الثلاثاء، 7 يوليو 2009

زواج المسيارال( miss call) فى الميزان

زواج المسيارال( miss call) فى الميزان
بقلم الزبير محمد علي
حظى زواج المسيار بمساحة واسعة من النقاش فى وسائل الاعلام المختلفة ، وانبرت اقلام كثيرة تناقش الموقف الفقهى من هذه القضية لاسيما بعد صدور فتوى من مجمع الفقه الاسلامى فى السودان تفيد بان " زواج المسيار يعتبر زواجا كاملا من حيث الشروط والاركان ، ومن حق المراة ان تتنازل عن بعض حقوقها او كلها اذا ارادت بصورة اختيارية "
وقبل ان نبدا فى دراسة هذه القضية يجب ان نعرّف القارى الكريم بزواج المسيار ؛ فما هو ؟
ُسمى زواج المسيار بهذه التسمية لان الرجل يسير الى زوجته فى اوقات متفرقة ولا يستقر عندها ، ويمكن ان يكون مكان اللقاء بينهما فى بيت اسرتها اوفى اى مكان متفق عليه بين الطرفين ، واحيانا ينص العقد على رضا المراة بان ياتى الرجل الى دارها فى الوقت الذي يراه مناسبا ليلاً كان او نهاراً وبعد ذلك يرجع كل طائر منهما الى عشه!! .
اننى افضل أن يسمي هذا الزواج بزواج ال" "missed call ؛ ذلك لافتقاده لعش الزوجية الدائم ، وخلوه من الاستقرار الاسرى بين الزوجين .
ان موقف الفقه الاسلامى ازاء هذا الزواج منقسم الى ثلاث اصناف:
اولا: موقف الذين يرون ان زواج المسيار مستوفىٍ للاركان الشرعية المتمثلة فى الولى والشهود وغيرها ، وعليه لا توجد مخالفة لشرع الله فى هذا الزواج ؛لان فيه اعفافاً لكثير من النساء ذوات الظروف الخاصة ، وهو من اعظم الاسباب فى محاربة الزنا والقضاء عليه .
هذا الموقف يمثله مجمع الفقه الاسلامى فى السودان وبعض العلماء فى السعودية كابن باز وغيره.
ثانيا: موقف الذين يرون ان زواج المسيار يعمل على تحويل الزواج الى سوقٍ للمتعة ؛ وانه يعتبر مدخلا ناعما لتحليل الزنا ، وفيه استسهال لفك قيود الزواج الشرعى ؛ وأن اباحته تعتبر اقراراً بأن الزواج هو وسيلة للاشباع الشهوانى المؤقت .
من ابرز انصار هذا الموقف الالبانى فى السعودية ، وامين بنانى فى السودان .
ثالثا: موقف الذين يتوسطون بين هؤلاء واولئك وخلاصة رؤيتهم هى ان " زواج المسيار صحيح غير مرغوب فيه شرعاً ، لانه يفتقر الى تحقيق مقاصد الشريعة فى الزواج من السكن النفسي والاشراف على الاهل والاولاد، ورعاية الاسرة بنحو اكمل وتربية احكم" .
يؤيد هذا الموقف الدكتور يوسف القرضاوى والشيخ وهبة الزحيلى.
ان المتابع للمشهد الاجتماعى العربى والاسلامي يلحظ اتساعاً فى تعدد لافتات الزواج بدءاً بزواج المتعة عند الشيعة ، الزواج العرفى في مصر ، زواج الفريند ، الزواج السرى ، واخيرا زواج المسيار "الايثار" فى السودان.
ان التعاطي مع هذه اللافتات المتعددة بمنظور الاباحة والتحريم وحده لايحل هذه القضية ؛ ذلك لان البشر متفاوتون فى التزامهم الدينى ، والقران نفسه اكد هذه الحقيقة عندما صنف الناس الى ثلاث اصناف : ظالم لنفسه، ومقتصد،وسابق للخيرات باذن الله .
ولذلك اري ان هنالك ثمة تحليل لاسباب تعدد لافتات الزواج يجب ان تكون دراستها سابقة للموقف الفقهى ؛ ذلك لان الفقه نفسه يعتمد على اعتبارات المصالح والمقاصد، ويراعى ايضا ظروف الزمان والمكان والحال.
بهذا الفهم فاننا سنسعي هنا لدراسة منابع هذا الزواج من منظور شامل يراعى ظروف مجتمعنا الاسلامى والعربى عامةً ، وظروف المجتمع السودانى بصورة خاصة ؛ وهي وفقاً لتصوري كالأتي :
اولا: تازم الوضع الاقتصادي فى العالمين العربى والاسلامى جعل البعض يتهرب من التكاليف الباهظة للزواج ويلجأ الى هذا الخيار.
ثانيا: انتشار البطالة وضمور استيعاب الخريجين وغيرهم فى مؤسسات الدولة ، انتج شريحة واسعة من الشباب ليس لديها القدرة على الايفاء بالتزاماتها الشخصية ناهيك عن الدخول فى مغامرة عش الزوجية.
ثالثا: انتشار ثقافة الحرب والعنف لاسيما فى ظروف السودان "عهد الانقاذ" اراق دماءاً شبابية ، واحدث اختلالاً فى التوازن النوعى بين الرجال والنساء مما ادى الى اتساع شريحة الارامل والعوانس.
رابعا: تفشى حالات الطلاق فى المجتمعات العربية حتى وصلت فى بعض البلدان الى اكثرمن 40%..
خامسا: رغبة شريحة واسعة من الرجال الي تعدد الزوجات ، مع الاضطرار الى اخفاء الزواج عن الزوجة الاولى .
اننى بعد القراءة الموضوعية لهذه الاسباب اجد نفسى متعاطفاً مع اولئك النسوة والشباب الذين يرغبون فى الزواج ، واجد نفسي فى ذات الوقت حزيناً لقبولهم بتلك الصورة من انماط الزواج فى عالمنا المعاصر.
ذلك لان من غير المعقول ان توافق الزوجة على الغاء مبدأ الاسرة، كما اننى لا اجد منطقاً يجعل اسرة الزوجة تقبل بان ياتى الرجل الى دارها فى الوقت الذى يراه الزوج مناسبا.
ان قبول هذا المنحى يعنى تعليب فكرة الزواج فى قالب جنسي؛ وهذا يعتبر اجهاضاً لمقاصد الزواج التى ذكرها القران قال تعالى ( ومن آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون )
ان هذه الآية تبين ان للزواج معانى اوسع من الحاجة الى الجنس ؛ انها معانى السكن الروحى والمؤانسة النفسية ، وتنمية المودة والالفة بين الزوجين بحيث يجد كل منهما فى ظل الآخر سكنه النفسى، وسعادته الزوجية، واشباع وحشته العاطفية .
ثم ان زواجاً بهذا الشكل سوف يسهم فى فك الترابط الاجتماعى ؛لانه يهدم اولى لبنات المجتمع وهى الاسرة .
ان للاسرة دوراً مهماً فى تشكيل بناء المجتمع ، وادارة الاسرة وتربية الاطفال لا تتوقف على شخص واحد ؛ انها مهمة تعاون بين الزوجين على التربية المشتركة للابناء ، واعطائهم عاطفة الامومة والابوة ، ان لتلك الاحاسيس والعواطف اثرا سحرياً على نفوس الاطفال ونتائج طيبة فى رعايتهم.
كما ان مهمة الابوين لا تقتصر على قضاء حاجتهما فقط ؛ انها مهمة ارضاع الابناء لبان المكارم والفضائل، واكسابهم بشكل فطرى خصال الخير ومكارم الاخلاق ، وحب المعرفة حتى يصبحوا افراداً لاغنى للمجتمع عن الاستفادة من عطائهم العلمى والادبى والفكرى .
ولكن هل هذا يتحقق فى زواج المسيار؟
ان وضع الابناء فى زواج المسيار سيكون مختلفاً عن الوضع فى الاسر العادية ، واظن انه سيكون وضعا استثنائياً اشبه بعيشة المشردين الذين انحرموا من حنان الابوين او اشبه بحالة اليتيم الذى صوره الشاعر بقوله :
ليس اليتيم من انتهى ابواه من هم الحياة وخلفاه ذليلا
ان اليتيم هو الذى تلقى له اماً تخلت او اباً مشغولا
فهل نرضى بأن نلتفت الى مخاطبة غرائزنا الجنسية ، ونترك ابناءنا على الحالة التى وصفها الشاعر.
اين نحن من العاطفة الابوية التى صورها الاستاذ عمر الاميرى عندما ابتعد عنه ابناءه الثمانية؛فما لبث الا ان حبث نفسه فى خلوة شعرية ليتحفنا بقصيدة من غرر القصائد فى محبة الآباء للابناء وهى قصيدة طويلة وسناخذ منها بعض المقتطفات عن تعامل الابناء معه ؛ فماذا قال ؟
فنشيدهم بابا اذا فرحوا ووعيدهم بابا اذا غضبوا
وهتافهم بابا اذا ابتعدوا ونجيهم بابا اذا اقتربوا
بالامس كانوا ملء منزلنا واليوم ويح اليوم قد ذهبوا
فلماذا نحرم انفسنا من هذا الحنان الابوى ؛ وهل لنا فى هذه الدنيا اجمل واروع من هذا العطف .
اننى ارجو ان لا يفهم من حديثى هذا اننى ادعوا الى تحريم زواج المسيار ؛ ولكن ما اطلبه هو ان يحدث ثمة حوار بين الفقهاء والاختصاصيين فى علم الاجتماع وفى علم النفس ، بهدف تقدير المصلحة من هذا الزواج والمفسدة، وليكن الحكم فى هذا الحوار مقاصد الشريعة ؛ فاذا تبين ان هذا الزواج يحقق مصلحة لشريحة واسعة من المجتمع فلا مبرر لنا فى رفضه ، واذا كانت مفسدته طاغية على المصلحة العامة فلا معنى للفتاوى التى اباحته ولا للعلماء الذين ايدوه , والله ولى التوفيق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق