هل من الممكن توحيد أهل القبلة ؟
بقلم الزبير محمد علي
برز إلى السطح مؤخراُ نداء" توحيد أهل القبلة"، والذي نادى به عدد من الحادبين على مصلحة الأمة كضرورة قصوى لتقريب وجهات النظر بين المدارس الفكرية الإسلامية ،بالاتفاق على قطعيات الشريعة كقاعدة تشكل أرضية مشتركة بين الوان الطيف الاسلامي.
إلا أن هذا النداء واجه انتقادات واسعة من تيارات مختلفة. بعض هذه الانتقادات كانت مباشرة قراناها في الصحف اليومية، والأخرى رمزية سمعناها في المنابر الدينية المختلفة، لأسباب ربما تتعلق بالمنهجية الفكرية التي تنطلق منها كل مدرسة..
وهذا يوجب في هذه السانحة عرض وجهات نظر الآخرين إزاء هذا النداء:
الوجهة الأولى : وجهة تحررية غير مرشدة تقول : ما معنى أن يتوحد أهل القبلة؟ وضد من يتوحدوا؟ وهل نحتاج في عصر الانفتاح وواقع الدولة القطرية أن نقيم ولاءات ثقافية أوسع من الولاءات الوطنية؟
أليس من السذاجة الدعوة لإقامة روابط دينية في وقت تقوم فيه الروابط على اسس براجماتية؟ وإذا سلمنا بهذه الدعوة ، فمتى توحد أهل القبلة ، الم يختلفوا في العصر الذهبي الأول؟ واذا كان الأمر كذلك فهل نتوقع أن يتم الاتفاق بينهم في الحاضر؟
هؤلاء يمثلون وجهة نظر تستمد إيديولوجيتها من خارج البيت الاسلامى.
الوجهة الثانية: وجهة اقصائية متشددة فحواها:
افتراق الأمة قدر حتمي منزل من الله عز وجل ولا سبيل للاتفاق في المستقبل ، لان النبي (ص) تحدث عن افتراق الأمة إلى بضع وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة وهى الطائفة الناجية ، أما الآخرين فمناهجهم باطلة وينطبق عليهم ظاهر الحديث.
هؤلاء يمثلون وجهة نظر تستمد إيديولوجيتها من داخل البيت الاسلامى ولكن استناداُ على أثار ظنية مختلف حول تفسيرها.
في خضم هذا الجدل الواسع من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وجب على المهتمين بهذا الشأن أن يجيبوا على بعض التساؤلات السابقة ، وأقول بعضها، لان الأخر يمثل جلداُ للذات، وبهذا فهو لايعنينا في شي.
إن الإجابة على بعض هذه الأسئلة مطلوب لأمرين:
أولا : لطمأنة الخائفين من فوبيا الاتفاق بين الأمة.
ثانياُ : لتصحيح فهم بعض المسلمين لحديث افتراق الأمة.
إن توحيد أهل القبلة لا يعنى الاتفاق ضد احد كما يتوهم بعض المثقفين ، انه تنسيق بين المدارس الإسلامية حول قضايا العصر التي منها (نفي أن يكون الجهاد بالإرهاب، كيفية التعامل مع الأخر الملي والدولي، حسم قضية الدولة في الإسلام هل هي دينية أم مدنية؟
تناول قضية المواطنة ، تحديد موقف الفكر الاسلامى من التراث الفقهي،و موقفه من الحداثة ...الخ)
أليس البحث في هذه القضايا مشروعاً؟ وهل ما ذكرته يمثل تنسيقاُ ضد احد؟
لا أظن أن عاقلاُ منا يتخوف من القضايا التي أوردتها ، لأنها لا تمس ثوابت احد، إنها إعادة لترتيب البيت الاسلامى من الداخل ليسترد أناقته الزاهية، وبراقته الساطعة، ونوره الفياض الذي يتدفق عدلاُ ورحمةُ للعالمين.
إن حديث بعض المثقفين عن اختلاف الأمة في العصر الذهبي واقع لافرار منه، فقد اختلف الصحابة والنبي(ص) موجود بينهم، كما في (حادثة صلاة العصر في بنى قريظة) حيث تباينت رؤى الصحابة في تفسير قول النبي(ص)، بعضهم فهمها بان قصد الرسول(ص) المبالغة في الإسراع، والأخر فهمها بصورة حرفية، وعلى كل فالنبي(ص) اقر لهم السبيلين.
وبعد وفاته اختلفوا في وفاته عندما قال عمر إن القول بموت النبي(ص) إرجافا من المنافقين. واختلفوا في دفنه، وفى من يخلفه، إلا أن الاختلافات كانت تزول بمجرد إيراد نص من القرآن اوحديث عن النبي(ص)، واستدل هنا بحادثة دفنه(ص) عندما وقع الخلاف بين القائلين بدفنه مع أصحابه، وبين من رأى أن يدفن في مسجده، إلى أن أجاب ابوبكر بأنه سمع النبي (ص) يقول:( ما قبض نبي إلا ودفن حيث قبض) وبذلك يكون قد حسم خلافاً حاداً .
وقد أورد ابن القيم في كتابه (إعلام الموقعين ) في مسألة الاختلاف بين الصحابة أن (سيدنا عمر وأبن مسعود اختلفوا في مائة مسألة ) وهو اختلاف مشروع ، لأنه ليس خلافاً حول قطعيات وإنما علي أمور ظنية .
أما في العهد الأموي والعباسي فقد كثرت الاختلافات واشتدت المواجهات بين الفرق الإسلامية ، ويورد طه جابر العلواني في كتابه (أدب الاختلاف في الإسلام ) "أن واصل بن عطاء " وهو من أعلام فرقة المعتزلة " أقبل في رفقة ، فأحسوا بالخوارج ، فقال واصل لأهل الرفقة : إن هذا ليس شأنكم فأعتزلوا ودعوني وإياهم ، فقال الخوارج لواصل ما آنت وأصحابك ؟ قال : مشركون مستجيرون ليسمعوا كلام الله ويعرفوا حدوده ، فقالوا له : قد أجرناك .
قال فعلمونا ، فجعلوا يعلمونه أحكامهم وهو يقول : قد قبلت أنا ومن معي .فقال الخوارج فأمضوا مصاحبين فإنكم إخواننا )
لقد بلغ التطرف بهؤلاء أن يبيحوا دماء المسلمين ويحفظوا دماء المشركين ، ولهذا لم يجد واصل بن عطاء الفقيه الإسلامي لحفظ نفسه ومن معه إلا أن ينسب لنفسه الشرك .....وهذه تقية مباحة ، فالنفس أولي بالحفظ.
بعض الباحثين يستدل بهذه النماذج التاريخية علي أنها ستعوق نداء توحيد أهل القبلة : فهل نسلم بقول هؤلاء ؟
لا يمكن قبول هذا الفهم ، لأن المعارك الطاحنة التي شهدتها أوربا تاريخياً ، أشد ضراوة ووطيساً من الخلافات في المجتمع الإسلامي ، ومع ذلك تجاوز الغرب هذه الخلافات ، والآن يوجد تنسيق أعلي بين الدول الأوربية علي كافة المستويات السياسية ، والاقتصادية ، والأمنية ، والعلمية فما الذي يمنع نداء توحيد أهل القبلة ، إذا كان للمسلمين كتاب واحد ، ورسول واحد ، وقبلة واحدة ،ووجدان مشترك ، وموقف موحد ضد الظلم والعدوان .
أليست هذه من عناصر الوحدة والاتفاق وهى لا تتوفر عند أي ملة أخري سماوية كانت أو وضعية . إذاً فما السبيل إلي تحقيق هذا الهدف؟
ليس من السهل وضع معالم للطريق في بضع كلمات، ولا قلم واحد، إنها عملية امتزاج للأفكار ، وتلاقح للعقول لإخراج رؤية صائبة تعمل علي درء الاختلافات بين المدارس الفكرية الإسلامية المختلفة ، وهنا يجب أن نتذكر أن القفز إلي الوراء بخطوة حولاء لا يورث إلا الغموم والهموم ومزيد من إهدار الطاقات كوقود للفتن، لا جرم بين السنة والشيعة. فالخلافات التاريخية يجب أن ندفنها حتى لا تؤثر على أجيالنا القادمة، فهي كالنفايات النووية إن لم نحسن دفنها، فان أثرها سيمتد إلى أبنائنا وأحفادنا، وقتها سيلعننا التاريخ لان أصحاب الاختلاف أنفسهم لم يتعاملوا معه بالصورة الحالية، واذكّر هنا بحديث الإمام على عندما سئل عن أهل الجمل أهم مشركون؟
قال من الشرك فروا.
أمنافقون هم؟
قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا.
فيقال : فمن إذن هم؟
قال: إخواننا بغوا علينا.
يجب علينا أن نستفيد من هذه المعاني كعربون لشراء مشروع توحيد أهل القبلة، لتحقيق قول الله تعالى: ( واعتصموا بحبل الله جميعاُ ولا تفرقوا).
برز إلى السطح مؤخراُ نداء" توحيد أهل القبلة"، والذي نادى به عدد من الحادبين على مصلحة الأمة كضرورة قصوى لتقريب وجهات النظر بين المدارس الفكرية الإسلامية ،بالاتفاق على قطعيات الشريعة كقاعدة تشكل أرضية مشتركة بين الوان الطيف الاسلامي.
إلا أن هذا النداء واجه انتقادات واسعة من تيارات مختلفة. بعض هذه الانتقادات كانت مباشرة قراناها في الصحف اليومية، والأخرى رمزية سمعناها في المنابر الدينية المختلفة، لأسباب ربما تتعلق بالمنهجية الفكرية التي تنطلق منها كل مدرسة..
وهذا يوجب في هذه السانحة عرض وجهات نظر الآخرين إزاء هذا النداء:
الوجهة الأولى : وجهة تحررية غير مرشدة تقول : ما معنى أن يتوحد أهل القبلة؟ وضد من يتوحدوا؟ وهل نحتاج في عصر الانفتاح وواقع الدولة القطرية أن نقيم ولاءات ثقافية أوسع من الولاءات الوطنية؟
أليس من السذاجة الدعوة لإقامة روابط دينية في وقت تقوم فيه الروابط على اسس براجماتية؟ وإذا سلمنا بهذه الدعوة ، فمتى توحد أهل القبلة ، الم يختلفوا في العصر الذهبي الأول؟ واذا كان الأمر كذلك فهل نتوقع أن يتم الاتفاق بينهم في الحاضر؟
هؤلاء يمثلون وجهة نظر تستمد إيديولوجيتها من خارج البيت الاسلامى.
الوجهة الثانية: وجهة اقصائية متشددة فحواها:
افتراق الأمة قدر حتمي منزل من الله عز وجل ولا سبيل للاتفاق في المستقبل ، لان النبي (ص) تحدث عن افتراق الأمة إلى بضع وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة وهى الطائفة الناجية ، أما الآخرين فمناهجهم باطلة وينطبق عليهم ظاهر الحديث.
هؤلاء يمثلون وجهة نظر تستمد إيديولوجيتها من داخل البيت الاسلامى ولكن استناداُ على أثار ظنية مختلف حول تفسيرها.
في خضم هذا الجدل الواسع من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وجب على المهتمين بهذا الشأن أن يجيبوا على بعض التساؤلات السابقة ، وأقول بعضها، لان الأخر يمثل جلداُ للذات، وبهذا فهو لايعنينا في شي.
إن الإجابة على بعض هذه الأسئلة مطلوب لأمرين:
أولا : لطمأنة الخائفين من فوبيا الاتفاق بين الأمة.
ثانياُ : لتصحيح فهم بعض المسلمين لحديث افتراق الأمة.
إن توحيد أهل القبلة لا يعنى الاتفاق ضد احد كما يتوهم بعض المثقفين ، انه تنسيق بين المدارس الإسلامية حول قضايا العصر التي منها (نفي أن يكون الجهاد بالإرهاب، كيفية التعامل مع الأخر الملي والدولي، حسم قضية الدولة في الإسلام هل هي دينية أم مدنية؟
تناول قضية المواطنة ، تحديد موقف الفكر الاسلامى من التراث الفقهي،و موقفه من الحداثة ...الخ)
أليس البحث في هذه القضايا مشروعاً؟ وهل ما ذكرته يمثل تنسيقاُ ضد احد؟
لا أظن أن عاقلاُ منا يتخوف من القضايا التي أوردتها ، لأنها لا تمس ثوابت احد، إنها إعادة لترتيب البيت الاسلامى من الداخل ليسترد أناقته الزاهية، وبراقته الساطعة، ونوره الفياض الذي يتدفق عدلاُ ورحمةُ للعالمين.
إن حديث بعض المثقفين عن اختلاف الأمة في العصر الذهبي واقع لافرار منه، فقد اختلف الصحابة والنبي(ص) موجود بينهم، كما في (حادثة صلاة العصر في بنى قريظة) حيث تباينت رؤى الصحابة في تفسير قول النبي(ص)، بعضهم فهمها بان قصد الرسول(ص) المبالغة في الإسراع، والأخر فهمها بصورة حرفية، وعلى كل فالنبي(ص) اقر لهم السبيلين.
وبعد وفاته اختلفوا في وفاته عندما قال عمر إن القول بموت النبي(ص) إرجافا من المنافقين. واختلفوا في دفنه، وفى من يخلفه، إلا أن الاختلافات كانت تزول بمجرد إيراد نص من القرآن اوحديث عن النبي(ص)، واستدل هنا بحادثة دفنه(ص) عندما وقع الخلاف بين القائلين بدفنه مع أصحابه، وبين من رأى أن يدفن في مسجده، إلى أن أجاب ابوبكر بأنه سمع النبي (ص) يقول:( ما قبض نبي إلا ودفن حيث قبض) وبذلك يكون قد حسم خلافاً حاداً .
وقد أورد ابن القيم في كتابه (إعلام الموقعين ) في مسألة الاختلاف بين الصحابة أن (سيدنا عمر وأبن مسعود اختلفوا في مائة مسألة ) وهو اختلاف مشروع ، لأنه ليس خلافاً حول قطعيات وإنما علي أمور ظنية .
أما في العهد الأموي والعباسي فقد كثرت الاختلافات واشتدت المواجهات بين الفرق الإسلامية ، ويورد طه جابر العلواني في كتابه (أدب الاختلاف في الإسلام ) "أن واصل بن عطاء " وهو من أعلام فرقة المعتزلة " أقبل في رفقة ، فأحسوا بالخوارج ، فقال واصل لأهل الرفقة : إن هذا ليس شأنكم فأعتزلوا ودعوني وإياهم ، فقال الخوارج لواصل ما آنت وأصحابك ؟ قال : مشركون مستجيرون ليسمعوا كلام الله ويعرفوا حدوده ، فقالوا له : قد أجرناك .
قال فعلمونا ، فجعلوا يعلمونه أحكامهم وهو يقول : قد قبلت أنا ومن معي .فقال الخوارج فأمضوا مصاحبين فإنكم إخواننا )
لقد بلغ التطرف بهؤلاء أن يبيحوا دماء المسلمين ويحفظوا دماء المشركين ، ولهذا لم يجد واصل بن عطاء الفقيه الإسلامي لحفظ نفسه ومن معه إلا أن ينسب لنفسه الشرك .....وهذه تقية مباحة ، فالنفس أولي بالحفظ.
بعض الباحثين يستدل بهذه النماذج التاريخية علي أنها ستعوق نداء توحيد أهل القبلة : فهل نسلم بقول هؤلاء ؟
لا يمكن قبول هذا الفهم ، لأن المعارك الطاحنة التي شهدتها أوربا تاريخياً ، أشد ضراوة ووطيساً من الخلافات في المجتمع الإسلامي ، ومع ذلك تجاوز الغرب هذه الخلافات ، والآن يوجد تنسيق أعلي بين الدول الأوربية علي كافة المستويات السياسية ، والاقتصادية ، والأمنية ، والعلمية فما الذي يمنع نداء توحيد أهل القبلة ، إذا كان للمسلمين كتاب واحد ، ورسول واحد ، وقبلة واحدة ،ووجدان مشترك ، وموقف موحد ضد الظلم والعدوان .
أليست هذه من عناصر الوحدة والاتفاق وهى لا تتوفر عند أي ملة أخري سماوية كانت أو وضعية . إذاً فما السبيل إلي تحقيق هذا الهدف؟
ليس من السهل وضع معالم للطريق في بضع كلمات، ولا قلم واحد، إنها عملية امتزاج للأفكار ، وتلاقح للعقول لإخراج رؤية صائبة تعمل علي درء الاختلافات بين المدارس الفكرية الإسلامية المختلفة ، وهنا يجب أن نتذكر أن القفز إلي الوراء بخطوة حولاء لا يورث إلا الغموم والهموم ومزيد من إهدار الطاقات كوقود للفتن، لا جرم بين السنة والشيعة. فالخلافات التاريخية يجب أن ندفنها حتى لا تؤثر على أجيالنا القادمة، فهي كالنفايات النووية إن لم نحسن دفنها، فان أثرها سيمتد إلى أبنائنا وأحفادنا، وقتها سيلعننا التاريخ لان أصحاب الاختلاف أنفسهم لم يتعاملوا معه بالصورة الحالية، واذكّر هنا بحديث الإمام على عندما سئل عن أهل الجمل أهم مشركون؟
قال من الشرك فروا.
أمنافقون هم؟
قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا.
فيقال : فمن إذن هم؟
قال: إخواننا بغوا علينا.
يجب علينا أن نستفيد من هذه المعاني كعربون لشراء مشروع توحيد أهل القبلة، لتحقيق قول الله تعالى: ( واعتصموا بحبل الله جميعاُ ولا تفرقوا).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق