الأربعاء، 29 يوليو 2009

على هامش التصريحات التكفيرية مؤخرا
دعوة لحوار هادى مع المتطرفين
بقلم الزبير محمد علي
لقد أتى على بعض التيارات الفكرية حين من الدهر أعادت فيه نموذج الخوارج في علاقتهم مع الفرق الإسلامية الأخرى ، فاصحبنا نسمع من وقت لأخر سيلا جارفا من الاتهامات والقذائف السامة بحق علماء ومحدثين لهم دور عظيم في تحريك عجلة الفكر الاسلامى إلى الأمام . وليت هذه القذائف تأتى من تيارات علمانية أو ليبرالية ، فحينها يمكن تبرير هذا المنحى بكونه نزالا فكريا شابته أخطاء في وسيلة الحوار يمكن علاجها . أما أن نسمعه من تيارات تدعى الالتزام بالإسلام فهذا أمر يجب الوقوف عنده ، حتى لا يتخذ مثل هذا الهجوم السام شكلا مروحيا يدور مع عجلة الزمان. فبالأمس اتهمت بعض الجماعات المتطرفة الدكتور يوسف القرضاوى بالزندقة والكفر ، وما لبث هذا الاتهام قليلا حتى سمعت باذنى تكفيرا للشيخ البرعى في محاضرة أقامتها إحدى الجماعات السلفية في عام 2005 بجامعة سنار ، وصف المتحدث فيها الرئيس الامريكى جورج بوش بأنه أفضل من البرعى !! وأجرى مقارنة بيزنطية بينهما كانت ثمرتها الاتى : بوش يظهر الكفر والعداء للمسلمين علنا، وبذلك فهو حدد موقفه بصورة واضحة من الإسلام. البرعى يظهر الإسلام للناس ، ولكنه يبطن الكفر والنفاق ، ويساهم في تضليل المسلمين لأنهم يعتقدون فيه الصلاح بينما مسلكه نشر البدع والخرافات وهذا منحى اضر بالإسلام من سابقه . واليوم نسمع بعض المتنطعين يوجهون سهامهم صوب الإمام الصادق المهدي ويصبون جام سخطهم وغيظهم عليه ويدعونه لتبنى خيارين: إما أن يتوب عن ما قاله في مؤتمر المرأة الذي انعقد في يوم الأربعاء الموافق 25/2/2009 بقاعة الصداقة أو أن يقدم إلى المحاكمة والخيار الأخير بواسطة الإيحاء الرمزي للعبارة يدل على نية الدعوة لتنفيذ حكم الإعدام عليه إذا لم يتب ، بحجة أن ما قدمه في مؤتمر المرأة يمثل "فكرا قبيحا وكفرا صريحا" . إن أسلوبا مثل هذا لايمكن أن يكون إنسانيا ناهيك عن كونه إسلاميا، فأسلوب الدعوة الذي نعرفه في الإسلام هو طريق ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) وهو سبيل قول النبي "ص" (إنما أنا رحمة مهداة) وهو رد خير البرية "ص" أيضا على أصحابه حين هموا بالاعرابى الذي بال في المسجد فقال لهم ( لا تزرموه – اى لا تقطعوا عليه بولته- وصبوا عليه ذنوبا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) فهذا هو النهج الاسلامى في الدعوة : نهج التيسير لا التعسير ، والتبشير لا التنفير ، والتعاون لا التشاحن ، والحوار بأسلوب يحترم الآخرين ، لا كيل الاتهامات جزافا على علماء ومحدثي هذه الأمة. ومع أنهم استخدموا هذه القذائف السامة ، فإننا في هذه المساحة ننتهج الحوار الهادف البناء شعارا لنا بدلا من التقاذف وكيل الاتهامات ، وفى ذات الوقت نقدم حججا تجفف منابع هذا الأسلوب المشين بصورة كاملة تشبه قول الشاعر: لا تقطعن ذنب الأفعى وتتركها إن كنت شهما فاتبع رأسها الذنبا وليكن نهجنا في هذا المقال إبطال مثل هذه الأساليب لا النقاش حول فحوى التكفير فيها . ذلك لان النقاش مع هؤلاء في قضايا فكرية امرا ليس بالسهل ، إذا كان مستوى الفهم عندهم ما ذكره لى احد السلفيين بقوله( بعض إخواننا يرى أن تحذف العلامة الرياضية (+) من مادة الرياضيات بحجة أنها تشبه الصليب)!!. وسبب آخر يجعلنا نقتصر على مناقشة أسلوب هؤلاء لا الرد عليهم – هو أن (الجمعة الجامعة) ليست منبرا حزبيا، أو حكرا على جماعة تسلط سيفها على رقاب الآخرين ، بل هي مساحة حرة كما ذكرت المحررة تستهدف مناقشة مختلف القضايا الإسلامية من عقيدة، وعبادات، ومعاملات، وسياسة شرعية ... وغيرها من الجوانب الأخرى التي تهم المجتمع الاسلامى في شتى مشارب الحياة . التزاما بهذا الأدب فإننا نبدأ حوارنا معهم بذكر قضايا تاريخية اختلف حولها الأئمة تشابه ما يثار اليوم من قضايا فكرية ، ولنرى... هل صاحبتها تصريحات تكفيرية كما هو الآن؟. أولها: اختلف ابن عباس مع زيد بن ثابت وغيره من الصحابة في نصيب البنتين ووالدهما متوفى ، قال زيد: إن لهما الثلثين تيمنا بحديث النبي "ص" الذي أعطى فيه بنتي سعد بن الربيع ثلثي التركة ، وخالفه في هذا ابن عباس حيث يرى أن نصيب البنتين النصف لقوله تعالى ( فان كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك ) ومع هذا الاختلاف لم يقل زيد أن ابن عباس زنديقا لأنه لم يتبع القسمة التي وردت عن النبي "ص" ، وما كان لابن عباس أن يخالف قول النبي "ص" سوى انه وجد الدليل الأقوى في فهمه . والمدهش حقا أن زيد كان يقبل يد بن عباس وهو يقول ( هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا) وحين توفى زيد قال ابن عباس فيه ( هكذا يذهب العلم). ثانيها : اختلف ابن مسعود وسيدنا عمر في مائة مسألة، ولما مات عمر قال فيه ابن مسعود ( فانه كان للإسلام حصنا حصينا يدخل الناس فيه ولا يخرجون فلما أصيب عمر انثلم الحصن ) كتاب الأحكام لابن حزم. ثالثها : التقى الاوزاعى بابي حنيفة في مكة ، فقال الاوزاعى : ما بالكم لا ترفعون أيديكم عند الركوع والرفع منه ؟ فقال أبو حنيفة : لم يصح عن رسول الله في ذلك شي. فقال الاوزاعى: كيف وقد حدثني الزهري عن سالم ، عن أبيه عن رسول الله "ص" انه كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة وعند الركوع وعند الرفع منه . فقال أبو حنيفة : حدثنا حماد بن إبراهيم عن علقمة والأسود عن ابن مسعود أن رسول الله "ص" كان لايرفع يديه إلا عند افتتاح الصلاة ولا يعود لشى من ذلك . فقال الاوزاعى : أحدثك عن الزهري عن سالم عن أبيه وتقول : حدثني حماد عن إبراهيم . قال أبو حنيفة : كان حماد افقه من الزهري ، وإبراهيم افقه من سالم ، وعلقمة ليس بدون ابن عمر ، وان كان لابن عمر فضل الصحبة ، فان الأسود له فضل كثير ، وعبد الله هو عبد الله، فسكت الاوزاعى) هذه النماذج تمثل أسلوبا رفيعا في أدب الحوار والاختلاف ، ولم نسمع أن أحدا منهم كفر الآخر لمجرد الاختلاف حول صحة هذا الحديث أو ذاك، وليس في الأمر مبالغة أن يكون ما سبق ذكره هو أسلوب أولئك الأئمة الذين شربوا من معين الوحي ، واستنشقوا من هواء النبوة ، وهضموا أساليب النبي "ص" في الحكمة والموعظة الحسنة ، واتبعوا نهج التبشير لا التنفير قال الإمام على "لوان الرجل قال كلمة لها تسع وتسعون وجها يحتمل الكفر ووجها واحدا يحتمل الإيمان، لأخذنا بالوجه الواحد". واحسب أن من الذهول أن يتبنى إخواننا أولئك نهج السلف الصالح ، ويقدسونه بدرجة منقطعة النظير لتقديس اى جماعة أخرى ، ومع هذا يغضون الطرف عن ما ذكرته من نماذج عظيمة في أدب الحوار لأولئك السلف رحمة الله عليهم . إن الاختلاف بين المدارس الإسلامية اليوم ، ليس خلافا حول القران حتى تكفر كل مدرسة رصيفتها الأخرى ، ولا على السنة النبوية الشريفة حتى يتهم كل عالم الآخر بالزندقة والفسوق . وإنما ياتى الخلاف حول تفسير القران ، فلو وجد تفسير قطعي ملزم للمسلمين في كل زمان ومكان لما كان على الأمة إلا الالتزام به. ولو ثبت أن السنة النبوية الشريفة كلها قطعية ، لما تجرا أحدا من العلماء على القول بعدم صحة هذا الحديث أو ذاك. إن الإمام الصادق المهدي لم ينكر حجية السنة النبوية على الأمة ، ولكن ياتى اجتهاده حول صحة نسب هذا الحديث أو ذاك عن خير البرية (ص) وهذا موجود تاريخيا كما تابعنا في نموذج الاوزاعى وأبو حنيفة ، وكما ذكرنا في مقال سابق عن نماذج السيدة عائشة في قبول بعض الأحاديث ورد بعضها. ولا شك أن بعض الأحاديث لم يصح نسبها إلى النبي "ص" وتصدى لها علماء ومحدثون قال الزهري: ( يخرج الحديث من عندنا شبرا فيعود في العراق ذراعا) وأيضا للمالكية رأى واضح في أحاديث الآحاد ، حيث يقدمون عليها عمل أهل المدينة ولم نقرا أن أحدا من المذاهب الأخرى كفرهم. إن ما قام به المهدي هو اجتهاد بشرى يتحمل الصواب وله في هذه الحالة أجران ، ويتحمل أيضا الخطأ وهنا له اجر واحد ، وحسب علمي أن المدرسة التي ينطلق منها الإمام الصادق لا تقدس اجتهادا بشريا على نحو ما قال الإمام المهدي عن اجتهادات السلف ( جزأهم الله خيرا وصلوا ووصلوا هم رجال ونحن رجال نجتهد كما اجتهدوا) . وأظن أن الأمة الإسلامية اليوم تحتاج إلى مزيد من الدراسات حول السنة النبوية لضمان نقائها من كل قول لا يتماشى مع قطعيات الوحي ، ذلك لاستحالة أن يقول النبي "ص" أحاديث تتعارض مع القران أو مع روح ومقاصد الشريعة الإسلامية . واحسب أن الدراسات المعاصرة عن السنة قليلة جدا ، بخلاف بعض المجهودات للالبانى ومحمد الغزالي ود/ يوسف القرضاوى الذي كتب كتابا رائعا بعنوان "كيف نتعامل مع السنة النبوية". كما نحتاج أيضا في ظروف هذا العصر لمؤسسة ترعى الاجتهاد حتى نتجنب دعاوى التكفير والزندقة على نحو دعا إليها الإمام الصادق نفسه حيث قال: ( إن الوسيلة الأفضل في ظروفنا المعاصرة لتطوير الفقه الاسلامى وجعل أحكامه مادة للقوانين هو تكوين مؤسسة من ثلاث شعب : الشعبة الأولى: هيئة الموسوعة. وهى هيئة للموسوعة الإسلامية مهمتها إحصاء كل آراء المجتهدين المسلمين عبر العصور . وإحصاء وتنظيم أدلة الآراء المختلفة. وبيان الآراء التي كانت محل اتفاق الجمهور وآراء الآحاد والأقليات وجعل كل تراث الفقه الاسلامى وتفسير القران والأحاديث مبوبة ومرتبة بحيث يسهل الرجوع إليها بسرعة ودون عناء. الشعبة الثانية : هيئة الخبراء. وهى تتكون من علماء في الشريعة الإسلامية وفقهاء واختصاصيين في القانون الوضعي وفى الاقتصاد وفى السياسة وفى الإدارة وفى العلاقات الدولية وسائر العلوم الاجتماعية وينظم هؤلاء أنفسهم داخليا حيث يستطيعون استنباط أحكام من الكتاب والسنة واقتراح ديوان قانوني شامل: جنائي ، مدني ، شخصي ، دولي . وحيثما لايتفق رأيهم حول الاستنباطات المختلفة يسجلون الآراء المختلفة. الشعبة الثالثة: هيئة تشريعية. وهى هيئة تنوب عن الأمة نيابة صحيحة وحرة. هذه الهيئة هي التي تنظر في ديوان القوانين الذي تعده هيئة الخبراء وتشرع بأغلبيتها القوانين. ولها أن تبادر ما تشاء في سن التشريعات على أن تستعين بهيئة الخبراء للتأكد من أن تشريعاتها لا تعارض أصلا قطعيا من أصول الشريعة الإسلامية. هذه المؤسسة ذات الثلاث شعب هي المؤسسة التشريعية الإسلامية الملائمة لمبادئ الإسلام والمناسبة للعصر الحديث) كتاب "العقوبات الشرعية وموقعها من النظام الاجتماعي الاسلامى" هذا أو الطوفان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق