانيه. وقد قال أبو سليم أن الراتب مؤلف ديني عظيم عبر فيه المهدي عن وجدان ديني عميق وقد سما فيه أسلوبا وغاية، وهو يدعو الجميع لقراءته لدوره الخطير في بلادنا. ويمكن للجميع قراءته دون الارتباط بعقيدة معينة. وقال عنه أيضا اٍنه جاء في أسلوب عربي رصين يحكمه السجع في آخر الفقرات والسبك المتين للجمل ...بحيث يسهل حفظها). ويشرح الكاتب ما تعنيه كلمة وحي عندما يذكر أن المهدي ألهم الراتب وحيا وأن الوحي قد يذكر دون أن يكون الموحى اليه رسولا. وهذا ليس غريبا بل يعج به التراث الصوفي وهو مشروط بالتأهيل من حيث شدة الورع والتقوى وهذا مما يتصف به الامام المهدي.
يمثل الراتب الدستور الروحي للدعوة المهدية والمنهج الفكري التعبدي للدعوة . وفي رأي الكاتب أن المهدي هو مصدر الراتب دون شك فهو ملهم صحيح ولكن العبارة عبارته والفكرة من صياغته ويجب التسليم بذلك حتى لا يضيع ما في الراتب من تجربة روحية ذاتية وتضرع.
الباب الثاني:
مضمون الراتب: مر الكاتب على ما يتضمنه الراتب من در عظيم بين دفتي كتاب صغير ثم عرج على شواهد الأمر بالذكر في الكتاب والسنة وأقوال بعض العارفين في فوائد الذكر. وعدد محتويات الراتب وهي عبارة عن آيات من الذكر الحكيم و مختارات الآيات والدعوات المأثورات عن الرسول الكريم. وهو ذكر لله خالص به التضرع والتذلل والانكسار لله. ثم عرض الكاتب لما يعيبه البعض على واجبية تلاوته وتكرار ذلك فجرا وعصرا ويقول الكاتب أن واجبية تلاوته مردها لكونه ذكر لله خالص وأن الأوقات المحددة لذلك هي تسمية القرآن تحديدا لفضل الوقتين المذكورين. والمأخذ الثاني الذي يعاب على الراتب هو التكرار. وقد برره الكاتب بأنه تكرار معافى يستهدي بأسلوب القرآن في ترديد المعنى الهام لترسيخه.
الدعاء عموما: استعرض هنا شروط الدعاء وأهميته.
الدعاء في الراتب: كثر الدعاء في الراتب لدرجة تكاد تجعله مجموعة أدعية يتوجه بها لله طلبا للخير للداعي وللمسلمين عامة. وتكرر الأدعية فيه ثلاث أو سبع مرات أو مائة مرة.
الجهر بالدعاء: أورد الكاتب الدليل على استحباب الجهر بالدعاء.
أوقات قراءة الراتب: والوقتين المحددين من أوقات الاستجابة حسب ما ذكر وفيهما تصفو النفس وترنو للتأمل.
الصلاة على النبي:
ذكر فضل الصلاة على النبي وفوائدها مما عدده العلماء وأنها ترد في صيغ مختلفة.
السور والآيات القرآنية في الراتب: تبلغ في جملتها 153 آية تمثل ثلثي الراتب وتدل على اختيار دقيق للآيات مما هو معروف بفضله وقد كان الرسول (ص) يشير الى فضل خاص لبعض السور والآيات ويكثر من قرآتها.
وظيفة الراتب وأدب تلاوته: عدد وظائف الراتب وأجملها في فوائد روحية واشعار بالانتماء للجماعة والزهد واذكاء روح الجهاد والتأسي بالسنة. وهو عبادة خالصة لله تعالى. ثم عرج الكاتب على كيفية التعامل مع الراتب من حيث هيئة الجلوس واستخدام المسبحة والطريقة التي يقرأ بها الراتب في جماعة. ثم أوضح أن للراتب أربعة أطوال (حسب ما يسمح به الوقت) وقد فصلها جميعا.
الباب الثالث:
نصوص الراتب:
ذكر أن الراتب يبدأ بالثلاث آيات الأولى من الأنعام ثم الآية 61 من يونس وشرحها وذكر فضلها واشتمالها على احاطة العلم الالهي بكل شيء.
الدعاء بعد آيات الاستهلال:
ذكر هذا الدعاء الذي يبدأ (باللهم يا مذكورا بكل لسان..) ووقف عند هذا الدعاء الذي يُِتوجه به الى الله القادر المريد، وشرحه لافتا النظر للاستعمال الجميل المتمكن للألفاظ. وانتقل بعد ذلك للدعاء الذي يمثل أدبا عظيما لسؤال المولى الكريم وشرحه منتقلا بعدها في انسياب لطيف للاقرار بالذنب مبينا دور ذلك في اجابة الدعاء. وشرح أيضا هذا الدعاء ذاكرا تركيزه على طلب التوبة والمغفرة. ثم بعد ذلك طلب المهدي بعد الاستغفار والتوبة التولية والتوفيق. وشرح هذا الدعاء ذاكرا ما يتضمنه من اقرار بالعجز والاعتراف بالمنة. ثم انتقل الى التوسل لله طلبا للمواهب. وشرح الدعاء ملفتا النظر الى نسقه الفريد موسيقى ومعاني. وقد ذكر ما في هذا الدعاء من مزج بين الخوف الرجاء وكل مبتغاه هنا الاكرام بالنظر الى وجهه الكريم.ثم انتقل الى طلب الشوق والمحبة وهي أعلى الدرجات عند السادة الصوفية، وقد استعرض أشعارهم في ذلك. ثم ذكر أدلة المحبة من القرآن والسنة وأهمية أن تكون للعبادات أغوار روحية وتغلف الأعمال بالمحبة حتى لا تكون جافة. ثم ذكر عشرة أسباب للمحبة وعلاماتها. ثم استمر في شرح (والنظر الى قدسك وجمالك والجلال) ومراتب جماله سبحانه وتعالى. ثم انتقل الى طلب التجافي عن الدنيا. وبعد هذا انتقل الى طلب القرب بعد أن استعد له متضرعا مناجيا ذاكرا مقررا ارتباط الانس بالمناجاة. ثم انتقل الى طلب التفكر وشرح هذا الدعاء والذي يليه (الهي اجعل ذكرك قمري في الليالي...) ثم طلب من ربه الاكتفاء به عن الدنيا. ثم طلب التأهيل لذلك "وأن تجنبنا يا رب الغفلة عنك". ويستمر الدعاء طلبا للحفظ من الذنوب والآثام. ثم استعرض قول الامام الغزالي بصحة طريق أهل التصوف في اكتساب المعرفة عن طريق غير معتاد وصحة كشف الله سبحانه اخبارا عن الغيب لبعض أوليائه. واستعرض قول آخرين في صحة ذلك. وذكر أن الالهام هو صنو للكشف وملازم له. والدعاء مربوط عند الامام المهدي دوما بالايمان والذكر والشكر ويلفت الكاتب النظر لذلك ثم يشرحه منتقلا بعده الى طلب المهدي في الراتب أن "تملأ بواطننا بالنور حتى نقوى على شهودك" أي أن ذلك فيه تهيئة للنفس حتى تسطيع المشافهة. ويستمر المهدي في التضرع وطلب القرب بالحاح ثم يتعوذ من سخط مولاه ومن الشيطان الرجيم ويمضي في استلهام وسائل القرب واظهار الفاقة والاضطرار ثم يقرن دعاءه بالصلاة على النبي وآله وهي من موجبات الاجابة.
الباب الرابع:
ترد فيه طائفة من الأذكار التي تتقدم المسبعات ذاكرا نصوصها وعدد مرات ذكرها وفضلها ويقدم شرحا لها. ثم دعاء الاشهاد بنصه ويشرحه ويبين فضله ويذكر تعليق المهدي عليه وهو ما يعرف بالادخال الأول. ثم يمضي موحدا، مستغفرا وتائبا شارحا للدعاء وفضل التوحيد والاستغفار والصلاة على النبي والتي وردت في الراتب بصيغ كثيرة ثم التوحيد والتسبيح بصيغ عديدة. وذكر الكاتب الادخال الثاني للمهدي عند قوله (سبحان الله وبحمده).
الباب الخامس:
يرد فيه الدعاء الذي يقرأ قبل المسبعات حيث شرحه وذكر نصه ثم ذكر قول المهدي باضطراره لطلب المساعدة من الله. وشرح الكاتب الدعاء مركزا على معنى التوكل عند صاحب الراتب واعتماده على ربه في ذلك "ولولاه لسقط في الطبع السفلي المسقط في الهاوية" وهو يلح في الطلب حتى يستطيع الاستجابة لداعي الله ثم استمر في الالحاح في الطلب ليريه الله عزة كلامه، واستمر في اظهار الانكسار والتبرؤ من الحول. ثم انتقل الى دعاء الاستغاثة الصريحة من خبث النفس. وذكر الكاتب شرح ذلك مبينا ما للنفس الامارة بالسوء من مقدرة على صرف العبد عن العبادة. ثم انتقل الى شرح دعاء طلب الاكرام والأنس وبين ما قيل فيه من العارفين وبين أن التقوى ترفع الحجب، وذكر حديث الرسول لحنظلة وأنه لولا غفلة النفس شيئا ما لما استطاع الانسان الاستمرار في الحياة لتعلقه بربه دون سواه وفيه شرح قول المهدي (لمشافهة خطابك). ثم طلب المهدي فهم الأسرار وهو طلب عظيم. ثم استعرض الكاتب أهمية فهم أسرار القرآن وصفات مفسر القرآن وأن التفسير الظاهري للقرآن لا يعكس كل معانيه الكامنة. ثم ذكر انتقال المهدي للضراعة والافتقار ثم يشرح الكاتب (يا عظيم فلا يعطي العظيم الا العظيم...) والاستمرار في الخشوع والتذلل و التبرؤ والتوكل والانابة وبعدها يمضي الكاتب شارحا للأدعية التي تذكر ذلك حتى الطلب بأن يأخذ به اليه ابعادا من شواغل الدنيا.
الباب السادس:
في هذا الفصل تفصيل للمسبعات وهي عبارة عن سور وأدعية يقرأ كل منها سبع مرات وشرحها وذكر فضلها.
الباب السابع:
مجموعة من أدعية متتالية ذكرها وشرحها وذكر فضلها أولها دعاء الشأن ثم دعاء التثبيت ثم سيد الاستغفار ودعاء الاشهاد ثم الصلاة على النبي ودعاء اللطف ثم صلاة تنجينا.
الباب الثامن:
الراتب الكبير :الذي يبدأ بدعاء (اللهم يا رب العالمين لك الحمد لذاتك) وقد ذكر الكاتب نص الدعاء ثم توقف عند الادخال الثالث في الراتب عند قوله(وأعطيت كل القصد)وذكره ثم شرح الدعاء المتقدم وركز على مفهوم أن البلايا للمؤمن هي في حقيقتها نعم. وذكر بعض الأقوال في ذلك لافتا النظر الى النظم البديع في الألفاظ وشرح مفهوم التجلي ببعض قول العلماء. ثم شرح تفصيلا سبب اشتياق العبد المحب للموت طمعا في لقاء ربه وما في هذا القول من اقتداء بالرسول الكريم. ثم شرح الكاتب كيف ينساب الدعاء في الراتب لطلب الصدق والوفا في العمل والتوسل بالرسول الكريم والصلاة على النبي مغترفا في كل ذلك من بحر الكتاب الكريم والسنة المطهرة. وذكر الكاتب أن درجة الصديقية في أعلى المراتب بعد النبوة. ثم الاستمرار في التذلل والافتقار وكيف أن القرآن من اعجازه صدقته الجن. ثم الاقرار بأن الله أعلم بنا منا مسلما أمره كله لله وطالبا منه التنور بآيات القرآن. ونفى الكاتب أن يكون نهي المهدي المشدد عن الدنيا من باب الاسراف بل هو من باب الحيطة والحذر وذكر بعض قول العلماء الذي يؤيد أن الدنيا لا تسوى شيئا. ثم بعد أن تهيأ صاحب الراتب بذلك طلب من الله افهامه أسرار الكتاب مكررا التوسل والتنور وشكر الله وقول بعض العلماء في شكر الله والاستزادة من المحبة حتى ختم هذا الدعاء بالصلاة على النبي ذاكرا أن هذا هو النصف الأول من الراتب.
الباب التاسع:
يبدأ بالنصف الثاني من الراتب بعد الدعاء (اللهم يا رب العالمين..) وفي هذا الجزء مجموعة مختارة من الآيات تتخللها أدعية تناسبها وتتناسق معها والآيات المذكورة من سورة البقرة. وذكر الكاتب أقوال بعض العلماء في فضل سورة البقرة وقول الرسول الكريم فيها. وبين الكاتب المرامي التي تريدها الآيات المذكورة وشرحها ثم أتى الى الدعاء المذكور بعد الآيات وشرحه لافتا النظر الى حسن لفظه ومعانيه وما فيه من تذلل والحاح في طلب الهداية وكيفية اتساقه مع آيات البقرة التي سبقته وتركيز الدعاء الذي بعده على معاني الافتقار لله والمسكنة له تأسيا بالرسول الكريم. ومضى في شرح الدعاء حتى ختمته وذكر أقوال بعض العلماء في معانيه لتثبيت المعاني التي شرحها ثم شرح آيات آل عمران التي وردت في هذا الموضع ووضح فضلها ثم أتى للدعاء الذي ذكر بعدها (اللهم أنت الواحد والشاهد الذي بيدك الغائب والشاهد...) وذكر نص الدعاء معلقا على تناسب الدعاء مع معاني الآيات التي سبقته وكيف أن هذا الدعاء يجسد معاني الخشوع والخضوع لله وهو ما يدعو من يقرؤه الى البكاء من فرط رقته وملامسته لشغاف القلب. ثم استمر شارحا للدعاء وما قيل في المعاني التي يحتويها. ثم أتى لذكر آيات أخرى من آل عمران وآية من الأعراف شرحها وذكر فضلها وقول العلماء فيها. ثم ذكر آيات الأعراف وشرحها وذكر فضلها وما قيل فيها وهي من آيات الحرز التي يحبب الرسول قراءتها. وذكر الكاتب معانيها التوحيدية التعبدية وما اشتملت عليه من حث على الدعاء. ثم ذكر آيتي التوبة وهما من آيات الحرز أيضا وشرحمها وذكر فضلهما وأنهما آخر ما نزل من الله تعالى. ثم آية الاسراء شارحا لها وذاكرا لفضلها. ثم أورد الكاتب الادخال الرابع الذي كتبه الامام المهدي بخطه عند قوله تعالى (أدخلني مدخل صدق..) ثم آية الاسراء وبعدها آية الفرقان وشرح للآيتين وفضلهما. وبعدهما جاء التكبير والتحميد في الراتب ثم آيتي الأنبياء التي فيها دعوة سيدنا يونس. وقد وردتا هنا لفضلهما ومضمونهما التوحيدي. ثم آيتي المؤمنون ثم آيات سورة الروم من(17-27) وشرحها ذاكرا فضلها لافتا النظر لبنائها الساحر. ثم أتى لذكر الصافات وفضلها وشرحها. ثم الثلاث الأولى من سورة غافر وشرحها ذاكرا فضلها وفضل الحواميم عموما، ثم ثلاث آيات من سورة الرحمن وتفسيرها وفضلها ثم 4 آيات من الحديد وشرحها وذكر أقوال العلماء فيها وشرحها. ثم جاء في الراتب دعاء (اللهم اجعلنا ممن أحسن صحبتك..) ذاكرا تناسبه مع الآيات التي سبقته وشرحه وأعقبه بالآيات 5و6 من الحديد ثم الآية 10 من الحشر ثم 4 آيات أخرى من الحشر وشرحها وذكر فضلها وما قاله الامام الغزالي في آخر الحشر وأول الحديد من فضل، ثم الآية 4 من الممتحنة وشرحها وذكر فضلها وأعاد ما ذكره سابقا من أن كل آيات الراتب تدور في مداره وتخدم غرضه وركز الكاتب على المعاني التي بها من توحيد وتوكل. ثم جاء في الراتب دعاء (اللهم اجعل صدق ذلك في قلوبنا كما أنطقت به ألسنتنا..) معلقا على حسن سبكه وطلاوته وصدقه. ثم جاء في الراتب الآية 5 من الممتحنة وشرح سبب ذكرها في هذا الموضع وشرحها وما فيها من تأسٍّ بالأنبياء. وأتى في الراتب بعد ذلك الآية 14 من الصف وشرحها وما فيها من تأسٍّ بعيسى عليه السلام وقد أتت تسمية أتباعه بأنصار الله فصاروا يعرفون بهذا الاسم. ومن بعد أتت سورة الجن من 1 حتى 28 وذكر فضلها وما فيها من آيات الحرز وشرحها وذكر قول الأحيمر في سبب ذكر الامام المهدي لها كاملة. ثم أعقب ذلك بالصلاة على النبي وفضلها معلقا على أن صيغتها المذكورة هنا تعد من جوامع الصلوات على النبي (ص).
الباب العاشر:
وذكر هنا نص دعوة توطئة قراءة حزب القرآن لافتا النظر لتعابيرها الناطقة بالعبودية الحقة وشرح الدعاء وركز على المعاني التي وردت فيه من توبة واستغفار وتضرع وتأس بالرسول الكريم وتوسل بالآيات ومناجاة العظمة ومناجاة الافتقار.
الباب الحادي عشر:
ذكر فيه الآيات الأخيرة من آل عمران التي يقرؤها من لم يتمكن من قراءة الراتب كاملا وشرحها وذكر فضلها ذاكرا أن الراتب بدأ بحمد الله وتوحيده ومناجاة قدرته بالقرآن وانتهى بالقرآن تعبدا وتوحيدا وتحميدا ودعاء، ثم الدعوة التي تقال بعد تلاوة حزب القرآن وشرحها وذكر ما تحتويه من معان وهذه الدعوة من ملحقات الراتب وليست أصلا فيه، وتقرأ بعدها دعوة قساوة القلب التي شرحها وبين غرضها. ثم من ملحقات الراتب الدعوة التي وضعها الامام عبدالرحمن وهي دعوة الانشراح، التي شرحها معلقا على ما تزخر به من معان على قلة كلماتها. وبهذا انتهى راتب المهدي عليه السلام وملحقاته.
الخاتمة:
اختتم الكاتب كتابه القيم بتعليق مجمل لوصف الراتب كغذاء روحي عظيم مركز من القرآن والذكر والدعاء ملخصا محتويات كتابه ومقررا بأن الراتب على ضوء دراسته يدور حول المحاور التعبدية الثمانية الآتية التي تشير الى مجامع مرامي الراتب وغاياته.:
التوحيد والايمان.
المحبة والشوق.
التعبد بالقرآن والذكر واجتلاء الأنوار.
التفكر والأنس بالله ومناجاته والاكتفاء به.
الافتقار الى الله.
المعرفة والنور والقرب والشهود.
طلب الخير للمسلمين.
محبة النبي (ص).
ويقرر الكاتب بتواضع جم (ما ذكره في المقدمة بطريقة أخرى) أن دافعه لتناول الراتب ليس ادعاء الفهم الكامل له بل المحبة العميقة الأصيلة والاعجاب الذي لا يمكن دفعه. ويذكر تعليق الطابع الأزهري 1979م الذي وصف الراتب (بالحزب الأكرم والورد الأفخم). والراتب في رأي كاتبنا: زبدة التراث الاسلامي، وقد استطاع رغم زوال الدولة الاسلامية التي أقامها صاحبه أن يبقى مضيئا متوهجا. وهو المستوقد من نار القرآن وأنواره. ويقول الكاتب أن سر المهدية مستودع في الراتب لأنه جماع منهج وخلق قدسي قرآني نبوي ودعوة خالصة للتخلق بهذه الجوامع النورانية. ولذلك فلا ينبغي أن يختص بجماعة دون غيرها ولا بزمان ومكان معين. ويدعو قراءه بتواضع جم أن يضيفوا الى ما خفي عليه من جوانب، خاتما بالتوجه لله تعالى لقبول عمله والغفران لأهله ولصاحب الراتب وكافة الأنصار والمسلمين.
تنويه هام!
نود أن ننبه الى أن هذ العرض الموجز للكتاب قد أجيز وتم تصحيحه من قبل الكاتب. وهو وإن حاول ايراد جميع المعاني التي وردت في الكتاب، إلا أنه ككل جهد بشري، لا يوفيها حقها. ولا يغني عن الكتاب الموجود بالمكتبات(الدار السودانية للكتب)، وقد قصدنا به لفت النظر الى ضرورة قراءة الراتب مصحوبا بالاضطلاع على هذا السفر القيم، والذي أرى ضرورته لأنه يساعدنا في فهم الأغوار الروحية للراتب، آخذا من يقرؤه في سماوات رحبة من جزالة اللفظ ورقته، ولطف سبكه، مجاريا الراتب معنى ومبنى، شارحا ما صعب فهمه وأشكل، وهو من قبل ومن بعد، يصقل نفسك بالمحبة الصادقة التي تشفي علل النفوس وتداوي سقمها
عبد المحمود ابو
مداخلة في منتدى كتيبة القلم عن راتب الإمام المهدي عليه السلام
الحمد لله الوالي الكريم والصلاة علي سيدنا محمد وآله مع التسليم
وبعد
الشكر لكتيبة القلم علي تنظيم هذا المنتدى والشكر للبروفيسور موسي عبد الله حامد علي المحاضرة القيمة والشكر للبروفيسور: عبد الله حمدنا الله علي المداخلة الجيدة وألخص مداخلتي في الآتي:
أولا: أنا أعتقد أن راتب الإمام المهدي عليه السلام ليس كتاب ذكر فحسب وإنما هو رؤية متكاملة للكون والحياة والأحياء. إنه منهج سجل فيه رؤيته للعقيدة والعبادة والإنسان والعلاقة مع الله، ومع الرسول صلي الله عليه وسلم، ومع القرآن الكريم، فتأمل مثلا قول الإمام المهدي عليه السلام يخاطب ربه" وأورثنا الأدب معك وقد تأدب للملوك المعتوه الذي هو كالحيوان، لما يراه من أياد قاصرة لم يكن لها قيام من الباطن ولا تعلم منه كل الشأن ولاتصرف لأحد منهم له إلا بقدرتك وأنت تعلم منهم ما لايعلمونه من الباطن وظاهر الأركان" فهنا تبيان للملك المطلق لله سبحانه وتعالي الذي يدخل فيه تصرفات البشر بكل مقاماتهم فما يقومون به من عمل وتصرف هو قطرة من فيض الله الذي منحهم إياه فالعاقل لاينظر إلي عمل المخلوق وإنما ينظر لعطاء الله المطلق الذي أعطى المخلوق منه نذرا يسيرا. ويقول: " فاغفر لي وتولني يامن تولى كل ذي ولاية فلم يكن له من نفسه مكان وليس له من غيرك حال في جميع الأزمان فكما أوجدتنا يارب من غيريد منا وهديتنا إلي الإيمان فتول حالنا في كل ذكر مع التدين والحفظ في كل حال وشأن".
ثانيا: المتأمل في الراتب يجد أن القرآن الكريم كان يشكل حضورا عميقا في روح الإمام المهدي بل اختلط بلحمه ودمه مخه وعظمه، وتأمل قوله: " وآياته لونزلت علي الصم الراسيات لخشعت من عظم مافيها ولما سمعتها جماعة من الجن اهتدت من حسن معانيها فوحدت بها باريها ولما تنورت منها أقبلت علي قومها منذرة من طيب معانيها فنسألك ربك أن تقذفها في قلوبنا ومن الغفلة عنها برحمتك ورأفتك تنجيها"تأمل هذا مع قوله تعالي: " لو أنزلنا هذا القرآن علي جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون" فالمهدي عليه السلام يقول: " فنحن أولى بالتأثر بكلامك من الجبال الصم الراسيات إذ مننت علينا بنور الفؤاد وحواس الخيرات" ويقول في مقام آخر ونسألك اللهم بحق خفي لطفك وبحق ظاهر عطفك أن تهب لنا حلاوة القرآن، وأن تبين لنا المعني فيه أحسن البيان، وأن توفقنا علي العمل بما فيه يارحمن، وألا تسلط علينا الغفلة عنه والنسيان".
ثالثا:ركز الإمام المهدي عليه السلام علي المحبة لرسول الله صلي الله عليه وسلم إلي درجة لايدركها إلا أهل الذوق، فالرسول صلي الله عليه وسلم هو حلقة الوصل بين الله وعباده وهو الدال إلي الله والمبلغ عنه، يقول الإمام المهدي عليه السلام " وحببنا في نبيك محمد صلي الله عليه وسلم إذ أنه دلنا إليك وتلقي الوحي منك فبلغه فوصل إلينا بفضلك فصل اللهم وسلم عليه وعلي آله عدد المتصلين به لك الواصلين بنوره صلي الله عليه وسلم"
رابعا: للإمام المهدي عليه السلام فلسفة عميقة للابتلاءات والمحن فقد قال " إن المزايا في طي البلايا والمنن في طي المحن والنعم في طي النقم" ولذلك فهو يرحب بكل قضاء الله ويترك مراده لمراد الله، فيقول: " اللهم اجعلنا من العارفين لحسن قدرك الصابرين عليه رجاء لوعدك ورغبة في الصلوات والرحمة مع هدايتك" إلي أن يقول: "واجعلنا ممن آثر التقوى والوفاق والصبر علي الشدائد والمشاق رغبة في دوام القرب والتلاق وقو نورنا ليهون علينا ذلك واجعل لنا قوة منك علي تحمل مايرضيك" تأمل هذا مع موقف أيوب عليه السلام "وأيوب إذ نادي ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين"
خامسا: لقد جمع الإمام المهدي عليه السلام زبدة الأذكار والابتهالات في الراتب وأذكر هنا موقفين: الموقف الأول حدث مع الفكي إبراهيم أحمد وكيل الإمام عبد الرحمن في منطقة الطويشة في شرق دارفور: حيث نزل عنده عالم شنقيطي ضيفا وأكرم ضيافته وعندما هم بالمغادرة في أحد الأيام سمع أحد الأنصار يقول: المهدي عليه السلام فقال له ياجاهل كيف تقول المهدي عليه السلام؟! فقال له الفكي إبراهيم لو سمحت تؤجل سفرك اليوم لتسمع كلام الشخص الذي وصفت من قال له عليه السلام بالجهل وبالفعل أخر سفره وبعد صلاة العصر بدأ الفكي إبراهيم يقرأ الراتب وقد منحه الله صوتا جهوريا وقراءة جيدة تأسر الألباب فجلس الشنقيطي خارج الحلقة فلما انتهي الراتب الأول دخل الحلق فلما تعمق الفكي إبراهيم في الراتب الثاني انكب عليه الرجل باكيا يقول " والله أنا الجاهل والله أنا الجاهل والله أنا الجاهل" والموقف الثاني رواه الوالد عن السيد أحمد المهدي أن أحد علماء المغرب حل ضيفا علي الإمام عبد الرحمن وأكرمه الإمام كعادته فعندما أراد السفر قال للإمام بقد أكرمتني وأنا أريد إعطاءك هدية قيمة فطلب منه إحضار ورقة وقلم ثم جلس بالقرب منه وبدأ يمليه سرا قال له اكتب" اللهم كما لطفت في عظمتك دون اللطفاء وعلوت بعظمتك علي العظماء ..." فقال له الإمام قف ثم نادى أحد الأنصار وقال له اقرأ كما لطفت فقرأها الأنصاري وذهب فدهش العالم وقال من أين لكم هذا قال له الإمام هذا ورنا نقرؤه صباحا ومساء فقال العالم سبحان الله إن هذا الدعاء في بلادنا لايعرفه إلا الكمل!!
إن راتب الإمام المهدي عليه السلام يعتبر سلطان الأوراد في مجال الذكر، وينصف في قمة التجليات الروحية في عالم الذوق، وهو منهج متكامل في التعامل مع الحياة والكون من التزم به وأدرك معناه نال سعادتي الدنيا والآخرة
الامام الصادق المهدي
هيئة شئون الأنصار تحتفل بالإسراء والمعراج وميلاد الإمام المهدي وعيد الأسرة السودانية
كلمة الحبيب الإمام 26 رجب 1430هـ 19يوليو 2009م
مقدمة: عندما يطلب مني الحديث أسائل نفسي: هل من قيمة مضافة لحديثي أم أكرر المعهود؟ التجديد سر الحيوية: يقولون إذا شاخ الإنسان فقد القدرة على التجديد. إنه لا يشيخ إلا عندما يفقد تلك القدرة. الدين ليس نصوصا يتلقاها الإنسان فحسب كما يزعم الظاهريون. ولا هو مفاهيم يؤلفها البشر كما يزعم الدهريون. إنه تفاعل بين مصدر غيبي وتجاوب بشري فالفطرة الإنسانية مهيأة له: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا)[1]، وقال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ)[2]. الديانة تفاعل بين الربانية والإنسانية. والمسلم مطالب بالتبصر في النصوص (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا)[3]، بل وبصرف النظر عن العوامل الأخرى جاء في مسند أحمد أن النبي (ص) قال: "إِذَا سَمِعْتُمُ الْحَدِيثَ عَنِّي تَعْرِفُهُ قُلُوبُكُمْ، وَتَلِينُ لَهُ أَشْعَارُكُمْ وَأَبْشَارُكُمْ، وَتَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْكُمْ قَرِيبٌ فَأَنَا أَوْلَاكُمْ بِهِ، وَإِذَا سَمِعْتُمُ الْحَدِيثَ عَنِّي تُنْكِرُهُ قُلُوبُكُمْ، وَتَنْفِرُ مِنْهُ أَشْعَارُكُمْ وَأَبْشَارُكُمْ، وَتَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْكُمْ بَعِيدٌ، فَأَنَا أَبْعَدُكُمْ مِنْهُ"[4].. وروى البخاري عن الإمام علي: "حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟"[5]. من منطلق هذا التلاحم بين الرباني والإنساني بين اللاهوت والناسوت أحدثكم عن المناسبات الثلاث في نقاط. المناسبة الأولى: الإسراء والمعراج: وهنا أذكر نقطتين: قوائم حياة الإنسان، ومعاني الإسراء والمعراج. الأولى: قوائم الحياة الأربعة: تقوم حياة الإنسان على أربعة قوائم: روحية- مادية- عقلية- عاطفية. الروحية: ينكرها الدهريون ولكن يثبتها الواقع: - الرؤيا الصادقة. - الإلهام: الألمعي الذي يريك الرأي كأن قد رأي وقد سمع - الوحي: إنسان أمي معروفة حالته يأتي بمعارف غريبة عليه: (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ)[6]؟. وناس كثيرون مارسوا تجارب روحية وعبروا عنها: قلوب العاشقين لها عيون ترى ما يراه الناظرون وأجنحة تطير بغير خفق إلى ملكوت رب العالمين المادية: يهمشها الزهاد ولكن الإنسان محتاج للماء، والهواء، والغذاء، والكساء. وفي حياته ومعاشه يستخدم قواعد مادية: يزرع ويصنع ويتاجر بموجبها. بل وكثير من الناس يعظمون شأن المادية. قال أحدهم: حياك من لم تكن ترجو تحيته لولا الدراهم ما حياك إنسان والكون المادي خاضع لسنن راتبة هي قوانين الطبيعة وهي كتاب الله المنشور: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ)[7]. العاطفة: نفس الإنسان عاطفية تحب وتكره بمشاعرها، كما قال عبد الله بن معاوية: ولستُ براءً عيبَ ذي الود كلِّه ولا بعـــض ما فيه إذا كنتُ راضيا فعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا وكثير عزة: وسعى إلىّ بعيب عزة نسوة جعل الإله خدودهن نعالها! العقلية: الاستنتاج الصحيح: نرى الكائنات الحية تحرص على الحياة تستنتج أن الحرص على الحياة من طبعها. التقدير الصحيح 1+1=2.. الحجة الصحيحة قائمة على البرهان (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا)[8]. سر نجاح دعوة الإسلام أنه يشبع هذه المطالب كلها، لا تماثله في ذلك ملة. النقطة الثانية: نصوص ومعاني: ما معنى تغيير القبلة؟ قال تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا)[9]. المعنى: استقلال الدعوة الإسلامية وتأكيد أن علاقاتها بالوحي السابق ليس كالمسيحية لليهودية. ما معنى الإسراء؟ ثلاثة معان: · تكامل رسالات الوحي: (قُولُواْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)[10]، وكذلك (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ* َمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[11]. · تعميم الرسالة فقد كان لأمة المرسل ولكن هذه: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا)[12]. ويلزم من العمومية الختم. خاتم المرسلين. · المعنى الثالث إمامة محمد (ص) على الآخرين: كتابه الوحيد المحفوظ بنصه الأصلي. والشاهد على حقيقة الرسالات السابقة والمصدق لما جاء فيها. قال تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ)[13]. كثير من علمائنا لا يهتمون بهذا النص الصادق ويركزون على واقعة التحريف. نعم وقع تحريف. ولكن في التوراة ما هو صحيح- مثلا- الوصايا العشر ومثلها ورد في القرآن.. وفي الإنجيل ما هو صحيح- مثلا- موعظة الجبل وكثير من معانيها في القرآن. · كذلك في التوراة بشارة بمحمد (ص) جاء في سفر التثنية: أقيم لهم نبيا من وسط أخوتهم مثلك (أي مثل موسى) وأجعل كلامي في فمه. من وسط إخوتهم أي أبناء إسماعيل. والتوراة تحدد الجهة التي يأتي منها هذا الشخص المنتظر وهي فاران: أي قفار مكة. · وجاء في التوراة في خطاب إلهي لإبراهيم: في سفر التكوين (20:17): "أما إسماعيل فقد سمعت قولك فيه وها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرا جدا جدا وأجعله أمة عظمية". · وفي إنجيل يوحنا (14: 15-17) جاء: "أما المعزي الذي سيبعثه الأب باسمي هو الذي سيعلمكم كل شيء وهو الذي سيذكركم بكل الذي أقوله لكم". قالوا: (هذا روح القدس). ليس صحيحا، فهذا اقنوم سبق وجود عيسى (ع) بل هو الذي لامس مريم لميلاد عيسى في اعتقادهم. وفي نفس الإنجيل: "وأما متى جاء ذلك الروح الحق فهو الذي يرشدكم للحق لأنه لا يتكلم من نفسه". يوحنا (16:14). شخص يأتي بعد عيسى - يزكي عيسى- وينطق بالوحي. هذه الصفات لا تنطبق إلا على محمد (ص). دعك من مفردات يمكن أن يصدقها أو يكذبها الإنسان فإن هذه هي معاني الإسراء التي تقوم على البرهان الساطع الذي قصده الذكر: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ)[14].. ما معنى المعراج؟ الله لا يحده مكان ولا زمان (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[15]. وهو يقيم صلات بين الربانية والإنسانية على ثلاث قنوات: · الأولى: الفطرة: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ)[16]. · الثانية: الإلهام: (اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ)[17]. · الثالثة: الوحي: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ)[18]. · المعراج نوع من الوحي بنص القرآن: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى* ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى* وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى* ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى* فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى* فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى )[19]. المناسبة الثانية: مولد الإمام المهدي 1260هـ أي مضى عليه بالقمرية 170عاما. تحداني أحد المفكرين: وهو من الذين لا يؤمنون بالمهدية أصلا، قائلاً: جدك ليس هو المهدي، ولكنه ادعاها ليحصل على تأييد العامة لدعوته. وصاحبنا لم ير في ذلك بأسا مثلما فعلت الإنقاذ في بداية عهدها أن ترسل أحد قادتها للقصر رئيسا وأن ترسل شيخه للسجن حبيسا. ولكنني قبلت هذا التحدي وغصت في دفاتر المهدية، فمع تأكيد أن المهدي (ع) قال ما قال عن دعوته؛ لا يوجد أي نص يدل على أنه اعتبر نفسه الإمام الثاني عشر الذي يؤمن به الشيعة مهديا لهم، ولا يوجد أي نص يدل على أن ظهوره في آخر الزمان. بل من الصعب جدا التصديق بأن شخصا اختفى قبل ثلاثة عشر قرنا سوف يعود كما هو، ولا أن على المسلمين أن يقبلوا فساد الدين إلى أن يحل آخر الزمان. بل الحقيقة هي أنه إذا جاءت النهاية يكون الامتحان قد انتهى فما معنى المهدية إذن؟ قال تعالى: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَٰنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ)[20]. دفاتر المهدية تؤكد المعنى بوضوح: أولاً: منذ ما فعل معاوية بن أبي سفيان بالخلافة خلا مقعد الخلافة المصطفوية، وحلت محلها خلافة سلطانية. فصارت الحاجة ماسة لملء هذا المقعد، وهذا هو معنى الخلافة المصطفوية. ثانياً: تفرقت كلمة المسلمين فرقا ومذاهب، وصارت الديانة هي اتباع منظومات بشرية صاغها أفراد واتبعها جمهورهم فصارت الحاجة ماسة لمن يقول: هؤلاء المجتهدون جزاهم الله خيرا ولكن لا مشروعية لاتباعهم، فالمطلوب التخلي عن هذه التبعيات على حد قوله: "فها أنا أوصيكم وإياي بتقوى الله واتباع سنة رسول الله (ص)، واعلموا أن المهدية قائمة بهذين".. وقال: "قولوا طريقتنا لا إله إلا الله ومذهبنا الكتاب والسنة". ثالثاً: ساقت المناشير والخطب آيات قرآنية تؤسس الدعوة على وظيفة الهداية المطلوبة كما جاء في كتاب الله: · قال: قال تعالى: (أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ )[21] فإذا علمتم ذلك فمن خالف إمام قرنه فقد خسر الدنيا والآخرة. · وقال: إجابة داعي الله واجبة على الكافة لقوله تعالى: (وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ)[22]. · وقال: وحيث أني داعيكم إلى الله فواجب عليكم إجابة داعي الله كما قال تعالى: (أَجِيبُواْ دَاعِيَ ٱللَّهِ وَآمِنُواْ بِهِ)[23]، وأكد عليه السلام المعنى الوظيفي هذا بقوله: وإنما قصدنا منكم الجميع المعاونة في تقديم الدين القويم وإني في ذلك كواحد منكم، ولوددت لو قام غيري وصرت من جملة أعوانه، فما كان إلا ما أراده الله من تحملي بإقامة الدين. رابعاً: في منتصف القرن التاسع عشر ولأول مرة في التاريخ صارت كل بلاد المسلمين تحت حكم الاستعمار المباشر أو غير المباشر كما كان الحال في الدولة العثمانية التي ظهر واضحا أنها بعد سنوات العزة استسلمت للإرادة الاستعمارية. هذه العوامل الأربعة ظروف موضوعية تتطلب داعية يلبي هذه الحاجة مثلما قال الشيخ أحمد العوام أحد قادة الثورة العرابية المصرية في رسالته قديما، ومثلما قال د. عبد الودود شلبي في كتابه حديثا، الحاجة لدعوة تتمثل فيها أشواق وتطلعات أهل القبلة. هذه الظروف الموضوعية صحبتها حالة شخص معروف بالتقوى والصدق والأمانة أعلن أنه خوطب نبويا، فإعلان المهدية وتلبية تلك المطالب. مهديته تصدق بما قاله عنها من أوصاف لا بشروط قدوم الإمام الثاني عشر أو آخر الزمان، ولمن يريد أن ينتظر أن يفعل، ولكننا نقول لهم ما دمتم تتطلعون لبعث الدين فإن في دعوة مهدينا نهجا مشتركاً لبعث الإسلام، وعندما عرضت هذا الفهم في ندوة اشترك فيها ممثلون لمدارس سنية، وشيعية، وصوفية؛ تقبلوا الفكرة. فإن استطعنا بيان هذه المدرسة المهدوية النيرة، وعم التجاوب مع هديها، يتحقق ما قاله الإمام المهدي: في مقبل الأيام تكون لنا كرامة أكثر مما في أيامنا هذه.. والله أعلم. المناسبة الثالثة: الحضارة الحديثة أتتـنا مع الاستعمار، ولكن مقوماتها وهي: العقلانية في الفكر، والمشاركة في الحكم، والتنمية في الاقتصاد، والحرية في البحث العلمي. أصيلة في حقائق الوحي الإسلامي وإن هجرها المسلمون وطورها حسب ظروفهم الخاصة الأوربيون. لذلك أتتنا في ثوبها الأوربي واتخذ قومنا منها ثلاثة مواقف: · موقف الذين رفضوها تماماً. · وموقف الذين امتثلوا لها تماماً. · وموقف وسط يحرص على الأصالة ويستصحب الحداثة. كثيرون هم الذين اتخذوا هذا النهج أمثال الإمامين جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، وعبد الرحمن الكواكبي، وعبد الحميد بن باديس، ومحمد إقبال وغيرهم. هؤلاء نظروا للتوفيق بين التأصيل والتحديث. ولكن الإمام عبد الرحمن في السودان نظر وطبق عملياً. وجد أن الناس فهموا أن الجهاد هو القتال وأدرك أن القتال استعداد دفاعي واجب ولكن الجهاد أوسع من القتال وطور مفهوم ما سميناه الجهاد المدني. وفهموا الزهد نفياً للمادة فقال بالسعي للمادة على أن تكون في يدنا نسخرها لا في قلوبنا تسخرنا على نحو ما جاء في تعاليم الإمام المهدي: "ولا تجعل في قلوبنا ركوناً لشيء من الدنيا".. أما من الناحية العملية فقد صار رائد الحكم الديمقراطي، والتنمية الحديثة، والتعليم الأهلي، والصحافة، والدبلوماسية الشعبية، وتبسيط وترشيد الحياة الاجتماعية السودانية في المآتم والأعراس. عيد الأسرة الذي استنه الإمام عبد الرحمن أدى وظيفته في وقته ولكننا الآن في ظرف مختلف يحتاج لإجراءات جذرية حكومية وشعبية إذا أردنا تحقيق مقاصد الإمام عبد الرحمن وإنقاذ الأسرة السودانية. الأسرة السودانية الآن تعيش مأساة غير مسبوقة: · نسبة الزواج بين الشباب لا تتجاوز 25%. · نسبة الطلاق تساوي 33%. · الأطفال اللقطاء 200 في الشهر في المتوسط. · عدد المصابين بالإيدز يقارب نصف مليون. · وحتى إذا لم يقع طلاق فالأسر تعاني من حالة مأسوية. في الأسبوع الماضي شهدت مع أفراد من أسرتي وأصدقائي مسرحية في المسرح القومي عنوانها: "نسوان برة الشبكة". العنوان مختلف بالنسبة للمحتوى وأنسب أن يكون: لوحة مأسوية كوميدية للأسرة السودانية. مسرحية جيدة: قصة وإخراجاً، وأداءً وإن كنت مرهف الحس فلا تملك أن تبكي وتضحك من باب شر البلية ما يضحك.. فالرجل في المسرحية شردته تحديات وفرص العولمة. والمرأة شردتها ثقافة الدونية وقلة الحيلة. والأطفال دفعوا الثمن ضياعاً. وأسوأ ما في الأمر أن اللوحة تكاد من واقعية مفرداتها أن تكون وثائقية. ما العمل؟ الأسرة السودانية داخل الوطن تعاني من آثار الحروب الأهلية، العطالة، الفاقد التربوي، انهيار الريف، ترييف المدن، أزمة السكن، الغلاء الطاحن، الضرائب، والرسوم. نعم تيسير الزواج مطلوب ولكن ضمن منظومة إجراءات تعالج تلك المشاكل وإلا كنا كمن يبني قصراً ويهدم مصراً. أما الأسرة السودانية خارج الوطن فقد صارت ضحية الفوارق الثقافية ما بين تراثها وواقعها الجديد فهي من الناحية المادية أحسن حالاً من الأسر داخل الوطن ولكن من الناحية النفسية والاجتماعية في اضطراب شديد. قررنا في هيئة شئون الأنصار تنظيم ورشة لدراسة أزمة الأسرة السودانية وتبني برنامج يحقق مقاصد الدين والوطن وإحياء سنة الإمام عبد الرحمن في ظروف فيها اتسع الخرق على الراتق. سوف ننظم في إطار هيئة شئون الأنصار مؤتمرا يضم علماء الشريعة وعلماء العلوم الوضعية لإصدار مرجع للتربية الجنسية وآداب النكاح وللاتفاق على معادلة للزواج الميسر للعمل على تنفيذها بكل الوسائل. النقطة الرابعة: تُرْجع صدى النقطة الأولى: رفع كثيرون شعار حوار الحضارات. حوار الحضارات لا يجدي ما لم يؤسس على نتائج إيجابية لحوار الأديان لأن الأديان هي جذور الحضارات وملهمتها. الأديان الإبراهيمية تتطلع لعهد ذهبي قادم: · اليهود يتطلعون لمجيء المسيح. · المسيحيون يتطلعون لعودة عيسى عليه السلام. · كذلك يتطلع كثير من المسلمين لعودته بمرجعية إسلامية. كل هؤلاء ينتظرون هذا الخلاص في آخر الزمان. العالم اليوم قد صار بفعل عوامل كثيرة كالقرية الواحدة. هذا المعنى تجسده اليوم العولمة. ولكن العولمة مع التوزيع الحالي غير العادل للقوة الاقتصادية، والعسكرية، والإعلامية، صارت تعني هيمنة الأقوياء على الضعفاء. هذه الهيمنة لن تقبل وسوف تجد مقاومة حتى تتحقق العدالة. كل مظاهر الإرهاب، والهجرة غير القانونية نحو عالم الشمال وغيرها مما سميناه أسلحة الضرار الشامل ما هي إلا وسائل مقاومة العولمة غير المرشدة. العولمة في ظل العدالة هي العالمية. والعالمية عولمة حميدة وهي خطوة ضرورية في حركة نهضة الإنسانية. والمدخل الصحيح لهذه العالمية هو اتفاق الأديان على رؤية روحية وأخلاقية واحدة تترتب عليها معاملات تقوم على السلام والعدالة والتعاون. هذه المقاصد ممكنة التحقيق وبالنسبة للمسلمين تحث عليها مقاصد ديننا وعالميته. المواجهات في عالم اليوم المسلح بأسلحة الدمار الشامل معناها الفناء. الخيار الآخر هو تحقيق عالم عادل فاضل. هذا العالم العادل الفاضل لا يرجى تحقيقه إلا في إطار صحوة روحية، أخلاقية، اجتماعية بمرجعية إسلامية لأن الإسلام وحده الذي يعترف للإنسان بقيمة كإنسان، ولأنه وحده الذي يعترف بالتعددية الدينية، ولأنه وحده الذي يملك حقائق وحي تقبل سنن الكون باعتبارها إرادة (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ)[24]. ربما اختلفت الملل حول العيسوية ولكن لا خلاف على أن نجاة الإنسانية في تحقيق وظيفتها، والله أعلم.

[1] سورة الأعراف الآية (172)[2] سورة الأنفال الآية (53)[3] سورة الفرقان الآية (73)[4] مسند بن حنبل [5] حديث البخاري [6] سورة يونس الآية (16)[7] سورة الحجر الآية (85)[8] سورة الأنبياء الآية (22)[9] سورة البقرة الآية (144)[10] سورة البقرة الآية (136)[11] سورة آل عمران الآيتان (84-85)[12] سورة الأعراف الآية (185)[13] سورة الأعراف الآية (157)[14] سورة الانبياء الآية (24)[15] سورة الشورى الآية (11)[16] سورة الأعراف الآية (172)[17] سورة الحديد الآية (28)[18] سورة الشورى الآية (51)[19] سورة النجم الآيات (6-10)[20] سورة الأنعام الآية 158[21] سورة الأنعام الآية 90[22] سورة لقمان الآية 15[23] سورة الأحقاف الآية 29[24] سورة طه الآية- 50.

الأربعاء، 29 يوليو 2009

لماذا يكون الإسلام ضحية بين تجارب الإسلاميين وآراء العلمانيين ؟ : ....... (( السودان نموذجاً ))
بقلم /الزبير محمد على
المراجع التاريخية تؤكد أن الموجة التي حملت الرسالة الإسلامية إلى السودان كانت " موجة هادئة " منبعها التجار والرعاة الذين تدفقوا إلى السودان من المغرب العربي ومصر وشبه الجزيرة العربية واليمن ، وهذا بعكس كثير من البلدان التي دخلها الإسلام عن طريق الموجة الساخنة " جيوش الفتح " .
لهذا لم تحتاج الرسالة الإسلامية عند ولادتها بالسودان إلى عملية قيصرية ، مع أنها مشروعة إذا تعسرت عملية الولادة بالصورة الطبيعية في ذلك الوقت .
هذه الوسيلة المدنية ، مع أنها فريدة من نوعها ، إلا أن كثير من السلبيات تخللتها ، كإبقاء بعض الموروثات الثقافية المتعارضة مع تعاليم الإسلام وغير ذلك .
وهذا يفسر الوسيلة الخشنة التي اتبعتها الثورة المهدية في إزالة هذه الموروثات لإرجاع الناس إلى مجتمع الوحي ، وربما تكون هذه هي الموجة الوحيدة الساخنة في تاريخ السودان ، وهي مشروعة إذا ما أحطنا بالظروف التاريخية التي لازمت تلك الفترة من الحاجة إلى تنقية المجتمع من الشوائب والارتفاع به إلى انتهاج تعاليم الإسلام في الحياة الخاصة والعامة .
ولما كانت الاستجابة لهذه الظروف مشروعة فان هذا لا يجعل هذه الخشونة متناقضة مع التسامح الديني الذي شهده السودان خلال الحقب التاريخية المختلفة .
وهنا يبرز سؤال إلى السطح ، مع هذه الميزات التسامحية التي أوضحتها فما هو وضع الإسلام اليوم في بلادنا ؟
ثمة اتجاهات في الفكر السوداني ترى الإسلام بعيون مختلفة ، بعضها عسلية تنظر إلى الإسلام باعتباره عقيدةً وفكراً يمثل خلاصاً للإنسانية إذا فهمناه فهماً خالياً من الغلو والتنطع من ناحية ، ومن الفهم التحرري المؤمرك من ناحية أخرى . أما بعض الآخرين فنظرتهم للإسلام حولاء ، وهؤلاء ينقسمون إلى صنفين :-
* صنف علماني بتعصب يتحدث عن إبعاد الإسلام عن السياسة باعتباره مقدساً من المقدسات التي لا يجوز التلاعب بها .وبما أن التجارب الإسلامية في السودان في فهمه أخفقت في إدارة عجلة البلاد على كافة المستويات الاقتصادية و السياسية والأمنية، بل وصاحبتها ظروف استقطاب ديني وثقافي، فلابد في إزاء هذا الواقع أن يتم حصر الإسلام في القضايا الشخصية والأخروية و فصله عن مؤسسات الدولة و القضايا السياسية.
وصنف أخر سلفي بانكفاء يتحدث عن سجن الفكر الإسلامي حبيساً في إدراج التاريخ باعتبار أن هذا هو المخرج للأمة من الدرك الأسفل الذي تعيش فيه ، فالحداثة عند هؤلاء هي "كفر مبين وطعن في الدين ".وبعضهم يرى حتمية تكرار المجتمع الأول نهائيا لان قدر الأمة جعلها تسير بعد كل قرن إلى الأسوأ، ويستدلون في دعوتهم هذه على حديث النبي(ص)(خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ... الخ ) وهذا تفسير ممعن في الخطأ لحديث النبي (ص)،لان القرآن يقول(ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون )
بجانب هذه المقل توجد مقل أخرى اشد تطرفا في نظرتها إلى الإسلام ومن هؤلاء الذين يحصرون مفهوم الجهاد في القتال، بل وفي الاعتداء على المدنيين، وسمعنا في هذا المجال صيحات قيلت في وقت سابق وتكرر حديثها قبل أيام عند اجتياح غزة في انه(علينا أن نضرب اليهود أين ما وجدوا ومؤسساتهم أينما كانت) ونفس الشئ ينطبق على الأمريكان؛ حتى المدينين منهم الذي يعارضون بشدة سياسات بلادهم الداعية إلى محاربة الإرهاب بوسيلة المحافظين الجدد ، ويعارضون بشدة أيضا سياسات اليمين الاسرائيلى في اجتياحه لغزة.
تقابل هذه الفئة , أخرى لم يجعل البارئ لها نعمة النظر ,وهم الذين لم يكتفوا بدعوى فصل الإسلام عن السياسة بل يريدوننا أن نقتفي اثر الحضارة الغربية عقيدة ونمطاً ومنهج حياة ، وبما أن الغرب في دعواهم لم يتقدم إلا بعد التحرر من سلطان الكنيسة فيجب على الأمة أيضا الأخذ بأسباب نشوء الحضارة الحديثة دون الالتفات إلى الدين ، ويجب عليها أيضا أن تتطور من مرحلة الدين إلى مرحلة العلم ، هولاء لم يفرقوا بين " المح والإح"
أمام هذه المقل المتباينة يأتي دور المحدثين والمفكرين والعلماء الذين ينفون عن الإسلام انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين وتحريف الغالين ، هؤلاء عليهم مهمة التبشير بالإسلام كفكر وحضارة ومنهج حياة بصورة تقبل التطور المؤصل ذو الاتجاهين :
* اتجاه رفض التبعية العمياء للحداثة وضرورة استصحاب منافعها.
* اتجاه رفض سجن الفكر الإسلامي حبيساً في أدراج التاريخ والالتزام فقط بقطعيات الوحي والسنة باعتبار أن فيهما نجاة الأمة .
وفي هذا السبيل فعليهم أيضاً مهمة التصدي للتشوهات التي أضرت بالتجربة الإسلامية في السودان لا جرم تجربة مايو" السبتمبرية " وتجربة الإنقاذ " اليونيوية " ..
وسائل هذا التصدي تحدده حصافة الذين تقع عليهم هذه المهمة ، وارى من واجبي كمسلم ملتزم بالإسلام عقيدة ومنهج حياة أن أضع بين يدي القارئ الكريم بعض اللمسات التي يمكن أن تشكل علاجاً لهذا الاعوجاج ، ويمكن أن يضيف الآخرين عليها لمسات أخرى تساهم في إظهار بريق الإسلام للذين اساؤا فهمه ، أو الذين أسسوا مواقفهم بناءً على تجارب الإسلاميين لا سيما " تجربة مايو في أنفاسها الأخيرة " ، " وتجربة الإنقاذ " ، أو الذين تصوروا أن ما فعلته الكنيسة في محاربة الإصلاح في العصور المظلمة في أوربا ، سيفعله الإسلام ، أو من يظن أن طريق الإصلاح كمدينة الفارابي الفاضلة .
إن أولى اللمسات التي تظهر بريق الإسلام لهؤلاء هي أن يعترف من خطط للتجارب الفاشلة ولصقها بالإسلام أن يقر بهذا الخطأ الفادح ؛وهذا بالتأكيد يتطلب شجاعة ويحتاج لتجرد من الو لاءات الضيقة ، لصالح رحاب الإسلام الواسعة . وغير معقول أن يفهم الجيل الجديد الإسلام على ما تلحقه التجارب الملصقة بالإسلام ظلماً وجوراً ، واذكر أننا طلاب الجامعة لم نوقع ميثاقاً في الجامعة ، والى الآن ، إلا وتم اعتراض البعض على وضع ( بسم الله الرحمن الرحيم ) بحجة أنها تابعة " للإنقاذ " ، فهل نريد للجيل الجديد أن يفهم الإسلام بهذا الشكل ؟ .
دعك أيها القارئ الكريم من الجيل الجديد ، بل حتى بعض المعمرين في السن لديهم فهم اقرب من هذا الذي أوردته ، فقد ذكر لي دكتور في الجامعة أن احد أصحاب السيارات وقف لشخص في منطقة منقطعة ، فركب معه في السيارة ، فلما وصل إلى ما يريد نزل الشخص من السيارة وقال له بعفوية " جزآك الله خير" فقال له صاحب السيارة في رد مدهش للفكر والوجدان " والله لو عارفك من جماعة جزآك الله خيرما كان وقفت ليك " !!!. ما ذنب الإسلام من هذه الأشياء ، سوى استلاب اسمه ظلماً وجوراً .
علينا أن نقر بشجاعة عن أخطاء التجارب " السبتمبرية ، واليونيوية " ونحتاج لشجاعة اكبر من أولئك الذين خططوا ونفذوا هذه التجارب ، فلا تكفي فقط اعترافات الأفندي ، و د . التجاني عبد القادر ، بل نريد اعترافات مؤسسية لإزالة الشبهات التي تصدأ على مقل الأجيال القادمة وعلى عيون المرجفين حتى يروا براقة الإسلام التي هي ساطعة بإذن الله . قال تعالى : ( سنريهم آياتنا في الأفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق ) .

المرأة بين اشراقات الإسلام و ظلمات الجاهلية

بقلم الزبير محمد علي

في اقل من ربع قرن من الزمان أضاءت ظلام الإنسانية حلقة من حلقات الوحي الالهى التي كانت بدايتها برسالة نوح عليه السلام ، شاملة بعده حلقات أولى العزم من الرسل ، لتكون الخاتمة السعيدة برسالة خير البرية(ص) قال تعالى مؤكدا هذا الفهم (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) . ولاشك أن هذه الحلقة الخاتمة حملت في طياتها هدايات الوحي لأنبياء الله السابقين في مجالات غيبية كالتوحيد ، والإيمان بحياة برزخية أخرى أوفر سعادة من هذه الفانية ، وفى مجالات مادية كا لعدل والمساواة ونفى الظلم وتميزت على الرسالات السابقة بحمل نور الهداية لكافة البشر، فلم تقتصر على قوم ، أو قبيلة قال تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) وانفردت بتوجيه نور الوحي الرباني لكافة الجوانب التي تهم الإنسانية في معاشها ومعادها.. وبذلك فان سعادة البشر أضحت مرهونة بفهم هذه الحلقة الخاتمة ومن ثم توجيه تعاليمها لتنظيم حياة البشرية في كافة جوانبها. ولما كانت هذه الحلقة معنية بإسعاد الإنسانية، فكان لابد أن يكون التغيير الاجتماعي احد أهم أركانها بعد العقيدة والعبادات. ,وفى هذا السبيل شرعت تعاليم الإسلام في انتشال المرأة من وحل الجاهلية إلى باحة الإسلام التي تحترم جميع أفراد المجتمع دون تمييز، وعملت على تغيير أسلوب تعامل المجتمع الجاهلي للمرأة ، قال تعالى مصورا حال النساء في الجاهلية (وإذا بشر احدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم) فاستبدلت حرمان حق الحياة للمرأة بالاعتراف بها كإنسانة مكرمة قال تعالى ( ولقد كرمنا بني ادم ) ولم تكتف حلقة خير البرية (ص) بهذا التكريم الانسانى ، بل تجاوزته إلى الإقرار بدورها كمؤمنة مكلفة شأنها شأن الرجل قال تعالى معززا هذا الفهم (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) وهل وقفت تعاليم الإسلام حيال المرأة عند هذا الحد ؟ كلا إنها شملت حتى الجزاء الاخروى ، فالمرأة والرجل يتنافسان على كسب الثواب ولا يميز بينهما إلا صدق النوايا وحسن العمل قال تعالى (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ). إنها نقلة في حياة البشرية تثير مشاعر كل من كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد. ودائما أتعجب عن اى إبداع الهي هذا الذي حول سيدنا عمر بن الخطاب من جاهلي يدس بنته في التراب لأنها أنثى لاغير، إلى خليفة يدين نفسه ليعلن للملأ قوله ( أخطا عمر وأصابت امرأة )!!! ليس هذا فحسب بل يصل به الأمر ليولى امرأة شان من شئون المسلمين فتكون الشفا مسئولة عن ادارة سوق من أسواق الدولة الإسلامية. ولكن مع هذا كله فان السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل كانت المرأة على قدر الاستعداد للإسهام في تلك المرحلة الجديدة على تاريخ الإنسانية؟ اعتقد أن إسهام النساء في مرحلة النبوءة والخلافة لاتخطئه عين المبصر والقارئ لكتب السيرة النبوية ، فها هي أم المؤمنين أم سلمه تساهم في حل معضلة شغلت ذهن خير البرية (ص) ، والقصة مشهورة ونحن نوردها هنا لمن فاته الاطلاع عليها. عندما أمرالنبى (ص) أصحابه بحلق رؤؤسهم في الحديبية ، حينها رفض الصحابة الامتثال لهذه الدعوة ، لا للتمادي في مخالفته ، بل لان شعر رؤوسهم قف من إبرام تلك الوثيقة، وعلى كل فالنبي (ص) دخل على أم سلمه ،فأشارت إليه بأن يحلق رأسه علنا ففعل ، وقتها امتثل الصحابة لدعوته فحلقوا رؤوسهم )وهذا رأى لايصدر إلا من اولى الألباب والنهى ، ومن من أعطاهم رب العباد الحكمة وهو يعتبر نموذج لإسهام المرأة برأيها في عصر النبوءة . ولا نذهب بعيدا لنتساءل مرة أخرى عن الملاذ الأمن الذي لجا إليه النبي (ص) عند أول رؤية لجبريل ؟ أليست هي أم المومنين خديجة التي آوت النبي (ص) بنفسها وصدقته حين كذبه الناس وساهمت في تمويل حركة الرسالة الإسلامية بحر مالها وهذا نموذج للتضحية بالنفس والمال في سبيل العقيدة . ودوننا عائشة صاحبة الفكر السديد والفهم الفريد في ذاك الوقت ، لما لا وهى المرأة التي كانت وقافة عند نصوص القران ، عندما يأتوا إليها بالنص المظنون تحاكمه إلى النص المقطوع ، والشواهد كثيرة في هذا المجال منها الحديث الموجود في الصحاح بعدة طرق إسناد والذي مفاده ( إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه) ما أن سمعت هذا الحديث إلا ووضعته في ميزان القران فتبين لها انه يناقض آية قطعية فردت عليهم بقولها حسبكم من قول الله تعالى ( ولاتزر وازرة وزرة أخرى) ، وأيضا حديث مسروق عندما سألها عن رؤية النبي (ص) للمولى عز وجل فردت عليه بقوله تعالى( لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير). . من هذه الشواهد يتبين لنا أن نموذج عائشة كان قدوة في التفكير وفى ذات الوقت قمة في الرجوع إلى معين الوحي وفى هذا تكامل بين النقل والعقل . ولكن يؤسفنا جدا انه مع هذه النقلة المتقدمة لوضع المرأة في المجتمع الاسلامى ، الا إن المتأمل في صفحات التراث الاسلامى يجد أن الجاهلية الأولى غيمت ببعض ظلالها على مجتمع ما بعد عهد الخلافة الراشدة ، فسادت في بعض الكتب الإسلامية نظرات تلغى دور المرأة في المجتمع وتحبسها كسجينة بين أربع جدر ، جل اهتمامها التزين للرجل وكأن الحياة لم تخلق الا لإشباع تلك الرغبات التي يتساوى فيها الإنسان والحيوان معا!!! وفى السودان اليوم على الصعيد الشعبي توجد مفاهيم أشبه بمعنى المثل الذي يقول ( مرة ووليها مرة زى عميانين دفسوا الخلا!!!) وتوجد معاني اقرب لهذا الفهم في عدد من الدول الإسلامية فهل نصمت أيها القارئ الكريم إزاء هذا التوجه؟ أقول أن هنالك عدد من المحدثين والمفكرين رافعوا عن قضية المرأة في كافة المحاكم الفكرية، وصمدوا في مقاومة من اسماهم عبد الحليم ابوشقة( أنصار الجاهلية الأولى وأنصار جاهلية القرن العشرين) . من ابرز هولاء المفكرين الإمام الصادق المهدي الذي رافع عن حقوق المرأة في كتابه" الحقوق الإسلامية والانسانية للمرأة "، والشيخ محمد الغزالي في عدد من كتاباته منها" السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث" ، والدكتور حسن الترابي في كتابه" المرأة بين الأصول والتقاليد" ، وعبد الحليم أبو شقة في مجلداته الخمسة التي تحمل عنوان" تحرير المرأة في عصر الرسالة" . ولاريب أنها كتابات أتحفت الساحة الإسلامية، و أسهمت على الصعيد الفكري في تحصين الإسلام من دعاة الجاهلية الأولى ودعاة التغريب. ولكن هل هذه المرافعات الفكرية كافية لاستعادة مكانة المرأة في الرسالة الإسلامية بالنسبة لمجتمعنا الحالي ؟ اعتقد أن هؤلاء المفكرين أوصلوا أصواتهم إلى المؤتمرات، والمنتديات والندوات الفكرية، والمحاضرات، والرسائل، والكتب وهذا مجهود عظيم نسأل الله تعالى أن يثيبهم عليه ولكن تبقى جل المنابر الدينية محتفظة بخطابها التقليدي الذي ما برح يحط من قدر المرأة، واذكر اننى شهدت داعية يتحدث في إحدى المساجد عن تعدد الزوجات بقوله"راجل المرة الواحدة إذا حاضت حاض معها"!!!!!!! ولااتذكران قال" إذا ولدت ولد معها" !!!!!!!! . أن هذه المنابر هي حلقات اتصال مباشر مع المجتمع، وبالتالي فان وسيلة التغيير ستكون صعبة إذا ظل أنصار الفكر التقليدي على قمة هذه المنابر،اذا فما العمل؟.الإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى مشروع تفكير جماعي وأظن أن الفكرة التي سمعناها قبل فترة عن عزم منبر الوسطية الاسلامية العالمية في إقامة ورش فكرية تستهدف تأهيل مائة شاب وشابة من الدعاة، لهى محطة مهمة في طريق التغيير، لأنها تساهم في إيجاد بديل" اسلامو صحوى" قادر على محاصرة التيار التقليدي، وتساهم أيضا في كسر الهوة بين التيار المعتدل والمجتمع . نأمل أن يتم إنفاذ هذه الخطة ولو على مراحل لتكون جسر تواصل مباشر مع الناس وأظن أن هذا المنحى هو السبيل لتغيير تلك المفاهيم الجاهلية التي للأسف يوجد من يغنى لها داخل البيت الاسلامى ، وبتحقيق ذلك المشروع فان التيار التقليدي الذي يسيطر الان على السواد الأعظم من المنابر ستجرفه شمس الإسلام النقية التي هي قادمة بإذن الله قال (ص) "يبعث الله لهذاالعلم فى كل عصرعدوله ينفون عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين"
على هامش التصريحات التكفيرية مؤخرا
دعوة لحوار هادى مع المتطرفين
بقلم الزبير محمد علي
لقد أتى على بعض التيارات الفكرية حين من الدهر أعادت فيه نموذج الخوارج في علاقتهم مع الفرق الإسلامية الأخرى ، فاصحبنا نسمع من وقت لأخر سيلا جارفا من الاتهامات والقذائف السامة بحق علماء ومحدثين لهم دور عظيم في تحريك عجلة الفكر الاسلامى إلى الأمام . وليت هذه القذائف تأتى من تيارات علمانية أو ليبرالية ، فحينها يمكن تبرير هذا المنحى بكونه نزالا فكريا شابته أخطاء في وسيلة الحوار يمكن علاجها . أما أن نسمعه من تيارات تدعى الالتزام بالإسلام فهذا أمر يجب الوقوف عنده ، حتى لا يتخذ مثل هذا الهجوم السام شكلا مروحيا يدور مع عجلة الزمان. فبالأمس اتهمت بعض الجماعات المتطرفة الدكتور يوسف القرضاوى بالزندقة والكفر ، وما لبث هذا الاتهام قليلا حتى سمعت باذنى تكفيرا للشيخ البرعى في محاضرة أقامتها إحدى الجماعات السلفية في عام 2005 بجامعة سنار ، وصف المتحدث فيها الرئيس الامريكى جورج بوش بأنه أفضل من البرعى !! وأجرى مقارنة بيزنطية بينهما كانت ثمرتها الاتى : بوش يظهر الكفر والعداء للمسلمين علنا، وبذلك فهو حدد موقفه بصورة واضحة من الإسلام. البرعى يظهر الإسلام للناس ، ولكنه يبطن الكفر والنفاق ، ويساهم في تضليل المسلمين لأنهم يعتقدون فيه الصلاح بينما مسلكه نشر البدع والخرافات وهذا منحى اضر بالإسلام من سابقه . واليوم نسمع بعض المتنطعين يوجهون سهامهم صوب الإمام الصادق المهدي ويصبون جام سخطهم وغيظهم عليه ويدعونه لتبنى خيارين: إما أن يتوب عن ما قاله في مؤتمر المرأة الذي انعقد في يوم الأربعاء الموافق 25/2/2009 بقاعة الصداقة أو أن يقدم إلى المحاكمة والخيار الأخير بواسطة الإيحاء الرمزي للعبارة يدل على نية الدعوة لتنفيذ حكم الإعدام عليه إذا لم يتب ، بحجة أن ما قدمه في مؤتمر المرأة يمثل "فكرا قبيحا وكفرا صريحا" . إن أسلوبا مثل هذا لايمكن أن يكون إنسانيا ناهيك عن كونه إسلاميا، فأسلوب الدعوة الذي نعرفه في الإسلام هو طريق ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) وهو سبيل قول النبي "ص" (إنما أنا رحمة مهداة) وهو رد خير البرية "ص" أيضا على أصحابه حين هموا بالاعرابى الذي بال في المسجد فقال لهم ( لا تزرموه – اى لا تقطعوا عليه بولته- وصبوا عليه ذنوبا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) فهذا هو النهج الاسلامى في الدعوة : نهج التيسير لا التعسير ، والتبشير لا التنفير ، والتعاون لا التشاحن ، والحوار بأسلوب يحترم الآخرين ، لا كيل الاتهامات جزافا على علماء ومحدثي هذه الأمة. ومع أنهم استخدموا هذه القذائف السامة ، فإننا في هذه المساحة ننتهج الحوار الهادف البناء شعارا لنا بدلا من التقاذف وكيل الاتهامات ، وفى ذات الوقت نقدم حججا تجفف منابع هذا الأسلوب المشين بصورة كاملة تشبه قول الشاعر: لا تقطعن ذنب الأفعى وتتركها إن كنت شهما فاتبع رأسها الذنبا وليكن نهجنا في هذا المقال إبطال مثل هذه الأساليب لا النقاش حول فحوى التكفير فيها . ذلك لان النقاش مع هؤلاء في قضايا فكرية امرا ليس بالسهل ، إذا كان مستوى الفهم عندهم ما ذكره لى احد السلفيين بقوله( بعض إخواننا يرى أن تحذف العلامة الرياضية (+) من مادة الرياضيات بحجة أنها تشبه الصليب)!!. وسبب آخر يجعلنا نقتصر على مناقشة أسلوب هؤلاء لا الرد عليهم – هو أن (الجمعة الجامعة) ليست منبرا حزبيا، أو حكرا على جماعة تسلط سيفها على رقاب الآخرين ، بل هي مساحة حرة كما ذكرت المحررة تستهدف مناقشة مختلف القضايا الإسلامية من عقيدة، وعبادات، ومعاملات، وسياسة شرعية ... وغيرها من الجوانب الأخرى التي تهم المجتمع الاسلامى في شتى مشارب الحياة . التزاما بهذا الأدب فإننا نبدأ حوارنا معهم بذكر قضايا تاريخية اختلف حولها الأئمة تشابه ما يثار اليوم من قضايا فكرية ، ولنرى... هل صاحبتها تصريحات تكفيرية كما هو الآن؟. أولها: اختلف ابن عباس مع زيد بن ثابت وغيره من الصحابة في نصيب البنتين ووالدهما متوفى ، قال زيد: إن لهما الثلثين تيمنا بحديث النبي "ص" الذي أعطى فيه بنتي سعد بن الربيع ثلثي التركة ، وخالفه في هذا ابن عباس حيث يرى أن نصيب البنتين النصف لقوله تعالى ( فان كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك ) ومع هذا الاختلاف لم يقل زيد أن ابن عباس زنديقا لأنه لم يتبع القسمة التي وردت عن النبي "ص" ، وما كان لابن عباس أن يخالف قول النبي "ص" سوى انه وجد الدليل الأقوى في فهمه . والمدهش حقا أن زيد كان يقبل يد بن عباس وهو يقول ( هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا) وحين توفى زيد قال ابن عباس فيه ( هكذا يذهب العلم). ثانيها : اختلف ابن مسعود وسيدنا عمر في مائة مسألة، ولما مات عمر قال فيه ابن مسعود ( فانه كان للإسلام حصنا حصينا يدخل الناس فيه ولا يخرجون فلما أصيب عمر انثلم الحصن ) كتاب الأحكام لابن حزم. ثالثها : التقى الاوزاعى بابي حنيفة في مكة ، فقال الاوزاعى : ما بالكم لا ترفعون أيديكم عند الركوع والرفع منه ؟ فقال أبو حنيفة : لم يصح عن رسول الله في ذلك شي. فقال الاوزاعى: كيف وقد حدثني الزهري عن سالم ، عن أبيه عن رسول الله "ص" انه كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة وعند الركوع وعند الرفع منه . فقال أبو حنيفة : حدثنا حماد بن إبراهيم عن علقمة والأسود عن ابن مسعود أن رسول الله "ص" كان لايرفع يديه إلا عند افتتاح الصلاة ولا يعود لشى من ذلك . فقال الاوزاعى : أحدثك عن الزهري عن سالم عن أبيه وتقول : حدثني حماد عن إبراهيم . قال أبو حنيفة : كان حماد افقه من الزهري ، وإبراهيم افقه من سالم ، وعلقمة ليس بدون ابن عمر ، وان كان لابن عمر فضل الصحبة ، فان الأسود له فضل كثير ، وعبد الله هو عبد الله، فسكت الاوزاعى) هذه النماذج تمثل أسلوبا رفيعا في أدب الحوار والاختلاف ، ولم نسمع أن أحدا منهم كفر الآخر لمجرد الاختلاف حول صحة هذا الحديث أو ذاك، وليس في الأمر مبالغة أن يكون ما سبق ذكره هو أسلوب أولئك الأئمة الذين شربوا من معين الوحي ، واستنشقوا من هواء النبوة ، وهضموا أساليب النبي "ص" في الحكمة والموعظة الحسنة ، واتبعوا نهج التبشير لا التنفير قال الإمام على "لوان الرجل قال كلمة لها تسع وتسعون وجها يحتمل الكفر ووجها واحدا يحتمل الإيمان، لأخذنا بالوجه الواحد". واحسب أن من الذهول أن يتبنى إخواننا أولئك نهج السلف الصالح ، ويقدسونه بدرجة منقطعة النظير لتقديس اى جماعة أخرى ، ومع هذا يغضون الطرف عن ما ذكرته من نماذج عظيمة في أدب الحوار لأولئك السلف رحمة الله عليهم . إن الاختلاف بين المدارس الإسلامية اليوم ، ليس خلافا حول القران حتى تكفر كل مدرسة رصيفتها الأخرى ، ولا على السنة النبوية الشريفة حتى يتهم كل عالم الآخر بالزندقة والفسوق . وإنما ياتى الخلاف حول تفسير القران ، فلو وجد تفسير قطعي ملزم للمسلمين في كل زمان ومكان لما كان على الأمة إلا الالتزام به. ولو ثبت أن السنة النبوية الشريفة كلها قطعية ، لما تجرا أحدا من العلماء على القول بعدم صحة هذا الحديث أو ذاك. إن الإمام الصادق المهدي لم ينكر حجية السنة النبوية على الأمة ، ولكن ياتى اجتهاده حول صحة نسب هذا الحديث أو ذاك عن خير البرية (ص) وهذا موجود تاريخيا كما تابعنا في نموذج الاوزاعى وأبو حنيفة ، وكما ذكرنا في مقال سابق عن نماذج السيدة عائشة في قبول بعض الأحاديث ورد بعضها. ولا شك أن بعض الأحاديث لم يصح نسبها إلى النبي "ص" وتصدى لها علماء ومحدثون قال الزهري: ( يخرج الحديث من عندنا شبرا فيعود في العراق ذراعا) وأيضا للمالكية رأى واضح في أحاديث الآحاد ، حيث يقدمون عليها عمل أهل المدينة ولم نقرا أن أحدا من المذاهب الأخرى كفرهم. إن ما قام به المهدي هو اجتهاد بشرى يتحمل الصواب وله في هذه الحالة أجران ، ويتحمل أيضا الخطأ وهنا له اجر واحد ، وحسب علمي أن المدرسة التي ينطلق منها الإمام الصادق لا تقدس اجتهادا بشريا على نحو ما قال الإمام المهدي عن اجتهادات السلف ( جزأهم الله خيرا وصلوا ووصلوا هم رجال ونحن رجال نجتهد كما اجتهدوا) . وأظن أن الأمة الإسلامية اليوم تحتاج إلى مزيد من الدراسات حول السنة النبوية لضمان نقائها من كل قول لا يتماشى مع قطعيات الوحي ، ذلك لاستحالة أن يقول النبي "ص" أحاديث تتعارض مع القران أو مع روح ومقاصد الشريعة الإسلامية . واحسب أن الدراسات المعاصرة عن السنة قليلة جدا ، بخلاف بعض المجهودات للالبانى ومحمد الغزالي ود/ يوسف القرضاوى الذي كتب كتابا رائعا بعنوان "كيف نتعامل مع السنة النبوية". كما نحتاج أيضا في ظروف هذا العصر لمؤسسة ترعى الاجتهاد حتى نتجنب دعاوى التكفير والزندقة على نحو دعا إليها الإمام الصادق نفسه حيث قال: ( إن الوسيلة الأفضل في ظروفنا المعاصرة لتطوير الفقه الاسلامى وجعل أحكامه مادة للقوانين هو تكوين مؤسسة من ثلاث شعب : الشعبة الأولى: هيئة الموسوعة. وهى هيئة للموسوعة الإسلامية مهمتها إحصاء كل آراء المجتهدين المسلمين عبر العصور . وإحصاء وتنظيم أدلة الآراء المختلفة. وبيان الآراء التي كانت محل اتفاق الجمهور وآراء الآحاد والأقليات وجعل كل تراث الفقه الاسلامى وتفسير القران والأحاديث مبوبة ومرتبة بحيث يسهل الرجوع إليها بسرعة ودون عناء. الشعبة الثانية : هيئة الخبراء. وهى تتكون من علماء في الشريعة الإسلامية وفقهاء واختصاصيين في القانون الوضعي وفى الاقتصاد وفى السياسة وفى الإدارة وفى العلاقات الدولية وسائر العلوم الاجتماعية وينظم هؤلاء أنفسهم داخليا حيث يستطيعون استنباط أحكام من الكتاب والسنة واقتراح ديوان قانوني شامل: جنائي ، مدني ، شخصي ، دولي . وحيثما لايتفق رأيهم حول الاستنباطات المختلفة يسجلون الآراء المختلفة. الشعبة الثالثة: هيئة تشريعية. وهى هيئة تنوب عن الأمة نيابة صحيحة وحرة. هذه الهيئة هي التي تنظر في ديوان القوانين الذي تعده هيئة الخبراء وتشرع بأغلبيتها القوانين. ولها أن تبادر ما تشاء في سن التشريعات على أن تستعين بهيئة الخبراء للتأكد من أن تشريعاتها لا تعارض أصلا قطعيا من أصول الشريعة الإسلامية. هذه المؤسسة ذات الثلاث شعب هي المؤسسة التشريعية الإسلامية الملائمة لمبادئ الإسلام والمناسبة للعصر الحديث) كتاب "العقوبات الشرعية وموقعها من النظام الاجتماعي الاسلامى" هذا أو الطوفان
رؤي حول الوسطية الاسلامية
بقلم الزبير محمد علي
الغوص في بحر الوسطية يكلف المجتهد والكاتب وقتا طويلا. ربما يرجع ذلك الي تعقيد مفهوم الوسطية خصوصا اذا اردنا اختباره علي ارض الواقع في مجالات الحياة المختلفة.
لذلك حرصت عند كتابة هذه المقالة ان اطلع علي مفهوم الوسطية عند عدد من المفكرين والمفسرين والكتاب وامضيت في هذا السبيل وقتا لم امضه عند الكتابة في اية موضوع اخر.
فالوسطية واسعة البطن، ممتدة الاطراف، متعددة الطرح في طاولة الشارع الاسلامي، وفي حلبة الفكر الاسلامي المعاصر.
ان التيارات الاسلامية علي اختلاف اشكالها ومسمياتها تري ان طرحها ملتزم بالوسطية، ويرجع ذلك الي ثمة نص قراني يصف الامة الاسلامية بانها امة "وسط" قال تعالي ( وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) ولكن هل هذا يفيد بأن الوسطية ثوبا فضفاضا يتلفح به القاصي والداني؟
ان اماطة اللثام عن هذا السؤال يستدعي تواضع التيارات الاسلامية علي تعريف محدد لمفهوم الوسطية في الاسلام ؛حتي لا تكون النتيجة انقسام الوسطية الي "وسطيات" كما اشار الاستاذ عبدالرحمن الحاج بقوله:(ان الوسطية لغويا هي وسط بين امرين ، وهي لم تغادر فضاء الدلالة اللغوية، لذلك حدد كل شخص مسافة وسطه حسب مقاييسه الخاصة واسقط عليها مفهومه عن المصطلح ؛ كانت النتيجة انقسام الوسطية الي "وسطيات" مثل "وسطية مستنيرة" واخري "مظلمة"). وتعليقي ان هذا الراي ينطوي علي جانب كبير من الصواب، ذلك لان الاتساع في معاني المصطلحات والمفاهيم استشري بصورة كبيرة في ميدان الفكر المعاصر. واصبح لا ينطبق علي الوسطية وحدها ؛ بل يتسع ليشمل الاشتراكية ؛ والعلمانية، والديمقراطية .
ويؤكد ما ذهبنا اليه ان الباحث لا يجد تعريفا واحدا للاطروحات انفة الذكر- مثلا - هناك اشتراكية "علمية" واخري" ديمقراطية" واذا تاملنا فيهما لوجدنا اختلافا جوهريا قد يصل الي درجة التناقض بينهما. وليس في الامر عجب ان تقع الوسطية في هذا الشرك؛ بالرغم من عدم وجود تناقض بين حقيقة الاسلام والوسطية.
ان الذي يسبح في الحوض النبوي يلمس تلك الحقيقة . عن جابر بن عبد الله قال:كنا عند رسول الله "ص" فخط خطا وخط خطين عن يمينه وخطين عن يساره ثم وضع يده في الخط الاوسط وقال :"هذا سبيل الله" ثم تلا هذه الاية (ان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) وربما يسال سائل سؤالا مفاده : اذا كانت حقيقة الاسلام هي الوسطية، فما الذي جعل التيارات الاسلامية تختلف حولها ؟.
اظن ان الاسباب التي ادت الي انقسام المسلمين الي فرق، واحزاب، ومدارس، وطوائف رغم وجود كتاب واحد ورسول واحد وقبلة واحدة هي التي ادت الي اختلاف التيارات الاسلامية حول الصياغة التطبيقية لمنهج الوسطية ،وان كانت لا تختلف حول المبدأ العام واشير هنا الي راي د/ سليمان العودة حيث يري ان من الافضل ان نفرق بين ثلاث مستويات: الاول: الايمان بمبدأ " الوسطية" باعتباره قاعدة شرعية ضرورية.
الثاني: فهم القواعد الشرعية المتعلقة بهذه المبادئ الثبوتية
الثالث: الفهم الخاص المبني علي الاجتهاد في احكام معينة في تقديري ان المستوي الاول المذكور انفا لاخلاف حوله فقد دلت عليه قطعيات الوحي، واكدته السنة النبوية الشريفة.
قال نبي الرحمة "ص"(ان أحب الدين الى الله الحنيفية السمحة) وذكر النبى"ص" فى مقام أخر قوله (ان الرفق لا يكون فى شي الا زانه ولا ينزع من شي الا شانه ).
أما المستويين الثانى والثالث فالاختلاف فيهما وارد ؛ ذلك لان التباين فى وجهات النظر وتقدير الأشياء أمر طبيعى ، ويستحيل أن يتساوى الناس فى ملكاتهم وقدراتهم العقلية ؛ ولكن الممكن هو أن تتواضع التيارات الاسلامية على مقرن يمثل اتفاق حد أدنى حول مفهوم "الوسطية" في الاسلام ولكن كيف نحقق هذا الهدف ؟
ان المؤتمرات يمكن ان تحل هذا اللغز، لاجرم أن الاهتمام بالنقاش حول الوسطية أضحى فى تنامى مستمر. ففي عام 2005عقدت وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف بالكويت بالتعاون مع الهيئة الخيرية الاسلامية العالمية مؤتمرا بعنوان "الوسطية منهج حياة".
وفي لندن عام 2006 اقيم مؤتمرين حول الوسطية الاول بعنوان "نحن والاخر- الحوار مع الاديان الاخري" والثاني عن "توضيح صورة الاسلام لدي الغرب " وفي ذات العام وبالعنوان عينه اقيم مؤتمرا عن الوسطية في واشنطن.
ان هذه المؤتمرات يجب ان توجه نحو احداث حوار يعمل علي وضع معايير واسس محددة للوسطية باتفاق الجميع ، بحيث ان من يخرج عليها يعتبر خارج نطاق المنهج الوسطي. واعتقد ان اغفال هذا الجانب سيفتح بابا واسعا امام المرجفين بالشماتة علي الفكر الاسلامي بعبارات علي شاكلة "الوسطية مفهوم هلامي" كما شمت اخرون قبلهم علي الصحوة الاسلامية ووصفوها "بالفجر الكاذب".
فهل نحن مستعدون لقفل الباب امام هذه الشبهات التي تحيط بالوسطية بالتوافق علي تعريف محدد لها؟
ان هذه المقالة لا تعني بالاجابة علي هذا السؤال ؛ فهذا يتوقف علي استعدادات المفكرين ، والعلماء، والمدارس الاسلامية حول هذا التوافق المنشود ؛ وهو امر ستكشف عنه مقبل الايام.
رؤي المفسرين حول الوسطية:
لم تجد الوسطية مكانها في بطون التفاسير الاسلامية القديمة بصورة واضحة ، سوي بعض الاشارات في تفسير الاية الكريمة (وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس) قال الامام الطبري " الوسط بمعني الجزء الذي هو بين طرفين مثل وسط الدار" مرددا قول زهير : هم وسط ترضي الانام بحكمهم اذا نزلت احدي الليالي بمعظم وزاد بقوله : " انما وصفهم بانهم وسط لتوسطهم في الدين ، فلاهم اهل غلو فيه ، غلو النصاري الذين غلو بالترهب ،ولاهم اهل تقصير فيه ، تقصير اليهود الذين بدلوا كلام الله".
اما بن كثير فيري ان الوسطية تعني " الخيار والاجود كما يقال قريش اوسط العرب نسبا اي خيرها".
ان هذه الاشارات التي اوردناها عن المفسرين لاتزيد عن بضعة اسطر؛ ولكن يوجد في العصر الحديث من تحدث عن الوسطية بصورة اكثر وضوحا كسيد قطب في تفسيره "في ظلال القران" حيث اعطي للوسطية بعدا جديدا مقارنة بالتفاسير القديمة واليك خلاصة قوله: "امة وسطا في التنسيق والتنظيم لاتدع الحياة كلها للمشاعر والضمائر ولاتدعها كذلك للتشريع والتاديب ؛ وانما تزاوج بين هذه وتلك.
امة وسطا في الزمان تزواج بين تراثها الروحي منذ عهود الرسالات ورصيدها العقلي في النماء بها علي الصراط السوي بين هذا وذاك.
امة وسطا في التفكير والشعور لا تجمد علي ما عملت وتغلق منافذ التجربة والمعرفة ، ولاتقلد تقليد القردة المضحك ؛ انما تتمسك بما لديها من تصورات ومناهج واصول ؛ ثم تنظر في كل نتاج للفكر والتجربة وشعارها الدائم: الحقيقة ضالة المؤمن اني وجدها فهو احق الناس بها"
ان اعطاء سيد قطب بعدا جديدا للوسطية في كتب التفاسير لا يعني تفوقه علي المفسرين الاوائل ، بل يبين حقيقة مفادها ان هذه الاراء نبعت من العصر الذي عاش فيه ، وما صاحب ذلك العصر من اسئلة الحت علي الفكر الاسلامي حول ماهية قبول او رفض الافكار الاتية من بيئات غير اسلامية ؛ وهو الذى يفسر قلة تناول مفهوم الوسطية من زوايا مختلفة في بطون تفاسير الاقدمين( نتحدث هنا عن آراء سيد قطب الاولي ، ولكنه بما عاناه في تجربة القهر المرة قد نقض غزله بيده وصار أب الغلو الاسلامي بكتاباته اللاحقة ، فالقهر يولد العنف والتطرف).
. رؤية الفكر الاسلامي الحديث حول الوسطية:
واذا كنا قد استرسلنا في الحديث عن مفهوم الوسطية عند الاقدمين ، فواجب علينا ان نسمع رؤية الفكر الاسلامي الحديث عنها ؛ فماذا قال؟
هناك مفكرين وكتاب اشاروا الي اهمية الوسطية كمنهج وقيمة مهمة في العصر الحديث وفي الثقافة الاسلامية.
ابرز هؤلاء المفكرين مالك بن نبي في كتابه "مشكلة الافكار في العالم الاسلامي" والاستاذ فهمي هويدي في كتابه "الاعلام وثقافة الوسط" وتحدث عنها القرضاوي في كتاب صدر له مؤخرا بعنوان "كلمات في الوسطية ومعالمها" واشار الي اهميتها ايضا من المفكرين العرب د/ زكي نجيب محمود في كتاب "الشرق الفنان".
واستصحب معي في هذا السفر مقال الامام الصادق المهدي "يسئلونك عن الوسطية" ومقال اخر لمحمد الغزالي؛ فماذا قال هؤلاء عن الوسطية ؟
فهمي هويدى : يري هويدي ان الوسطية اذا جاز لنا ان نعرفها في ضوء المعالجات المتعددة لقلنا انها "موقف يتسم بالتوازن في التفكير والنظر يقبض علي الاصول ويقبل الاختلاف في الفروع" ويعرف هويدي التوازن بانه ليس نقطة وسط بين الخير والشر؛ ولكنه انحياز كلي الي ما هو خير وحق مع الاعتراف بوجود الضد لكل منهما .
ويري ان هذا الاعتراف هو من دلائل الوقوف علي الارض ورؤية المجتمع الانساني كما هو بما فيه من شر وقبح وظلم ، لان قيم الخير والحق والجمال لاتدرك الا من خلال اضدادها. ويري التوازن ايضا في الجمع بين الدين والدنيا، والمادية والمثالية ، والواقع والخيال ،وحق الفرد وحق الجماعة.
ويتوسع هويدي ليضيق امورا اخري عن الوسطية هي:
تعدد منابر الخير والتوازي بين مساراته سواء كانت تلك المنابع من فئات المسلمين علي اختلاف مللهم ونحلهم وفرقهم ، او كانت لدي غير المسلمين.
الانفتاح علي كل الساعين الي الخير من بني الانسان التزاما بمبدا التعاون علي البر والتقوي. اعذار الخلق والتيسير عليهم بما لايتصادم مع اصول الشرع وثوابته.
ادراك الاولويات وترتيب التكاليف طبقا لاحوال كل مجتمع وبيئة.
اعتبار تغير الاحكام بتغير الامكنة والازمنة والاحوال بمعني التفاعل مع الظرفين الجغرافي والتاريخي.
التدرج في التبليغ والتكليف
الشيخ محمد الغزالي : يري الغزالي ان الوسطية تمثل توازنا بين الفقه والتصوف وزاد بقوله "رايت اناسا متبحرين في المنقول والمعقول بهم فقه واسع ، ومحفوظات كثيرة ، لكن قلوبهم يشينها جفاف بالغ تولي احدهم القضاء ، وقدمت اليه امراة متهمة بالزني ، فما زال يستدرجها ويمكر بها حتي اعترفت له ، وحكم برجمها لانها متزوجة، مع ان النبي "ص" كان يرشد احد الزناة للتراجع عن قراره ، والتحايل عليه لينصرف امنا.
وهبة الزحيلي : " ليس معني الوسطية الاخذ بانصاف الحلول ، وانما هي وصف لاحكام الاسلام علي النحو الذي شرعه الله عز وجل دون تغيير او تعديل ، فهي احكام سهلة يسيرة لافراط فيها ولا تفريط "
الامام الصادق المهدي: " يعرف المهدي الوسطية بانها نسيج الاسلام ومنهجه الوسط بين الافراط والتفريط ويضيف – قائلا ـــ ان عقائد البشر في الغيبيات ــ مثلاــ تقوم في حد منها على تعددية الالهة ، وفي الحد الاخر تقوم علي وحدة الوجود. الاسلام يقوم علي الاله الواحد والكون اي ثنائية الوجود .
ويري المهدي ان الاسلام وسط بين اللاهوتيين الذين يعتقدون ان الانسان مجرد متلق وبين الناسوتيين الذين يرون ان الانسان مؤلف كل شي ، فيجمع بينهما في توفيق لطيف بين الفردانية والجماعية .
ويطرح المهدي في ذات المقال رؤيته في تسع قضايا مهمة من خلال منظوره للوسطية الاسلامية .
وسنكتفي هنا بذكر القضايا التسع دون تفصيل ؛ تلك القضايا هي: التعامل مع الوافد من الماضي التعامل مع الوافد من الخارج اختلافات اهل القبلة الموقف من الاصلاح السياسي الموقف من الاصلاح الاقتصادي العلمانية العلاقة مع الاخر الملي والدولي الارهاب العولمة ان هذا الثراء الفكري الوسطي الرائع يمثل لوحة زاهية للفكر الاسلامي الحديث ؛ لانه يحل المعادلة الصعبة بين الاصل والعصر ، بما اكتشف من قصور العصر ورحابة الإسلام لكل عصر. ولانه يفك الشفرة بين النقل والعقل بما علم من قصور العقل واستيعاب النقل لكل عقل.
انه حرى بنا بعد هذه السياحة ان نؤكد مقولة احد المحدثين؛ تلك المقولة هى : " ان المسلمين اليوم اكثر اعتزازا بالملة واكبر ثقة في انفسهم لانهم تخلصوا ولله الحمد من مركب النقص امام الحضارات الوافدة" واختم بخلاصة مختصرة وهي عبارة عن سؤال نترك اجابته للمهتمين بشان الفكر الاسلامي : هل نحن مستعدون لا نزال هذه الافكار المشرقة علي الصعيد الشعبي ؟.