الأربعاء، 29 يوليو 2009


المرأة بين اشراقات الإسلام و ظلمات الجاهلية

بقلم الزبير محمد علي

في اقل من ربع قرن من الزمان أضاءت ظلام الإنسانية حلقة من حلقات الوحي الالهى التي كانت بدايتها برسالة نوح عليه السلام ، شاملة بعده حلقات أولى العزم من الرسل ، لتكون الخاتمة السعيدة برسالة خير البرية(ص) قال تعالى مؤكدا هذا الفهم (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) . ولاشك أن هذه الحلقة الخاتمة حملت في طياتها هدايات الوحي لأنبياء الله السابقين في مجالات غيبية كالتوحيد ، والإيمان بحياة برزخية أخرى أوفر سعادة من هذه الفانية ، وفى مجالات مادية كا لعدل والمساواة ونفى الظلم وتميزت على الرسالات السابقة بحمل نور الهداية لكافة البشر، فلم تقتصر على قوم ، أو قبيلة قال تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) وانفردت بتوجيه نور الوحي الرباني لكافة الجوانب التي تهم الإنسانية في معاشها ومعادها.. وبذلك فان سعادة البشر أضحت مرهونة بفهم هذه الحلقة الخاتمة ومن ثم توجيه تعاليمها لتنظيم حياة البشرية في كافة جوانبها. ولما كانت هذه الحلقة معنية بإسعاد الإنسانية، فكان لابد أن يكون التغيير الاجتماعي احد أهم أركانها بعد العقيدة والعبادات. ,وفى هذا السبيل شرعت تعاليم الإسلام في انتشال المرأة من وحل الجاهلية إلى باحة الإسلام التي تحترم جميع أفراد المجتمع دون تمييز، وعملت على تغيير أسلوب تعامل المجتمع الجاهلي للمرأة ، قال تعالى مصورا حال النساء في الجاهلية (وإذا بشر احدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم) فاستبدلت حرمان حق الحياة للمرأة بالاعتراف بها كإنسانة مكرمة قال تعالى ( ولقد كرمنا بني ادم ) ولم تكتف حلقة خير البرية (ص) بهذا التكريم الانسانى ، بل تجاوزته إلى الإقرار بدورها كمؤمنة مكلفة شأنها شأن الرجل قال تعالى معززا هذا الفهم (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) وهل وقفت تعاليم الإسلام حيال المرأة عند هذا الحد ؟ كلا إنها شملت حتى الجزاء الاخروى ، فالمرأة والرجل يتنافسان على كسب الثواب ولا يميز بينهما إلا صدق النوايا وحسن العمل قال تعالى (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ). إنها نقلة في حياة البشرية تثير مشاعر كل من كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد. ودائما أتعجب عن اى إبداع الهي هذا الذي حول سيدنا عمر بن الخطاب من جاهلي يدس بنته في التراب لأنها أنثى لاغير، إلى خليفة يدين نفسه ليعلن للملأ قوله ( أخطا عمر وأصابت امرأة )!!! ليس هذا فحسب بل يصل به الأمر ليولى امرأة شان من شئون المسلمين فتكون الشفا مسئولة عن ادارة سوق من أسواق الدولة الإسلامية. ولكن مع هذا كله فان السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل كانت المرأة على قدر الاستعداد للإسهام في تلك المرحلة الجديدة على تاريخ الإنسانية؟ اعتقد أن إسهام النساء في مرحلة النبوءة والخلافة لاتخطئه عين المبصر والقارئ لكتب السيرة النبوية ، فها هي أم المؤمنين أم سلمه تساهم في حل معضلة شغلت ذهن خير البرية (ص) ، والقصة مشهورة ونحن نوردها هنا لمن فاته الاطلاع عليها. عندما أمرالنبى (ص) أصحابه بحلق رؤؤسهم في الحديبية ، حينها رفض الصحابة الامتثال لهذه الدعوة ، لا للتمادي في مخالفته ، بل لان شعر رؤوسهم قف من إبرام تلك الوثيقة، وعلى كل فالنبي (ص) دخل على أم سلمه ،فأشارت إليه بأن يحلق رأسه علنا ففعل ، وقتها امتثل الصحابة لدعوته فحلقوا رؤوسهم )وهذا رأى لايصدر إلا من اولى الألباب والنهى ، ومن من أعطاهم رب العباد الحكمة وهو يعتبر نموذج لإسهام المرأة برأيها في عصر النبوءة . ولا نذهب بعيدا لنتساءل مرة أخرى عن الملاذ الأمن الذي لجا إليه النبي (ص) عند أول رؤية لجبريل ؟ أليست هي أم المومنين خديجة التي آوت النبي (ص) بنفسها وصدقته حين كذبه الناس وساهمت في تمويل حركة الرسالة الإسلامية بحر مالها وهذا نموذج للتضحية بالنفس والمال في سبيل العقيدة . ودوننا عائشة صاحبة الفكر السديد والفهم الفريد في ذاك الوقت ، لما لا وهى المرأة التي كانت وقافة عند نصوص القران ، عندما يأتوا إليها بالنص المظنون تحاكمه إلى النص المقطوع ، والشواهد كثيرة في هذا المجال منها الحديث الموجود في الصحاح بعدة طرق إسناد والذي مفاده ( إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه) ما أن سمعت هذا الحديث إلا ووضعته في ميزان القران فتبين لها انه يناقض آية قطعية فردت عليهم بقولها حسبكم من قول الله تعالى ( ولاتزر وازرة وزرة أخرى) ، وأيضا حديث مسروق عندما سألها عن رؤية النبي (ص) للمولى عز وجل فردت عليه بقوله تعالى( لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير). . من هذه الشواهد يتبين لنا أن نموذج عائشة كان قدوة في التفكير وفى ذات الوقت قمة في الرجوع إلى معين الوحي وفى هذا تكامل بين النقل والعقل . ولكن يؤسفنا جدا انه مع هذه النقلة المتقدمة لوضع المرأة في المجتمع الاسلامى ، الا إن المتأمل في صفحات التراث الاسلامى يجد أن الجاهلية الأولى غيمت ببعض ظلالها على مجتمع ما بعد عهد الخلافة الراشدة ، فسادت في بعض الكتب الإسلامية نظرات تلغى دور المرأة في المجتمع وتحبسها كسجينة بين أربع جدر ، جل اهتمامها التزين للرجل وكأن الحياة لم تخلق الا لإشباع تلك الرغبات التي يتساوى فيها الإنسان والحيوان معا!!! وفى السودان اليوم على الصعيد الشعبي توجد مفاهيم أشبه بمعنى المثل الذي يقول ( مرة ووليها مرة زى عميانين دفسوا الخلا!!!) وتوجد معاني اقرب لهذا الفهم في عدد من الدول الإسلامية فهل نصمت أيها القارئ الكريم إزاء هذا التوجه؟ أقول أن هنالك عدد من المحدثين والمفكرين رافعوا عن قضية المرأة في كافة المحاكم الفكرية، وصمدوا في مقاومة من اسماهم عبد الحليم ابوشقة( أنصار الجاهلية الأولى وأنصار جاهلية القرن العشرين) . من ابرز هولاء المفكرين الإمام الصادق المهدي الذي رافع عن حقوق المرأة في كتابه" الحقوق الإسلامية والانسانية للمرأة "، والشيخ محمد الغزالي في عدد من كتاباته منها" السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث" ، والدكتور حسن الترابي في كتابه" المرأة بين الأصول والتقاليد" ، وعبد الحليم أبو شقة في مجلداته الخمسة التي تحمل عنوان" تحرير المرأة في عصر الرسالة" . ولاريب أنها كتابات أتحفت الساحة الإسلامية، و أسهمت على الصعيد الفكري في تحصين الإسلام من دعاة الجاهلية الأولى ودعاة التغريب. ولكن هل هذه المرافعات الفكرية كافية لاستعادة مكانة المرأة في الرسالة الإسلامية بالنسبة لمجتمعنا الحالي ؟ اعتقد أن هؤلاء المفكرين أوصلوا أصواتهم إلى المؤتمرات، والمنتديات والندوات الفكرية، والمحاضرات، والرسائل، والكتب وهذا مجهود عظيم نسأل الله تعالى أن يثيبهم عليه ولكن تبقى جل المنابر الدينية محتفظة بخطابها التقليدي الذي ما برح يحط من قدر المرأة، واذكر اننى شهدت داعية يتحدث في إحدى المساجد عن تعدد الزوجات بقوله"راجل المرة الواحدة إذا حاضت حاض معها"!!!!!!! ولااتذكران قال" إذا ولدت ولد معها" !!!!!!!! . أن هذه المنابر هي حلقات اتصال مباشر مع المجتمع، وبالتالي فان وسيلة التغيير ستكون صعبة إذا ظل أنصار الفكر التقليدي على قمة هذه المنابر،اذا فما العمل؟.الإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى مشروع تفكير جماعي وأظن أن الفكرة التي سمعناها قبل فترة عن عزم منبر الوسطية الاسلامية العالمية في إقامة ورش فكرية تستهدف تأهيل مائة شاب وشابة من الدعاة، لهى محطة مهمة في طريق التغيير، لأنها تساهم في إيجاد بديل" اسلامو صحوى" قادر على محاصرة التيار التقليدي، وتساهم أيضا في كسر الهوة بين التيار المعتدل والمجتمع . نأمل أن يتم إنفاذ هذه الخطة ولو على مراحل لتكون جسر تواصل مباشر مع الناس وأظن أن هذا المنحى هو السبيل لتغيير تلك المفاهيم الجاهلية التي للأسف يوجد من يغنى لها داخل البيت الاسلامى ، وبتحقيق ذلك المشروع فان التيار التقليدي الذي يسيطر الان على السواد الأعظم من المنابر ستجرفه شمس الإسلام النقية التي هي قادمة بإذن الله قال (ص) "يبعث الله لهذاالعلم فى كل عصرعدوله ينفون عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق